قررت مجلة “حقائق” إجراء لقاء صحفي مع عدد من المرشحين لعمادة المحامين و حضر الأستاذ محمد النوري في الموعد الأول الذي وقع تأخيره لعدم حضور بعض زملائه و تم اللقاء بحضور البعض و غياب البعض الآخر و وقع استجواب الأستاذ محمد النوري حول بعض المواضيع على أمل الحاق أجوبته ببقية الأجوبة لكنه وقع إشعاره صباح هذا اليوم بأنه تعذر ذلك لغلق تحرير المجلة.

لذا فالرجاء نشر رأي الأستاذ محمد النوري بالنسبة للمواضيع التي تم استجوابه عنها في نشرتكم القادمة و لكم مني أطيب و أزكى السلام

السؤال الأول : الجواب على هذا السؤال يستغرق لوحده كامل الصفحات المخصصة لهذا اللقاء وباختصار شديد أقول :

الجواب : نعم هنالك أزمة ويمكن أن نقول أنها أزمة مستفحلة يستعصي حلها حسب تقديرات البعض فهنالك من يرجع الأزمة لأسباب سياسية وهنالك من يرجعها لأسباب اقتصادية وهنالك من يرجعها لأسباب مهنية وهنالك من يقول أن أسبابها أخلاقية وآخر يجزم بأن أسبابها تشريعية لجنة وآخرون يرجعونها لأسباب جبائية وأنا أقول أنها نتيجة حتمية لجميع تلك الأسباب.

وللجواب على سؤالك وإذا ما تركنا الأسباب السياسية جانبا فأنا أقول أن أسباب الأزمة تبقى كثيرة .

وفي ظاهرها تبدو هذه الأزمة مادية ونحن إذا ما أخذنا هذا السبب بالتحليل نلاحظ مستوى عيش المحامي أصبح يتدهور باطراد من سنة لأخرى في حين أن مستوى عيش من يحيطون بالمهنة من عدول تنفيذ وخبراء وغيرهم من المتعاونين مع القضاء يتحسن ونحن لا نحسدهم على ذلك بل بالعكس نطالب بتحسين ظروفنا المادية مثلهم وإذا ما أخذنا هذا السبب أي السبب المادي بالتحليل نجد أن انخفاض مستوى العيش بالنسبة للمحامي كان نتيجة لعوامل كثيرة أولها تدني أجور المحامين وهذا يرجع في جزء كبير منه إلى فقه القضاء فالقضاء يقدر أجور الخبراء بمئات وربما بآلاف الدنانير بينما يحدد أتعاب الدفاع وأجرة المحاماة بمبالغ لا تتعدى في أغلب الأحيان بمائتين أو ثلاثمائة دينار في حين أن ما تحكم به لا يكاد يكفي لتسديد التكاليف من أجور الكتبة وماء وكهرباء وصيانة المعدات ولقائل أن يقول أن ذلك لا يهم كثيرا مادامت الأجرة تحدد باتفاق بينه وبين حريفه في حين أن ذلك وإن كان في ظاهره صحيحا فإنه في الحقيقة غير ذلك لأن المحامي لا يشارك حريفه في أمواله ولأن الحريف إما أن يكون طالبا أو بمعنى آخر يكون مهضوم الجانب ومتضررا في أغلب الأحيان فإنه لا يعقل إثقال كاهله بمبالغ لا يمكنه القضاء من استرجاعها كاملة وإما أن يكون مدعى عليه وفي أغلب الحالات يشكو من حالات العسر التي كانت سببا في عدم وفائه بالتزاماته تجاه المدعي ولا يمكنه أن يدفع أجرة المحامي كاملة إلا في بعض الحالات.

