في الثامن والعشرين من نوفمبر 2023، اقترحت المفوضية الأوروبية حزمة من التشريعات الجديدة ل”منع ومكافحة تهريب المهاجرين“، من أجل تحديث التشريعات الحالية بخصوص عمل ونشر فرق وكالة الاتحاد الأوروبي للتعاون في مجال إنفاذ القانون المعروفة اختصارا باسم اليوروبول، بهدف تحسين التنسيق والدعم التحليلي والعملياتي والتقني والجنائي للدول الأعضاء في مجالات مكافحة الجرائم والهجرة غير النظامية، حيث اقترحت المفوضية أيضا تكليف المركز الأوروبي لمكافحة تهريب المهاجرين بالتعاون مع دول ثالثة، بما في ذلك تبادل البيانات الشخصية.

ردا على تلك التشريعات، كشف تقرير نشره تحالف Protect Not Surveil في فيفري الماضي،  بعنوان ”وقف التوسع اللامحدود لصلاحيات المراقبة الرقمية التي تتمتع بها اليوروبول ضد المهاجرين“ أن تلك التشريعات توسع عمليات اليوروبول إلى المراقبة الرقمية التي تسعى ”إلى تجريم ومعاقبة الأشخاص أثناء التنقل وأولئك الذين يقدمون لهم المساعدة الإنسانية“ وأن اليوروبول تسعى، عبر المفوضية الأوروبية، إلى إمضاء اتفاقيات مع دول مثل تونس لتبادل معطيات شخصية في إطار سياساتها لمكافحة الهجرة غير النظامية.

بساط المساعدات الشائك

 رغم الغموض الذي يلف تفاصيل إمضاء مذكرة التفاهم بين تونس والمفوضية الأوروبية في جويلية 2023، لاحت بعض النقاط التي قبضت تونس مقابلها مساعدات أوروبية تحت غطاء دعم الاقتصاد ومساعدة تونس لمكافحة الهجرة غير النظامية، سبق إمضاء تلك المذكرة زيارات مسؤولين أوروبيين من أعلى المراتب. حسب بلاغ للمفوضية الأوروبية في 27 أفريل 2023، تعلقت الزيارة التي قامت بها المفوضية الأوروبية للشؤون الداخلية إيلفا جوهانسون إلى تونس، والتي التقت وزير الداخلية آنذاك كمال الفقيه ووزير الشؤون الاجتماعية السابق مالك الزاهي ونبيل عمار وزير الخارجية السابق، بتعزيز التعاون العملياتي مع وكالات الاتحاد الأوروبي ذات الصلة مثل يوروجوست ويوروبول، وحسب البلاغ ذاته ”ستعمل السلطات التونسية ذات الصلة ويوروبول على الانتهاء من المفاوضات بهدف توقيع ترتيبات عمل“.

27 أفريل 2023 تونس – نبيل عمار وزير الخارجية السابق يستقبل إيلفا جوهانسن مفوضة الاتحاد الأوروبي للشؤون الداخلية – وزارة الخارجية

حسب وثيقة صادرة عن مجلس الاتحاد الأوروبي، يوم 15 ديسمبر 2023، يعمل الاتحاد الأوروبي على تكثيف وإضفاء الطابع الرسمي على تعاون وكالات الاتحاد الأوروبي وهي ”فرونتكس“ و”يوروبول“، ”سيبول“ و”إي يو إيه إيه“ و”يوروجوست“، مع تونس، وأنه قد سبق أن نُظمت زيارة وفد تونسي إلى فرونتكس في فرصوفيا يومي 13 و14 سبتمبر 2023 من أجل التعريف بالوكالة، وضمّ الوفد التونسي أفرادا من وزارة الدفاع  وخفر السواحل وشرطة الحدود ترأسته وزارة الخارجية، وقام باستقبالهم مدير فرونتكس هانز ليغتنز. وحسب الوثيقة ذاتها، أظهر الوفد التونسي ”اهتماما بالانخراط تدريجيًا في الحوار مع فرونتكس لكنه شعر أنه من السابق لأوانه بدء المحادثات بشأن ترتيبات ذلك“.

تذكر الوثيقة ذاتها أن وكالة اليوروبول تنتظر الرد من تونس بشأن مسودة الاتفاق المقترحة، وأن تونس عقدت مشاورات داخلية بين وزراء الداخلية والعدل والخارجية بشأن نص الترتيبات العملية المشتركة مع اليوروبول، وخطا الاتحاد الأوروبي نحو إعادة إطلاق النقاش بشأن اتفاق دولي لتبادل البيانات الشخصية بين اليوروبول والسلطات التونسية.

