ورغم مرور أكثر من 20 يوماً على اختيار الرئيس قيس سعيّد للمشيشي، ما تزال التخمينات بخصوص توجه الرجل الفكري والسياسي وكيفية وصوله إلى القصر الرئاسي غير محسومة. وعلمت نواة من أحد أقارب رئيس الحكومة المكلف، أن صداقته مع أستاذ القانون الدستوري نوفل سعيّد، شقيق الرئيس والذي يصفه البعض أنه مفتاح القصر الرئاسي، هي التي فتحت له أبواب قرطاج على مصراعيها، حيث كان في البداية المستشار القانوني للرئيس ثم وزير داخلية باقتراح من سعيد ثم كلف بتشكيل الحكومة، وحصل هذا الصعود في زمن وجيز لا يفوق السبعة أشهر.

يجمع بعض زملاء رئيس الحكومة المكلف هشام المشيشي الذين تواصلت معهم نواة، والذين جمعتهم به تجربة دراسية أو مهنية في وزارة المرأة، حين شغل منصب رئيس ديوان في الوزارة أو في لجنة تقصي الحقائق حول الرشوة والفساد، أن المشيشي لم يخض أية تجربة سياسية ولم يكن له نشاط نقابي في الجامعة. كان “رجلا عاديا يشبه  كل التونسييين، درس بجد وعمل بنشاط في مجاله”. من جهته يقول المحامي كثير بوعلاق، الذي درس في كلية الحقوق والعلوم السياسية بالمنار، والتي كان المشيشي طالبا بها في الفترة ذاتها أي بين 1993 و1998، إنه لا يعرف المشيشي ولم يسمع باسمه قطّ، وأنه يستبعد أن يكون له أي نشاط سياسي أو نقابي حينها، رغم أن ساحات الجامعات  في تلك الفترة كانت على صفيح ساخن، حيث شهدت استقطابا للطلبة من جميع الاتجاهات الفكرية والسياسية.

لا يملك هشام المشيشي رئيس الحكومة المكلف حضورا على منصات التواصل الاجتماعي، ما عدى حسابين على موقع لينكد إن المهني، وهو يشبه في هذه النقطة بالتحديد، الرئيس قيس سعيّد. فبين 1993 و2007، تنقل بين ثلاث جامعات وهي كلية الحقوق والعلوم السياسية بالمنار، وبعد عام واحد، انضم إلى المدرسة الوطنية للإدارة، وتخصص في مجال الإدارة العامة، وهو الاختصاص ذاته الذي درسه في المدرسة الوطنية للإدارة بسترازبورغ بين 2005 و2007. كانت بدايته المهنية مراقبا عاما منذ سنة 2002، في الهيئة العليا للرقابة الإدارية والمالية التابعة لرئاسة الحكومة. وفي فيفري 2011، اشتغل ضمن فريق المدققين في اللجنة الوطنيّة لتقصّي الحقائق حول الرّشوة والفساد التي ترأسها الأستاذ عبد الفتاح عمر، واضطلع بمهام التحقق من ملفات الفساد قبل إحالتها على الجهات القضائية المعنية، وقد وصفه الأستاذ ناجي البكوش، الذي كان عضو اللجنة، بأنه

شخص معتدل في التعامل مع ملفات الفساد التي يتحقق منها، بمعنى أنه تعامل بكل تجرد دون تعاطف مع طرف على حساب آخر. لم يتجاوز المشيشي السادسة وثلاثين عاما من عمره حينها، كان شابا متحمسا.

في حين تتحفظ نايلة شعبان كاتبة الدولة في وزارة المرأة في حكومة مهدي جمعة التي جمعها العمل مع المشيشي في مناسبتين، حين كانت عضوة في اللجنة الوطنية للتقصي حول الفساد والرشوة وخلال تقلدها منصب كاتبة دولة في وزارة المرأة، لكنها تصفه بأنه شخص “جيّد وجدي في عمله”.

يبدو أن هشام المشيشي يجيد استثمار علاقاته المهنية، رغم أنه لا ماض سياسي له، فقد تنقل المشيشي بين وزارات مختلفة واشتغل مع وزراء من أحزاب سياسية مختلفة وهي آفاق تونس وحركة النهضة ونداء تونس ومستقلين، فقد تقلد منصب رئيس ديوان في وزارات النقل بين العامين 2014 و2015، حين كان محمود بن رمضان، القيادي السابق في حزب نداء تونس، آنذاك، وزيرا للنقل، ثم رئيس ديوان في وزارة المرأة عندما كانت نادية شعبان كاتبة الدولة لشؤون المرأة. وتقلد منصب رئيس ديوان في وزارة  الشؤون الاجتماعية خلال عهدة الوزيرين عمار الينباعي ومحمود بن رمضان سنة 2016، ثم رئيس ديوان مدة عام ونصف في وزارة الصحة في عهد ثلاث وزراء وهم سليم شاكر القيادي بحزب نداء تونس ومحمد الطرابلسي المقرب من اتحاد الشغل وعماد الحمامي القيادي في حركة النهضة.

لم تؤثر الاتهامات التي وجهت للمشيشي بأنه يخفي ماضيه بالانتماء إلى حزب التجمع الدستوري المنحل والذي مكنه من دخول المدرسة الوطنية للإدارة، في صورته أو سمعة الرئيس قيس سعيد الذي برز في صورة البطل الذي تحدى حركة النهضة وخيب ظن الأحزاب الممثلة في البرلمان. وبدا من الواضح أن دخول المشيشي إلى قصر قرطاج بصفته مستشارا في الشؤون القانونية لم يكن من باب الصدفة، فرئيس الحكومة المكلف قد يكون وجها مكرّرا للرئيس سعيّد، فكلاهما  دون خلفية سياسية. الأول إداري ذو خلفية قانونية، والثاني أكاديمي ينهل من الخلفية ذاتها، وهي صورة تبعث الخوف في نفوس البعض والطمأنينة لدى شق آخر، فخلو تاريخ الرئيس قيس سعيد من أي ماض سياسي ثم صعود شعبيته في الانتخابات الرئاسية أحاطه بنوع من الغموض أثار خوفا كبيرا لدى شق من الناخبين. كما أن اختياره لرئيس الحكومة المكلف هشام المشيشي الذي لف الغموض مسيرته قبل الثورة وبعدها، رغم أنه تقلد مناصب قيادية في وزارات مختلفة، يعكس توجّهات الرئيس قيس سعيد الذي يهوى زرع الغموض في كل مرحلة سياسية يسطّرها.