تصريح محمد العياشي العجرودي بنيته شراء نادي أولمبيك مرسيليا لم يمر مرور الكرام في الساحة الرياضية والإعلامية الفرنسية، فقد تداولت غالبية الصحف والاذاعات الفرنسية والأوروبية خبر اعتزام “رجل أعمال فرنسي من أصل تونسي” شراء النادي الفرنسي العريق بصفقة قد تبلغ قيمتها 700 مليون يورو وبحثت في تاريخ العجرودي وأعماله ومشاريعه. ورغم أن العجرودي لم يفصح عن قيمة الصفقة باعتبار أن “الوقت الحالي هو وقت المفاوضات والعرض والطلب”، إلا أنه نفى بشدة أن يكون واجهة أو حامل حقائب لفائدة جهة أو أخرى.

قبل الدخول في مفاوضات هذه الصفقة الضخمة في عالم كرة القدم، استعان العجرودي بشركة أمريكية اسمها “نات ريبوتايشن” Net Reputation لتلميع صورته على الانترنت، هذه الشركة اتصلت بموقع نواة في جانفي 2020 من أجل سحب مقال يتحدث عن حريفها محمد العياشي العجرودي. رغم رفض نواة، ألح ممثل الشركة مقترحاً مقابلاً ماليا. اقتراح جوبه بالرفض طبعاً.

السعودية والإمارات وراء صفقة اولمبيك مرسيليا

ذكرت صحيفة لوفيغارو الفرنسية أن هذه الصفقة تأتي في إطار الصراع الخليجي الخليجي بين دولة قطر من جهة والمملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة من جهة أخرى، فبعد شراء القطريين عبر رجل الأعمال ناصر خليفة لنادي باريس سان جيرمان أطلق السعوديون والاماراتيون مساع لشراء ناد فرنسي عريق إلى أن استقر الرأي لديهم على نادي أولمبيك مرسيليا. وتربط لوفيغارو وعدة صحف فرنسية أخرى بين محمد العياشي العجرودي ورجال أعمال سعوديين وإماراتيين باعتبار أن العجرودي يعمل في السعودية منذ ثمانينات القرن الماضي وله علاقات واسعة في مجالات الاستثمار في السعودية والامارات.

وتم تقديم العجرودي على أنه الوسيط (أو الواجهة) للجهة التي ترغب في استثمار النادي الفرنسي ولن يكون صاحب الحصة الأغلبية من أسهم النادي في حال إتمام الصفقة،لكن هذا الأخير نفى أن يكون وسيطا أو واجهة لصفقة ما، كما نفى أن تندرج الصفقة في إطار الصراع بين دول الخليج وذلك ردا على مخاوف فرنسية من انتقال الصراع بين السعودية وقطر إلى الدوري الفرنسي. وفي الآن نفسه يعترف العجرودي بوجود مستثمرين من السعودية والإمارات حين صرح لوكالة الأنباء الفرنسية بأنه “في صورة إتمام الصفقة فإن حصة السعوديين والاماراتيين لن تتجاوز الأغلبية مع وجود شركات أخرى من دول حوض البحر الأبيض المتوسط”.

” صاحب قبعة رعاة البقر” كما يسميه الإعلام الفرنسي لن يكون رئيسا لنادي أولمبيك مرسيليا بل سيكون رئيسا لمجلس إدارة النادي، واختار لمنصب رئيس النادي رجل الاعمال الفرنسي من أصل جزائري مراد بوجلال، رئيس نادي سبورتينغ تولون لكرة القدم والرئيس السابق لنادي الرقبي بنفس المدينة.

العجرودي: مشاريع وهمية، دعاية مدفوعة ونزاعات عقارية

ما يُعرف عن محمد العياشي العجرودي في تونس هو أنه سياسي ورجل أعمال وصاحب قناة الجنوبية، ينشر دوريا صورا له على منصة فيسبوك مع شخصيات سياسية واقتصادية وفنية عالمية منهم رؤساء دول وحكومات. ترأس نادي الملعب القابسي وتسبب في سقوطه إلى قسم الرابطة المحترفة الثانية. لا تُعرف له مشاريع استثمارية في تونس. شرع في بناء قصر بمدينة الحمامات في منطقة غابية ذات صبغة فلاحية يمنع فيها البناء، أسس حزبا سياسيا (حركة التونسي للحرية والكرامة) لكنه لم يعمر طويلا بعد أن انسحب من رئاسته واضمحل الحزب بعد ذلك.

