في العام 1943، نزل المجرم النازي الألماني رومل بالغرفة رقم 12 في فندق ”أتلانتيك“ وسط مدينة قابس التي كانت مسرحا للحرب العالمية الثانية. في ذلك الوقت، كانت الواجهة البحرية لتلك المدينة من أجمل السواحل على الإطلاق. من المعلوم أنه أينما وطأت أقدام جنرالات ألمانيا النازية، حلّ الدمار، ورغم ان قابس كانت إحدى أهم محطات القتال الحاسمة بتونس خلال الحرب العالمية الثانية، لم يكن يتوقع أحد بأن دمارا آخر ينتظر دوره سيفوق الدمار الذي خلفته الحرب العالمية الثانية. دمار صامت بطيء حوّل شواطئ قابس إلى خراب بسبب التلوث الذي يتسبب فيه المجمع الكيميائي منذ أكثر من نصف قرن. دمار حولها إلى مقبرة دائمة للكائنات الحية البحرية، فالأسماك نفقت أو هربت من سواحل غنوش حيث يقيم مجرم من نوع آخر، متسبب في انبعاثات السموم الكيميائية.
تكفي جولة صغيرة على خط بطول قرابة الكيلومتر يبدأ من قناة تصريف ”الفوسفوجيبس“، لتبيان حجم الدمار الذي حلّ بالشاطئ، حيث تنتشر بقايا سلاحف بحرية وأسماك ميتة لفظها البحر وجثث نوارس متعفنة. يقول أحد سكان قابس لنواة:
مازلت أستحضر صورة شواطئ قابس قبل أن تحل علينا لعنة المجمع الكيميائي، قبل خمسين عاما، كان شاطئ قابس من أجمل الشواطئ في العالم، للأسف لا يمكن لأبنائنا تخيّل ذلك لأن الشاطئ هنا هو أشبه بمدافن الحيوانات البحرية التي نفقت بسبب التلوث والتي تذكّرنا جثثها في كل مرة بحجم الكارثة التي نعيشها.
البحر مزبلة المصانع
يعي سكان مدينة قابس بشكل كبير أن المسألة ليست مجرّد ترف جمالي، فبقايا الفسفاط الممزوج بالفوسفور التي تسكبها وحدات إنتاج الحامض الفوسفوري في شكل طين، لم تدمر جمال شواطئ المدينة فحسب، بل أتت على الكائنات البحرية في قابس، وخاصة في شاطئ غنوش، بعد أن انحسرت مساحات مروج ”البوسيدونيا أوشينيكا“ التي تعرف في تونس باسم ”الذريع“، وهي أعشاب تمثل مأوى ومرعى عدة كائنات بحرية مثل أنواع من الجمبري (الكروفات) و”الشلبة“ و”القاروص”“.
تركز أول مصنع تابع للمجمع الكيميائي التونسي سنة 1972 وهو مخصص لإنتاج الحامض الفسفوري، وبين العامين 1979 و1985 أُنشأت وحدتان لإنتاج سماد فسفاط ثنائي الأمونيوم وسنة 1983 أنشأ مصنع لإنتاج نترات الأمونيوم.

يعتبر مصنع إنتاج الحامض الفوسفوري المسؤول الأول عن سكب مادة الجبس الفسفاطي المعروف باسم الفوسفوجيبس، وهو نتيجة لعملية تحويل الفسفاط الخام إلى الحامض الفوسفوري عن طريق تفاعل حمض الكبريتيك مع خام الفسفاط، حيث ينتج عن هذا التفاعل إنتاج الحامض الفوسفوري وكميات من الفوسفوجيبس، لينتج عن كل طن من الحامض الفسفوري 5 أطنان من الفوسفوجيبس.
