“لم تكن هيئة الانتخابات ماسكة بزمام الأمور، وأداؤها يكشف ارتدادًا إلى الوراء”، تقول عُلا بن نجمة رئيسة مرصد شاهد لدعم لمراقبة الانتخابات ودعم التحوّلات الديمقراطية في ندوة صحفيّة عقدتها المنظّمة يوم 30 جانفي. هذا التشخيص يتقاسمه عدد من المنظّمات المختصّة في رصد الانتخابات، مثل عتيد ومراقبون، الّتي كشفت بدورها عددًا من الإخلالات التي شابت عمليّة الاقتراع.

حجب الأرقام عن الملاحظين: سابقة خطيرة

في ندوة صحفيّة مشتركة بين الجمعيات المهتمة بملاحظة المسار الانتخابي، تقول رئيسة المركز التونسي المتوسّطي أحلام النصيري إنّ “حجب الأرقام على مراقبون هو حجب عن كل الجمعيات”، احتجاجًا على عدم تمكين ملاحظي شبكة مراقبون من الأرقام الرسمية لعدد الناخبين في بعض مراكز الاقتراع. “في حدود الرابعة مساءً، تمّ منع 15% من ملاحظينا من الأرقام الرسمية حول عدد الناخبين”، يقول سيف الدين العبيدي، المكلّف بالإعلام بمنظّمة مراقبون لدى حضوره في برنامج “تونس تختار” على القناة الوطنية الأولى.

وضعت مراقبون على ذمّة المكاتب أكثر من 800 ملاحظًا وملاحظةً، 445 منهم قارّون و286 متجوّلون و80 ملاحظًا على المدى الطويل لضمان حسن سير العمليّة الانتخابية ومراقبتها منذ انطلاق الحملة إلى حين غلق مكاتب الاقتراع والإعلان عن النتائج الأوليّة وصولا إلى مرحلة النزاع الانتخابي.

لم تتمكّن شبكة مراقبون من الحصول على المعطيات المتعلّقة بعدد المقترعين، وهو ما اعتبره رئيس الشبكة سليم بوزيد خرقًا للمبادئ التي تقوم عليها الحملة، المتمثّلة في “المساواة والشفافية والاستقلالية والمقروئية”. ويقول في ندوة صحفيّة انعقدت يوم 30 جانفي إنّ:

“يوم الاقتراع شهد سابقة خطيرة تتمثّل في حجب عدد من رؤساء مكاتب الاقتراع المعطيات المتعلّقة بعدد المقترعين عن منظمات المجتمع المدني والصحفيين”.

كما أشارت عُلا بن نجمة رئيسة مرصد شاهد لدعم الانتخابات والتحولات الديمقراطية في ندوة صحفية إلى نقص تكوين أعوان مكاتب الاقتراع وعدم جاهزيّتهم، حيث “رفض عدد كبير منهم اعتمادات ملاحظي مرصد شاهد ومراقبون على أساس أن بطاقات الاعتماد تابعة للدور الأول”، كما أنّ “هؤلاء حجبوا نسب المشاركة في الاقتراع على ملاحظي الجمعيات الشريكة المعنية بالشأن الانتخابي”، تقول رئيسة مرصد شاهد خلال الندوة الصحفيّة، الّتي ركّزت بالأساس على تعرّض ملاحظتَين تابعتَين للمرصد للعنف المادّي واللفظي.

العنف المادّي وشراء الأصوات

“في بلاد تحترم القانون وتُجرّم العنف ضدّ المرأة، مثل هذه الاعتداءات أمر مرفوض”، تستنكر عُلا بن نجمة، وتقول:

“تمّ الاعتداء بالعنف المادي واللفظي على ملاحظة مرصد شاهد في مركز البطان من قبل رئيس مركز الاقتراع الذي دفعها وأسقطها أرضا وافتكّ هاتفها واحتجزها أكثر من عشرين دقيقة وقام بحذف الصور. كما تعرّضت ملاحظتنا في مكتب الاقتراع مدنين العقبة الغربية سيدي مخلوف إلى العنف اللفظي من قبل أعوان الهيئة. هيئة الانتخابات مطالبة الهيئة باتخاذ التدابير ضد أعوانها”.

كما سجّل المرصد تهديد أنصار أحد المترشحين لأحد الملاحظين بمركز الاقتراع الهدى وادي الليل منوبة، إلى جانب “تدخل فرقة “الأنياب” الامنية بمركزي الاقتراع أبي زمعة البلوي والصحابي 4 بالقيروان حيث تم إخلاء المركزين من الناخبين ومن أعوان هيئة الانتخابات وإيقاف عملية الاقتراع مؤقتا دون إيضاحات أو تفسير يذكر”، وفق ما ورد ببلاغ مرصد شاهد بتاريخ 29 جانفي.

من جانبها، رصدت منظمة عتيد في تقريرها الأوّلي لملاحظة عمليّة الاقتراع للانتخابات التشريعية”ارتفاع المخالفات من حيث الخطورة مع إقبال ضعيف”. كما سجّلت شبهات تتعلّق بحياد عوني مكتب اقتراع مدرسة المحطة بالمتلوّي من ولاية قفصة، حيث قام أحدهما بتزكية أحد المترشحين، فيما شارك الآخر خلال الدّور الأول كمترشّح. “أخطر ما تمّ تسجيله هو محاولة شراء الأصوات والتأثير على الناخبين بثلاث مراكز اقتراع بقفصة والمنستير ونابل، إلى جانب النقل الجماعي ونقل كبار السنّ من دار المسنّين للمشاركة في الاقتراع”. يقول بسّام معطر رئيس منظمة عتيد لدى حضوره في إذاعة شمس أف أم يوم 30 جانفي.

توصي المنظّمات الشريكة في مراقبة الانتخابات بضرورة مراجعة المنظومة الانتخابية، إذ يعتبر الناصر الهرابي المدير التنفيذي لمرصد شاهد أنّ الاقتراع على الأفراد “الّذي تمّ إسقاطه دون ضمانات” وفق تعبيره ساهم في انخفاض نسبة المشاركة، إذ أنّ الأحزاب قادرة على تعبئة أنصارها للإقبال على التصويت، في حين أنّ الأفراد لوحدهم يفتقرون لهذه القدرة على الحشد، خاصّة في غياب التمويل العمومي للحملة وتعويلهم على مواردهم الذاتية. وإزاء نسبة التصويت التي بلغت 11% في الدور الثاني، حاول قيس سعيّد قلب المعادلة لصالحه، عبر زيارة قصر الحكومة بالقصبة و لقاء رئيسة الحكومة نجلاء بودن، التي جلست بين يديه تؤيّد قوله إنّ تدنّي نسب المشاركة مردّه أنّ “البرلمان لم يعد يعني شيئا”، والحال أنّه غيّر نظام الانتخاب وفرض التزكيات وأقرّ الاقتراع على دورتَين من أجل انتخاب برلمان جديد.