بقلم تونسي مشرد

سيطرت الخلافات الفكرية والشخصية العفوية منها والمقصودة بين النهضويين هذه الايام على جل المنابر الاعلامية على شبكة الانترنات بين المهتمين بالشأن الداخلي التونسي ,ورغم أنني –والحمد لله-لست من الاسلاميين ولن أكون كذلك في يوم من الايام,ذلك ان لي موقفا واضحا من مسألة الدين بصفة عامة باعتباره شأنا خاصا يهم علاقة الخالق بالمخلوق يترجم في تفعلات روحية وسلوكيات يأتيها الانسان دون ان يجعل من نفسه وصيا على بقية الناس في خصوصياتهم,فالدين الاسلامي أسمى وأرقى وأعم من أن تتقاذفه و”تطوعه”أطماع سياسوية بشرية تدفعه الى التصارع خطأمع فلسفات انسانية ومفاهيم سياسية وضعية واقتصادية نفعيةكمفهوم اليبرالية والاشتراكيةوالشيوعية…….ربما قدنبين موقفنا من كل ذلك ان شاء الله في وقت اخر.

علني استنتجت من كل هذا السجال وتلك الاتهامات والتلميحات التهجمات والمديح,أن البعض مايزال يتعاطى مع الشأن الوطني التونسي بنرجسية مفرطة وتشدد كبير ووهم أكبرفي صدق ما يقول وثقة عمياء في صواب الخيار والموقف.ولعل هذا ما يبين أن لدى البعض طموحا دفينا غير معلن في اعتلاء الزعامة من جهة ورغبة مكشوفة في مواصلة نهج الاقصاء وعدم الاتعاض من دروس الماضي القريب.

ما دفعني لقول هذا هو ما يأتيه السيد الحامدي منذ مدة والذي يكشف بجلاء تام ماتوصلنا اليه.فالرجل رسم هذا التمشي لنفسه معولا على الوقت الذي قد يخدم لصالحه من جهةومن حجم الضغوطات الداخلية والخارجية التي بدأت تفرض على تونس من أجل فض ملف الاصلاح السياسي ككل في البلاد وليس فقط ملف الاسلاميين,لينقض على هذه الفرصةمن جهة اخرى,وبذلك يكون المهندس الانتهازي لكل ذلك وصاحب الفضل في ادراكه ومنه تحقييق أطماعه السياسية المفضوحة.

ربما قد فات البعض ممن استمالهم فكر الحامدي ,ان نذكرهم أن مبادرة هذا الاخير أتت بعد فترة قصيرة من حصول تغيير جذري في السياسة الخارجية الامريكية والتي أصبحت تضغط على كل الدول العربية الاسلامية من أجل دفعها لفتح باب الحوار مع الجماعات الآسلامية المعتدلة واعطائها مكانة وهامش للتحرك والتنظم وعدم اقصائها كما يحدث في جل تلك البلدان.هذه السياسة الامريكية الجديدة أتت بعد اعلان الولايات المتحدة الامريكية فشلها الذريع في القضاء على ما يسمى بالجماعات الاسلامية المتطرفة والارهابية,وبعد أن أدركت أن السبيل الوحيد للقضاء على العداء بينهم كأمريكيين والمسلمين لايكون الا عبر رفع المظالم عن الاسلاميين في الداخل أي داخل أوطانهم وفي الخارج من خلال تمتيعهم بقدر من الحرية والنشاط لا بقمعهم ومقاومتهم والتنكيل بهم.

لقد استغل الحامدي –كما هي عادته- هذه الظروف اما بدفع من بعض القوى الخارجية,أو من قبل النظام التونسي باعتباره بوق دعاية له وتلميذ نجيب في مدرسته بعد حصوله على الرضا منه,واما بدافع انتهازي نفعي ينم عن ذكاء كبير لدى الرجل تمهيدا لمنصب الوزارة و الذي لن يأتي في كل الأحوال.

ان ادراك هذا الأمر السخيف في الواقع والخطيرمن شخص يلون وجهه في اليوم عدة مرات,تتقاذفه الأطماع ذات اليمين وذات الشمال,ليس بالأمر العسير,لقد سقط القناع عن هذا “المراهق السياسي “ولم يحسبها جيدا.

