بقلم حسن التونسي
لم يخطر ببالي يوما أن أكتب سطرا واحدا حول أحد المعارضين ولكن ما جاء من ردود أفعال عن رد السيد نورالدين ختروشي عن أبي سيرين دفعني أن أنشر هذه الكلمات للتاريخ.
أنا مناضل دستوري من الرعيل الاول عايشت أجيالا مختلفة من التونسيين في المهجر وتوليت عدة مسؤوليات منذ العهد البورقيبي وقليلة هي الشخصيات التي لاقيتها وعرفتها وتركت بصماتها في ذاكرتي وسي نورالدين من هؤلاء جالسته مرة واحدة في أواسط التسعينات كنا في مقهى بالحي اللاتيني عندما أقبل شاب نحيف وسلم على الجميع وكان على موعد مع أحد أصدقاءه الذي كان يومها في المعارضة ثم تخلى عنها بعد سنوات المهم أحرجني ذلك الصديق عندما قدمني على أساس إنني تجمعي وكنت قد عرفت نورالين قبلها من خلال كتاباته في مجلة الجرأة وكنا نعتقد أنه من قيادات النهضة رغم ما يقوله صديقه بأنه استقال منها لم يقلق نورالدين من وجودي بل أجاب بديملوماسية “كلنا أولاد بلاد” وصمت ولم يتحدث طيلة الجلسة تجرأت وسألته عن صحة ما يقال عن استقالته فرد بجواب لم أفهمه إلا بعد قراءة رده الاخير عن أبي سيرين فقد قال وبالحرف الواحد نعم استقلت من النهضة ولكن مازلت وسأبقى في صفها ولما أستفسر ته عن قصده أجاب : لو خيرت يوم القيامة أن أحشر مع تونسي فسأختار الغنوشي وغير مجرى الحديث لم يفهم أحدا مقصوده من ذلك . سالته عن رأيه في النظام وكيف يرى المستقبل ففاجأني بقوله أن الضحية المقبلة سيكون التجمع نفسه وأشار الى إقالة الهادي البكوش كدليل على إنتهاء دور الحزب وأكد بححج لا أذكرها أن مكسب الدولة الوطنية مهدد على المدى البعيد وبان اليسار والذي كان يومها متحالفا مع السلطة لن يتأخر كثيرا في الالتحاق بالنهضة فهو كما قال” مرامدي وماعندو فين يمشى وهو من تونس المناضلة”.
والان بعد مضي أكثر من عشرة سنوات على ذلك الحديث حدث كل ما تنبأ به فالحزب مهمش والدولة بيد أمير غائب على حد تعبيره واليسار نفض يديه من السلطة والمستقبل لا يعلمه الا الله.
في نهاية التسعينات نظمت المعارضة تجمعا ضخما ببورصة الشغل بضاحية سانديني توجهت مع ثلة من المناضلين الحزبيين لحضوره ومنعنا الحراس من الدخول وكانوا من اليسار والإسلاميين وحاولنا معهم بكل الأساليب” فسمعونا مانكرهوا” وبعد حوالي نصف ساعة جاء نورالدين سلمت عليه فرد التحية ثم توجه الى الحراس ولا أدري ماذا قال لهم فسمحوا لنا بالدخول ولما توجه اليه أحد المناضلين لشكره رفض مصافحته وقال له: نخلوا المصافحة الى يوم المصالحة الوطنية الشاملة إن شاء الله . وقد تكرر نفس الحدث في اجتماع آخر في قاعة بجانب مجلس الشيوخ بباريس حيث لم ندخل القاعة الا بعد تدخل سي نورالدين والغريب هو انه كان مسموعا من الإسلاميين واليسار أيضا.
نعم يا أخ نورالدين نحن لسنا ممن ينسى المعروف ولذلك أقسم لك بالله وبركة هذا الشهر العظيم أن ما قاله لك أبو سيرين والذي لا أعرفه حول الاحترام الذي يكنه لك العديد من المسئولين في الدولة صحيح مائة بالمائة فالسيد ختروشي هو من قلة في المعارضة الذي لا يشخص الصراع وخطابه بعيدا عن التهريج والتجريح ووطنيته الصادقة تلمسها في خطابه وتصرفاته فهو رغم صغر سنه يتحدث وكانه شيخ هدته السنون وله موهبة سياسية نادرة يجمع فيها بين بعد النظر والوضوح والقدرة الخارقة على التعبير عن أفكاره وقد حضرت يوما اجتماعا كبيرا بدار المغرب شارك فيه الدكتور أحمد المناعي وتدخل بعض المناضلين الحزبيين ونفوا ما قاله المناعي حول النظام وفاجأنا نورالدين بتدخل قوي قاطعته خلاله القاعة بالتصفيق أكثر من مرة فقدرته الخطابية عجيبة جدا وقد توجه خلال خطابه الى أحد الإخوة الحزبيين وأشار إليه بأصبعه قائلا ليست تونس البكاءة التي تتحدث إليكم اليوم بل تونس الأنفة تونس العزة والكرامة والحرية، وأعترف اليوم أن تلك الكلمات قد هزتني من الداخل وأثرت في كثيرا خاصة وقد بدأ حديثة بكلمة رفع بها معنويات السيد المناعي حيث قال “أنا تونس أحمد المناعي” نعم لا أستغرب اليوم أن يرسم لوحة وفاء لتاريخه المشترك مع النهضويين ولا أذكر وأنا تجاوزت الستين أن هناك سياسي واحد خرج من حزب ويعلن أمام الراي العام وفاءه للماء والملح كما فعل سي نورالدين لم أرى في حياتي رجل خرج من حزب وقال أن من فيه أحسن منه وفعلا كما قال اليساري الذي نشر شهادته أخيرا في موقع نواة إذا كانت هناك جائزة للأخلاق السياسية فيجب أن تسند للختروشى فهو أهل لها وقد لقن الجميع درسا في الرجولة والشهامة وهو ما تفتقده الساحة اليوم خاصة مع الأجيال الجديدة التي لا تحترم كبيرا ولا صغيرا وأنا أضم صوتي الى كل الذين علقوا عن نصوص سي نورالين في المدة الاخيرة في موقع نواة وأقول انه فعلا مثال للجيل القديم ورمز لجيل جديد يجب علينا أن نسلم له المشعل لأن مستقبل بلادنا بيدهم.
يبقى إنني أستغربت قليلا من عنفه اللفظي الذي رد به عن ابي سيرين رغم أن الرجل لم يقل سوى الحقيقة والله يعلم ماذا تكبد ليكتب تلك الكلمات فهو ليس من ماسحي أحذية السلطان فهؤلاء لهم طرق وأساليب أخرى للاتصال بالمعارضين وشراء ذممهم وان بعض الضن اثم. على أية حال أتمنى شخصيا والله وحده يعلم صدقي أن يرد غربة الاخ نورالدين وان نلتقي في ربوع الوطن فهو فعلا كما قال فيه العديد في الايام الاخيرة خير من يمثل تونس المستقبل ولعلمه وكدليل عن صدقنا أنه المعارض الوحيد الذي كتب له إطار من الدولة على الانترنيت وهذا وحده يكفي للتدليل على حجم التقدير والاحترام الذي نكنه له والله أسال ان يهدينا لما فيه خير بلادنا وأن يصفي قلوب الجميع.
(وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) صدق الله العظيم
حسن التونسي
مناضل دستوري من الرعيل الأول
باريس في 13أكتوبر 2005
iThere are no comments
Add yours