المقالات المنشورة بهذا القسم تعبّر عن رأي كاتبها فقط و لا تعبّر بالضرورة عن رأي نواة

للشّباب قدرة على الإبداع أكثر من إصدار الأحكام المسبقة وهو كذلك قادر على التّنفيذ أكثر من إعطاء النّصائح فرانسيس باكون


لقد أشرنا منذ المقال الأوّل في هذه السّلسلة من المقالات إلى ضرورة تسليط الضوء على فناني الرٌاب المغمورين. فإرتفاع عدد الرابورات و كثرة الأغاني قد تؤدّي إلى مرور العديد من النصوص دون أن تحظى بإهتمام الجمهور. الإشكال الثاني يتعلًق بنقص الإمكانيّات مع صغر السنّ عوامل تعيق إنتشار العديد من الأغاني لشباب يجتهد و يحاول أن يتقدّم رغم عدّة عراقيل. في هذا المقال، تعريف لشاب أصيل الشّمال الغربي لم يتجاوز 17 سنة يقدّم نصوصا و موسيقى رغم الصعوبات التي أشرنا لها.

“مِن اُلشَّارِعْ لِلْشَّارِعْ !”


ماذا لو أتحنا الفرصة للشّباب ؟ ماذا لو ركزنا إهتمامنا بعيدا عن العاصمة قليلا ؟ سنندهش حتما من عدد المواهب الصّاعدة و التي مازالت في بداية رحلة بحثها عن الطريق الصّحيح. طارق الزّغلامي ( تْوِينِزْ ) و إن كان صغير السن فإنّ موسيقاه و نصوصه تعكس نضجا و وعيا كبيرين. يتعرّض هذا الرابور إلى عديد من المواضيع المهمّة و يبسطها بأسلوب خاصّ يفرضه على المستمع و يشدّه من الوهلة الأولى. فرغم أنّه في بداية الطريق إلاّ أنّ المتمعّن في النصوص يلاحظ لمسة هذا الشاب في أكثر من مرّة. طابع خاصّ وصور شعريّة و إستعارات تزيد من جماليّة الأغاني و تؤكّد أنّ صغر السنّ و نقص التجربة ليسا عائقا إن كانت الموهبة موجودة منذ البداية. سنحاول أن نتتبّع أبرز أغاني توينز لنتعرّف أكثر على أسلوبه و لنقف كذلك على أهمّ الأفكار التي تدور في ذهن هذا الرابور الشّاب.

لَنْسِي اٌلبِيتْ خَلِّي نِطَّرْشَقْ
فُوقْ اٌلمَايِكْ نْسَيَّبْ كَرْتُوشْ

https://www.youtube.com/watch?v=Oksj36_6qOs

كْلاَمْ بِكْلاَمْ : قد يظنّ البعض أن صغر السّن قد يمنع الشاب من تقديم نصوص تعالج واقع الحال في المجتمع، لكن هذه الأغنية تثبت العكس ففي المقطع الخاص به يبث توينز للمستمع موجات حماس و يذكّره – منذ البداية – بتردّي الأوضاع و بإستحالة العيش لأن الكادح يشقى لتحقيق البقاء ” عَقْرِيبْ بْيَانْتُو اُلتّقتِيعَة مَاعَادْ نَجَّمْ نُقْعُدْ وْ نْزِيدْ لِنَّا حَتَّى سْوِيعَة ” ما يمكن أن نلاحظه في النص، القدرة على تطويع الكلمات و الإعتناء بالقافية و الصّور الشعريّة. كلّها وسائل وظّفها للإشارة إلى ظلم البوليس. و هذا في الحقيقة تصوير لصراع دائم بين الشباب المبدع من جهة و السلطة القامعة من جهة أخرى، كأنّ توينز .بنصه أراد أن يعلن رفضه لترسانة القوانين المكبلة للطاقات الإبداعيّة ” كُلْ وَاحِدْ لَهْنَا فِي قَلْبُو وْجِيعَة ” أمّا في الجزء الثاني، فقد كان النّقد موجّها إلى فناني الراب الذين إحتلوا الساحة و لكنهم فشلوا في تقديم أعمال محترمة لأنهم إنشغلوا بالبحث عن الشّهرة و المال ” سيّب عْلِيكْ مِاُلرَّابْ مَا يِشْمِلِشْ اٌلفَاشلِينْ “

