tunisie-hezbollah-jhinaoui-majdoub

أصدر مجلس وزراء الداخلية العرب يوم أمس بيان إعلامي، عرض فيه نتائج الدورة الثالثة والثلاثين الملتئمة في تونس يومي 02 و03 مارس 2016، والتي شاركت فيها 22 دولة عربية. ويأتي هذا البيان في ذروة الجدل السياسي والإعلامي حول الموقف الرسمي العربي الذي وصف حزب الله اللبناني بـ”الإرهابي”، واتهمه بـ”زعزعة الأمن والسلم الاجتماعي في بعض الدول العربية”، ومن ضمن الـ22 دولة مشاركة في هذه الدورة أبدت ثلاث دول فقط تحفظها على هذا التصنيف، وهي لبنان والعراق والجزائر.

الملفت للانتباه في بيان مجلس وزراء الداخلية العرب أن نقاطه خِيطَت على مقاس السياسات الخارجية للملكة العربية السعودية، إذ تضمَّن فقرات بأكملها تُحيل على المقاربة السعودية الخاصة للأوضاع الإقليمية والدولية. وقد أفلحت الرياض إلى حد ما في خلق حالة اصطفاف عربي وراء سياساتها، لتظهر بصورة الدولة الجامعة، القادرة على جر بقية العرب وراءها. وفي هذا السياق تجلّى الموقف التونسي مُسلّمًا زمام القيادة والتخطيط للربّان السعودي، الذي يخوض جبهات عسكرية وسياسية في اليمن وسوريا والعراق بشكل مباشر أو عن طريق حلفاءه تحت إمرة محمد بن سلمان، 29 سنة، وزير الدفاع السعودي الذي لقبته صحيفة “الأندبندنت” البريطانية بـ“أخطر رجل في العالم”.

تونس “المحايدة” انحازت للنفط

إن الإنحياز التونسي للمشروع السعودي في المنطقة يشكّل جزءا من مسار الإلحاق والاستدراج الذي انخرطت فيه الدبلوماسية التونسية منذ تولي الباجي فايد السبسي السلطة، وقد تشكل هذا المسار في إطار علاقة سعودية-تونسية محكومة بثنائية: الولاء والمكافأة، ولم تكن خاضعة لمبدأ المشترك المصلحي، خصوصا في مقاومة الإرهاب،لأن كل مقومات التناقض بين البلدين حول هذا المحور متوافرة، ويكفي فقط إلقاء نظرة -ليس على التقارير المستقلة وإنما على تقارير أكبر المخابرات العالمية- للوقوف على تورط المملكة في تمويل الجماعات التكفيرية في أكثر من بلد عربي، بمن فيها تلك المتمركزة في تونس.

توطدت العلاقات بين الرياض وتونس أثناء الزيارة التي أداها الرئيس الباجي قايد السبسي إلى المملكة العربية السعودية يم 22 ديسمبر 2015، وقد أسفرت هذه الزيارة عن انضمام تونس للتحالف العسكري الإسلامي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” الذي تقوده السعودية، وذلك مقابل الحصول على قرض جمليّ بقيمة 659 مليون دينار وهبة مُتمثلة في 48 طائرة مقاتلة من طراز أف 5. ولعل البراغماتية التونسية وقعت في شراك النفط السعودي، حيث سعت الرياض بعيد إعلان التحالف إلى توسيع أهدافه السياسية ليشمل كل أعداء المملكة بمن في ذلك إيران وحلفاءها.

في هذا السياق مثلت حادثة حرق السفارة السعودية في طهران -التي جدت يوم 3 جانفي 2016 على خلفية إعدام رجل الدين الشيعي نمر النمر- مِحَكا لاختبار منسوب الولاء في الموقف التونسي، حيث أصدرت وزارة الخارجية التونسية بيانا تضامنيا مع المملكة، نددت فيه بحادثة حرق السفارة تحت عنوان احترام القانون الدولي، وبالمقابل غظت الطرف عن إعدام رجل الدين الشيعي المعارض للنظام السعودي، رغم ما تكتسيه هذه الحادثة من خطورة لأنها تندرج في سياق تأجيج الصراع الطائفي في المنطقة.

بيان مجلس وزراء الداخلية العرب الأخير كان بمثابة “رجع الصدى” لأنه صادق على اصطفاف تونس وراء مواقف السعودية، ولكن في إطار أشمل. وفي هذا السياق عاود البيان تنديده بحادثة السفارة إذ جاء فيه “أعرب المجلس عن إدانته المطلقة لاقتحام سفارة المملكة العربية السعودية وقنصليتها في إيران واستنكاره الشديد للمضايقات التي تعرض لها الدبلوماسيون السعوديون وأسرهم”. وفي نفس الاتجاه ندد البيان بالدور الإيراني في المنطقة من خلال الإشارة التالية “أبدى المجلس شجبه واستنكاره الشديد للممارسات الإيرانية الهادفة إلى زعزعة الأمن والاستقرار في مملكة البحرين والعديد من الدول العربية”.