قبل إمضاء مذكرة التفاهم مع الاتحاد الأوروبي التي تهدف لتصدير حراسة حدودها البحرية مع تونس مقابل مساعدات، أي في 14 جوان 2023، زار محللو بيانات ممن يسميهم الاتحاد الأوروبي بأجهزة إنفاذ القانون، من تونس والأردن وإسرائيل وكالة يوروجست، وكان ضمن تلك الزيارة، ممثلون عن وكالة يوروبول وسيبول، تعلقت الجوانب الرئيسية التي طرحت خلال هذا اللقاء بالتعاون المحتمل من خلال المنصة الأوروبية متعددة التخصصات لمكافحة التهديدات الإجرامية المعروفة باسم EMPACT، وكانت تلك الزيارة تحت غطاء مشروع Euro Med Police وهو مشروع أطلقه الاتحاد الأوروبي وانخرطت فيه تونس صحبة تسع دول أخرى من ضمنها إسرائيل، من ضمن أهدافه ”ضمان بناء القدرات التي تُحدد وفق المجالات ذات الأولوية بعد تحديد الاحتياجات والثغرات من قبل سلطات البلدان الشريكة جنوب المتوسط وتعزيز تبادل الخبرات والممارسات الفضلى القائمة“.

يسعى الاتحاد الأوروبي إلى إحياء مشروع مذكرة تفاهم بين المفوضية الأوروبية وتونس من أجل تبادل المعلومات حول الإرهاب والهجرة غير النظامية يعود إلى سنة 2017، وقد صدرت توصية بشأن قرار المجلس الأوروبي يسمح بفتح مفاوضات بشأن اتفاقية بين الاتحاد الأوروبي وتونس تتعلق بتبادل البيانات الشخصية بين اليوروبول والسلطات التونسية المختصة لمكافحة الجرائم الخطيرة والإرهاب والهجرة غير النظامية، حيث يرى الاتحاد الأوروبي أن تونس بحاجة إلى دعم متخصص من اليوروبول لتعزيز قدراتها وتحسين تبادل المعلومات.

يجوز لليوروبول حسب ما ينص عليه موقعه ”نقل البيانات الشخصية إلى سلطة في دولة ثالثة أو إلى منظمة دولية على أساس قرار ملاءمة من المفوضية الأوروبية و/أو اتفاقيات الاتحاد الأوروبي بشأن تبادل البيانات الشخصية من قبل اليوروبول التي أبرمها الاتحاد وفقًا للمادة 218 من معاهدة عمل الاتحاد الأوروبي“.

مقر يوروبول المركزي بلاهاي هولاندا – يوروبول

بيانات شخصية بين يدي الجلادين

ينتقد تقرير ”وقف التوسع اللامحدود لصلاحيات المراقبة الرقمية التي تتمتع بها اليوروبول ضد المهاجرين“ الذي نشره تحالف Protect Not Surveil إطلاق يد الوكالات الأمنية التي تطال بيانات شخصية في دول الجنوب ويقول إن ”النتيجة هي قانون من شأنه أن يخلق المزيد من الضرر والتمييز ضدّ المهاجرين والجهات الفاعلة الإنسانية على أيدي سلطات إنفاذ القانون في الاتحاد الأوروبي، في حين يفشل في مواجهة نموذج الأعمال لشبكات التهريب المنظمة. وبالتالي، يمكن فهم توسيع صلاحيات اليوروبول على أنه استيلاء على السلطة يتم تبريره بشكل ساخر وبأثر رجعي بالقلق المصطنع بشأن الأشخاص أثناء التنقل“. وحسب التقرير ذاته فإن حزمة التشريعات الجديدة لليوروبول توسع بشكل غير قانوني البنية التحتية للمراقبة الرقمية في الاتحاد الأوروبي دون ضمانات مناسبة في سياق البيانات البيومترية، لأن معالجة البيانات البيومترية تشكل تدخلا خطيرا في الحق في الخصوصية وحماية البيانات الشخصية وتتطلب الامتثال لمبادئ الشرعية والضرورة والتناسب، وأن التوسيع المقترح في صلاحيات اليوروبول وفرونتكس ”يفتح بوابات العنف والإفلات من العقاب ضد المهاجرين ويشرع الممارسات غير القانونية لشرطة الاتحاد الأوروبي ووكالات الحدود. بالإضافة إلى ذلك، دعم الاتحاد الأوروبي لسنوات قوات الأمن وعززها في ليبيا والمغرب والنيجر ومصر وموريتانيا وتونس وأماكن أخرى، على الرغم من الانتهاكات الموثقة لحقوق الإنسان في هذه البلدان“.

يصف تقرير التحالف ترفيع اليوروبول من تبادل البيانات والأنشطة العملياتية مع دولة ثالثة بأنه تجاهل واضح لانتهاكات حقوق الإنسان، حيث سيلحق الضرر بالمهاجرين وبالمنظمات الإنسانية التي تعمل على إنقاذ المهاجرين عن طريق توجيه تهم ”التحريض“.

