ليس من قبيل التجني أو الإسقاط، القول بتشابه سيف علي وسيف المرسوم 54 إلى حد كبير لقدرتهما على قطف الرقاب، حيث تجمعهما نقاط متشابهة، باستثناء أن ذي الفقار أسطوري في حين أن المرسوم 54 هو سيف حقيقي سُلّط على رقاب التونسيين منذ ثلاث سنوات، ورغم أن سيف المرسوم لم يحمل نقيشة واضحة كتلك التي حملها ذو الفقار، إلا أن له نقيشة خاصة به وهي ”لا رئيس إلا سعيّد ولا سيف إلا المرسوم 54“، وفي ذلك عدة وقائع تسند ذلك القول.
لا يمكن حصر عدد ضحايا المرسوم عدد 54 في تونس منذ نشره بالرائد الرسمي، ولكن منظمة تقاطع أحصت 64 حالة انتهاك، تمثّلت في قضايا استهدفت نشطاء وسياسيين بالأساس بسبب انتقادهم للدولة ومؤسساتها، في حين تقول النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين في تقريرها الأخير للحريات الصحفية، أنه تمت مقاضاة 24 صحفيا على خلفية الفصل 24 من المرسوم سيئ الذكر. في الواقع، تتجاوز أعداد المحالين على المرسوم 54 ما تقدمه تقارير الرصد بكثير لسببين رئيسيين، الاول أن المسح لم يشمل كل مناطق البلاد والثاني أن عددا كبيرا من ضحايا هذا المرسوم يخيرون الصمت بسبب الخوف، وليس من المغالاة القول إن العدد الحقيقي للمحالين بسبب المرسوم المذكور قد يصل إلى المئات، حتى أن نقابة الصحفيين ذكرت في بيانها بالمناسبة، أن المئات تمت محاكمتهم بناء على تهم تتعلق بنشر ”أخبار زائفة“ أو ”الإساءة إلى الغير“، ما أدى إلى خلق مناخ من الخوف والرقابة الذاتية في المؤسسات الإعلامية.
والحقيقة أن إصدار المرسوم 54 لم يرتبط بغير سياق واحد: سياسة انتهجتها السلطة من أجل التضييق على حرية الرأي والتعبير طالت الجميع على مختلف المحامل الإعلامية أو مواقع التواصل الاجتماعي، رغم أن التبرير الصوري لإصداره هو محاربة الجرائم الإلكترونية، حيث كان الفصل 24 منه الأكثر استعمالا، إن لم يكن الأوحد. ولا يخفى على أصحاب الرأي أن الرئيس سعيّد قد نفخ الروح في مشروع مرسوم قديم تم إعداده أواخر فترة حكم بن علي، وأن الفصل 24، أكثر الفصول إثارة للجدل، لم يتجرّأ بن علي نفسه على وضع فصل مشابه له.
لا يمكن حصر أثر المرسوم عدد 54 على المحالين أو المسجونين بسببه، فأثره الكارثي بدا بالفعل منذ دخوله حيز التنفيذ، حيث انحسر هامش حرية التعبير، سواء بالنسبة للصحفيين أو لكل صاحب رأي واقعيا او على الشبكات الالكترونية، انحسار ترجم تراجع تونس ب 11 مرتبة في سلم حرية الصحافة حسب تقرير منظمة مراسلون بلا حدود الذي صدر في ماي 2025، وهو تقهقر منطقي سببه عبثية المرسوم سيء الذكر.
في المقابل، حفظ البرلمان في أدراجه عدة أشهر، مشروعا لتنقيح المرسوم 54، المتضمن لحذف الفصل عدد 24 منه، قبل أن ينال إفراجا من مكتب رئاسة مجلس النواب في أفريل الماضي بإحالته إلى لجنة التشريع العام، ثم لفه منذ ذلك التاريخ النسيان مجددا، عكس المشاريع المقترحة من رئاسة الجمهورية التي تتم إحالتها على تصويت الجلسة العامة في وقت قياسي، ما يعكس ازدراء لدور الصحافة التي لم يروضها النظام واحتقارا لصاحبة الجلالة، تبقى أبرز تجلياتها اقتراب هذه السنة من شهرها العاشر دون أن ينال صحفي واحد بطاقته المهنية الاحترافية لأسباب غير منطقية كانت تحل في أيام او سويعات لو توفرت الإرادة، لكنها تبقى متوفرة لترهيب الأقلام الحرة وفتح السجون أمامها وإغراق المشهد بمبتدعي التملق والرداءة. فكل سنة ومرسومكم ذكرى شاهدة لا على العودة إلى الوراء فقط بل على العودة إلى ما وراء الوراء، إلى عصور السلاطين والرعية التي تقاد بالفرامين والأوامر العليّة.
iThere are no comments
Add yours