ولعل التصادم مع إيران لا يشكل نقطة مشتركة بين الدول المشاركة في مجلس وزراء الداخلية العرب، فمنها الذي تربطه علاقات متينة بهذا البلد على غرار العراق التي أبدت تحفظا كبيرا إزاء هذا الموقف، أما معظمها الآخر ليست لديه خصومات تذكر مع إيران خصوصا تونس والجزائر ومصر، ومن هذا المنطلق يلوح الدفع السعودي واضحا في الملف الإيراني، وكان من المنطقي أن يبلغ أقصاه ليشمل بقية المعسكر الشيعي من خلال  التعريج على المسألة اليمنية التي وُصف فيها المقاتلون الحوثيون بـ”المليشات الإرهابية”، وصولا  إلى حزب الله اللبناني الذي ذُكِر في البيان المشترك بصفة “الإرهابي”.

استراتيجيا الخلط بين الإرهاب والمقاومة

أصدرت العديد من المنظمات والجمعيات والأحزاب التونسية بيانات نددت فيها بالزج بحزب الله اللبناني ضمن الجماعات الإرهابية، ومن بينها الاتحاد العام التونسي للشغل والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والهيئة الوطنية للمحامين والرابطة التونسية للتسامح والهيئة الوطنية لدعم المقاومة العربية ومناهضة التطبيع، وقد أجمعت المنظمات المذكورة على أن هذا القرار يهدف إلى ضرب خيار المقاومة خدمة للمشروع الصهيوني في المنطقة. علاوة على هذا أصدرت أحزاب تونسية بيانات تنديد مماثلة من بينها حزب الغد وحزب العمال وحزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل الحريات والجبهة الشعبية.

إزاء هذا السخط الشعبي والسياسي الواسع سعت الدبلوماسية التونسية إلى التقليل من تداعيات هذا الموقف، إذ أشار البلاغ الذي أصدرته وزارة الخارجية اليوم إلى أن البيان لا يحمل صبغة إلزامية. لكن هذا الموقف سرعان ما يتناقض مع نفسه عندما يواصل بلاغ الخارجية “إنّ موقف تونس، دولة المقر لمجلس وزراء الداخلية العرب الذّي أصدر هذا البيان، يأتي انطلاقا من حرصها على العمل العربي المشترك ويندرج في إطار الموقف الجماعي الذي اعتمده المجلس في نهاية أشغاله”. علاوة على أن التأكيد على أنه لم يقع تصنيف حزب الله منظمة إرهابية يعد من باب تربيع الدوائر لأن بيان وزراء الداخلية العرب كان صريحا في تنصيصه “حزب الله الإرهابي”.

إن بيان الخارجية التونسية جاء ليبرر تورط الدبلوماسية التونسية في وحل المشروع السعودي، الذي يتقاطع في مضامينه الكبرى مع مشاريع أكبر تقف وراءها القوى الغربية وحليفها الكيان الصهيوني، ويظهر الالتقاء جليا خصوصا في الموقف من جبهة المقاومة التي يشكل حزب الله اللبناني أحد أعمدتها الرئيسية. ولترتيب المواجهة مع حزب الله يلجأ النظام السعودي إلى استراتيجيا الخلط بين الإرهاب والمقاومة من خلال إظهار البعد الطائفي في الصراع ودفعه إلى أقصاه. وقد جاء بيان مجلس وزراء الداخلية العرب مثقلا بالهم الطائفي من خلال تكرر عبارات “التجييش الطائفي” و”إثارة النعرات المذهبية” و”المليشيات الطائفية”، ولعل الغرض من هذه الاستخدامات اللغوية يندرج في إطار الحشد المذهبي الذي تقوده العربية السعودية في المنطقة.

من هذا المنطلق فإن استدراج حزب الله إلى المربع الطائفي من شأنه أن يشكل قوة عزل جديدة لهذا الكيان داخل محيطه الوطني والإقليمي، وذلك من خلال ربط وجوده في تلك المنطقة الاستراتيجية بأهداف إرهابية ومذهبية. ولعل الإستراتيجيا السعودية تحاكي في أهدافها تلك التي اتبعتها الولايات المتحدة الأمريكية منذ اتفاقية أوسلو سنة 1993 عندما سعت إلى ربط نشاط فصائل المقاومة الفلسطينية المعارضة للاتفاق بالإرهاب والعنف.