بدأت أول وحدة لإنتاج الحامض الفوسفوري سنة 1972، وحسب بيانات وزارة الصناعة حول حجم إنتاج الفسفاط ومشتقاته بين 1972 و2020، وصل حجم الإنتاج في تلك السنة إلى 61708 طن من الحامض الفوسفوري ما خلّف ما يقارب 300 ألف طن من الفوسفوجيبس، كان أعلاها سنة 2005 ، حيث سكبت الوحدة 6.083060 مليون طن، وذلك بسبب ارتفاع حجم إنتاج الحامض الفسفوري في ذلك العام مقارنة ببقية الأعوام. بالاعتماد على المعادلة العلمية التي تبيّن أن إنتاج طن من الحامض الفسفوري ينتج 5 أطنان من الفوسفوجيبس، يتبيّن أن مصنع إنتاج الحامض الفوسفوري سكب في البحر ما يقارب 233 مليون طن من الفوسفوجيبس، وهو رقم كان كفيلا بتصحّر دائرة قطرها 2.5 كيلومتر في ساحل غنوش بدء من نقطة سكب الفوسفوجيبس، حيث تقول دراسة ”حول تحديد أسباب فقدان التنوع البيولوجي والقطاعات الرئيسية المؤثرة على التنوع البيولوجي في تونس“ صدرت سنة 2021، أن البيئة البحرية في قابس خالية من أي تواجد نباتي في تلك الدائرة وأن ”أول ظهور للكائنات البحرية يبدأ من 2 إلى 3.3 كم من الشاطئ مع عدد منخفض جدًا من الأنواع البحرية مقارنة بالمناطق المجاورة“.
تُستأنف اليوم، الجمعة 7 أوت 2020، عمليات نقل الفسفاط عبر القطار للمجمع الكيميائي بقابس. ليضع حدا لمصالحة لينا الظاهري، ذات 21 ربيعاً، مع البحر. فرغم قرب منزلهم من الشاطئ، امتنعت لينا، شأنها شأن العديد من سكان قابس، من السباحة لمدة تجاوزت أربع سنوات بسبب المواد الكيميائية الملوثة التي يضخّها المجمع الكيميائي في البحر. فبعد تعطل إنتاج المجمع وتوقفه عن العمل لأكثر من أسبوعين، استعاد البحر بريقه واستعاد سكان قابس علاقتهم به وحقهم في السباحة فيه. لكن هذا الحق لم يدم طويلاً.
في العام 1978، أي بعد ست سنوات من بداية دخول مصنع الحامض الفسفوري إلى دورة الإنتاج، قام المعهد العالي لتكنولوجيا وعلوم البحار بقياس مستويات تلوث مياه البحر ببقايا الفسفاط والفلور في محيط ساحل غنوش حيث يقع المصنع ، لتكشف النتيجة وصول معدل الفلور في مياه البحر على الشاطئ المتأتي من الفوسفوجيبس الى نسبة أعلى بـ 83 ألف مرة من الوضع الطبيعي حسب نشرية المعهد العالي لتكنولوجيا وعلوم البحار سنة 1980، وذكرت دراسة صدرت سنة 2007 بعنوان ”آثار المعادن (الكادميوم، الرصاص، الزئبق) والهيدروكربونات الكلية في الرواسب السطحية لساحل خليج قابس“ أن تركيز معدن الكادميوم في مياه البحر بالقرب من المجمع الكيميائي بغنوش تتراوح بين 0.10 و26.31 ملغ/كلغ ما يفوق المعدل الطبيعي الذي يتراوح بين 0.1 و1 ملغ /كلغ، في حين وصلت كمية الزئبق حسب نشرية المعهد العالي للبحار إلى كمية تتراوح بين 0.11 و2.12 ملغ/ كلغ متجاوزا التركيز الطبيعي الذي يتراوح بين 0.01 و0.1 ملغ /كلع، كنتيجة مباشرة لسكب المجمع الكيميائي للفوسفوجيبس في البحر، وبالتالي وصلت المنطقة الساحلية لخليج قابس إلى الحد الأقصى من التلوث بالزئبق حسب الدراسة ذاتها، رغم أنه لم يمر سوى أقل من عقد عن بداية إنتاج الحامض الفوسفوري المصدر الرئيسي للفوسفوجيبس.
أدّى إلقاء ملايين أطنان الفوسفوجيبس في ساحل قابس على مدار قرابة خمسين عاما إلى تهديد فعلي لمروج البوسيدونيا التي منحت في السابق لقابس لقب رئة المتوسط بسبب امتدادها الكبير في سواحل الجهة قبل تركيز المجمع الكيميائي سنة 1972.

