في مارس 2013 نشرت مجموعة أنونيموس تونس رسالة صوتية على صفحتها بموقع فيسبوك ردا على تصريح لوزير الداخلية آنذاك لطفي بن جدو الذي قال إن الوزارة أحدثت مصلحة الجرائم الإلكترونية وأنه يوجد مشروع قانون نوقش في ديسمبر 2012 لإحداث هيكل مستقل باسم الوكالة الفنية للاتصالات تعنى الجوانب القانونية والجرائم الإلكترونية، وجاء في الرسالة الصوتية ”تريد الحكومة فرض رقابة على كل شيء. ستبدأ بالانترنت ثم تمر الى تكميم الصحافة وهذا قد حصل، وغدا تكمم أفواهكم انتم يا مواطنينا الأعزاء“.  كانت تلك الرسالة بمثابة نبوءة صادقة، بعد قرابة العشر سنوات من ذلك الإنذار، صدر المرسوم عدد 54 المتعلق بالجرائم الإلكترونية، فكمم أفواه الجميع.

بعد مرور ثلاث سنوات من صدور المرسوم الذي أوقع في شباكه عددا لا يحصى من التونسيين، طرح مجموعة من النواب مقترحا  لتنقيح  بعض فصوله وإلغاء الفصل 24 منه، وجاء في شرح أسباب تقديم المقترح أن معاهدة بودابست للمجلس الأوروبي المتعلقة بالجرائم السيبرانية، والتي انضمت لها تونس أواخر العام الماضي، لا تنص على جرائم الثّلب وغيرها من الجرائم التي نص عليها الفصل 24 من المرسوم المذكور.

سيف السلطة المسلول

يوم 24 جوان 2024، داهمت مجموعة من أعوان الشرطة منزل فيصل العبيدي بالكريب، واقتادوه إلى مركز الأمن للتحقيق معه بسبب تدوينات نشرها على حسابه بموقع فايسبوك، قضت النيابة العمومية بإيقافه قبل إحالته إلى المحكمة التي قضت بالحكم عليه 3 سنوات سجنا على معنى الفصل 24 من المرسوم عدد 54 المتعلق بمكافحة الجرائم الإلكترونية.

يروي فيصل العبيدي تفاصيل إيقافه لنواة ويقول إنه تسلم استدعاء للمثول أمام باحث البداية بصفته ذي شبهة لكنه طلب التأجيل بيوم بحكم التزامه المهني، غير أن الشرطة داهمت منزله في اليوم المفترض لذهابه للتحقيق. يقول فيصل:

فتشوا منزلي وحجزوا خنجرا كنت أزين به المنزل ومصحفا وكتاب تفسير الأحلام، لا أعلم لماذا لكن قد يكون السبب البحث عن تهم أخرى. كانت قرائن إدانتي هي عبارة عن حزمة مطبوعة من تدوينات نشرتها على فيسبوك انتقدت فيها سياسة الدولة وشراكتها مع الاتحاد الأوروبي في ملف الهجرة وأخرى في مسألة تداين الدولة. خلال جلسة محاكمتي، دافعت عن نفسي بالقول إنني لم أثلب الرئيس حين كتبت خانها ذراعها قالت مسحورة وأنه من حقي انتقاد المسؤولين وسياستهم، فقالت لي رئيسة المحكمة إنه بموجب المرسوم 54، يمنع النقد. حين تلقيت الحكم لم أصدق وأحسست أن حياتي انتهت. لديّ أقساط قرض عليّ دفعها في المقابل تم إيقاف صرف راتبي.

لم ينه فيصل العبيدي مدة سجنه وقضى شهرا فقط في سجن سليانة قبل إطلاق سراحه بعد أن ظهر اسمه في قائمة المشمولين بالعفو الرئاسي.

في سجن سليانة، التقى فيصل العبيدي بثلاثة سجناء على الأقل حوكموا بموجب المرسوم عدد 54، في المقابل يذكر تقرير منظمة تقاطع الصادر في أفريل الماضي تحت عنوان ”انتبه لقد بدأ القمع“ أنه في سنة 2024، رصــدت المنظمة  32 إحالــة علــى معنى المرسـوم عــدد 54، من ضمنهم محاميين و10 مواطنين و14 ناشطا و4 صحفيين. كانت جميع الإحالات بموجب التهم المنصوص عليها فــي الفصـل 24 من المرسوم وذلك على خلفية مواقفهم الناقدة للوضع في البلاد.

ماي 2025 – تجمع أمام نقابة الصحفيين رفضا لتجريم الرأي والمرسوم 54 – صور نواة

كما  ذكر التقرير السنوي للنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين أن النقابة رصدت 24 إحالة لصحفيات وصحفيين على معنى الفصل 24 من المرسوم المذكور. في المقابل، لم يتم حصر العدد الجملي للتونسيين الذين أحيلوا على معنى الفصل 24 من المرسوم عدد 54 أو غيره من الفصول، والذي حلّ مكان قوانين سابقة له تنظم العقوبات المتعلقة بجرائم النشر على الإنترنت مثل مجلة الاتصالات والمرسوم عدد 115.


