بسم الله الرحمن الرحيم

كتبه مرسل الكسيبي

يتساءل الكثيرون منذ أن تحدث الرئيس جورج بوش عن مشروع الشرق الأوسط الكبير وتداعياته السياسية على البلاد العربية والاسلامية حول معالم الأجندة الغربية في المربع الجيوسياسي التونسي ولعلني أقصد بشكل واضح الاستراتيجية السياسية الأمريكية والأوروبية في منطقة شمال افريقيا وتخصيصا تونس .غير أن ماينطبق في هذه القراءة على البلاد التونسية ينطبق على البلاد العربية والاسلاميةالأخرى ذات الحجم الصغير والبعيدة عن خط المواجهة الساخنة مع الدولة العبرية مما يعني أن دولا مثل العراق وسوريا ولبنان ومصر والمملكة العربية السعودية والسودان وايران لها استراتيجية خاصة على الأجندة الأوروأمريكية. مايريد التونسيون معرفته حينئذ هو كيف يرتئي ثاني أكبر اتحادين فيدراليين في العالم مستقبل العلاقة مع النظام التونسي والجسم المعارض؟ هل يريد المحور الأورو أمريكي اسقاط النظام في تونس واستبداله بنظام اخر يخدم مصلحة التونسيين ؟ وعندئذ هل يريد هذا المحور الامبراطوري تغيير النظام أم تطويره من الداخل ؟ كيف ينظر هذان التكتلان العملاقان الى ملف المعارضة التونسية هل يعتبرها بديلا ناضجا أم مجرد ورقة ضغط أو تشويش على السلطة قصد تحقيق بعض المصالح الاستراتيجية ؟ ماهو موقع الدولة العبرية من لعبة التجاذبات الدولية في الخارطة السياسية التونسية وأين تكمن مصالحها؟ أين تكمن مصلحة الشعب والسلطة والمعارضة بين كل هذه التجاذبات الدولية؟ كل هذه الأسئلة نحاول بحثها في هذا التحليل السياسي ملقين الضوء على مايفيد المتابع للشان العام والمنتظم السياسي التونسي مع التذكير بأن مانقدمه من أفكار ليس بالضرورة موقفا من هذه الأطراف الدولية بقدر ماهو تقدير لاتجاهات البوصلة والمصالح السياسية الخارجية والداخلية .

1- المحور الأوروأمريكي بين تغيير النظام أو تطويره:

قد يحلم بعض المعارضين في تونس بأن يروا قريبا هذا النظام الحاكم على أرض الخضراء في محل الخبر التاريخي ولكن أصارحكم القول بأن مثل هذا الحلم هو من قبيل أحلام اليقظة ولاسيما اذا عول مثل هؤلاء الحالمين على ارادة أورو أمريكية من أجل نسف قواعد اللعبة السياسية القائمة والاشفاق على تلونات الجسم المعارض ومعاناته وبالتالي التهيئة الى نظام بديل يكونون فيه في موقع الجعفري والياور وعلاوي أو حتى الحكيم ولعل الام البعض نتيجة حالة الاختناق السياسي أدت الى حالة من الغيبوبة والغثيان أحيانا لدى هؤلاء تصعدت على اثرها حالة من أحلام النوم واليقظة مفادها أن الد.منصف المرزوقي سيترأس البلاد بصفته رجل الاجماع وأن الشيخ راشد الغنوشي سيعود في باخرة بن بلة وأن تونس ستصبح أول بلد عربي تفرض فيه الجماهير معادلة سياسية جديدة…وربما ذهب البعض الى أن المجتمع الدولي والقوى المذكورة أعلاه سترحب بالتغيير وتبارك صانعيه وتستقبلهم على أرضها على الزرابي الحمراء ويربت القادة والزعماء على أكتافهم مهنئين كل التونسيين بساعة الخلاص وعندها يرفع كوفي عنان السماعة مهيبا بالقادة الجدد ألا يبخلوا عليه بصورة تذكارية قبل أن يغادر أروقة الأمم المتحدة!!! سيناريو جميل جدا وقطعة مسرحية في غاية الروعة هكذا يمكن أن يعلق كل تونسي ومتابع على هذا الحلم الذي لاأريد مصادرته من أصحابه بحكم حق الجميع في الحلم وهو ليس اخر ماتبقى لكثير من التونسيين والتونسيات في زمن الهزائم العربية المتتالية. بالمنطق الفرويدي قد يستقيم هذا الأمر في عوالم الأحلام بعد طول فترة السجن أو قساوة عالم المنفى ولكن بمنطق السياسة والمجتمع الدولي الامبراطوري يظل هذا الحلم بعيدا عن الواقع بحكم أن ارادة الشعوب في دول العالم الثالث ولاسيما في منطقتنا العربية ليست هي وحدها المحدد لمصائر البلدان. لا أقول كما قال السادات يوما بأن 99 في المائة من أوراق اللعبة بيد الولايات المتحدة ولكن أقول أن للقوى العظمى قدرة عجيبة على حبك المؤامرات وتهديد المصالح وانتزاع فرحة الانتصارات وتصوير الحق على أنه باطل والباطل على أنه حق وماهو مشروع على اعتبار أنه خطر محدق مما يترتب عليه ضرورة التريث قبل اطلاق الأحكام أو التسرع في الحديث عن أي تغيير.