البوسيدونيا الرئة المختنقة
تساهم عشبة البوسيدونيا في إنتاج الأكسجين، ومن المفاجئ أن مترا مربعا من البوسيدونيا ينتج كمية من الأكسيجين أكثر مما ينتجه متر مربع من غابات الأمازون، وتذكر دراسة بعنوان ”حماية وحفظ البوسيدونيا أوشيانيكا“ صدرت سنة 2006، أن مترا مربعا من البوسيدونيا ينتج 14 لترا من الأكسجين في 24 ساعة، في حين تنتج المساحة ذاتها من غابات الأمازون ما يقارب سبعة لترات. يقول سامي مهني مهندس علوم البحار ورئيس جمعية حوتيات في تصريح لنواة:
لهذه العشبة اهمية كبيرة، وقد كانت أكثر ما يميّز ساحل قابس، ففي اول السبعينات، زار المستكشف الفرنسي جاك إيف كوستو قابس، وانبهر بحجم وجود مراعي البوسيدونيا في سواحلها، والتي كانت تمثل ملاجئ وأعشاش تأوي كائنات بحرية. من المعلوم أن 50 بالمائة من الاكسجين الذي نتنفسه تنتجه البوسيدونيا، والتي من مزاياها أيضا أن جذورها تخزّن الكربون في التربة لعدة قرون. هي نبتة عجيبة ولها من المنافع ما يجعل تراجعها كابوسا بالنسبة للإنسان وبقية الكائنات.
تذكر دراسة ”الغطاء النباتي البحري البوسيدونيا أوشيانيكا في خليج قابس تونس / تقرير حالة التكاليف والفوائد ضمن خدمات أيام التنوع البيولوجي والأمن الحيوي للتنمية المستدامة“ إن مراعي تلك النبتة تتميز بتنوع بيولوجي كبير، حيث يعيش أكثر من 400 نوع نباتي وآلاف الأنواع الحيوانية البحرية في مروجها، وهي ”أول نظام بيئي بحري في البحر الأبيض المتوسط من حيث التنوع البيولوجي، يؤوي ربع الأنواع البحرية. هذا المرج مهدد بالانقراض، ويقدر انخفاضه السنوي بنسبة 5% في البحر الأبيض المتوسط. إذا طبقنا هذا المعدل على البوسيدونيا في خليج قابس، يمكن تقدير اختفائها لفترة تتراوح بين 340 و400 عام، ما لم تُعتمد وتُنفذ، بالطبع، تدابير حماية وطنية وإقليمية فعالة“.
وفقا للملحق الثاني من اتفاقية برشلونة لسنة 1976، والملحق الأول من اتفاقية برن لسنة 1979، تصنّف البوسيدونيا على أنها نوع من الكائنات البحرية المعرضة للخطر، ويذكر تقرير بعنوان ”الغطاء النباتي البحري في خليج قابس: توزيع وشبكة المراقبة لعشبة البوسيدونيا“ أن خليج قابس شهد تراجعا حادا في مساحة مروج البوسيدونيا وأنه منذ العام 1990، اختفت هذه النباتات تماما من المياه التي يبلغ عمقها أقل من 10 أمتار.

لا توجد إحصاءات محيّنة لمساحة مروج البوسيدونيا في قابس الآن، لكن تذكر دراسة علمية بعنوان ”الأثر الاقتصادي لتقلّص مروج عشبة بوسيدونيا أوشانيكا الناتج عن الأنشطة البشرية على مصايد الأسماك الساحلية في خليج قابس (تونس، جنوب البحر الأبيض المتوسط)“ أن مساحة مروج البوسيدونيا تراجعت من 43563 هكتار سنة 1990 إلى 14826 هكتار سنة 2014، وكانت مساحة هذه المروج سنة 1965 قبل تركز المجمع الكيميائي بغنوش، 130 ألف هكتار قبل أن تتقلص إلى 84253 هكتار سنة 1981، ما يعني أن المساحة تقلصت بنسبة 88 بالمائة بين العامين 1965 و2014.، ويعود هذا التراجع إلى سكب الفوسفوجيبس في البحر، الذي يتسبب في حموضة عالية في المياه وتعكّر الماء الذي يفقد شفافيته ما يحجب الضوء عن البوسيدونيا ويتسبب في موتها.