تقرير الحريات الصحفية وانهيار النظام الإعلامي التونسي
– 03 ماي 2025 –

بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، قدمت نقابة الصحفيين السبت 3 ماي تقريرها السنوي للحريات الصحفية. التقرير الذي أخذت مقدمته عنوان نقابة الصحفيين في مواجهة انهيار النظام الإعلامي التونسي، لم يرتق إلى حجم انتظارات الصحفيين الذين حضروا الحدث باقتصاره على تكرار ما سبق رصده، دون التعرض بعمق لجرائم التضليل الإعلامي المتعمد وترويج خطاب الكراهية العنصري والرقابة المفروضة داخل غالبية مجالس التحرير الصحفية.


يقول زياد دبار نقيب الصحفيين التونسيين في تصريح لنواة إن عقد جلسة صلب لجنة التشريع العام من أجل الاستماع للنواب الذين قدموا مبادرة تنقيح المرسوم عدد 54، هو مؤشر جيد خاصة أن هذا المقترح ظل أكثر من سنة في مكتب المجلس، ويضيف دبار:

اليوم سيكون النواب أمام امتحان حقيقي لاختبار وفائهم لخطاباتهم. حان الوقت للتخلي عن الفصل 24 الذي أصبح أداة لتجريم الآراء كما ندعو البرلمان إلى التسريع في النظر في مقترح التنقيح لأن المرسوم خلق أزمة كبيرة في البلاد، وهو ما تدل عليه الأرقام، 10 أحكام سالبة للحرية بموجب الفصل 24 من ضمن 15 قضية رُفعت ضد صحفيين وعاملين في مجال الإعلام.

قانون بن علي في حلة جديدة

سبق مخاض سن المرسوم عدد 54 المتعلق بالجرائم الإلكترونية مسار كبير بدأ منذ سنة 2009 في فترة حكم بن علي، حيث افادت شهادات مختصين في المجال السيبراني أن المرسوم المذكور استمد فلسفته العامة من نسخة أُعدت سنة 2009 وصادق عليها مجلس وزاري سنة 2010 ولم تمر إلى مرحلة التصويت في مجلس النواب بسبب اندلاع الثورة. يجمع مختصون أن الفصل 24 من المرسوم 54 لم يكن موجودا في النسخة التي تم إعدادها سنة 2009، أو في أي نسخة أخرى بعد الثورة بداية من مشروع قانون إحداث  الوكالة الفنية للاتصالات وهي هيكل مختص في الجوانب القانونية والجرائم الإلكترونية الذي أعلن عنه وزير الداخلية الأسبق لطفي بن جدو سنة 2013، وصولا إلى مشروع أعدته الحكومة سنة 2015، والذي سبق أن نشرت نواة نسخة منه، خلا هذا المشروع من فصول تجرم الثّلب وبقية الجرائم التي نص عليها الفصل 24 من المرسوم عدد 54، رغم أن نسخة 2015 كانت أغلب فصولها المتعلقة بنفاذ السلطة للبيانات الشخصية تحمل الخطورة ذاتها للمرسوم الحالي.

تكون فريق عمل لدراسة مشروع بن علي، وكان ذلك خلال إشراف نعمان الفهري على وزارة تكنولوجيات الاتصال، بالتوازي مع طلب تونس الانضمام إلى معاهدة بودابست للمجلس الأوروبي.

3 جويلية 2025 مجلس النواب باردو – لجنة التشريع العام بصدد نقاش مبادرة تنقيح المرسوم 54 – ARP

في ماي 2018، صادق مجلس وزاري على نسخة من مشروع قانون لمكافحة الجرائم الإلكترونية، وذكرت منظمة ”أكسس ناو“ أن المشروع المذكور هو النسخة التي تم إعدادها سنة 2015، وأنه من غير المعلوم إن حصل تعديل لها.

رغم أن الفصل 24 من المرسوم عدد 54 لم يوجد له شبيه في مشاريع القوانين السابقة، إلا أنه يتشارك مع تلك النسخ في فصول أخرى تمس حقوقا أساسية مثل الحق في حماية المعطيات الشخصية مع غياب ضمانات قانونية لحمايتها.

أثارت 4 فصول على الأقل، في المرسوم عدد 54 الجدل، وهي الفصل 6 و9 و10 و28 المتعلقة بحفظ البيانات الشخصية التي تمكن السلط من تحديد هوية مستعملي خدمة الانترنيت أو الاتصالات وتحديد موقعهم الجغرافي والتي نص الفصل 6 على أنه لا يجب أن تقل مدة تخزينها عن سنتين.