التغيير في تونس مطلوب من قبل هذه القوى قطعا وذلك بحكم المصالح والرغبة في عدم تعكير صفو الاستقرار وعدم تصعيد حالة الاحتقان العام لدى النخبة والطبقة السياسية وكثير من الشرائح المتضررة من السياسات الأمنية ولكن هذا التغيير ليس مطلوبا بحسب المنطق الجيوسياسي في رأس السلطة أو هرمها أوشكلها العام ولكنه مطلوب في شكل تطوير لأداء السلطة تجاه الملفات السياسية العالقة كملف معتقلي الرأي, السجون حقوق الانسان الاعلام ,ملف التنظيمات السياسية غير المعترف بها ,طريقة التعاطي مع هيئات المجتمع المدني, الأداء الانتخابي ونسب المشاركة السياسية وكذلكم جملة من الاصلاحات الاقتصادية على ضوء ماتقتضيه اتفاقيتا الشراكة مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية. ماينبغي ادراكه في هذا السياق أنه ينبغي الفصل في الأجندة السياسية الدولية بين الملفات العاجلة على الخارطة العربية والاسلامية والملفات التي تحتمل التلكأ والمناورة والنسبية والتأجيل كما المرحلية والتطوير لا التغيير لقواعد اللعبة القائمة…الا أن تسارع جملة من الأحداث والتطورات في الساحة الداخلية ودخول الهياكل الاجتماعية والنقابية على خط الاحتجاج واتساع دائرة التنسيق المعارض الى العمل المشترك مع حركة النهضة وتقديم خطاب معارض واضح للمجتمع الدولي في شكل رزنامة عمل موحدة وتطور الوضع الاحتجاجي داخليا يمكن أن يغير من ترتيب الملف التونسي على خارطة الأجندة الأوروأمريكية ولكن هذا لايعني أن هذا التدخل الدولي سيأخذ حينئذ بعين الاعتبار مطالب المجتمع وهيئاته التمثيلية فقط ولكن ثمة جملة من الضوابط والاملاءات كما الشروط في أكثر من مجال حساس ستوضع على الطاولة وعندئذ تجد المعارضة نفسها في مواجهة القوى العظمى واملاءاتها الصعبة والثقيلة بشكل مباشر وليس النظام التونسي وبعض من تصلبه.

