حملات وتنسيقيات المقاطعة داخل تونس انخرطت في حراك عالمي لمقاطعة الشركات التي تدعم الإبادة الجماعية التي ينفذها الاحتلال في غزة والضفة الغربية وعلى رأسها شركة ”كارفور“ الفرنسية التي تواجه اتهامات متزايدة بتورطها، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، في دعم جيش الاحتلال عبر علاقات تجارية تربطها بشركات ”إسرائيلية“ تساهم في دعم الاحتلال والاستيطان، ومساندة الجرائم التي تنفذ في حق الفلسطينيين أمام أنظار العالم أجمع.
مقاطعة عالمية لمتاجر كارفور واتهامات متزايدة بدعم الإبادة
في السنوات الأخيرة، كشفت وثائق وأدلة موثوقة تورط كارفور الفرنسية في دعم الاحتلال الإسرائيلي إقتصاديا وماليا ، مما دفع عددًا من الحركات الحقوقية والسياسية حول العالم إلى مطالبة المجتمع الدولي والشعوب بمقاطعتها. تتبنى حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) هذا الموقف بشكل واضح وصريح، إذ تركز على كارفور باعتبارها جزءًا من منظومة الشركات الكبرى التي تدعم الاحتلال، سواء من خلال شراكات تجارية مع شركات ‘’إسرائيلية’’، أو عبر وجود مصالح اقتصادية مشتركة تساهم في تمويل جيش الاحتلال في حرب الإبادة والعدوان المتواصل على الأراضي الفلسطينية.
أحد أبرز الأمثلة على هذه الشراكات هو ارتباط كارفور مع مجموعة ”إلكترا“ الإسرائيلية، التي تُعرف بتورطها المباشر في دعم الجيش الإسرائيلي ومستوطنات الضفة الغربية، تشير التقارير إلى أن كارفور دخلت في شراكات تجارية مع شركات مثل ”إلكترا“ التي تقوم بتوفير معدات وتجهيزات للجيش الإسرائيلي. وفقًا لحركة BDS، يشكل ذلك خرقًا صارخًا للقانون الدولي، الذي يحظر التعامل مع الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
في هذا السياق، يؤكد محمود النواجعة، المنسق العام للجنة الوطنية الفلسطينية لمقاطعة إسرائيل، في تصريحات لنواة أنّ كارفور لم تكتفِ بهذه الشراكة، بل تعمّق تورطها في دعم الاحتلال عبر خطوات عدة. ففي ديسمبر 2022، أطلقت اللجنة نداءً عالميًا لمقاطعة كارفور، عقب توقيعها اتفاقية امتياز مع شركتي Electra Consumer Products وYenot Bitan، وهما شركتان إسرائيليتان متورطتان في انتهاكات جسيمة لحقوق الفلسطينيين من ضمنها مشاريع مقامة على أراضٍ مسلوبة.
ويضيف النواجعة أن الأمر بلغ ذروته في ماي 2023، حين افتتحت كارفور خمسين فرعًا جديدًا في إسرائيل وقد حضر الافتتاح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الاقتصاد نير بركات، في مشهد يعكس دعمًا سياسيًا مباشرًا للشركة الفرنسية.

كما بيّن محدثنا أن كارفور شاركت خلال العدوان المستمر على غزة في دعم مباشر لجنود الاحتلال، من خلال توزيع آلاف الطرود عليهم، فضلًا عن إطلاق أحد فروعها في القدس المحتلة حملة تبرعات لصالح ”الجنود الشجعان“، ما يجعل تورط كارفور في جرائم الحرب والإبادة الجماعية في غزة تورطًا مباشرًا وليس مجرد شراكة اقتصادية.
لم يتوقف دعم كارفور عند هذا الحد، إذ أقامت فروعها الإسرائيلية شراكات مع شركات ناشئة في مجالات الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني، إلى جانب الحصول على قروض من بنوك إسرائيلية متورطة في تمويل المستوطنات.