وأجرة المحامي التي كانت في الماضي تحدد في العقود بنسبة تفوق الواحد بالمائة من قيمة ما وقع التعاقد بشأنه نجد فيها مزاحمة أقرها القانون الذي حددها يمبالغ زهيدة بالنسبة لمن يتولون تحريرها من أعوان إدارة الملكية العقارية بينما يقع تقدير أجور المحامين من طرف القضاء الأجنبي بما يكفي وزيادة لتوفير مدخول محترم للمحامي يمكنه من سداد نفقات المكتب وخلاص الأداءات وتغطية حاجياته مع المحافظة على مستوى عيش مرتفع نسبيا بالنسبة للطبقات الشعبية المتوسطة ثانيهما إذا كانت الأجور متدنية فهذا يجعل المحامي يبحث عن مضاعفة عدد القضايا التي يقع تكليفه بها وإذا لم يتحقق له ذلك فربما يلجأ إلى السماسرة أو إلى قبول أجور متدنية تعرضها عليها بعض الشركات ويدخل آنذاك في مزاحمة غير شريفة مع زملائه ويرهق نفسه بعدد كبير من القضايا لا تدر عليه كثيرا من الربح ظنا منه أن الكم يعوض عن الكيف فهنالك محامين يقع تكليفهم بتحرير عقود بأجور متدنية للغاية على أساس أن كثرة تلك العقود تحقق لهم في نهاية كل شهر الربح المنشود لخلاص الكتبة ودفع معينات الكراء وهم لا يعلمون أن الإدارة الجبائية في انتظارهم في منعطف الطريق لتلتهم الأخضر واليابس.

هذا من جهة ومن أخرى نلاحظ أن انخفاض عدد القضايا يرجع للقوانين التي صدرت في السنوات الأخيرة والتي أدت إلى تقليص مجال تدخل المحامي وهذا له سبب تشريعي .

وبالنسبة لعدد كبير من المحامين فإن انخفاض عدد القضايا التي يسند لهم حق الدفاع فيها يرجع لعدم تمتيعهم بنصيب من قضايا الدولة والمؤسسات العمومية والشركات القومية التي لا توزع القضايا على المحامين حسب الكفاءات وإنما توزعها حسب الولاءات وهو ما قسم المحامين بين موالين ومحرومين والمحامون يساهمون جميعهم في تنمية مداخيل الدولة بواسطة الجباية وتبعا لذلك ينبغي التعامل معهم بالعدل في توزيع القضايا عليهم أو على الأقل حسب الكفاءات .
هذا بخصوص الأسباب المادية اللازمة .

السؤال الثاني : هل المحاماة مستهدفة ؟

الجواب : هذا السؤال يستبطن أو يخفي جوابا سياسيا ربما يراد استدراجنا إليه فالمحاماة تشارك في إقامة العدل و دورها هو البحث عن الحقيقة التي لا تخلو لكثيرين و من أجل ذلك تقع معاداتها و ربما و ربما استهدافها من طرف القوى المعادية للحق والعدل.

أما إذا كان الهدف من السؤال هو معرفة ما إذا كانت المحاماة مستهدفة من طرف السلطة الحاكمة فينبغي توجيه هذا السؤال إليها و أنا أقول أنه لا مصلحة للسلطة في معاداة المحاماة أو في تجويع المحامين لأن ذلك من شأنه أن يؤجج الغضب في صفوفهم و يؤدي إلى توتير الجو العام.

و إذا كانت الظروف قد أوصلتنا إلى هذه الحالة من التوتر فينبغي التفكير من الآن في تنقية الأجواء و ذلك بدراسة أسباب التوتر و العمل على إزالتها و هذا بالإمكان الوصول إليه.

السؤال الثالث : هل ستترشح لفترة واحدة ؟

الجواب : نعم , سوف لن أعيد ترشحي مرة أخرى لأني سأعمل في صورة انتخابي عميدا طول الوقت و سأحضر اجتماعات اللجان التي هي بصدد التكوين و سأدرس جميع المشاكل و العمل على فضها و تحديد الطلبات و دعمها بدراسات جدية و سأتنقل إلى جميع الجهات لأكون باتصال مع جميع المحامين التونسيين أينما كانوا و حيث أن ذلك الجهد المتواصل ليلا و نهارا دون عطل سيؤدي إلى إرهاق محقق في نهاية الفترة الانتخابية و هو ما يجعل إعادة الترشح من باب المجازفة بمصالح المحاماة إنه من المفيد بعث سنة التداول على المسؤولية ، فقضاء ثلاث سنوات من العمل الجدي على كرسي العمادة تسبقها ستة أشهر مضنية في إعداد البرنامج الانتخابي والقيام بالحملة الانتخابية يجعل العميد منهكا متعبا في نهاية الفترة الانتخابية الأولى وهو ما يبرر تعويضه بغيره . هذا من جهة ومن أخرى نلاحظ ان العمادة تسند لمن له كفاءة وقدرة على فض مشاكل المحامين والدفاع عنهم والنهوض بالمهنة إلى المستوى المأمول وفي هذا المضمار ينبغي فسح المجال أمام أكبر عدد ممكن من المحامين لتقديم مساهماتهم في النهوض بالمهنة وتشجيعهم على الترشح إذا كانت هنالك فائدة من ترشيحهم .

