كشفت يوم الأحد صحيفة سويسرية -ناطقة بالألمانية- عن حكم جديد أصدرته وزارة العدل السويسرية ضد صهر الرئيس الأسبق سليم شيبوب. تمَثل الحكم في غرامة مالية بـ375 ألف فرنك سويسري (850 ألف دينار)، مع تأجيل التنفيذ، وتمت مصادرة المبلغ المذكور من أحد حسابات شيبوب المفتوحة في سويسرا. وحسب نفس الصحيفة “تسنترال شفايتس آم زونّتاغ”، فإن سليم شيبوب متهم بالتورط في صفقة فساد، على اعتباره كان وسيطا في عقود مشبوهة أبرمها مجمع الهندسة والمقاولات الكندي “إس إن سي لافالين” بليبيا، عبر إرشاء الساعدي القذافي، نجل الرئيس الليبي الراحل.

وتعد قضية المجمع الكندي “إس إن سي لافالين” من ضمن القضايا الستة المعروضة على التحكيم والمصالحة أمام هيئة الحقيقة والكرامة (القضية رقم 5). ولم تصدر الهيئة إلى حد الآن قرارها التحكيمي، حيث وقع تأجيله مرة أخرى إلى يوم 5 فيفري 2017.

سليم شيبوب: العلاقة الخفية بالنظام الليبي

لم يخف سليم شيبوب علاقاته المتطورة بنظام معمر القذافي في ليبيا، إذ كشف في آخر حواراته التلفزية عن المساعي التي بذلها لدى الرئيس الليبي السابق معمر القذافي من أجل ضخ مساعدات مالية لتونس تزامنا مع أحداث جانفي 2011، ولكن الإطاحة الشعبية بنظام بن علي أعدمت هذه المساعي.

الوجه الآخر للعلاقة تكشفه قضية المجمع الكندي “إس إن سي لافالين”. إذ برز اسم سليم شيبوب لأول مرة في هذه القضية شهر أكتوبر 2014، عندما اعترف رياض بن عيسى، النائب السابق لرئيس المجمع الكندي، بضلوعه في تبييض الأموال وتقديم رشاوي لموظفين عموميين للحصول على عقود عمل مشبوهة بليبيا. وأقر رياض بن عيسى، الكندي ذوي الأصول التونسية، بأنه قام تحويل مبلغ مالي قيمته 160 مليون دولار لفائدة الساعدي القذافي، نجل الرئيس الليبي. وكشفت نفس التحقيقات عن تلقي سليم شيبوب مبالغ مالية من المجمع الكندي بين سنة 2001 و2010 قيمتها 5,9 مليون دولار.


رغم أن المحققين السويسريين استبعدوا سنة 2013 إمكانية أن تكون المبالغ التي تلقاها شيبوب ذات صلة بالعقود الليبية، فإن الحكم الأخير الصادر عن القضاء السويسري يؤكد أنه لعب دور الوسيط في تسهيل العقود المذكورة بين رياض بن عيسى ونجل الرئيس الليبي، نظرا لموقعه في النظام التونسي وعلاقاته المتطورة بالرئيس معمر القذافي. وقد برز اسم سليم شيبوب كوسيط في العديد من الصفقات المشبوهة، من بينها قضية شركة “ألستوم” الفرنسية التي أدانها القضاء السويسري أيضا بغرامة مالية قيمتها 2,5 مليون فرنك سويسري في نوفمبر 2011، وقد ورد اسم سليم شيبوب في هذه القضية بصفته وسيطا في إبرام عقد غير قانوني بين الشركة المذكورة والشركة التونسية للكهرباء والغاز سنة 1990.

