شُيّد نزل البحيرة بين سنتي 1970 و1973 بتصميم وإدارة المهندس المعماري الإيطالي رافايالي كونتيجياني ترجمة لأحلام مقربين من الرئيس بورقيبة بالرهان على القطاع السياحي كقاطرة للتنمية بالبلاد، بالتزامن مع بناء نزل الهناء الدولي وسنوات قليلة بعد تشييد نزل الهيلتون المعروف حاليا بالشيراتون على هضبة البلفيدير سنة 1965 ونزل افريقيا بشارع الحبيب بورقيبة سنة 1971. إلا أن ما يميز نزل البحيرة عن غيره هي فرادة تصميمه على شكل هرم مقلوب، ليشعّ على العالم بأسره كتحفة هندسية نادرة تنتمي إلى تيار “البروتاليزم” المعماري ويكسر نمط الهندسة المعمارية الكولونيالية التي طبعت العاصمة خلال عقود الاحتلال الفرنسي.

بتتالي السنوات ورهان الدولة على مدن شاطئية بعيدة عن العاصمة وصخبها مثل الحمامات وسوسة وجزيرة جربة.. تراجعت مردودية نزل البحيرة إلى أن أهمل بالكامل وتحول الى ما يشبه الخرابة، محافظا رغم الإهمال والنسيان على فرادته وعلى حب رواد العاصمة وسكانها لما يحمله ذلك الهرم المقلوب من مخزون ذكريات الزمن الجميل الذي لا ينضب.

معلقة لعريضة عالمية من أجل انقاذ مبنى نزل البحيرة من الهدم – اس أو اس بروتاليزم

أشهر قليلة قبل ثورة 2011، انتقلت ملكية النزل إلى شركة استثمارات عقارية ليبية كانت تنوي الإسراع في هدمه وبناء ما يشبه مجامع مراكز التسوق والترفيه العصرية المتشابهة، قبل أن يفسد سقوط الاستبداد النوفمبري مخطط الهدم المتسرع وترتفع أصوات المدافعات والمدافعين عن رمزية بقاء نزل البحيرة بشكله التاريخي كتحفة معمارية شاهدة على حقبة زمنية منحوتة في ذاكرة العاصمة وسكانها.

منتصف العشرية الماضية عادت نوايا الهدم إلى الواجهة وعاد معها ارتفاع الأصوات المحذرة من الاقدام على ذلك، ارتفاع تلك الأصوات كان كافيا لإبطال ما كان يدبر بليل لهذا النسر الحارس للعاصمة، آخر تلك الحملات دفعت وزارة السياحة عبر مندوبها الجهوي بتونس في جوان 2024 إلى طمأنة النشطاء في تصريحات صحفية تضمنت تأكيدا على أن النزل سيحافظ على شكل الهرم المقلوب في نوايا ترميمه أو إعادة تشييده بطريقة عصرية تضمن له الديمومة والجمالية والسلامة لمرتاديه ومحيطه.

مركبة ساندكراولر المستوحاة من نزل البحيرة في فيلم الخيال العلمي حرب النجوم – ستار وارز

بداية شهر رمضان 2025 تزامنت مع عودة الحركية لجمعيات ونشطاء صيانة العاصمة ومعالمها فانطلقت حملة و إن كانت محتشمة تناقلتها بعض الصفحات على شبكات التواصل تحذر من عودة نوايا هدم نزل البحيرة مباشرة بعد شهر رمضان، لتعود صور نزل البحيرة للانتشار على الانترنت ناقلة مخاوف هدمه دون نوايا المحافظة على تصميمه الفريد الذي طبع أجيالا بشموخه وألهم أهل الفن والسينما في عدد من أعمالهم يبقى أشهرها تصميم عربة الرمال الزاحفة المعروفة ب “ساند كراولر” في أحد أعظم وأشهر أفلام الخيال العلمي، فيلم حرب النجوم.

وحتى لا نفاجئ في غمرة احتفالات العيد باختفاء جزء من ذاكرة التونسيين كما حذر من ذلك عدد من النشطاء، ونجبر مرة أخرى على التطبيع مع سياسة الامر الواقع وفوات أوان لفت النظر والتنبيه، ترفع نواة صوتها اسنادا لمساعي الدفاع عن هذه التحفة المعمارية وطلبا للوضوح والشفافية وحفظ الذاكرة قبل البحث عن مصالح الشركات الاستثمارية.