خلال استعراض التقرير الدوري الشامل لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في فيفري 2023، أنكرت تونس الملاحقة القضائية للمثليين والمثليات على خلفية التوجهات الجنسية وقالت في ردها إنه منذ 2017، لم يتم تتبع سوى ثلاثة أشخاص بموجب الفصل 230 وأن هؤلاء الموقوفين لم يتم إخضاعهم للفحص الشرجي الذي وصفته أنه إجراء تعتمده تونس فقط لإثبات جريمة اغتصاب القصّر وليس لملاحقة المثليين.


نواة على عين المكان: مسيرة دعما لضحايا التعذيب ورفضا للفصل 230
– 26 جوان 2024 –

احياء لليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب تجمع، الاربعاء 26 جوان، نشطاء في بطحاء سجن 9 أفريل سابقا وأمام محكمة الاستئناف بالعاصمة تزامنا مع محاكمة مواطنين على معنى الفصل 230 المجرم للمثلية. المشاركون في التحرك الذي نظمته جمعية دمج والهيئة الوطنية لمكافحة التعذيب دعوا إلى ضرورة تحسين ظروف الإقامة في السجون ومراكز الاحتجاز وإيقاف عمليات التعذيب، كما ندد المشاركون بتواصل إحالة أفراد من مجتمع الميم عين على معنى الفصل 230 وتواصل عمليات الفحوصات الشرجية المهينة.


 في المقابل تكذّب معطيات رسمية تحصلت عليها جمعية دمج من وزارة العدل، سنة 2021، رواية تونس أمام مجلس حقوق الإنسان، حيث تقر الوزارة أن عدد المسجونين والمسجونات بموجب الفصل عدد 230 من المجلة الجزائية، وصل إلى 154 سنة 2020 وكان العدد الأعلى بعد الثورة هو 320 سنة 2015. من ضمنهم 4 نساء. في حين وصل عدد المسجونين على خلفية هذا الفصل 222 شخصا سنة 2018، و177 في العام 2019.

شهادات تدحض الرواية الرسمية

تحصلت نواة على شهادة ”أ. ج“ الذي سجن على خلفية الفصل 230 المثير للجدل، ونال حكما بالسجن ثلاثة أشهر. في العام 2018، تم إيداعه بالسجن المدني بسيدي بوزيد.

بدأت قضية ”أ.ج“ البالغ من العمر 22 سنة آنذاك، وهو ينتمي إلى مجتمع ميم عين، حين كان في زيارة إلى شريكه في إحدى معتمديات سيدي بوزيد، حيث تشاجر شريكه مع جاره وتطوّر الشجار ليصل الأمر بإيقاف أ. ج صحبة شريكه وجاره. يقول ”أ. ج“ في تصريح لنواة:

لم أستوعب أمر إيقافي صحبة شريكي وجاره خاصة أنه لا يوجد أي دليل قانوني على التهمة التي وُجّهت لي بعد وشاية جار شريكي به للشرطة، حيث حُجز هاتفه وحصلت الشرطة على الفيديوهات والصور التي كانت في الهاتف ولم يجدوا أي دليل على إدانتي. أودعنا في غرفتي إيقاف منفصلة في مركز الأمن بمنزل بوزيان، كنت حينها شابا يافعا، فحاول أحد الأعوان التحرش بي بإظهار عضوه الذكري، فقاومته فعاقبني بالتبول عليّ، حينها فكرت في الهرب. كان جميع الأعوان نائمين في تلك الليلة، فتمكنت من فكّ يدي من القيود، وتفقدت المكان قبل أن أسترجع بطاقة هويتي وأخذت معي محضر استنطاقي وتسلقت الباب الخارجي لمركز الشرطة وانطلقت هاربا داخل حقول الزيتون والتلال. حين طلع الصباح، وجدت نفسي في مدينة المكناسي، لكن كان حظي سيئا لأن الشرطة كانت تبحث عني ومرت السيارة أمامي، فهربت منهم واختبأت في دار الثقافة، ودل الموجودون الشرطة عن مكاني بعد أن زعم الأعوان أنني إرهابي، وقبضوا علي.

تم استنطاق ”أ.ج“ مرة أخرى وتعرض للضرب والشتم على خلفية هويته الجنسانية، وحُجز هاتفه واتصل أحد الأعوان بوالده قائلا ”ابنك موقوف بتهمة اللواط“، وكانت تلك المكالمة كافية لأن تقطع العائلة صلتها به في ذلك الوقت، ولم يقم والده بزيارته طيلة فترة سجنه. أُحيل ”أ. ج“ على وكيل الجمهورية، قبل أن يتم عليه الحكم بستة أشهر سجنا.