2- القوى العظمى والمعارضة والشعب:

أعلم جيدا من خلال ماأقرأ وأسمع أن الجهات الدولية المذكورة أعلاه بدأت في الاتصال رسميا بالجسم المعارض التونسي بمختلف تلويناته السياسية الكبرى قصد تحري الدقة في ماترتئيه هذه التيارات من تصورات عمل سياسي للمرحلة المقبلة أضف الى ذلك الاجابة على جملة من التساؤلات تتعلق بالموقف من الدولة العبرية وهو سؤال مفصلي في جملة تساؤلات تعلق بعضها باقتصاد السوق والموقف منه, وحركة النهضة والموقف منها وكيفية اشراكها في اللعبة السياسية وحجم مشاركتها وموقفها من جملة ملفات داخلية وخارجية…مما يعني أن هذه الأطراف بدات فعليا في الترتيب لمرحلة مقبلة جديدة من تاريخ تونس المعاصر ولكن بشكل هادئ بعيد أحيانا عن الأضواء وربما لايرغب في الدخول على خط المواجهة الساخنة مع سلطة الاشراف أي عدم الاصطدام معها قصد الحفاظ على جملة من المكاسب وعدم فتح المستقبل السياسي لتونس على المجهول في ظل وضع عربي داخلي معقد ومتداخل . مافهمته من خلال بعض التأملات السياسية أن ارادة التطوير لدى هذه الجهات الدولية العظمى قطعية وراجحة الورود والتحقيق ولكن المدى الزمني لذلك قد يستغرق مالايقل عن ثلاث سنوات على أقل تقدير وخمس سنوات في المدى المتوسط وعشر على أقصى تقدير اذا لم تحصل مفاجات داخلية تختصر هذه المسافة الزمنية الى أقل من ذلك بكثير. كل هذه المعطيات تضطرني الى الحديث عن موقع الدولة العبرية من كل هذه المساحات الدولية المؤثرة في مشهدنا التونسي اذ انه بات من المعروف أن هذه الأخيرة باتت لاعبا دوليا مهما في تحديد بعض مصائر الأنظمة وقطعا التـاثير في صناعة القرار الأوروأمريكي . والمتعلق في كل هذا بالوضع التونسي هو أن أي تغيير في الوضع السياسي الحالي سواء كان باتجاه التطويرالجاد أو التغيير الجذري هو الحفاظ على علاقات متميزة مع الدولة العبرية بل ربما الاعتراف المباشر الذي لالبس فيه بحق هذه الأخيرة في التمثيل الديبلوماسي وقبل ذلك عدم التشكيك في شرعية الوجود وجملة من مجالات التعاون المشترك على رأسها ماهو حساس لدى الرأي العام. بين كل هذا وذاك يتساءل الجميع بعد كل هذا التداعي في الأفكار والمعطيات أين تكمن مصلحة الشعب من كل هذا وكذلك السلطة والمعارضة وهيئات المجتمع المدني؟ بلا شك أن كل عقل ناصح وكل وطني غيور لابد أن يقدر أن ايجاد أرضية للتقارب المشترك بين السلطة والمعارضة والشعب هو السبيل الأمثل لتمتين وحدة الصف الداخلي وقطع الطريق على كل أجندة عمل خارجية وهو مايدعو السلطة الى نزع فتيل الاحتقان في الساحة السياسية باعلان عفو تشريعي عام والدخول في مرحلة من الاصلاحات الحثيثة تلقي بظلالها على الاعتراف بالأحزاب والجمعيات المحظورة وعلى الاعلام وعلى المسار الانتخابي مستقبلا في حكمة تقتضي الحفاظ على جملة من التوازنات التي تخدم مصلحة الجميع ,أضف الى ذلك أن المعارضة ولاسيما الحركة الاسلامية وأقصد النهضة بات عليها التسريع من وتيرة التقارب مع سلطة الاشراف والمعارضات الأخرى وكل هياكل التمثيل الاجتماعي والنقابي قصد ايقاف انزلاق الساحة الى حالة من حالات الصدام المفتوح المجهولة عواقبه لدى التونسيين والمعلومة تفاصيل تطوره لدى من حرك اللعبة وانتظر قطف ثمارها حين ساعة الصفر.

أخوكم مرسل الكسيبي

ألمانيا الاتحادية

9 ربيع الثاني 1426 ه الموافق ل18 ماي 2005

الهاتف المنزلي: 00496112054989

الهاتف المنقول: 00491785466311

reporteur2005@yahoo.de