دعت حركة BDS إلى مقاطعة شاملة لجميع فروع كارفور في العالم العربي، حتى تنهي شركات الامتياز في المنطقة شراكاتها مع المجموعة الفرنسية. وقد بدأت هذه الضغوط تؤتي أُكلها، إذ أعلنت مجموعة ”ماجد الفطيم“ عن إغلاق عمليات كارفور في الأردن وسلطنة عمان، كما سُجل تراجع واضح في أداء المجموعة في دول أخرى مثل المغرب، حيث صارت الشراكة مع كارفور تمثل عبئًا اقتصاديًا وفقًا لتقارير صحفية ومالية، حسب معلومات قدمتها حملة BDS لنواة. كل هذه المعطيات تعزز من مركزية حملة المقاطعة كأداة لمواجهة التطبيع الاقتصادي مع الاحتلال، حيث لم تعد كارفور مجرد شركة تجارية، بل فاعلًا مباشرًا في الصراع، ما يضفي على مقاطعتها طابعًا سياسيًا وأخلاقيًا يتجاوز الأبعاد الاقتصادية وفق النواجعة.

مقاطعة كارفور في تونس، ضغط شعبي متواصل
في تونس، تصاعدت المطالب بمقاطعة كارفور بشكل ملموس، وبرزت تنسيقيات نشيطة احتجت في مناسبات عدة أمام مختلف مغازات كارفور. تقول جواهر شنة، عضوة حملة مقاطعة كارفور تونس، في حديثها مع نواة أن الدعوات لمقاطعة هذه السلسلة العالمية لم تأتِ من فراغ، بل تستند إلى معطيات دقيقة توثق تورّط الشركة الفرنسية في دعم منظومة الاستعمار الصهيوني.، حينما وقعت كارفور اتفاقيتين مع شركتين لهما ارتباط مباشر بالاحتلال الإسرائيلي، ما مهّد لانطلاق نشاطها التجاري داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك المستوطنات وهو ما اعتُبر آنذاك خرقًا واضحًا للقانون الدولي وتواطؤًا مباشرًا في تكريس مشروع الاحتلال. مع بداية العدوان الإسرائيلي على غزة بعد 7 أكتوبر 2023، وما تلاه من إبادة جماعية بحق المدنيين، تكشّف الدور الأخطر الذي باتت تلعبه كارفور، حيث وثّقت الحملة قيام الشركة بتوزيع طرود غذائية على جنود الاحتلال، وهو ما يُعتبر، وفق تعبير شنة، دعمًا مباشرًا للجيش الذي ينفّذ أبشع الجرائم ضد الفلسطينيين، وليس مجرد تعاون اقتصادي عابر. وأضافت: ”لم يعد الأمر يقتصر على الاستفادة من أراضٍ مسلوبة وثروات منهوبة، ولا حتى على تقوية النظام السياسي الإسرائيلي من خلال تطبيع السوق، بل نحن أمام مساهمة فعلية في دعم آلة القتل”“.
ووفقًا لشنة، فإن حملة المقاطعة العالمية BDSصنّفت كارفور كأحد الأهداف المركزية في تحرّكاتها بالمنطقة العربية والعالم، خاصة مع استمرار الشركة في تجاهل التحذيرات الحقوقية الدولية. إلا أن الواقع في المنطقة العربية يحمل خصوصية، ففروع كارفور لا تُدار مباشرة من قِبل الشركة الأم الفرنسية، بل عن طريق شركاء محلّيين مثل مجموعة ”ماجد الفطيم“ في الإمارات، و”لابالفي“ في المغرب، و”أوتيك“ في تونس. ورغم ذلك، تؤكد الناشطة أن هذه الشراكات لا تُعفي أصحابها من المسؤولية، قائلة:
طالما أن العلامة التجارية لكارفور تُستخدم، وأن المنتجات التي تروجها الشركة تُعرض في رفوف هذه المتاجر، فإنها منخرطة في ما نسمّيه بتواطؤ العلامات التجارية، أي أنها شريكة بشكل غير مباشر في كل ما تقوم به كارفور الأم من جرائم أخلاقية وسياسية.
في هذا السياق، رفعت حملة المقاطعة في تونس جملة من المطالب إلى شركة ”أوتيك“، تطالبها فيها باتخاذ مواقف واضحة تجاه الشريك الفرنسي. على رأس هذه المطالب، تدعو الحملة ”أوتيك“ إلى الضغط العلني والفعلي على كارفور فرنسا لإنهاء تورطها في جرائم الاحتلال، وسحب استثماراتها من الأراضي المحتلة، وقطع علاقتها الإدارية عبر التخلي عن مقعدها في مجلس إدارة شركة ”أو هاش دي“ التابعة لمجموعة أوتيك، فضلاً عن حرمانها من حقّ اتخاذ القرار داخل المجموعة. وتشدد الحملة على أنه في حال تجاهل هذه المطالب، فإنها ستلجأ إلى المسارات القانونية، اعتمادًا على القوانين التونسية والفرنسية، إضافة إلى الاتفاقيات الدولية التي تجرّم دعم الاحتلال والتي سبق أن وقّعت عليها الدولتان.
