المقالات المنشورة بهذا القسم تعبّر عن رأي كاتبها فقط و لا تعبّر بالضرورة عن رأي نواة

يشهد العالم اليوم شاغلا جديدا للنساء ينبثق من تحت ركام الحروب التي اجتاحت وتواصل اجتياح بلدانهن، مما أدى إلى تشتيتهن بعيدًا عن أوطانهن. فقد أدى الاضطراب السياسي والأمني في بعض الدول إلى دفع النساء نحو هوة المجهول، ليجدن أنفسهن في مهب الريح يحملن صفة ”اللاجئات“ وما يتبعها من تحديات أو بالأحرى أوزار.

وظهر ذلك في موجة من الهجرة غير النظامية لفتيات صغيرات وأمهات وعازبات، انتشرن بين الدول العربية والغربية بحثًا عن الأمان والحفاظ على حياتهن. ومع ذلك، لم تكن رحلة اللجوء أقل خطورة من الحروب ذاتها، كما أن تحقيق الاستقرار في المجتمعات المضيفة، سواء كانت عربية أو غربية، لم يكن بالأمر الهين[1].

وعلى صعيد آخر يكمن التحدي في بروز النساء اللاجئات كإحدى الفئات الأكثر تأثرًا وتعقيدًا في التعامل مع تداعيات اللجوء والنزوح القسري.

فالنساء تواجهن تحديات مضاعفة، ليس فقط بسبب الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تتعرضن لها أثناء هجرتهن أو أثناء إقامتهن في دولة اللجوء، بل أيضًا نتيجة الفجوات الجندرية التي تعزز من تهميشهن داخل مجتمع اللاجئين. وأمام هذا الصراع من أجل البقاء سنتولى عرض التحديات التي تواجههن في الرحلة نحو الاستقرار.

من المهم الإشارة إلى أنه بحلول نهاية عام 2022، ونتيجة للحروب والصراعات والعنف والاضطهاد وانتهاكات حقوق الإنسان، شهد العالم زيادة كبيرة وسريعة في أعداد اللاجئين وطالبي اللجوء.

وفقًا لآخر إحصائيات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تجاوز عدد اللاجئين 27 مليون شخص، منهم أكثر من 21 مليون لاجئ تحت ولاية المفوضية، حيث تشكل النساء 48% من هؤلاء اللاجئين من مختلف الفئات العمرية.

تونس، بدورها، تعد واحدة من الدول التي تستقبل اللاجئين وطالبي اللجوء، حيث تختبر اليوم تجربة استقبال موجات مستمرة من اللاجئين نتيجة التحولات والصراعات الدامية التي شهدتها العديد من الدول العربية والإفريقية، بالإضافة إلى التوترات المتزايدة على الساحة السياسية العالمية. مع بداية عام 2023، تم تسجيل أكثر من 9000 لاجئ وطالب لجوء لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في تونس أغلبهم من الشرق الأوسط وجنوب الصحراء والقرن الإفريقي. وحسب موقع المفوضية السامية للاجئين بتونس فإن أعداد اللاجئين الإناث إلى تونس في تزايد مستمر فبعد أن قدر عددهم ب 1073 إلى حدود موفي سنة 2019, ارتفع بحلول شهر جوان 2021 إلى 3350 لاجئة[2].

إذن لابد من الإقرار أن النساء اللاجئات تجسد إحدى أكثر الصور إيلامًا للصراع من أجل البقاء. فهي تقف على الحدود الفاصلة بين الحياة والموت، هروبا من العنف أو الاضطهاد المسلط عليها. وعادة ما تجد نفسها تواجه نفس هذا العنف أو أكثر من ذلك سواء خلال رحلتها أو خلال إقامتها في البلد المنشود اللجوء إليه[3].

 هروب من الخطر إلى المجهول

في محاولتها الهروب من وطنها، تجد اللاجئة نفسها، ومع كل خطوة نحو المجهول، تواجه خطر الموت المحتمل، سواء بسبب عبور الحدود بطرق غير شرعية أو التعرض للاستغلال الجنسي وخطر الإتجار بالبشر.

وتعد العديد من اللاجئات أمثلة حية على هذه التجارب القاسية. فعلى سبيل المثال، روت لاجئة صومالية في مقابلة مع مجلة ”الإنساني“ كيف اضطرت للفرار من جحيم الحرب في الصومال خلال العشرينيات من عمرها، مصطحبة أطفالها الثلاثة، وعبرت البحر الأحمر إلى اليمن، مخاطرة بحياتها وكل ما تملك بعد مقتل زوجها خلال الحرب الأهلية. لقد تركت خلفها كل شيء: أحلامها، ذكرياتها، وكل ما ساهم في تكوين هويتها. وهكذا، تضع الحرب النساء أمام خيارين، كلاهما مرير وصعب.[4]  

ومع وصولها إلى دولة اللجوء، تدخل في معركة من طبيعة أخرى، حيث تنتقل من بيئة الصراع إلى بيئة الاندماج مع واقع مليء بالتحديات الجديدة أين تتداخل الرغبة في الأمان مع التخوف من مدى قبولها داخل المجتمعات المضيفة.