يقول ”أ. ج“ لنواة انتقم مني أعوان السجن بسبب هويتي الجنسانية أولا وبسبب محاولة هروبي من الإيقاف. فبمجرّد وصولي إلى السجن المدني بسيدي بوزيد، طلبوا مني نزع ملابسي واعتدوا علي بالضرب، ثم وضعوني في غرفة تضم سجناء تتراوح أعمارهم بين 18 وثلاثين سنة. كان جميعهم على علم بالتهمة الموجّهة إلي، لذلك منعني السجناء من النوم داخل الغرفة، واعتدى علي بعضهم بالضرب وأجبروني على النوم في المرحاض. كان نصيبي كلّ يوم صفعتين من قبل الأعوان عند عملية عد المساجين في الصباح وفي المساء، حينها تيقّنت أنني سأواجه أوقاتا جهنمية”.

جوان 2024 تونس العاصمة – ”هويتنا ليست جريمة“ ”يسقط فصل العار من بقايا الاستعمار“ من الشعارات التي رفعتها جمعية دمج مطالبة بوقف العقوبات المزدوجة في حق مجتمع الميم عين – صور نواة – علاء العقربي

كان السجناء في سجن سيدي بوزيد مقسمين على ثلاثة غرف حسب الأعمار، الأولى تسمى غرفة الشباب التي تضم المساجين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و30 سنة، والثانية تضم السجناء بين 30 و45 عاما، أما الثالثة فتضم بقية السجناء الكبار في السن.

نُقل ”أ. ج“ لغرفة الكبار، وأجبره السجناء في تلك الغرفة على النوم في المرحاض، وحسب قوله، يتم نقل السجناء من غرفة إلى أخرى بطلب من ”كبران“ الغرفة الذي ينسق مع أعوان السجون هناك، وذلك في حال أُعجب بسجين ما. يقول ”أ. ج“ في شهادته لنواة:

تعرّضت إلى التحرش، وكان الأمر أشبه بصفقة إما القبول بالمعاشرة الجنسية مع الكبران أو أحد السجناء، أو الجحيم مثل النوم في المرحاض والحرمان من الأكل، تكتّل الجميع ضدّي بسبب هويتي الجنسانية، وفي إحدى المرات أجبرني الأعوان على النوم في الآريا. لم أرضخ لطلب كبران الغرفة بمعاشرته وكان نصيبي الضرب، وفي إحدى المرات نُقلت بالقوة لغرفة كبران العملة الذي أراد معاشرتي لكنني رفضت ذلك بقوة. في إحدى المرات رفضت طلب كبران إحدى الغرف بالنوم معه، ونُقلت إلى الغرفة التي يُشرف عليها ثم أرجعت بسرعة إلى غرفة الشبان بسبب زيارة تفقدية للسجن، وحين انتهت الزيارة، أعادوني مرة أخرى إلى غرفة الكبار وتعرضت إلى الضرب والخنق، شارفت على الموت لأنني كنت مصابا بالربو وهددني الكبران الذي كان محكوما بالإعدام بالقتل إذا اشتكيت لمدير السجن فخيّرت الصمت.

يُرجع ”أ. ج“ انتقام المساجين منه بعد كل مرة يُنقل فيها إلى المحكمة لحضور جلسة محاكمته، بحضورهم معه في الجلسة ذاتها، حيث يُنقل جميعهم إلى المحكمة ويكونون على اطلاع بالتهم الموجّهة إليه، فينتقمون منهم بالضرب أو بالتحرش به، وهو ما جعله يطلب من القاضي جلسة مغلقة لأنه كان يتعرض للضرب والتحرش من السجناء الذين يُنقل معهم للمحكمة، ووصل الأمر ب”أ.ج“ إلى إنكار هويته الجنسانية حتى يتجنب الضرب والإهانة.

يعتبر تقرير ”أصحاب المصلحة“: الاستعراض الدوري الشامل لتونس إن وضع الأشخاص المثليين جنسيا ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسية في السجون، مثير للقلق للغاية، حيث يتعرضون لجميع أشكال سوء المعاملة.


