يوم السبت 3 أفريل من العام 2021، رفض الرئيس قيس سعيد، الذي يستشهد في أغلب خطبه بعمر بن الخطاب، ختم قانون المحكمة الدستورية التي كان بإمكانها أن تكون مثل الكتاب الذي يحكم به في النزاعات. ويحقّ القول الآن في أن أغلب من عطّل صدور قانون المحكمة الدستورية ومن نادى بإرسائها على حد السواء، قد صاحوا اليوم ”إن الرزيئة كل الرزيئة“ ما حال بين التونسيّين وختم قانون المحكمة الدستورية، يوم السبت وما يوم السبت، حتى تجفّ حناجرهم احتجاجا على رفض الهيئة العليا المستقلة للانتخابات تطبيق قرارات المحكمة الإدارية بخصوص المترشّحين للانتخابات الرئاسية المقصيّين من قبل الهيئة.
في مشهد يذكّر التونسيين بوقوف مفتي الجمهورية لرصد هلال عيد الفطر، وقف فاروق بوعسكر رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ليعلن أنه بعد أن ”تعذّر الاطلاع على نسخ الأحكام لعدم إعلام الهيئة بها في أجل 48 من تاريخ التصريح بها وذلك طبقا للفصل 47 من القانون الانتخابي“ وأنه بعد الاطلاع على الأحكام الجزائية من أجل تدليس التزكيات أو التحيّل على المزكّين او توزيع الأموال على المزكّين، فإنّ مجلس الهيئة قرر تثبيت قراره الصادر يوم 10 أوت الماضي بقبول ملفات ثلاثة مترشحين فقط وهم العياشي زمّال وزهير المغزاوي والرئيس المنتهية ولايته قيس سعيد.
الرقص على حبال القانون
علّل مجلس الهيئة قراره بعدم الاستناد لأحكام المحكمة الإدارية بقبول طعون ثلاثة مترشّحين وهم منذر الزنايدي وعبد اللطيف المكي وعماد الدايمي بالفصل 48 من القانون الانتخابي والذي ينصّ على أنّه ”تتولّى الهيئة الإعلان عن أسماء المترشحين المقبولين نهائيا، وتُنشر القائمة بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية وبأي وسيلة أخرى تقرّرها“. كما استندت إلى الفصل 134 من الدستور الذي ينصّ على أنّه ”تتـولّى الهيئــة العليا المستقلة للإنتخابات إدارة الإنتخابات والاستفتاءات وتنظيمها والإشراف عليها في جميع مراحلها، وتضمن سلامة المسار الانتخابي ونزاهته وشفافيته وتصرّح بالنتائج. تتمتع الهيئة بالسلطة الترتيبية في مجال اختصاصها“. واستند المجلس أيضا على الفصلين 2 و 3 من القانون الأساسي عدد 23 لسنة 2012 المتعلق بالهيئة العليا المستقلة للانتخابات اللّذين ينصّان على أنّ الهيئة العليا المستقلة للانتخابات “تسهر على ضمان انتخابات واستفتاءات ديمقراطيّة وحرّة وتعدديّة ونزيهة وشفّافة“. وأنّها ”تتولّى القيام بجميع العمليات المرتبطة بتنظيم الإنتخابات والاستفتاءات وإدارتها والإشراف عليها طبقا لهذا القانون والتشريع الانتخابي“. كما تقوم في هذا الإطار ب”قبول ملفّات الترشّح للانتخابات والبتّ فيها وفقا لأحكام التشريع الانتخابي“.
يصبّ تعليل مجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بالاستناد إلى القوانين المذكورة، في مجرى واحد وهو تثبيت أحقيّتها القانونية في البتّ النهائي في قرارات قبول الترشّحات عقب قرارات المحكمة الإدارية. على الرغم من أنّ الهيئة عوّلت على تأويل ضبابي للفصل 47 من قانون الإنتخابات الذي ينصّ على أنّ قرارات المحكمة الادارية ”باتّة وغير قابلة لأي وجه من أوجه الطعن ولو بالتعقيب. وتتولى كتابة المحكمة إعلام الأطراف بالحكم بأي وسيلة تترك أثرا كتابيّا وذلك في أجل 48 ساعة من تاريخ التصريح به“. وعلّلت الهيئة على لسان رئيسها فاروق بوعسكر عدم تنفيذها لقرار المحكمة الإدارية بتعذّر الهيئة الاطلاع على نسخ الأحكام لعدم إعلام الهيئة بها في أجل 48 ساعة من تاريخ التصريح بها وذلك طبقا للفصل 47 من القانون الانتخابي، رغم أن الفصل 24 من قرار الهيئة عدد 18 لسنة 2014، نصّ على أن تتولّى الهيئة تنفيذ القرارات الصادرة عن الجلسة العامة القضائية للمحكمة الإدارية شرط توصّلها بالقرار أو بشهادة في منطوقه. وقد أكدت المحكمة الإدارية قيامها بإرسال منطوق الحكم يوم البتّ في كامل الطعون.
تصر الهيئة العليا المستقلة للانتخابات على تبرير أحقيّتها في اتخاذ القرار النهائي في شأن الترشّحات، وبأنّها الهيئة الدستورية الوحيدة المشرفة على الإنتخابات. وتستند في ذلك إلى الفصل 134 من الدستور والفصلين 2 و3 من القانون الأساسي عدد 23 لسنة 2012، رغم أنّهما لا ينصّان على مسألة صلاحيات الهيئة في علاقة بالبتّ النهائي في ملفات المترشحين. بل قيّدت هذه الفصول تلك الصلاحية بالقانون الانتخابي الذي كان واضحا عبر التنصيص في فصله 47 على القرار النهائي للمحكمة الإدارية في البتّ في الطعون وهي قرارات باتّة لا تخضع بأي شكل من الأشكال للتعقيب.