ويتضح ذلك من خلال تجربة نقلها حمادي لسود عند لقائه بإثنين من القاطنين في مركز إيواء المهاجرين بمدنين وهما كهل اربعيني وفتاة ذات ثمانية عشر ربيعا، نقلا هروبهما من اريتريا إلى تونس مرورا بليبيا. فحال وصولهما لمدينة بن قردان سيراً على الأقدام، ظنا أن معاناتهما انتهت، وأنهما قد تجاوزا الجحيم الذي مرا به، لكن الواقع كان مختلفًا تمامًا.

فعند المعبر الحدودي بالذهيبة، تم منعهما من الدخول من قبل قوات الأمن التونسية، ولم يُسمح لهما بالدخول إلا بعد تواصلهما مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، التي تدخلت ونقلتهما إلى مركز الإيواء في مدنين.

على الرغم من اختلاف توقيت وصولهما إلى تونس، فإن المعاملة التي تلقياها كانت متطابقة. استقبلهما العاملون في المركز بعبارات مثل: ”من أرسلكم إلى هنا؟ لا توجد هنا UNHCR“. ومع مرور الوقت، استمر الإهمال، فلم يتم التعامل مع أمراضهم بجدية، وواجهوا نقصًا حادًا في الأدوية. وفي المستشفى، كانوا يعطونهم مجرد مسكنات ثم يطلبون منهم المغادرة. حتى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين لم تستجب بسرعة لمطالبهم. ولم تتوقف المشاكل عند حدود المركز، بل امتدت إلى تعامل السكان المحليين وقوات الأمن، الذين أظهروا تمييزًا واضحًا تجاه المهاجرين المقيمين في المركز[5].

ناهيك عما تعانيه اللاجئات الفلسطينيات من ظروف قاسية في المخيمات نتيجة تشتتهن بين الأردن وسوريا ولبنان والضفة الغربية، إلى جانب عيشهن في بيئات تفتقر إلى الحد الأدنى من مقومات الحياة الإنسانية. وتتفاقم معاناتهن بفعل الفقر والبطالة الناتجين عن الاحتلال والحصار، فضلاً عن ارتفاع نسبة الإعالة النسائية نتيجة فقدان العديد من الرجال خلال الحروب والانتفاضات ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي

وما زاد الأمور تعقيدا تصاعد العنف الجندري ضد النساء اللاجئات، حيث تتعرضن لأشكال متعددة من القسوة، سواء من داخل الأسرة، كالعنف الزوجي، أو من المجتمع المضيف.

وتشير الدراسات الاجتماعية إلى أن غالبية النساء اللاجئات تعرضن للعنف القائم على النوع الاجتماعي، وغالبًا ما يرتبط هذا العنف بالتوترات المحيطة بالأسرة، فضلاً عن عجز الزوج عن تلبية احتياجات الأسرة المادية، مما يدفع المرأة إلى المشاركة في الإنفاق. في كثير من الحالات، تفضل النساء التغاضي عن هذه الإساءة بسبب اعتمادهن على المساعدات المقدمة لهن في بلد اللجوء، وضعف موقفهن وعدم إقامتهن في وطنهن الأصلي.

نتيجة لذلك، تصبح اللاجئة هدفًا لأنواع مختلفة من العنف، سواء كان معنويًا أو جسديًا، إلا أن وضعها الخاص وحالة الضعف التي تعيشها تجعلها عرضة بشكل أكبر للعنف الجنسي والاقتصادي[6].

فالنساء خلال الحروب والنزاعات المسلحة تكن عرضة لشتى الانتهاكات الجنسية منها الاغتصاب والتعقيم الإجباري. وتتواصل المأساة حتى عند الوصول لبلد اللجوء، فتجد اللاجئة نفسها ضحية للتحرش والدعارة القسرية أو الاستقطاب من قبل شبكات الدعارة.

وعلى الصعيد الوطني يعد الاستغلال الاقتصادي العنوان البارز للعنف المسلط على العاملات اللاجئات في تونس، حيث يتم تشغيلهن غالبًا في ظروف عمل أدنى بكثير من تلك التي تمنح لبقية العمال، ويجد بعض أرباب العمل في ذلك فرصة مغرية للاستفادة من الوضعية الهشة لهذا النوع من العمالة.