يرتكز التقرير في انتقاداته لمقترح توسيع سلطة المراقبة لليوروبول بغياب تقييم تأثيراتها، ويستشهد على ذلك بموقف المشرف الأوروبي على حماية البيانات الذي وثّق سابقا الغياب الواضح لأسس معالجة كميات كبيرة من المعلومات الحساسة لدى اليوروبول، ويقول:

على هذه الخلفية وتحت رعاية المفوضية الأوروبية شهدت سلطات اليوروبول زيادة مطردة منذ إنشائها كوكالة تابعة للاتحاد الأوروبي في عام 2009، مع إصلاحين جوهريين في عامي 2016 و2022. وهذا على الرغم من الانتقادات المستمرة لممارساتها في التعامل مع البيانات. ومن خلال اقتراح زيادة سلطات المراقبة لليوروبول دون تقييم التأثير المناسب، فإن هذا الاقتراح يخاطر بتبرير انتهاكات البيانات الشخصية والحقوق الخصوصية للمهاجرين، وزيادة تجريمهم بشكل غير عادل، مما يجعل اقتراح المفوضية بتوسيع سلطات جمع البيانات لليوروبول أكثر إثارة للقلق. ومن شأن اللائحة الجديدة أن تعزز أيضًا التعاون بين اليوروبول وفرونتكس، وكالة الحدود وخفر السواحل التابعة للاتحاد الأوروبي، مما يعزز صلاحيات كل منهما. وقد تبين أن فرونتكس متواطئة في انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها حرس الحدود، مثل عمليات الصد على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي. لذلك، نجد أنه من النفاق أن تنسب المفوضية الأوروبية مسؤولية وفيات المهاجرين، وخاصة في البحر، إلى مهربي المهاجرين، واستغلال الإصلاحات من أجل زيادة القدرات العملياتية لفرونتكس، فضلا عن إضفاء الشرعية على ممارساتها غير القانونية في تبادل البيانات مع اليوروبول.

وينبه إلى أن الاتحاد الأوروبي أضفى الشرعية على الممارسات القمعية التي تقوم بها الشرطة والتي ترتكبها الأنظمة الاستبدادية وتلك التي ترتكب جريمة الفصل العنصري في ثماني دول شريكة معها في سياسات الهجرة، وهي تركيا والمغرب والجزائر وتونس ومصر والأردن وإسرائيل ولبنان، حسب التقرير.

فيفري 2024 ألمانيا – اليوروبول يوقف 19 متهما بتنظيم عمليات هجرة غير نظامية – الشرطة الفدرالية الألمانية

في جويلية 2021، نشر موقع State Watch  تقريرا عن صلاحيات وكالة فرونتكس في استخدام البيانات الشخصية من أجل التعامل مع الجرائم العابرة للحدود، وذكر أن فرونتكس والمفوضية الأوروبية ”تجاهلتا مراقبي حماية البيانات الخاصين بهما بخصوص توسيع صلاحيات هذه الوكالة الذي تعرض لانتقادات شديدة بسبب جمع البيانات الشخصية  للمهاجرين واللاجئين لتغذية قواعد البيانات الجنائية الضخمة التابعة لليوروبول، سعت إدارة أقوى وكالة في الاتحاد الأوروبي إلى تجاهل نصيحة مسؤول حماية البيانات لديها، وهو ما يشبه محاولات سابقة لتهميش مسؤول الحقوق الأساسية في الوكالة في الفضيحة المتعلقة بعمليات الإعادة القسرية على الحدود اليونانية التركية والعمليات على الحدود المجرية الصربية“.


مخاوف من سوء استغلال بيانات بطاقة التعريف البيومترية، حوار مع شريف القاضي
– 10 جانفي 2024 –

وسط أجواء تسودها شيطنة معارضي السلطة، تنتظر لجنة الحقوق والحريات بالبرلمان سماع آراء الخبراء حول مشروع قانون جوازات السفر البيومترية، في ظل تخوفات حقوقية من فرضيات الاعتداء على المعطيات الشخصية. لتفسير هذه المحاور وغيرها، حاورت نواة شريف القاضي محلل السياسات بمنظمة أكسس ناو.


لم تفصح تونس عمّا إذا كانت قد خضعت بالفعل إلى إملاءات الاتحاد الأوروبي بخصوص تبادل البيانات الشخصية للمهاجرين غير النظاميين، غير أن مؤشرات الغموض بخصوص قانون جوازات السفر البيومترية الذي يلف تعاطي وزارة الداخلية مع البيانات الشخصية، رغم تحذيرات خبراء من ذلك، بالإضافة إلى واقع الانغلاق السياسي في تونس واستهداف النشطاء الحقوقيين لا سيما في مجال الهجرة وسوابق نظام 25 جويلية في الحرص الشديد على حراسة حدود أوروبا البحرية، ترفّع من فرضيات امضاء تونس على اتفاق تبادل البيانات الشخصية مع وكالات الاتحاد الأوروبي لحراسة الحدود، وذلك في ظل تجميد الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية التي من المفترض أن تتنبّه إلى أخطار تسليم البيانات الشخصية إلى البوليس الاوروبي.