والمحاماة التونسية تزخر بالكفاءات وحتى يستفيد الجميع من خدمات عدد كبير من زملائهم المتميزين الذين لا يفكرون في الظروف الراهنة مجرد التفكير في الترشح للعمادة تحاشيا للزج بأنفسهم في أتون حرب شعواء لا طائل من ورائها أمام الآلة الانتخابية الرهيبة التي أعدتها بعض التيارات السياسية والتي بدأت تترسخ في أذهان الكثيرين مع مرور الزمان وهذه الآلة الانتخابية كثيرا ما يلجأ أصحابها إلى الدس والمناورات لاستبعاد ذوي الكفاءات . والعميد الذي يقع انتخابه مرة أولى لا يألو جهدا للإعداد لنيابة ثانية ولم لا ثالثة ورابعة مهملا من أجل ذلك نشاطه العادي كعميد ومخصصا وقته للتفرغ للإنتخابات المقبلة دعاية واستعدادا وهي انتخابات كثيرا ما يستبعد فيها ذووا الكفاءات وتكون نتائجها محصورة في تيارات فكرية معروفة بقدرتها على المناورة ومع ذلك وإذا ما حرصنا على التداول على المسؤولية وبذلنا كل جهدنا لاقناع المترشحين بوجوب اتباع تلك السنة فإن الذين يصلون إلى كرسي العمادة من بين ستة آلاف محامي لا تتجاوز نسبتهم إثنين في الألف من بين المحامين ولا ندري إذا كان من يقع انتخابهم مؤهلين للاصطلاع بتلك المسؤولية ومخصصين لها كامل وقتهم ولا يعيقهم ذلك في التفكير أو الاستعداد أو التحضير لدورات انتخابية أخرى .

أما إذا ابتعدنا عن تلك السنة فسوف تحرم المحاماة من كفاءات حقيقية وسوف نضطر لإعادة انتخاب عمداء لاهم لهم الا البقاء بكرسي العمادة على حساب مصلحة المحاماة بوسائل انتخابية أصبحوا يتقنونها ويستفيدون من ممارستهم تلك المسؤولية لتكريسها .

السؤال الرابع : المتعلق بالتكوين

الجواب : التكوين هو أهم موضوع أتناوله في برنامجي الانتخابي إذ أن النهوض بالمحاماة و إخراجها من أزمتها الراهنة يتطلب تحقيق إصلاح جذري في تونسة التمرين.

و أنا أؤمن بأنه لا مستقبل لمهنة المحاماة إلا بتكوين المحامين في طريقة العمل الجديدة السائدة في العالم المنظور إذ بذلك فقط ترتقي المحاماة التونسية إلى المستوى العالمي و يضمن للمحامين التونسيين العمل مع الشركات و المؤسسات الدولية و يزاحم المحامون التونسيون غيرهم في جميع أنحاء العالم .