فعلى سبيل الذكر لا الحصر، تعتبر النساء الإيفواريات، والسنغاليات ثم الكاميرونيات لقمة سائغة أمام الاستغلال المنزلي. ويفسر خضوع اللاجئات للاستغلال باضطرارهن لإيجاد عمل لتجاوز أزماتهن الاقتصادية فيجدن أنفسهن ضحايا لساعات عمل شاقة وطويلة في ظروف مهينة بمقابل زهيد.

وفي غالب الحالات توظف النساء والفتيات اللاجئات، خاصة أصيلات جنوب الصحراء، كمعينات منزليات، مرافقات أطفال، نادلات، منظفات بالمطاعم والمقاهي. ويشكل العمال المنزليون وغالبيتهم من النساء، قسما كبيرا من اليد العاملة اليوم لا في تونس فقط وإنما في العالم ككل.

وتبقى هذه المشاكل غيضا من فيض فالواقع المعيش للمرأة اللاجئة سواء في تونس أو العالم أكثر بؤسا وتعقيدا يحمل بين ثناياه قصة هاربات تحولن لمناضلات.

حماية اللاجئة: نسمع جعجعة ولا نرى طحينا

الكثير من الكلام والقليل من الأفعال، فمن المعتاد الحديث عن حقوق اللاجئات وضرورة حمايتهن من الاستغلال والانتهاكات، إلا أن الواقع غالبًا ما يعكس غياب التدخلات الفعالة. فرغم التشريعات الدولية والوطنية والمبادرات التي تتبناها بعض الجهات، يبقى التطبيق العملي محدودًا.

يشمل الإطار القانوني لحماية النساء اللاجئات من العنف العديد من الاتفاقيات الدولية، مما يمنحهن في تونس، كغيرهن من اللاجئين، حماية قانونية بموجب الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين لعام 1951.

هذه الاتفاقية جاءت استجابةً لأحكام المادة 14 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948، الذي يقر حق الفرد في اللجوء إلى دول أخرى هرباً من الاضطهاد. تونس انضمت إلى هذه الاتفاقية في 24 أكتوبر 1951، مما يفرض عليها الالتزام باحترام وتنفيذ مقتضياتها، وبالتالي تصبح مسؤولة عن حماية اللاجئين على أراضيها.

لكن في المقابل، تونس أخذت بالشمال ما قد قدمت باليمين، فلا تزال المنظومة القانونية التونسية تفتقر حتى الآن إلى تشريع خاص ينظم مسألة اللجوء، مما يضع تونس في حالة من التناقض مع التزاماتها الدولية، خاصة وأنها عضو دائم في اللجنة التنفيذية لبرنامج المفوضية السامية لشؤون اللاجئين منذ عام 1958، ووقعت على معظم الاتفاقيات المتعلقة بحماية اللاجئين.

هذا النقص في التشريعات يعد سبباً مباشراً للأزمة التي تواجهها تونس حالياً فيما يتعلق باللاجئين، حيث باتت البلاد تتعرض لتحديات كبيرة، خصوصاً في سياستها الخارجية. وفي ظل غياب إطار قانوني وطني واضح يحدد شروط وإجراءات اللجوء، وحقوق وواجبات اللاجئين.

وعليه تبقى الوضعية غامضة وقابلة للاجتهادات الفردية، بناءً على المواقف السياسية ورؤى أصحاب السلطة. هذا الفراغ القانوني يضع اللاجئين، وخاصة اللاجئات، في موقف قانوني غير واضح، خاصة مع تزايد أعدادهم وتحوّل تونس تدريجياً إلى بلد إقامة للاجئين وليس مجرد محطة عبور نحو أوروبا.

ختاما، دولة اللجوء تجمع بين التحديات والفرص. والنجاح في التغلب على التحديات يعتمد على الدعم الذي تتلقاه اللاجئة من المجتمع المضيف. ومن خلال دعمها وتمكينها من الموارد اللازمة، تستطيع دولة اللجوء أن تحوّل هذه الفئة الضعيفة إلى قوة تساهم في التنمية والاستقرار الاجتماعي.


[1]  شيماء رحومة، المرأة اللاجئة طاقة كبلتها المجتمعات العربية وحررتها الحياة الغربية، مقال منشور في صحيفة العرب بتاريخ الأحد في 26/06/2016.

[2] صحفة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين حول تونس

[3] سارة خضر، العنف المسلط على المرأة اللاجئة في تونس.

[4]  الصراع من أجل البقاء: النساء وقصص كفاح ملهمة في أوقات النزاعات المسلحة، اللجنة الدولية للصليب الأحمر

[5]  من اريتريا إلى تونس مرورا بليبيا: قصّة هروب لاجئيْن من الموت: 05 أفريل 2019 / حمادي لسود

[6] سارة خضر، مرجع سابق