يبلغ عدد العمادات 2085 وفق إحصائيات المشروع الوطني للتحديد الترابي للدوائر الانتخابية المحليّة الذي شرعت هيئة الانتخابات في إعداده منذ 23 ماي الجاري. هذا التقسيم جاء تكريسًا للفصل 28 من المرسوم عدد 10 لسنة 2023 المتعلّق بتنظيم انتخابات المجالس المحليّة، الذي ينصّ على أنّ تراب كلّ عمادة يُعدّ دائرة انتخابيّة لانتخاب أعضاء المجلس المحلّي.

تقسيم أم تحديد للدوائر؟

”لا توجد خريطة رسمية منشورة ولا تحديد ترابي للعمادات. وكنّا نحن جهةَ تنسيق بين عديد الأطراف مثل وزارات الداخلية والدفاع والفلاحة والتجهيز، إلى جانب المعهد الوطني للإحصاء والمركز الوطني للاستشعار عن بعد“، يوضّح الناطق باسم الهيئة محمّد التليلي المنصري لنواة، مؤكّدًا أنّ ما قامت به هيئة الانتخابات هو ”تثبيت للواقع“ وليس تقسيمًا جديدًا، في حين انتقدت شبكة ”مراقبون“ المختصّة في مراقبة الانتخابات طريقة عمل الهيئة والصلاحيات التي أوكلتها لنفسها في تقسيم الدوائر الانتخابية، في بيان نشرته يوم 27 جوان.

”العملية تتعلق بتقسيم التراب الانتخابي وليس التراب الإداري. ولكن في كلّ الحالات ليست لدينا أيّ فكرة عن طريقة عمل الهيئة وعن عدد السكان بكل عمادة“، يقول سيف الدين العبيدي المكلّف بالاتصال بشبكة مراقبون، في تصريح لنواة، مؤكّدًا أنّ كلّ ما تعرفه الشبكة -كغيرها من الملاحظين- هو أنّ الهيئة تتولّى إحداث دوائر انتخابية داخل المعتمديّة التي يكون فيها عدد العمادات أقلّ من خمسة.

أشغال المشروع الوطني للتحديد الترابي للدوائر الانتخابية المحلية. 25 ماي 2023

وعن التوازن الديمغرافي بين العمادات، يقول التليلي المنصري في تصريح لنواة إنّ تقسيم العمادات أمر موكول للسلطة التنفيذية ولا دخل للهيئة فيه، ما يعني ضمنيّا أنّ عدد السكان بكلّ عمادة لم يتمّ تحديده بعد، خاصّة وأنّ قرارات ضبط الحدود الترابية للمعتمديات لم تُنشَر كليّا، فيما عدا العمادات التابعة لمعتمديات ولاية توزر التي نُشرت يوم 12 جويلية بالرائد الرسمي عدد 71 لسنة 2023 المؤرخ في 12 جويلية 2023. مع العلم أنّ التداخل بين عبارتَي التحديد والتقسيم في علاقة بالدوائر الانتخابية كان من بين الأسباب التي أجّجت الخلافات داخل الهيئة وأدّت إلى إعفاء ماهر الجديدي من عضوية مجلسها يوم 07 جويلية الجاري.

العمادة، امتداد للسلطة المركزية

العمادة هي منطقة ترابيّة تمثّل امتدادًا للتقسيم الإداري الّذي تمّ سنّه منذ فترة الاستقلال، بمقتضى الأمر العلي المؤرّخ في 21 جوان 1956، والّذي تمّ تنقيحه بعديد النصوص التشريعية اللاحقة. يقسّم هذا الأمر التراب التونسي إلى ولايات ومعتمديات ترابية ومناطق، فيما يُحدّد الإطارات العليا للإدارة الجهوية، وهي على التوالي الوالي والمعتمد الأول والكاتب العام والمعتمد والعمدة. ويتولّى العمدة وفق الفصل 26 من الأمر العلي، تحت سلطة المعتمد، ”مدّ يد المساعدة إلى مختلف المصالح الإدارية والعدلية والمالية بغية إعانتها في مباشرة مهامها“، ويمارس صلاحيات الضابطة العدليّة في حدود مجاله الإداري. فهو ممثل للسلطة المركزية في مجال ترابي ضيّق، وخليّة من خلايا الحزب الحاكم خاصّة في فترة الاستبداد، في إطار تمشٍّ اتّبعته الدّولة لإحكام السيطرة الإدارية على أطراف الدّولة، من خلال تجزئة التراب الإداري.

أشغال المشروع الوطني للتحديد الترابي للدوائر الانتخابية المحلية. 25 ماي 2023

استحضر قيس سعيد منظومة العُمد، باعتبارها قاعدة لانتخاب أعضاء المجالس المحليّة، وفق المرسوم عدد 10 لسنة 2023، حيث يتمّ انتخاب أعضاء المجالس المحليّة من خلال الاقتراع على الأفراد، ومن ثمّ يتمّ اختيار ممثّلين عنهم لعضوية المجالس الجهوية التي تمثل تراب الولاية عن طريق القرعة. تتجدّد عضويتهم بهذه المجالس كلّ ثلاثة أشهر ثمّ ينتخب أعضاء المجلس الجهوي ممثّلا عنهم داخل مجلس الإقليم، ليتم في مرحلة لاحقة انتخاب أعضاء المجلس الوطني للجهات والأقاليم إمّا من المجلس الجهوي عبر انتخاب ثلاثة أعضاء لتمثيل جهتهم، أو من مجلس الإقليم عبر اختيار ممثل منهم عن طريق الاقتراع. هناك إذن أربعة مجالس، هي المجلس المحلي، والمجلس الجهوي، ومجلس الإقليم، ثم المجلس الوطني للجهات والأقاليم.

يختصّ المجلس الوطني للجهات والأقاليم بمهمّة تشريعيّة تتمثّل في مناقشة مشاريع الميزانية ومخططات التنمية وفق الفصل 84 من دستور 2022، وهي مهمّة يتشارك فيها مع البرلمان الّذي عليه أن يناقش مشروع قانون المالية من 15 أكتوبر إلى 10 ديسمبر وفق ما يضبطه الدستور، ما يستوجب دعوة رئيس الجمهورية إلى انتخابات محليّة قبل ثلاثة أشهر من انعقادها كأجل أدنى، حتّى يُستكمل البناء المؤسساتي الّذي أراده الرئيس، في الآجال. وتحسُّبًا للتأخير الّذي قد يحصل في إرساء المجلس الوطني للجهات والأقاليم، نصّ النظام الداخلي لمجلس نوّاب الشعب في باب الأحكام الانتقالية على تولّي البرلمان صلاحيات المجلس الوطني للجهات والأقاليم إلى حين إرسائه (الفصل 168).