حملة ضد مجتمع الميم عين: حوار مع فاطمة الزهراء اللطيفي عن جمعية دمج
– 17 أوت 2023 –

تعرض مجتمع الميم عين صائفة 2023 إلى حملة كراهية وتحريض تجاوزت حد الهرسلة على مواقع التواصل الاجتماعي. للوقوف على خفايا هذه الحملة، التي انطلقت الكترونيا وامتدت الى مضايقات في الفضاء العام واستهداف النشطاء، حاورت نواة فاطمة الزهراء اللطيفي رئيسة جمعية دمج للعدالة و المساواة و الباحثة في الدراسات الجندرية.


يقول ”أ.ج“ : ”كانت تجربتي في السجن قاسية جدّا، لكنني صمدت وواجهتها بقوة. أُفرج عنّي بعد قضاء نصف مدة عقوبتي، بكيت كثيرا بعد خروجي من السجن لكنني تجاوزت تلك التجربة، لذلك كانت لي الشجاعة في أن أروي قصتي حتى يستفيد منها كل من عاشوا أو سيعيشون تجربة السجن على معنى الفصل 230. أفكّر كثيرا في الشبان وفي الأشخاص الذين لا يمكنهم تخطي الأمر، خاصة أن سلامتهم الجسدية والنفسية على المحك. نحن نعيش في سجن كبير وهو المجتمع خاصة ممن ينحدرون من بيئة محافظة، وتجربة السجن بالنسبة للمنتمين لمجتمع ميم عين قاسية جدا لأنهم يواجهون عقوبات مضاعفة من السجناء والأعوان أيضا بسبب هويتهم الجنسانية، حتى يصل الأمر ببعضهم إلى إنكار ذواتهم ليضمنوا شيئا من السلام الذي يتمتع به غيرهم من المساجين“.

قدم تقرير نشرته جمعية تقاطع بعنوان ”الكوير في تونس الوجوه الحقيقية للعدالة المغيبة بورتريهات توثيقية للعنف والإقصاء“ شهادات لمن عاشوا أشكالا متنوعة من العنف بسبب توجهاتهم الجنسانية، وكان من ضمن تلك الشهادات شهادة ”إيزيس“ وهي عابرة جنسية حُكم عليها بالسجن مدة ثلاثة أشهر، وذلك بعد أن اعتدى عليها شخص بالضرب فقامت بدورها بضربه، وروت إيزيس أنها عاشت حالة اكتئاب قصوى بسبب سجنها حيث تقول :

السـجن مـكان سـيء للغاية، ولا يمكنـك أن تتمنـى أن يذهـب إليـه أحـد. ليسـت لديـك أيـة فكـرة حـول مـدى سـوء معاملة الأعوان لنا، الشتم مستمر دائما وهم يستعملون كلمــات سيئة للغاية، وهــم يتعمدون الّلّــجوء المتواصل للكلمات الّنّابــية من أجل ترهيبك. َ

في الغرفة التي تم سجني داخلها، إذا ما رفضت طلبا جنسيا لأحدهم، سيقوم بتحريض الجميع لاغتصابك.

تعتبر ”إيزيس“ أن الوضع في ظل النظام السياسي الحالي أصبح أكثر تعقيدا، حيث تكثفت حملات الاعتقال ضد العابرات والعابرين جنسيا خاصة خلال احتفالات رأس السنة، وأصبح السجن مصيرا حتميا لهم / لهن.

معاناة العابرين جنسيا المضاعفة

يواجه مجتمع الميم عين ممن يتم إيقافهم أو الحكم عليهم بالسجن وضعيات صعبة، غير انه للعابرين والعابرات جنسيا وضع خاص جدا، حيث تتضاعف العقوبة ضدّهم / ضدّهن داخل السجن. بقول بدر بعبو، وهو أحد مؤسسي جمعية دمج، في تصريح لنواة ”تواجه العابرات جنسيا اللاتي يتم الحكم عليهن بالسجن وينقلن إلى سجن للرجال، عقوبات مضاعفة. تلقينا شهادات كثيرة لسجينات عابرات جنسيا، ولدينا شهادات مثلا عن سجن المرناقية الذي يحتوي على جناح خاص يسمى جناح ”ه و” أو ”بيت الصيودة“، حيث تودع السجينات العابرات جنسيا، وتتقاطع شهادات العابرات في سجن المرناقية حول إهانة أعوان السجن لهن بمجرد وصولهن حيث يتم تعريتهن بالكامل، وسط جمع من الأعوان الذين يقفون للتمعن في أجسادهن باعتبار أن أشكالهن أنثوية ويحملن أعضاء تناسلية ذكورية. ثم تنقلن إلى الجناح الخاص وهو عبارة عن زنزانة منفردة بتعلة حمايتهن، غير أنهن يلقين معاملة مهينة حيث يجبرن على حلق رؤوسهن بالكامل، رغم أننا قمنا بحملة ضد تلك الممارسة في سجن المرناقية فاستجابت إدارة السجن لنا قبل العودة إلى ممارساتها منذ سنة 2023“.