اننا كشعب تونسي واعي ومثقف لسنا بالغباء والسذاجة والضعف الفكري الذي يحاول النظام التونسي البائس غرسه في ناشأتنا ,فنحن ندرك الاشياء من عناوينها والمراحل من شعاراتها.

مشكلة هذا الرجل أنه يصنع لنفسه الأكاذيب ليصدق أوهامه ,يوهم نفسه بالزعامة دون أن يكون قادرا عليها ولا أهلا لها , يقذف بنفسه في كل الاتجاهات دون أن يدرك الهدف. اخترع لنفسه كل الصفات ,تنكر لتاريخه ولاخوانه ورفاق دربه ولنضالاته ومواقفه,ركب “الكات كات باشي متع ولد عمه”وباعها بأرخص الاثمان ,تجول في سويسرا تونس وفي جناتها الفسيحة من سيدي بوسعيد الى سيدي بوزيد,صلي في مسجد العابدين بقرطاج,شاهد ليلى وهي تعلم أبناءها_عفوا بناتها_ الصلاة ولبس الحجاب , تلى القرأن من المصحف الذي أهداه له صديقه الحميم والمصلح حامي الحمى والدين زين العابدين.

قد يتوهم الحامدي أنه أذكى من الجميع,وأنه يستحق أن يكافأ على تضحياته وصبره ونضالاته ومواقفة الشجاعة في الدفاع عن بن علي,غير أن السبل اختلطت عليه ولم يع.

لكن الرجل يبدو وأنه تمرس و”نضج” فكره الانتهازي كما يجب ,وعلني أود أن أتسائل عن سر اختياره هذا التوقيت بالذات لاطلاق مبادرته؟ خصوصا بعد أن بدأيدرك –مثل غيره _أن الاسلاميين في الداخل وخصوصا منذ اطلاق سراح البعض منهم واعتقال الاستاذ المناضل محمد عبو الشجاع,بدأت أسهمهم في الصعود وظهرت قدرتهم على التعاطي مع أزماتهم وحل مشاكلهم وصياغة مواقفهم مما أهلهم ان يكونوا قوة ليس بالامكان تجاوزهااليوم في تونس في أي معادلة سياسية تطرح مما فهمه البعض من اسلامي الخارج أن البساط سيسحب من تحت أقدامهم في قادم الايام مما جعلهم يتحركون قبل فوات الاوان, وقد فاتهم أن اسلآمي الداخل يبدو أنهم استفادوا كثيرا من أخطاء الماضي ولعل انفتاحهم على مختلف مكونات المجتمع المدني واصحاب الفكر التقدمي لمختلف الاطياف الفكرية والايديولجية حتى المناهضة لهم قد ساعدهم على اعادة بناء فكرهم وطرق التعاطي السياسي للمرحلة بدأ بالتخفيض من سرعة الطموحات نحو السلطة. وقد ايقن اسلاميو الخارج –كما السلطة ايضا- ان كل انفراج سياسي قادم في تونس سيشمل الاسلاميين لا محالة وقد تكون الغلبة فيه لاسلاميي الداخل سواء من النهضويين او من تيار اليسار الاسلامي والذين يبدو أنهم الأقرب ليكونوا الطرف الوحيد المؤهل للفوز بثقة النظام.

ثاني الاسئلةهو لماذا طرح الرجل مبادرته وكل ردوده على صفحات “تونس نيوز”؟أليس من الأجدى ان يطرحها ان كانت بريئة وصادقة على قناته التي تدخل كل البيوت التونسية في حين أن متصفحي الانترنات عددهم قليل جدا في تونس هذا اضافة الى أن دخول موقع تونس نيوز من تونس ضرب من ضروب الاستحالة .

هذه الاسئلة وغيرها تحمل في طياتها الاجابة,فنحن شعب واعي نميز جيدا بين الواهمين المتوهمين المغشوشين والغشاشين المنافقين ,والصادقين الثابتين المقنعين المقتنعين الشرفاء.

مرة أخرى نقول للحامدي بضاعتك فاسدة وقناعك سقط منذ أن زل بك اللسان والقلم وفضحت نفسك عندما بررت بأنك لا تحمل طموحا سياسيا “أنيا” في تونس , فابحث لك عن طموحات سياسية “مستقبلية”-في سوسةكما قلت ذات مرة_ربما في عهد محمد زين العابدين.