المقالات المنشورة بهذا القسم تعبّر عن رأي كاتبها فقط و لا تعبّر بالضرورة عن رأي نواة


من المعلوم للجميع انه من أهم مكتسبات هذه الثورة – ولعلها الأهم على الإطلاق – هي حرية التعبير. إذ فسح المجال واسعا أمام وسائل الإعلام وكذلك المواطن البسيط للإدلاء بآرائه دون خوف من أعين الرقيب. لكن ممارسات البوليس – الذي لطالما إنتظرنا عبثا تحوله إلى أمن جمهوري – تؤكد اننا لم نتحرك ولو سنتيمترا واحدا في مسار إصلاح هذه المنظومة القمعية التي ترتبط ارتباطا مباشرا بمراكز سلطة وقرار أكثر وحشية منها تستعملها لفرض نظامها وإسكات كل صوت مخالف هدفه الكشف عن خور وفساد النظام أو ببساطة – وهي حالة حمادي الخليفي – السخرية من أحد رموز هذا النظام ( رئيس الجمهورية ). والحقيقة أن السخرية لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تصبح تهديدا بالقتل أو تحريضا على القتل إلا في قاموس وعالم البوليس أين تستعمل مجموعة من التهم “الفضفاضة” لتخويف او/و سجن المعارضين. لذلك فإنه من الضروري أن نستعرض أهم هذه الممارسات لتفكيك آليات إشتغالها للتمكن – في مرحلة ثانية – من مقاومتها.

نظام الوشاية : يبدو أنه من الصعب على منظومة أمنية – ظلت تعتمد لعقود على الوشاية – أن تطور أساليبها وتتخلى عن الطرق الرخيصة في التعامل مع المواطن. فطريقة إشتغالهم قوامها اساسا إخضاع الجميع عبر إنتشار ثقافة “مراقبة الكل للكل” بذلك يتم التضييق على الحريات وتتبع كل تحرك بأدق التفاصيل. أما فيما يتعلق بما وقع مع حمادي الخليفي، فإنه – للأسف – هناك مجموعة من الأفراد ( الذين لا يرتقون إلى مرتبة المواطنين ) يمثلون الجانب الآخر لنظام الوشاية، أي أنهم إعتادوا على المراقبة حتى و إن لم تكن لهم مصلحة مادية وفيهم عناصر مقربة من النظام عادة ما يقدمون خدماتهم دون مقابل.

الترهيب : هي مرحلة مهمة وأساسية يعتمدها البوليس في طريقة إشتغاله وذلك لسببين
أ- تلك الصورة التي رسخت في الأذهان طوال أكثر من خمسين سنة والتي تعتبر أصحاب السلطة والبوليس ( بما أنه الجهاز المنفذ والذراع المسلح للدولة ) أنصاف آلهة غير قابلة للنقد لذلك نرى العديد من الآراء التي تناست جوهر الموضوع المتعلق اساسا بحرية التعبير وألقت باللوم على حمادي الخليفي مدعين أن ذلك تحريض على القتل حاسمين الأمر لصالح دولة البوليس.
ب- التعامل مع الجميع على حد السواء، ليس بالمعنى الإيجابي إذ لا نعني تمتنع الجميع بحقوقهم بل معاملة الإرهابي وصاحب رأي أو مقال بنفس الأساليب. إذ يمكن أن نتفهم عمليات إقتحام المنازل في حالة إرهابي مفتش عنه، ولكن ما جدواها مع شخص كتب رأيا على الفايسبوك؟

إستغلال النفوذ : هنا نشير أساسا إلى الإرتباط الوثيق بين السلطة الحاكمة ( ايا كان توجهها ) وجهاز البوليس. فكل يستمد قوته من الآخر. السلطة لاحتوائها العنف المشروع وإعطاء الأوامر، والجهاز البوليسي الذي ينفذ – بمبالغة وخرق للقانون في جل الحالات – دون خوف من العقاب لأن السلطة السياسية فاسدة وهدفها لا حفظ أمن المواطنين بل تركيعهم وتكميم أفواههم. هذا ما يعطي مشهدا إعتدنا عليه يتمثل في إعتلاء البوليس لمكانة فوق القانون ليصبح الترتيب في دولة البوليس على هذا النحو : أصحاب السلطة ( معارضة وحكومة ) يليها الجهاز البوليسي ثم – في مرتبة أخيرة المواطن الذي يعاني قمع الجانبين.
مقاومة البوليس : لا يمكن أن نقاوم مثل هذا النظام القامع – حسب رأيي – إلا عبر الكتابة ومحاولة كشف التجاوزات قدر المستطاع ( قد يبدو هذا غير مجد للكثيرين ) واحتلال الشارع – في مرحلة ثانية – والضغط على السلطة للكف ( أو لنقل للتخفيف ) من وحشية الممارسات التي تستهدف بشكل ممنهج مجموعة من الشباب الفاعل وتحاول قدر الإمكان قمع كل التحركات عبر تضييق الخناق والحد – تدريجيا – من مساحة الحرية ولو كان ذلك في الحساب الخاص على الفايسبوك!