من جهة أخرى استند مجلس الهيئة العليا للانتخابات في قرار رفضه تطبيق قرارات المحكمة الإدارية بما أسماه ”عدم ثبوت تمتّع المترشحين بجميع حقوقهم المدنية والسياسية“ وذلك في إشارة إلى قضية حرمان المترشح عبد اللطيف المكي من الترشح للانتخابات مدى الحياة، وهو حكم في الطور الابتدائي وتاليا فلا يُعتبر حكما باتّا ولا حجيّة له على الحكم البات الذي أصدرته المحكمة الإدارية. وهو الشأن ذاته في الشكايات المتعلقة بالتزكيات التي ذكرها رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فاروق بوعسكر، وجميعها في طور ابتدائي في القضاء العدلي.
مسارات محتملة
في حديث قصير جمع نواة مع القاضي الإداري الأسبق أحمد صواب، وعلى غير عادة صواب المُطنب في التفاصيل، قال معلّقا على سيناريوهات محتملة لما بعد قرار الهيئة العليا المستقلة للانتخابات؛ ”كنت دائما أعتقد أن اللامعقول له حدود حتّى اللامعقول لم يعد له حدود. نحن أمام عبث وجنون واليوم دولة الاعتباط واللاقانون والدولة المارقة تتغلّب على دولة القانون. تاليا، نحن هائمون بين ثلاث فضاءات: الدريبة والكراكة والمارستان“. ويقصد بذلك أن لا طريق غير المحاكم والسجون ومستشفى المجانين في ظل مناخ وصفه بأنه يفتقد للمنطق والقانون.
جاء قرار الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بعدم تطبيق أحكام المحكمة الإدارية، فيما يتعلّق بقبول المترشّحين للانتخابات الرئاسية، بالتزامن مع وقفة احتجاجية دعت إليها منظمات وأحزاب للتنديد بسياسة إقصاء المترشّحين وعدم احترام أحكام القضاء الإداري. المحتجّون استنكروا ضرب حقّ المواطنين في الترشّح وانحياز الهيئة لمرشّح بعينه، كما طالبوا بضرورة احترام الأحكام النهائية للمحكمة الادارية بقبول ترشّح كل من عبد اللطيف المكي وعماد الدايمي والمنذر الزنايدي. وهو ما رفضته هيئة الإنتخابات في قرارها الأخير بحجّة ”معاينة استحالة تطبيق أحكام المحكمة الإدارية“.
يرى أحمد صواب أنّه أمام المترشحين الذين رفضت الهيئة الالتزام بالأحكام الصادرة عن المحكمة الإدارية لفائدتهم، حلاّن الأول اللجوء مجدّدا إلى قاضي الترشّحات بالمحكمة الإدارية من أجل إيقاف تنفيذ قرار الهيئة. أمّا الحلّ الثاني فيتمثّل في اللجوء إلى القضاء العدلي استنادا للفصل 315 من المجلة الجزائية الذي ينصّ على أنّه ”يعاقب بالسجن مدة خمسة عشر يوما وبخطية قدرها أربعة دنانير وثمانمائة مليم، الأشخاص الذين لا يمتثلون لما أمرت به القوانين والقرارات الصادرة ممن له النظر“. وهو ما ينطبق على أعضاء مجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لأنّهم المسؤولون عن عدم تنفيذ قرار المحكمة الإدارية. ويعود ذلك إلى مخالفتهم الفصل 41 من قانون المحكمة الإدارية الذي جاء فيه أنّه ”على الجهة الإدارية المصدّرة للمقرّر المطعون فيه أن تعطل العمل به فور اتصالها بالقرار القاضي بتأجيل التنفيذ أو توقيفه، وهذه القرارات تحفظية ولا تقبل أي وجه من أوجه الطعن ولو بالتعقيب“. توصف المحكمة الإدارية بأنها القضاء الذي لا تُنفذ أحكامه، بسبب غياب إطار قانوني واضح لتنظيم تبعات عدم تنفيذ قراراتها. وسبق أن تم إيداع مقترح قانون عدد 37 في ماي 2020 متعلق بتنفيذ أحكام المحكمة الإدارية في مجلس النواب، والذي ينصّ الفصل الخامس منه على أنّه ”يعدّ رئيس الإدارة حين الامتناع عن تنفيذ أحكام المحكمة الإدارية أو تعطيل تنفيذها دون موجب قانوني مسؤولا جزائيا ومدنيا عن الضرر اللاحق بمن صدر لفائدته الحكم“. غير أن ذلك المقترح لم يتجاوز مرحلة الإيداع بمجلس النواب ولم يتمّ طرحه للنقاش أو التداول.
لا يوجد توصيف مناسب لقرار الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بعدم تنفيذ قرار المحكمة الإدارية بقبول ملفات ثلاثة مترشحين، مثل ما جاء في الفصل العاشر من قانون المحكمة الإدارية الذي وصف الامتناع عن التنفيذ بأنه ”خطأ فاحش معمّر لذمّة السلطة الإدارية المعنية بالأمر“. لذلك سيظل قرار مجلس هيئة الإنتخابات خطأ معمّرا في ذمتها.
iThere are no comments
Add yours