في العام 1979، قام المعهد العالي لعلوم وتكنولوجيا البحار بمراقبة على مدى ست سنوات، لقياس تأثير المعادن الثقيلة على الكائنات البحرية، خلصت إلى أن معدل المعادن الثقيلة المتأتية من الفوسفوجيبس أساسا في نباتات البوسيدونيا في ساحل قابس وصل إلى 1.456 ملغ- في الغرام الواحد وهو معدل عال جدا مقارنة بالمعدل الطبيعي الذي يتراوح بين 0.002 و0.02 ملغ في الغرام الواحد، حسب ما ورد في نشرية المعهد سنة 1988. وجود هذه المعادن يؤثر بصفة مباشرة على البوسيدونيا ويتسبب في احتراق أوراقها وتوقف نموها وفقدان قدرتها على تنقية الماء.
تذكر دراسة ”الأثر الاقتصادي لتقلّص مروج عشبة البوسيدونيا أوشانيكا الناتج عن الأنشطة البشرية على مصايد الأسماك الساحلية في خليج قابس (تونس، جنوب البحر الأبيض المتوسط)“ أن 1 ميغاطن أي مليون طن من الفوسفوجيبس يؤدي إلى فقدان مساحة هكتار من البوسيدونيا، وبحساب كميات الفوسفوجيبس التي سكبت في سواحل قابس منذ العام 1972، تقدّر المساحة الجملية للبوسيدونيا والتي تقلصت بشكل مباشر بسبب سكب الفوسفوجيبس بقرابة 233 هكتار.
وتذكر الدراسة العلمية ذاتها أن فقدان هكتار واحد من البوسيدونيا يؤدي إلى فقد طن من محصول الصيد، أي أن خليج قابس يفقد سنويا ما يقارب 5 أطنان من محصول الصيد، ما يؤثر بشدة على الحياة الاقتصادية في قابس القائمة تاريخيا على الصيد.
الثروة المهدورة
لم تعد هناك ثروة سمكية في قابس، اشتغلت مدة تقارب 13 سنة في الصيد ولم يعد المحصول متوفرا كالسابق، قبل سنوات كان ”التن“ و”الغزال“ و”الشورو“ متوفرا لكن الآن نقصت الكمية بشدة. نطالب بإيجاد حل للتلوث حتى نتمكن من استرجاع ثروتنا السمكية وتحصيل لقمة العيش، وحتى لا يكون الحل لأبناء قابس الهجرة غير النظامية.
هكذا تحدث أحد البحارة الذي هجر مركب الصيد الذي كان يشتغل ضمن طاقمه بسبب عدم وفرة الأسماك.
يعتبر خليج قابس منطقة ذات إنتاجية عالية حيث يمثل موطنا لأصناف كثيرة من الأسماك والقشريات، وترتكز أنشطة الصيد في قابس على الصيد الساحلي أساسا إضافة إلى الصيد القاعي وشباك الجر. تذكر دراسة حول ”تحديد محركات فقدان التنوع البيولوجي والقطاعات الرئيسية المؤثرة عليه في تونس“ أنه بين العامين 2000 و2010، تجاوز إجمالي الإنتاج السنوي في خليج قابس 40 ألف طن ما يمثل نسبة 40 بالمائة من الإنتاج الوطني السنوي.

يقول فؤاد كريم ناشط بيئي لنواة ”قابس كان فيها 270 نوع من الأسماك الان لا يوجد الا قرابة 70 نوعا فقط لان الاسماك هاجرت الى سواحل ليبيا بسبب انحسار مساحات الأعشاب البحرية للأسف خسرنا ثروة سمكية وطنية بسبب التلوث ففي السابق كانت مراكب الصيد قادمة من جميع سواحل تونس نحو سواحل قابس لصيد الجمبري والتونة. لا يمكن استرجاع ثروتنا السمكية إلا بإيقاف رمي الفوسفوجيبس في البحر“.