ملف المجمع الكندي “إس إن سي لافالين” وغيره أعاد إلى السطح العلاقات التي تجمع سليم شيبوب بالعديد من الشبكات الدولية ودوره في تسهيل صفقات الاستثمار في تونس، من بينها صفقة التخطيط لمشروع قمرت العقاري، الذي أشرف عليه في ظل النظام السابق كل من شيبوب وعزيز ميلاد وموّلته دولة قطر. وقد كشفت معطيات أوردها الصحفيان الفرنسيانLenaïg Bredoux   و Mathieu  Magnaudeix سنة 2012 -في تحقيق حول الشبكات الفرنسية-التونسية  في عهد بن علي- أن الأمير القطري السابق أهدى منزلا سنة 2007 لسليم شيبوب مكافأة على صفقة قمرت، ويقع هذا المنزل في شارع كليبر بالعاصمة باريس، قيمته 1,2 مليون أورو.

وفي نفس السياق كشف تحقيق نشرته منظمة “أنا يقظ” في أوّل شهر نوفمبر عن تورّط شركة ميودور للتّجارة الدولية التي يملكها سليم شيبوب، في إعطاء رشاوي لمسؤولين عراقيين مقابل إبرام عقود غير قانونية فيما يعرف ببرنامج “النفط مقابل الغذاء”، وذلك في الفترة الممتدة بين سنة 1996 و2003.

إس إن سي لافالين” وصفقات مشبوهة في تونس

رغم أن القضاء السويسري فتح تحقيقات ضد بعض أنشطة المجمع الكندي “إس إن سي لافالين” في العديد من الدول من بينها ليبيا والجزائر وبنغلاديش، فإنه لم يهتم بالدور المشبوه الذي لعبه في تونس. إذ تعود أنشطة مجمع الهندسة والمقاولات الكندي في تونس إلى سنة 2010 عندما حظي بصفقة محطة التوليدي الكهربائي بسوسة. وقد حامت حول هذه الصفقة العديد من الشبهات، إذ كشفت إذاعة راديو كندا في جوان 2013 عن مبالغ مالية قدمتها الشركة لنافذين في النظام السابق على غرار سليم شيبوب وبلحسن الطرابلسي، وذلك من أجل تسهيل الصفقة. وأشار نفس المصدر الإعلامي إلى أن المجمع الكندي كان يعتزم إنجاز ميناء المياه العميقة بالنفيضة، وقدّم العديد من الإغراءات المالية للرئيس بن علي وأصهاره، إلا أن التحول السياسي لسنة 2011 حال دون الإنجاز.

وفي نفس السياق كشفت أيضا رسالة عثرت عليها اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الفساد والرشوة بأرشيف القصر الرئاسي سنة 2011 عن اتصالات بين مسؤول في “إس إن سي لافالين” وصهر الرئيس السابق صخر الماطري، يحثه فيها على إتمام صفقة المولد الكهربائي بسوسة. وقد كان لصخر الماطري علاقات جيدة بنائب الرئيس السابق للمجمع الكندي بالمغرب، المدعو كبير الرتناني، الذي كان يشرف على المنزل الفخم للماطري بكندا.

أي تأثير للحكم السويسري على اتفاقية التحكيم والمصالحة؟

تعد قضية “إس إن سي لافالين” من ضمن القضايا المعروضة للتحكيم والمصالحة أمام أنظار هيئة الحقيقة والكرامة، وهو ما يجعل السؤال مشروعا حول مدى تأثير الحكم السويسري الأخير حول طبيعة القرار التحكيمي في ملف سليم شيبوب، الذي من المنتظر أن تصدره الهيئة في 5 فيفري 2017. هذا السؤال طرحه موقع نواة على رئيس لجنة التحكيم والمصالحة خالد الكريشي، الذي قال بأن “الهيئة لم تتلقى إشعار رسميا من السلطات السويسرية، وستفصح عن موقفها من هذا الحكم عندما تطلع عليه بشكل دقيق ورسمي”.

من جهته سارع سليم شيبوب إلى نفي تورطه في وساطة بين الشركة الكندية ومتنفذين في النظام الليبي السابق، نافيا عن نفسه أية مسؤولية.