بالنسبة للمعهد الأعلى للمحاماة , إن ما يطالب به المحامون هو تسيير المعهد الأًعلي للمحاماة من طرف هيئة المحامين التي يكون لها وحدها حق الانتداب وحق الترسيم في الجدول الإضافي وعدم التنازل عن ذلك الحق الذي هو أساس لاستقلالية المهنة حتى لا يفد على المحاماة أشخاص لا يؤمنون بوحدتها وباستقلاليتها وبالمبادئ والقيم التي تسودها وسوف أعمل على تكوين ورشات عمل تشرف عليها الهيئة ، وعلى تنظيم وإدارة الندوات واللقاءات والاجتماعات التي تحصل من جرائها فائدة للمحامين في إطار التكوين . وينبغي فتح باب التفاوض من الآن مع الإدارة لإقناعها بأن المحامين متمسكون باستقلاليتهم وحريتهم مهما كانت الظروف والأسباب ، فالمحاماة بطبيعتها حرة وينبغي أن تبقى كذلك وان لا تكون تابعة أو خاضعة للإدارة. والتجارب خارج تونس عديدة بخصوص تكوين وتأطير المحامين في معاهد يشرف عليها المحامون أنفسهم علما بأن المحاماة تزخر بالطاقات الكفأة وانه بإمكان الإدارة أن تسهم في الاتفاق على المعهد الأعلى للمحاماة بحكم المسؤولية الملقاة على عاتقها في مجال التعليم والتكوين ويكون ذلك مشاركة منها في رفع المستوى الثقافي والتحديثي لمهنة تشارك القضاء في مهمة نشر العدل دون أن تؤدي تلك المساهمة إلى تسيير المعهد من طرف الإدارة .

وينبغي تكوين هيئة قارة يشرف عليها العميد و تكون مفتوحة لجميع المحامين يكون من بين مهامها اعداد وتطوير البرامج التكوينية للمعهد واقتراح تغيير البرامج التي لا فائدة منها إذا اقتضت الضرورة ذلك حتى تلحق بلادنا بركب المحاماة العالمية وما تضطلع به من مهام دعما لرسالة القضاء العادل .

السؤال الخامس : كيف ستتعاملون مع موضوع التقاعد و الحيطة الاجتماعية ؟

الجواب : ينبغي التذكير قبل كل شيء أن للمحامين صندوق للتقاعد و الحيطة الاجتماعية وقع إنشاؤه بموجب القانون المنظم للمهنة و قد كان المتقاضون هم الذين يمولون هذا الصندوق في الماضي بدفعهم معلوما عن كل قضية يسمى معلوم المرافعة و هو معلوم يقع استخلاصه لفائدة المحامين من طرف القباضات المالية و يقع تسليم محصول ذلك المعلوم للهيئة الوطنية للمحامين التي تشرف على الصندوق أمّا الآن فإن تمويل الصندوق يتم من طرف المحامين أنفسهم و من أموالهم الخاصة و ذلك بدفعهم معلوم تامبر بخمسة دنانير عن كل قضية.
و تبعا لذلك يمكن القول بأن هناك ثلاث صناديق للتقاعد و الحيطة الاجتماعية وقع إنشاؤها بموجب القانون لفائدة العمال و الموظفين و المحامين.

و قد تمّ أخيرا أخيرا إنشاء صندوق للتأمين ضد المرض و حدد القانون النسبة المئوية التي يدفعها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي و الصندوق الوطني للتقاعد و الحيطة الاجتماعية للموظفين منخرطي الصندوقين المذكورين بذلك التأمين لكن ذلك القانون تجاهل وجود صندوق ثالث تمّ إنشاؤه بموجب القانون يهم تقاعد المحامين.
فالمشكلة المطروحة بالنسبة للمحامين تتعلق بالتأمين ضد المرض و مصاريف التداوي و العلاج و العمليات الجراحية و قد اقترحت في برنامجي الانتخابي خمس حلول محتملة بناء على دراسات موثقة ينبغي فقط تعميقها و اختيار أحد تلك الحلول و أنا سأدعو في صورة انتخابي عميدا إلى انعقاد جلسة عامة للمحامين لاختيار الحل الأمثل بعد توزيع الدراسات التي نحن بصدد إعدادها من طرف لجان مفتوحة لجميع المحامين و سيقع التفاوض مع الادارات المعنية أو شركات التأمين بالأمر بخصوص ذلك الموضوع بناء على الدراسات التي سيتم إعدادها.

و أنا أعتبر أن الموضوع هام و متأكد و ينبغي أن تقع دراسته بتمعّن و تشريك عدد كبير من المحامين في إبداء الرأي بشأنه.