بعد عملية رسملة البنوك العموميّة والجدل الذي رافقها، شرعت الحكومة في تغيير الرؤساء والمدراء العامين للبنوك العموميّة بعد فتح باب الترشّح في 22 جويلية الفارط. أحدى المؤسّسات البنكيّة التي شملها التغيير كان بنك تونس الخارجي الذّي يمثّل الذراع الماليّة الوطنيّة في فرنسا والمستقطب الأساسيّ لأموال الجاليّة التونسيّة هناك.

هذه المؤسّسة الماليّة العموميّة التي يرجع تاريخ انشائها إلى سنة 1977، خضعت سنة 2013 لعمليات تدقيق من السلطات التعديلية المالية الفرنسية والتي كشفت عدة خروقات في التسيير انجرت عنها خطية مالية ناهزت 700 ألف يورو نتيجة غياب الشفافيّة وتأخّر التصريح بالمعاملات المالية لدى المصالح الفرنسيّة المختصّة، ممّا جعل بنك تونس الخارجي مهدّدا بسحب الترخيص من قبل سلطة الرقابة الحذرة والإنقاذ الفرنسيّة. هذا ويعاني البنك، بحسب التقرير الماليّ السنوي لسنة 2014، من صعوبات ماليّة وخسائر متراكمة ناهزت 35 مليون أورو.

تغيير الرئيس المدير العام للبنك أثار استهجان المساهم المرجعيّ الرئيسي المتمثل في البنك المركزي التونسيّ. وهو ما كشفت عنه مذكرة وجهها البنك المركزي التونسيّ إلى وزير الماليّة بتاريخ 19 اوت 2015 تحصّلت نواة على نسخة منها.

⬇︎ PDF

إذ عبّر البنك المركزي التونسيّ من خلال المراسلة المذكورة عن رفضه عمليّة التغيير التي استهدفت المسؤول الأوّل عن تسيير بنك تونس الخارجيّ معتبرا أنّ هذا الإجراء يطرح العديد من الإشكاليات على الصعيدين التقني والسياسيّ.

على المستوى الأوّل، استغرب البنك المركزيّ خرق الحكومة لمعايير الحوكمة الرشيدة بالقفز على ضرورة التشاور مع المساهمين الكبار في البنك. كما استنكر البنك المركزيّ عزل مدير بنك تونس الخارجي السيّد صلاح الدين العجيمي بعد أقلّ من سنة على تعيينه ودون إجراء تقييم لأدائه ولطريقة تسييره والنتائج المنجزة خلال مباشرته لمهامه.

وقد أصرّ البنك المركزيّ في المذكّرة على كفاءة الرئيس المدير العام السابق وشروعه في إصلاحات عديدة على الصعيد الداخليّ المتعلّق بهيكلة الإدارة والتنظيم وعلى مستوى توطيد العلاقات مع مصالح الرقابة الفرنسيّة والحرفاء، إضافة إلى العمل على وضع خطّة استراتيجيّة للنهوض بالبنك والتقليص من خسائره المتراكمة.

المذكّرة نبّهت إلى الانعكاسات السلبيّة لمثل هذا القرار كإرباك المساهمين المرجعيّين ودفع سلطات الفرنسيّة إلى مزيد التشدّد إزاء حالة عدم الاستقرار وتقطّع التواصل بين الإدارة وسلطات الرقابة نتيجة التغييرات المستمرّة التي يشهدها البنك. وقد اعترض البنك المركزي التونسي على قرار تغيير المسؤول الأوّل عن تسيير بنك تونس الخارجي في هذا الظرف بالذات. وقد شكّكت المذكّرة في الكفاءة المهنيّة للمديرة الجديدة حياة كبيّر ڤوتة مقارنة بسابقها، حيث رأى البنك المركزيّ أنّها لا ترقى لمستوى كفاءة الرئيس المدير العام السابق.