ولم تقتصر تحركات الحملة على البيانات والمطالب، بل رافقتها تعبئة ميدانية متواصلة، حيث نظّمت حملة مقاطعة كارفور منذ بداية العدوان على غزة ما لا يقل عن 32 تحركًا احتجاجيًا في سبع ولايات تونسية، دون احتساب التحركات الشعبية العفوية التي ازدادت زخمًا في الفترة الأخيرة، والتي عبّرت بدورها عن غضب جماهيري واسع من تورّط الشركة الفرنسية في دعم الاحتلال.

حادثة ملعب رادس.. شرارة أشعلت فتيل الصراع مع كارفور
في قلب حركة المقاطعة الشعبية ضد كارفور في تونس، حدثت واقعة مؤثرة في ملعب رادس خلال مباراة المنتخب الوطني مع منتخب مالاوي في 24 مارس الماضي. حيث قام الطالب محمد أمين الطويهري باقتحام الملعب وسحب لافتة إعلانات تحمل شعار كارفور. كانت هذه اللحظة فارقة في صراع حملات المقاطعة والشركة، حيث أدت إلى تصاعد موجة من التضامن والاحتجاجات ضد كارفور في مختلف مناطق البلاد. الطويهري، الذي تعرض للاعتداء والاعتقال من قبل الشرطة في تلك الأثناء، أوضح في تصريحاته لنواة أن السبب وراء تصرفه كان رغبة في إيصال رسالة واضحة ضد التطبيع مع الاحتلال، قائلاً:
لم يكن القصد من ذلك هو الاستعراض، بل أردت أن أذكّر الجميع، أمام جمهور كبير في ملعب رياضي، بأن هناك تواطؤًا مع الاحتلال الإسرائيلي، ومن الضروري ألا نتجاهله.
كان رد فعل السلطات مهينا، مما زاد من حدة التحركات. الفيديوهات والصور التي انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي جعلت من هذه الواقعة بداية لحركة احتجاج أكبر ضد الشركات التي تدعم الاحتلال.
استجابة لدعوات المقاطعة الاقتصادية للمنتجات الداعمة للاحتلال “الاسرائيلي” نفذت مجموعة من الناشطات والنشطاء تحركا داخل فضاء تجاري بالعاصمة لتوعية الحرفاء بأهمية دعم القضية الفلسطينية عبر حملات المقاطعة. نواة التقت الناشطة جواهر شنة إحدى المشاركات في هذا التحرك لنعود على التطورات الخاصة بهذه الحملة.
ما كان يعد فعلًا فرديًا تحول إلى حركة واسعة النطاق في البلاد. بعد هذه الحادثة، أصبحت متاجر كارفور في تونس مركزًا للاحتجاجات. ورمزًا لمقاومة التطبيع الاقتصادي، حيث توافد التونسيون للتعبير عن استيائهم من وجود هذه الشركات في أسواقهم، حاملين شعارات تدعو لمقاطعة كارفور ومطالبين الحكومة باتخاذ إجراءات فعلية ضد الشركات المرتبطة بالاحتلال الإسرائيلي من خلال سن قانون يُجرّم جميع أشكال التطبيع.
إضافة إلى ذلك، تكثفت الانتقادات الموجهة إلى وسائل الإعلام التونسية التي لا تزال تعرض إعلانات كارفور على شاشاتها. وتعتبر هذه الإعلانات جانبا من استثمار الشركة في تعزيز وجودها في السوق التونسية عبر الاشهار وعقود رعاية بعض البرامج التلفزية والاذاعية، ما يراه البعض بمثابة محاولة للتغطية على التورط في دعم الاحتلال. هذا الانخراط الإعلامي مع كارفور يعتبره عدد من النشطاء في حملات المقاطعة ظاهرة أوسع تعكس تأثير الشركات الكبرى على وسائل الإعلام، حيث تصبح هذه الوسائل عرضة لضغوط اقتصادية، مما يؤثر على مواقفها الإعلامية بشأن القضايا السياسية الحساسة. وفي ظل هذه الديناميكيات، يزداد التوتر بين ما يُعتبر مصالح اقتصادية والتزام وسائل الإعلام بمسؤولياتها الأخلاقية تجاه القضايا الاجتماعية والسياسية.