يسمح الفصـل 9 من المرسوم عدد 54، للنيابـة العمومية أو لقاضي التحقيق أو لمأموري الضابطـة العدلية المأذونين كتابيا، بتمكينهم من البيانات المخزنة أو المعطيات المتعلقة بتفاصيل الاتصالات وبتسجيل فوري للبيانات المتعلقة بالاتصالات كما يسمح الفصل 10 من المرسوم باعتراض الاتصالات بمقتضى قرار كتابي معلل من وكيل الجمهورية وهو ما يهدد حقا أساسيا للصحفيين وهو حماية المصادر الذي يضمنه الفصل 11 من المرسوم عدد 115.

يقول النائب بالبرلمان ثابت العابد، وهو أحد الموقعين على مبادرة تنقيح المرسوم، في تصريح لنواة إنه لم يقع اقتراح تنقيح فصلين وهما الفصل 6 و28 رغم مخالفتهما لمعاهدة بودابست التي وقعت عليها تونس ويضيف:

يمثل الفصل 6 من المرسوم عدد 54 والذي ينص على تخزين البيانات لمدة سنتين خطورة على الحق في حماية المعطيات الشخصية، إضافة إلى أنه مخالف للفصل 16 من معاهدة بودابست التي تعتبر ذات علوية على بقية القوانين المحلية بعد انضمام تونس لهذه الاتفاقية أواخر العام الماضي. وهو ليس الفصل الوحيد الذي يمثل خطورة، فالفصل 28 مثلا ينص على عقوبة سجنية لكن من يتعمد إعدام معطيات رقمية أي أن الشخص الذي يقوم بحذف معطياته الشخصية من أي محمل قبل حجزه يمثل جريمة حسب هذا الفصل وتجريم ذلك مخالف للأعراف الدولية. إجمالا مقترح التنقيح الذي قدمناه مهم جدا خاصة أنه تضمن إلغاء للفصل 24 المخالف للمعاهدات الدولية وخاصة العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.

3 ماي 2025 مقر نقابة الصحفيين – نائب البرلمان محمد علي يشهر غلاف تقرير الحريات الصحفية لدى حضوره ندوة اليوم العالمي لحرية الصحافة – SNJT

من جهته، يعتبر شريف القاضي، وهو محلل للسياسات الرقمية، أن التنقيحات المقترحة من قبل النواب والتي تشمل الفصل 5 و9 و10 و21 و22 و23 إضافة إلى حذف الفصل 24، هي خطوة مهمة، ويقول في تصريح لنواة :

مقترح النواب المعروض لمناقشته ضمن لجنة التشريع العام هو خطوة  أساسية لكن في المقابل كان من الضروري إضافة تعديل على الفصل 28 الذي ينص على عقوبة بالسجن ضد كل من يتعمد إعاقة سير البحث برفض تسليم بيانات معلوماتية أو وسائل النفاذ إليها لقراءة البيانات المحجوزة أو فهمها أو يتعمّد إعدامها أو إخفاءها قبل حجزها، حتى لا يُساء تأويل هذا الفصل لضرب الحق في تعاطي الفرد مع معطياته الشخصية، كما أنه من الضروري تعديل الفصل السادس من المرسوم ليتلاءم مع معاهدة بودابست التي حددت مدة تخزين البيانات بثلاثة أشهر.


الحديث عن الحقوق والحريات يخيف بعض النواب، حوار مع ثابت العابد
– 13 مارس 2025 –

يواجه البرلمان التونسي توصيفات متعددة منها أنه برلمان الرئيس قيس سعيّد، في المقابل، برزت مجموعة داخله تقدمت بمبادرات لحماية الحقوق والحريات وضمان استقلالية الإعلام. نواة التقت النائب ثابت العابد وهو من النواب الذين تقدموا بمبادرة لتعديل المرسوم 116، للحديث عن سياق المبادرة وعن علاقة نواب البرلمان بقضايا الحقوق والحريات والمجتمع المدني.


يأمل النواب الذين تقدموا بمبادرة تنقيح بعض الفصول المثيرة للجدل في المرسوم 54، لعقد جلسة عامة قبل العطلة البرلمانية، والتصويت لصالح التنقيحات رغم سحب عشرة نواب إمضاءاتهم من المبادرة، فمن الممكن أن ينهي التصويت على حذف الفصل 24، ثلاث سنوات من المجازر القضائية التي ارتكبت بموجب فصل يعتبره الخبراء مسقطا على قانون خاص بمكافحة الجرائم السيبرانية، أطلق يد السلطة لملاحقة كل منتقديها مهما كانت صفتهم. رأي يشاطره عدد هام من أصحاب الرأي، في حين يرى آخرون أن وصول مشروع التنقيح إلى لجنة التشريع العام بعد نومه لأشهر طويلة في رفوف مكتب رئيس البرلمان، ليس سوى طوق نجاة ترتب به سلطة الأمر الواقع بيتها الداخلي بعد تنامي الغضب ضد عبثها وتعسفها منقطع النظير، علها تنجح في مناورة امتصاص غضب الشارع الذي بات قريب الانفلات من زمامها.