droit-culture-tunisie

بقلم وليد غبارة،

تعتبر الثقافة مرآة الشعوب، فهي المحرار الذي نقيس به مدى وعي شعب ومساهمته في المنجز الحضاري. لذلك كانت الثقافة ولا تزال رهانا ومشروعا بصدد البناء والإنجاز. ويعتبر الدستور من بين دعائم البناء فهو الأساس القانوني الذي تقوم عليه الدولة. ولكن التأسيس ليس قانونيا فقط وإنما هو أيضا تأسيس ثقافي، وذلك من خلال تدعيم دور الثقافة في النهوض بالشعب ودفعه نحو التقدّم والرقيّ. لذلك نجد الفصل 42 من الدّستور جديد الذي دخل حيّز النفاذ يكرّس صراحة الحق في الثقافة، إضافة إلى حقوق مجاورة لهذا الحق تدعّمه وتسنده. وبالتالي فإن تكريس الحق في الثقافة في الدّستور (I) يمرّ حتما عبر تدعيم الحقوق والحريات المجاورة له (II).

I – تكريس الحق في الثقافة في الدّستور

اقتضى الفصل 42 من الدّستور أن :

الحق في الثقافة مضمون.
حريّة الإبداع مضمونة، وتشجّع الدولة الإبداع الثقافي، وتدعّم الثقافة الوطنية في تأصّلها وتنوّعها وتجدّدها، بما يكرّس قيم التسامح ونبذ العنف والانفتاح على مختلف الثقافات والحوار بين الحضارات.
تحمي الدولة الموروث الثقافي وتضمن حق الأجيال القادمة فيه.

يتّضح من خلال هذا الفصل أنه يكرّس صراحة الحق في الثقافة، ويسند للدولة التزاما ببذل عناية في تشجيع الإبداع الثقافي، الذي يجب أن يكون وطنيا من جهة، ومنفتحا على الثقافات الأخرى من جهة أخرى : فدعم الثقافة الوطنية يحيل أساسا على الخصوصية الثقافية الوطنية في تأصلها وتنوعها وتجددها، ولكن الخصوصية الثقافية لا تعني بأي حال من الأحوال الجمود وإنما تحيل على التجدد والتنوّع. وهو ما يضمن الاستمرار بين الماضي والحاضر، لذلك تحمي الدولة الموروث الثقافي وتضمن حق الأجيال القادمة فيه.

وإضافة إلى ما تقدّم فإن الثقافة هي في كنهها وبطبعها منفتحة على الثقافات الأخرى، وهو ما يحيل إلى الحوار بين الثقافات والحضارات، بما يساهم في نبذ العنف وتكريس قيم التسامح بين الأمم والشعوب.

يتّضح ممّا تقدّم أن الدستور التونسي كرّس صراحة الحق في الثقافة، ولكن هذا التكريس يظلّ منقوصا، إن لم يقع إسناده، لذلك وقع تدعيمه بجملة من الحقوق والحريات المجاورة التي تضمن تطبيقه الفعلي.

II – تدعيم الحق في الثقافة بالحقوق المجاورة له

يتدعّم الحق في الثقافة عبر تكريس جملة من الحقوق المجاورة له : ولعل أولها وأهمها على الإطلاق هو الحقّ في ضمان الحرمة الجسدية للفنان وتوفير مناخ سليم لممارسة إبداعه، ويكون ذلك عبر انتشار قيم الإعتدال والتسامح، لذلك فإنه وحسب الفصل 6 من الدستور في فقرته الثانية “تلتزم الدولة بنشر قيم الاعتدال والتسامح وبحماية المقدسات ومنع النيل منها، كما تلتزم بمنع دعوات التكفير والتحريض على الكراهية والعنف وبالتصدي لها.”

أما ثاني هذه الحريات والتي تشكل العمود الفقري لكل نشاط إبداعي فهي حريّة الرأي بدون رقابة لأن الثقافة هي في جوهرها تعبير عن رأي معيّن في شكل فنيّ قد يكون رواية أو قصة أو فلما أو مسرحية أو لوحة تشكيلية أو عرضا فنيا، لذلك ينصّ الفصل 31 من الدّستور على أن :

حريّة الرأي والفكر والتعبير والإعلام والنشر مضمونة. لا يجوز ممارسة رقابة مسبقة على هذه الحريات.

كما يتدّعم الحق في الثقافة أيضا عبر ضمان تغطية الإعلام لمختلف الأنشطة الثقافية حتى تصل للجمهور العريض، لذلك ينصّ الفصل 32 من الدستور على أنه :

تضمن الدولة الحق في الإعلام والحق في النفاذ إلى المعلومة.

إضافة إلى ذلك فإن البحث العلمي قد ينصبّ على الأعمال الفنيّة نقدا وتقييما لها، لذلك ينصّ الفصل 33 من الدّستور على أن :

الحريات الأكاديمية وحرية البحث العلمي مضمونة.

كما يشكّل المجتمع المدني الحاضنة المدنية لمختلف الأنشطة الثقافية والتظاهرات الفنية لذلك فإن حريّة تكوين الجمعيات مضمونة حسب الفصل 36 من الدّستور، كما يقرّ الفصل 37 بحرية التظاهر السلمي.

وختاما فإن العمل الفني مهما كان نوعه أو شكله هو ثمرة جهد شاق قام به المبدع، وبالتالي وجب ضمان الحقوق الماديّة والمعنويّة للفنان، لذلك ينصّ الفصل 41 من الدستور في فقرته الثانية على أن “الملكية الفكرية مضمونة.”

يتبيّن من قراءة جملة فصول الدستور التونسي أنه يقرّ الحق في الثقافة ويدعّم ذلك بجملة من الحقوق والحريات المجاورة له، بحيث أصبح الحق في الثقافة حقا دستوريا. بقي الآن العمل على تفعيل هذا الحق على أرض الواقع عبر وضع الإطار القانوني الملائم الذي يجشّع على الفعل الإبداعي.