رغم كل هذا الزخم الشعبي الذي رافق حملة مقاطعة كارفور في تونس، برزت مواقف نقدية من بعض الوجوه الإعلامية والنشطاء الذين عبّروا عن تحفظهم على هذه المقاطعة، معتبرين أنها تفتقر إلى رؤية استراتيجية شاملة. فهم لا ينفون عدالة القضية الفلسطينية ولا مشروعية الغضب الشعبي، لكنهم يسلّطون الضوء على البُعد المحلي للحملة، محذرين من تبعاتها الاقتصادية والاجتماعية، خاصة في ظل السياق الاقتصادي الحرج الذي تمر به البلاد. يشير المعارضون إلى أن شركة كارفور تشغّل حوالي 8000 تونسي، مما يجعلها من بين أكبر المشغّلين في القطاع الخاص. ويرون أن الدعوة إلى غلق هذه المؤسسة دون بدائل واضحة قد تعمّق أزمة البطالة، وتفتح الباب أمام اضطرابات اجتماعية جديدة. كما ينبّه بعضهم إلى أن استهداف كارفور قد يرسل رسائل سلبية للمستثمرين الأجانب، في وقت تسعى فيه البلاد لجذب الاستثمار ومواجهة الانكماش الاقتصادي.
في خضم انتشار حملات المقاطعة والاتهامات المتعلقة بدعمها لجيش الاحتلال، قدمت شركة كارفور توضيحات محددة في مسعى لدحض الجدل الدائر. في بيانها الموجه إلى صحيفة The New Arab، في نوفمبر 2023، أكدت الشركة أنها ”لا تدعم الجيش الإسرائيلي بأي شكل من الأشكال“، مشددة على أن ”الصور التي تظهر طرودًا تحمل اسم كارفور كهدية لجنود ”تساهال“ ليس لها علاقة بالشركة الأم، وإنما هي نتاج مبادرات فردية قامت بها جهات محلية“. كما أوضحت أن عملياتها في إسرائيل تدار بواسطة شركة مستقلة حصلت على رخصة الامتياز، مما يعني أن الشركة الأم لا تتحكم في كل القرارات اليومية التي يتخذها الشريك المحلي. وأشارت أيضًا إلى أنها ”طلبت من شركائها توضيح الوضع المحيط بالصور التي انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي“، وأن تلك المنشورات ”أزيلت بسرعة بعد نشرها““. رغم أن هذه التصريحات كانت تهدف إلى التنصل من المسؤولية المباشرة، إلا أن كارفور لم تصدر، حتى الآن، أي تصريح رسمي على منصاتها الدولية الكبرى يتناول هذه المسألة بشكل واضح، كما لم تتخذ مواقف صريحة بشأن الأنشطة في المستوطنات أو علاقتها بالشريك الإسرائيلي، مقتصرة على التأكيد بأن الشراكة تعتمد على نموذج الامتياز التجاري.
تحولت حملة مقاطعة كارفور، خصوصًا في تونس، إلى أداة فعّالة لمقاومة التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، ورفض أي شكل من أشكال التعاون الاقتصادي مع الشركات التي تساهم في تمويل آلة الحرب الهمجية. فقد بدأت الحملة كدعوة بسيطة لمقاطعة المنتجات الاستهلاكية، لكنها أصبحت اليوم محور جدل واسع، وامتدت لتشمل جميع الأطياف السياسية والاجتماعية في تونس. يرى عدد من الناشطين أنه مع تزايد وعي المواطنين التونسيين بأهمية سلاح المقاطعة، أصبح من الواضح أنها ليست مجرد إجراء اقتصادي، بل هي فعل مقاومة يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالعدالة وحقوق الإنسان. لا شك أن الحركات المناهضة للاحتلال الإسرائيلي في تونس قد تجد في هذه الحملة فرصة لتوجيه رسائل قوية ضد الشركات المستفيدة من الاحتلال. ومع استمرار تصاعد الحراك الشعبي في الشارع، تظل تونس نموذجًا في المنطقة العربية في مواجهة التطبيع الاقتصادي مع إسرائيل، مقابل خيبة على المستوى الرسمي خاصة بعد التراجع عن قانون تجريم التطبيع، في انتظار تحركات جديدة لمواصلة الضغط على هذه الشركات المتواطئة مع الاحتلال.
iThere are no comments
Add yours