الولاء السياسي سلّم للإرتقاء المهني

المستوى السياسيّ الذّي تناولته مذكّرة البنك المركزيّ تمثّل في الاعتراض على تعيين النائبة عن نداء تونس حياة كبير ڤوتة إذ عبّر البنك المركزيّ عن خشيته من أن تُؤوّل السلطات الفرنسيّة هذه التسمية كإجراء ذو صبغة سياسيّة.

نقطة أخرى ظلّت غامضة و لم تتعرض لها مذكرة البنك المركزيّ تتعلّق بالسرعة التي تمّت بها تسمية حياة كبيّر على رأس بنك تونس الخارجي دون انتظار حسم التغييرات المزمعة في البنوك العموميّة الثلاث الكبرى. ففي الثاني والعشرين من شهر جويليّة الفارط أعلنت وزارة الماليّة عن فتح باب الترشحات لاختيار ثلاثة مديرين عامين للبنوك العمومية وهي الشركة التونسية للبنك، والبنك الوطني الفلاحي، وبنك الاسكان، لأجل أقصاه الرابع عشر من أوت 2015.

بعد 5 ايّام فقط من إغلاق باب الترشّح، حسمت وزارة الماليّة أمرها بتعيين النائبة حياة الكبيّر كرئيسة مديرة عامة لبنك تونس الخارجي في 19 أوت الماضي لتستلم مهامها في الثاني من أكتوبر الجاري في حين ما تزال تلك المناصب في البنوك العموميّة الأخرى شاغرة حتّى هذه اللحظة، رغم مساهمة تلك الأخيرة في جزء كبير من رأس مال بنك تونس الخارجي.

المديرة السابقة لفرع البنك العربي بتونس ببنزرت، السيدة حياة كبيّر، ظلّت، حتّى دخولها الانتخابات التشريعيّة، مجهولة في الوسط السياسيّ الوطني. أما على الصعيد المهنيّ، فقد كانت السيّد حياة كبيّر، حتّى التعيين الأخير، تشغل خطّة مدير مكلف بإدارة المعالجة المركزية للعمليات صلب الإدارة العامّة للبنك العربي لتونس.

اتصلت نواة بالنائبة عن نداء تونس السيدة حياة كبيّر لتطرح عليها مجموعة من الأسئلة حول موقفها من ملابسات التعيين والانتقادات المضمّنة في مذكّرة البنك المركزيّ.

السيدة حياة كبيّر اكتفت بإجابة وحيدة عن أسئلتنا، حيث اعتبرت أنّ البنك المركزيّ اعترض على تغيير الرئيس المدير العام السابق صلاح الدين العجيمي وليس على شخصها. هذه الإجابة جاءت في تناقض صارخ مع ما ورد في المراسلة المذكورة والتي تضمّنت مقارنة بين كفاءة المديرة الجديدة ونظيرها السابق، حيث ورد بشكل حرفيّ أنّه «لا وجه للمقارنة بينها والسيرة الذاتيّة للمترشّحة المقترحة».

أما عن موقفها من ترك مهامها النيابيّة وخيانة ثقة ما يُقارب ال57.000 ناخب الذين مكّنوها من دخول مجلس النواب عن دائرة بنزرت، فقد رفضت السيدة حياة كبيّر الإجابة عن السؤال، وكأنّ الإشكاليات التي يطرحها تركها لمسؤوليتها النيابية لا تعنيها وهي العضو في لجنتي المالية والتخطيط والتنمية واللجنة الخاصّة المكلّفة بالماليّة. وهو ما كان بالفعل، إذ تقدّمت السيّدة حياة كبيّر باستقالتها لمكتب مجلس النواب يوم أمس 19 أكتوبر 2015 ليتم قبولها بعد 24 ساعة، في انتظار تعويضها بمن يليها في القائمة الانتخابيّة حسب ما أفادنا به الملحق الصحفي لمجلس النوّاب حسّان الفطحلي.