ظهر العجرودي لأول مرة على شاشة قناة الجنوبية بصفته مالكها الجديد سنة 2013 حيث تحدث عن فتح ستوديوهات جديدة للقناة في باريس وفي ولايات الجنوب التونسي بالإضافة إلى تطوير أجهزتها وبرمجتها، لكن بعد سبع سنوات من امتلاكه القناة لم تتغير ملامحها وبقيت القناة تبث برامج قديمة ومسلسلات وافلام دون احترام للملكية الفكرية مع وضعيات مهنية هشة بالنسبة للعاملين فيها وغموض كبير حول تمويل القناة. استغل القناة في مجال الدعاية لنفسه وتلميع صورته في الداخل والخارج وحاول من خلالها بناء مسيرة سياسية عبر حركة التونسي للحرية والكرامة، شارك باسم هذا الحزب في الحوار الوطني أواخر 2013 عقب اغتيال الشهيد محمد البراهمي وكان يجلس مع القوى السياسية والاجتماعية لتقرير مصير الحكم في تونس واختيار رئيس للوزراء. تنازل عن رئاسة الحزب بعد ذلك بسبب مخالفته للقانون المنظم للقطاع السمعي البصري والذي يحجر على المسؤولين في الأحزاب السياسية امتلاك القنوات التلفزيونية والاذاعية.

اعتاد محمد العياشي العجرودي تسويق مشاريع ضخمة لكنها بقيت حبرا على ورق، ففي 2013 وبعد شراءه قناة الجنوبية روج لإنشاء “مدينة إعلامية ضخمة” على شاكلة المدن الإعلامية الموجودة في ولاية كاليفورنيا الأمريكية لكن هذا المشروع لم يتجاوز الكلمات التي قالها العجرودي. حظ هذه المدينة الإعلامية الوهمية لم يكن أفضل من المشروع السياحي الذي قدمه في ندوة صحفية أشرف عليها والي نابل السابق منور الورتاني في أفريل 2017، مشروع سياحي ضخم يضم فنادق وفضاءات تجارية وترفيهية ومجمعات سكنية يمتد على مساحة 500 ألف متر مربع بقدرة تشغيلية تبلغ 5 آلاف موطن شغل وباستثمارات تفوق 800 مليون يورو.

كان العجرودي أيضا حريفا لدى المحاكم التونسية حيث يواجه نزاعات مع مواطنين تونسيين رفعوا قضايا ضده في إطار نزاعات عقارية، وأهم هذه النزاعات مع المواطن سيف الله البليلي الذي تفطن في جوان 2012 إلى أن محمد العياشي العجرودي استولى على أرضه الكائنة بهنشيرالفوراة من منطقة الحمامات والتي تبلغ مساحتها 6536 متر مربع، وقد عمد فيها إلى إقامة ملعب كرة سلة رغم ان الارض تحمل صبغة فلاحية. هذا بالإضافة إلى نزاع بين العجرودي والمدير السابق لقناة الجنوبية فرحات الجويني حول مقر القناة الذي تعود ملكيته لشركة نزل المونديال (نزل من خمس طوابق في شارع 9 أفريل وسط العاصمة تونس على ملك فرحات الجويني) بسبب عدم دفع العجرودي معاليم التسويغ بالإضافة إلى تدليس عقد كراء المقر، لينتهي النزاع باسترجاع الجويني للمبنى الذي كان مقرا للقناة ومغادرة قناة الجنوبية إلى مقر آخر بالعاصمة.

تعتبر الدعاية عاملا أساسيا في استراتيجية العياشي العجرودي الاتصالية، يعتمد أساسا على المنشورات المدعومة والتي غالبا ما تحتوي على صوره مع شخصيات معروفة من ميادين السياسة والاقتصاد والفن والرياضة، منها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون والسابق فرانسوا هولاند، وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري والملياردير وتاجر السلاح السعودي عدنان خاشقجي وغيرها من الشخصيات البارزة. صحيح أن بعض هذه الصور تم التقاطها بطريقة هامشية في إحدى المعارض أو الندوات أو حفلات الاستقبال أو في بهو أحد النزل الباريسية الفخمة، لكن العجرودي يرفقها دائما بعبارة لقاء عمل مع فلان وتم التباحث في مسائل إقليمية وقضايا مشتركة وبحث سبل تعزيز التعاون بين البلدين … وأمام فشل العجرودي في أن يصبح من الوجوه المؤثرة في الإعلام الجماهيري التونسي رغم امتلاكه لقناة الجنوبية، إلا أنه حرص على استمالة مواقع الكترونية مشبوهة من بينها مدونة “الثورة نيوز” وموقعي “تونيزيسيكري” و”العقل”، يستغل هذه المواقع للترويج لصورته ومشاريعه مستعينا بوجوه إعلامية معروفة من بينها بوبكر الصغير (أحد أبرز وجوه الدعاية في النظام السابق) وتوفيق بكار (آخر محافظ للبنك المركزي قبل الثورة).