باغتتني صباح اليوم الخميس 18 جانفي 2007 شرذمة من أعوان البوليس السياسي بالزي المدني بالإنطلاق مهرولين نحوي من أحد الأزقّة المجاورة لمقرّ الحزب الديمقراطي التقدمي حين كنت خارجا لتويّ من مقرّ صحيفة “الموقف” .

و قد ظننت في أوّل الأمر أنّ المجموعة كانت تنوي إعتقالي لسبب مّا ، إلاّ أنّهم كانوا مسرعين في أول الحكاية من أجل اللحاق بي فقط ، ثمّ حين إقتربوا تماما شرعوا في أمر آخر غير الإعتقال فاجأني بحقّ ، فقد إنهالوا عليّ شتما و إتهامات بالعمالة لأمريكا و بالجنون و غيرها من الإتهامات و أصروّا على ملاصقتي لزهاء 20 دقيقة في عديد شوارع العاصمة و كيل الشتائم بصوت عال دون توقّف إلى درجة أن عديد المارّة الذين كانوا بشارع المختار عطية و على مقربة من مقرّ الولاية تجمهروا حولنا لتبيّن حقيقة الأمر .

و طوال الملاحقة كان واحد فقط من المجموعة يُطلق السُّباب و العبارات المتهكمة و البقية يكتفون بالضحك .

و قد تعرّفت منذ الوهلة الأولى على إثنين منهم فالأول(السبّاب) في حدود الخمسة و الأربعين من العمر ضخم الجثّة أسمر البشرة كنت تعرّضث إلى تعنيف من جنابه الكريم يوم 5 أفريل حين أصريت على الإعتصام أمام مقرّ”الشروق” و رفضت أوامر البوليس بالمغادرة و قيل لي إنّه مشهور عنه إسم “عبد الحميد” و قد سبق أن لاصقني أنا و الزميل “أيدن وايت” الأمين العام للإتحاد الدولي للصحافيين خلال لقاء لنا في نزل الأنترناسيونال في سبتمبر الماضي ، و أمّا الثاني فقد سبق مثوله مع مجموعة من الأعوان أمام مقرّ “الشروق” يوم إعتصامي هناك ، كما سبق أن رأيته يحضر معنا ندوة صحفية للأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان في مقرّ القمة العالمية لمجتمع المعلومات في نوفمبر 2005 و ذلك بصفة “صحفي” و ليس بوليس .

كانت الشتائم هي نفسها طوال الملاحقة من قبيل ” ياخي قداش يعطيك فيك السفير الأمريكي يا وحيّد” و ” كي عطاك السفير الأمريكي الفلوس ما قالكشي تشري منها محفظة تحطّ فيها هاك الجريدة العزيزة اللّي في يدّك يا بيوّع” (كان يعني صحيفة الموقف) و ” يلعن بو الوقت اللي خلاني آنا نخدم على واحد مهبول و ساقط كيفك” و” علاش ما تسلفناش شوية ماللّي تاخذ فيه من الأمريكان راهو شهريتنا ضعيفة و ما تخافش ما نقولوش عليك لحد يا طحّان” “مسكينة تونس يطلعلها مجنون كيفك يقوّم فيها الآذان” “توّا إنتي صحافي و إلاّ مخابرات” ، و كان من الواضح أنّهم حفظوا هذه الجمل نفسها قبل ملاحقتي و لم يحفظوا غيرها و لذلك كرّروها ثم أعادوا تكريرها أكثر من مرّة إلى أن تأكّدوا في نهاية المطاف أنّني مصرّ على عدم الردّ عليهم بأي كلمة ، فتركوني بعد إشباع نهمهم في الشتم.

و أنا لا يعنيني في أمر “الهجوم المعاكس” الذي شنّه عليّ صباح اليوم البوليس السياسي ، أساسا الأعوان الذين إستهدفوني لأنني أعرف أنهم مجرّد دُمى تحرّكها أياد أكبر منها ، و لكن يهمّني أصحاب هذه الأيادي التي حركتهم اليوم في إتجاهي ، لأنتهزها فرصة لأسألهم : هل مازلتم يا سادة يا مادة بعد كلّ هذه السنوات التي عرفتم فيها إصراري ، تتصوّرون أن محاولات سخيفة مثل التي حدثت اليوم ستُحرّك و لو قيد أنملة من درجة تعلّقي بما أنا مقتنع به ؟ أ لمْ تفهموا بعد كلّ هذه السنوات أن مثل هذه التصرفات ماهي إلاّ مضيعة لوقتكم و لوقت أعوان لكم كان من الأفضل أن توجّهوهم لحماية المواطنين من المجرمين لا لحمايتكم أنتم من قلمي و أقلام أمثالي؟

ملاحظة في الختام : . . و رغم كلّ شيء ، شكرا على المجموعة التي أرسلتموها اليوم فلولاها ما عرفت أنّ مقالي أمس بصحيفة “المصريون” عن إيقاف مجلة عماد الطرابلسي بالتزامن مع الأحداث الأخيرة(و الذي رددتم عليّ بشأنه بوضوح من خلال إعتداء اليوم)، قد أربككم و لامس فعلا الحقائق الخفية التي لا تريدون أن يذهب إليها نور الإعلام . . طمأنتموني الله يطمّنكم !

* القلم الحرّ سليم بوخذي