يخصّص سجن النساء المسعدين بالمنستير وسجن المرناقية منذ عهد بن علي، جناحين خاصين بالسجينات العابرات جنسيا، ولا تختلف وضعيتهن في سجن النساء عن سجن الرجال، حيث تواجه السجينات العابرات جنسيا إهانات متكررة من قبل غيرهن السجينات حيث يتم منعهن من الدخول إلى الفضاءات المشتركة مثل المطبخ أو المرحاض.

وصل عدد السجينات العابرات والعابرين جنسيا بين العامين 2011 و2018 إلى ثلاثة آلاف سجينة وسجين على خلفية الهوية الجندرية حسب إحصاءات رسمية تحصلت عليها دمج. وتواجه جميع العابرات جنسيا التحرش والاتجار بأجسادهن، حيث يتم بيعهن من قبل أحد السجناء مقابل علبة سجائر دون رضاهن. كما تكون غالبيتهن تحت سطوة سجين وغالبا ما يكون كبران الغرفة، حيث يختار السجينة العابرة جنسيا لتكون شريكته الجنسية دون رضاها، وإذا قاومت يكون نصيبها العقاب وترسل إلى غرفة أخرى تضم سجناء يقضون أحكاما طويلة بالسجن وغالبا ما تكون جرائمهم الاغتصاب، وتكون العابرات جنسيا فريسة لهؤلاء بسبب كبتهم الجنسي، حسب بدر بعبو.

جوان 2024 تونس العاصمة – تحرك لنشطاء كويريين بمناسبة اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب – صور نواة – علاء العقربي

تقضي بعض العابرات جنسيا عقوبات بالسجن على معنى الفصل 231 من المجلة الجزائية الذي ينص على أن ”النساء اللاتي في غير الصور المنصوص عليها بالتراتيب الجاري بها العمل يعرضن أنفسهن بالإشارة أو بالقول أو يتعاطين الخناء ولو صدفة، يعاقبن بالسجن من ستة أشهر إلى عامين“، وهو ما يُعدّ اعترافا من الدولة بهويتهن الجندرية، لكن في المقابل يتم إيداعهن في سجن للرجال. فور الإفراج عنهن، تتعرض العابرات جنسيا إلى أزمات نفسية تصل بهن إلى حد محاولة الانتحار أو إيذاء أنفسهن جسديا. يقول بدر بعبو لنواة :

تخرج السجينات العابرات جنسيا من السجن بنفسية مدمّرة، باستثناء فئة قليلة منهن ممن تلقين الدعم من الأم أو الأخت، أما البقية فتدخلن قسرا إلى سجن العائلة. لدينا شهادات عن سجينات سابقات من العابرات جنسيا، وقع تقييدهن في غرفة مغلقة في منزل العائلة حيث يتم حلق رؤوسهن وحواجبهن من أجل إهانتهن، فيما كان مصير أخريات هو الطرد من منزل العائلة ليصبحن دون مأوى فيقعن فريسة للاستغلال الجنسي أو للعمل في الجنس من أجل توفير ثمن الأكل والمبيت. وكل تلك الظروف تترك آثارا دامية وجروحا في نفوسهن جميعا، قادت بعضهن إلى الجنون.

تعرّف منظمة العفو الدولية التعذيب بأنه ”يقع عندما يتسبب شخص ما، بصفته الرسمية، في الألم النفسي أو البدني أو معاناة شديدة لشخص آخر لغرض محدد“، صادقت تونس على اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة والعقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة وينص الفصل 25 من الدستور التونسي على أن الدولة تحمي كرامة الذات البشرية وحرمة الجسد، وتمنع التعذيب المادي والمعنوي، وأن جريمة التعذيب لا تسقط بالتقادم. في المقابل تؤكد روايات الكويريين وتقارير الجمعيات التي تفاخر بها السلطة في المحافل الدولية، أن حزمة القوانين المحلية والدولية التي صادقت عليها تونس ظلّت حبرا على ورق.