https://www.youtube.com/watch?v=fLxF-3Ih1sY


سَيَّبْنِي : هذا النّص بإيقاعه المتسارع و بقوّة الكلمات و عنفها، يدخلنا أكثر في عالم تْوِينِزْ. لقد نقل معاناته اليوميّة والتي تُعْتَبَرُ في الحقيقة مرآة عاكسة لوضع الشباب عموما. ههنا يتحوّل الراب إلى ملاذ للهروب من الواقع تارة و مواجهته تارة أخرى، الكلمات كالرصاص لتحطيم سجن زجاجي لامرئي يخنق كلّ فكرة أو مجرّد محاولة التغيير “فُوقْ اٌلمَايِكْ نْسَيِّبْ كَرْتُوشْ”. يرفض طارق الزغلامي الإنصياع للقانون فعلى الرغم من صغر السنّ يُظْهِرُ هذا الرابور وعيا و يشير إلى أنّ أيّ سلطة هي بالضرورة مصدر إزعاج للشباب و قيد يحدّ من طاقة المبدع الذي يعيش في صراع أزليّ مع صاحب السّلطة ” نَبْقَى دِيمَا ضِدِّ اٌلقَانُونْ، حَاكِمْكُمْ كِيمَا فَرْعُونْ “. و رغم الصّعوبات المتتالية، يصرّ توينز على الصمود و مواصلة الطريق فيسعى بكلّ الطرق لإيصال صوته آملاً في تحسّن الوضع ” طْرِيقِي شَاقُّو وَحْدِي، بْرَاسِي مَسْتَنِّيتْ مْزِيَّة مَخْلُوقْ “. إنّ اللافت في هذا النص هو كميّة الطاقة و الإندفاع في الكلمات، كأنّ توينز إستبطن الأوضاع المترديّة و أعاد إنتاج الواقع بكلمات كالـ”كَرْتُوشْ” يطالب من خلالها ” بْتَحْسِينْ اٌلأَوْضَاعْ ” و يرفض كلّ وعود لأن أصحاب القرار ” زْعَامْ كَانْ فِي اُلسُّفسُطَائِيّة “

https://www.youtube.com/watch?v=_22aKNhsFhw

مُعَانَاةْ : يعود توينز في هذه الأغنية على الصّعوبات التي يواجهها ويصف معاناة الشباب عموما، فأمام إنسداد الآفاق قد يستولي الإحباط على المبدع ” مَاعَادِشْ نْغَنُّو خِيرْ ” مْخَلِّي اُلرّاب و هَاجِجْ ” و يتوقّف عن تقديم أعماله التي يعرف مسبّقا أنها لن تغيّر شيئا و لن تتي بجديد. يمكن أن نعتبر هذا النّص بمثابة صرخة رفض و تأكيد على إستحالة الإستسلام، على الرغم من وجود رابورات يعتبرهم توينز فنّاني مناسبات باعوا أقلامهم من أجل المال.

https://www.youtube.com/watch?v=kMOC_Ar5WpE

حُبْ مُزَيَّفْ : يواصل توينز توجيه سهام نقده لفناني الراب الذين يقدمون أغاني تجاريّة “كْتِيبَة فَاشْلَة ” و يشير إلى ضعف النّصوص المقدََّمة من جهة و إلى تفاهة أصحابها من جهة أخرى “غْنَايَاتْ مْعفْطَة تْرَاكْ يَعْمِلْ اٌلحِشْمَة ” إنّ هذه الأغنية هي بمثابة حوار توينز مع ذاته أخرجه للمستمع ليشاركه همومه و ليقف معه على حقيقة الكثير من الرابورات. يعطي هذا الرابور رأيه بجرأة تحسب له و بمرارة يحسّها المستمع لأنّ الكلمات مشحونة و صادقة.
لعلّ أهمّ ما يميّز توينز هو وعيه و نضجه مقارنة بسنّه، فنصوصه و موسيقاه جاءت نتيجة عمل متواصل و مثابرة رغم الصعوبات الماديّة. توجد العديد من المواهب المهمّشة في مختلف المناطق في تونس، تسعى إلى إيصال أعمالها بمختلف الطرق و تحلم بتحقيق أهدافها رغم إنعدام الإمكانيات.