تعتمد أنشطة الصيد في شاطئ غنوش على الصيد الساحلي، ويتمثل المحصول أساسا في السمك الأزرق والجمبري وأنواع أخرى من الأسماك التي تستوطن مروج البوسيدونيا وتعشش بها أو الأسماك التي تستقر بها مؤقتا، في السابق كان الصيادون في غنوش يعتمدون مراكب صيد دون محرك، لكن بداية من العام 2006، تظهر بيانات نشرها المرصد الوطني للفلاحة أن الصيادين في غنوش، حيث يتركز المجمع الكيميائي، أصبحوا يعتمدون بشكل تدريجي على مراكب الصيد الساحلي بمحرك وهو ما يفسر بنقص الثروة السمكية بسبب تصحر الشاطئ في قطر يقارب 2 كلم واختفاء عشبة البوسيدونيا وبالتالي نقص الأسماك وبقية الكائنات البحرية قرب الشاطئ ما دفع البحارة إلى اعتماد مراكب الصيد بواسطة محرك حتى يتمكنوا من الدخول إلى مسافات أبعد.
تطور عدد العاملين في مراكب الصيد الساحلي بمحرك في غنوش من 48 عاملا سنة 2006، إلى 126 عاملا سنة 2017، فيما تذبذب عدد العاملين في مراكب الصيد دون محرك بين العام 2000 و2017.
يوم 5 مارس الماضي، أصدر مجلس وزاري مضيّق جملة من القرارات، من بينها حذف مادة الفوسفوجيبس من قائمة النفايات الخطرة، وهي مادة مصنفة خطرة منذ سنة 2000 طبقا للأمر عدد 2339. كان القرار الحكومي بمثابة خطوة قبرت قرار حكومي صادر منذ 2017 ناضل سكان قابس من أجل تنفيذه، حيث يقضي هذا القرار بإيقاف سكب الفوسفوجيبس في البحر وتفكيك وحدات إنتاج المجمع الكيميائي وتعويضها بوحدات متطورة تحترم البيئة، غير أن الحكومات المتعاقبة منذ 2017 حتى اليوم رفضت تطبيق القرار الصادر صلبها ولم تقم بأية خطوة في بداية تفكيك الوحدات الملوثة والتي حسب الجدول الزمني الذي وضعه القرار فإنه كان من المفترض أن تفكك آخر وحدة ملوثة للمجمع الكيميائي بقابس في أواخر 2024.
من رحم المعاناة يولد الأمل وأمام أهوال التلوث الكيميائي بقابس تولد المقاومة المواطنية بأشكال متنوعة. عبر تقنية التصوير 360 درجة، يسافر بنا محمد أمين المبدع التشكيلي بين واحة شنني ومخبر عمله الذي كرسه لتثمين ما أفسده التلوث، بحثا عن معادلة صعبة توازن بين احياء الأرض والتصدي لشبح الموت المتسرب من مخلفات المجمع الكيميائي.
تضحي الحكومات التونسية بالحق في الحياة من أجل مؤشرات مرتفعة في التنمية تسجلها أرصدة المسؤولين المتعاقبين على السلطة، رغم ادراكها أن حجم مشتقات الفسفاط التي ينتجها المجمع الكيميائي بغنوش تساوي خمس كميات الفوسفوجيبس الذي يلقيه في البحر وما يمثله استمرار سكبه من خطر محدق يهدد أجيالا برمتها بالموت البطيء، لتقوم الحكومة الحالية مشكورة بتوقيع شهادة الوفاة تلك دون أي احترام للأبحاث العلمية التي تثبت خطر الفوسفوجيبس على جميع الكائنات البحرية وعلى الإنسان.
اتخذت الحكومة التونسية قرار حذف الفوسفوجيبس من قائمة النفايات الخطرة دون تقديم مبررات علمية، في الوقت الذي خلّفت فيه تلك المادة آثارا بيئية خطيرة على البيئة في قابس. النشطاء البيئيون اعتبروا الخطوة تنصلا للدولة من التزاماتها البيئية، خاصة أن وحداتها الصناعية مسؤولة عن القاء الفوسفوجيبس في خليج قابس. في هذا السياق، حاورت نواة حسين الرحيلي الخبير في التنمية والموارد المائية للحديث عن حقيقة الفسفوجيبس والآثار المترتبة عن تصنيفه مادة غير خطرة.
iThere are no comments
Add yours