المقالات المنشورة بهذا القسم تعبّر عن رأي كاتبها فقط و لا تعبّر بالضرورة عن رأي نواة
بقلم عبد الرزاق قيراط،

هي اليوم ثمانون أو أقلّ بقليل أو أكثر و لكنّها على كلّ حال ستبلغ الرقم الذي أبرزناه في العنوان بعد أيّام قليلة فمعدّل خصوبة الثورة التي جاءتنا بهذا الكمّ الحزبيّ في ارتفاع متواصل و نحن نخاف عليها الحسد من عالمنا العربيّ خصوصا حيث لا حكم إلاّ لحزب واحد هو حزب السلطان و يشاركه الوجود لا الحكم بعض الأحزاب الأخرى التي لا تتجاوز في عدّها أصابع اليد و هي على الغالب أحزاب مسبيّة لخدمة سيّدها و صاحب نعمتها.

في تونس، كنّا في مثل وضع أشقّائنا ولكنّنا اليوم تحرّرنا و تجاوزنا العقم الذي جثم على أرضنا و هاهي الخضراء خصبة كما يجب أن تكون، ولود تضع لنا ما معدّله حزبا جديدا في كلّ يوم منذ ثورة 14 يناير.

و لهذه الذريّة الحزبيّة الصالحة أسماء حسنى تبشّر بالصلاح و الإصلاح لأهلها. و التونسيّون أهلها عاكفون في هذه الفترة قبل الانتخابات على إحصائها فهي كثيرة ما شاء الله و هذا ما يعسّر المهمّة. لذلك نحاول البحث في مقالتنا عن وسائل تساعدنا للتعرّف على هذه الأحزاب و قد رأينا أن نستعين بعلوم اللغة و المنطق و الحساب و الكيمياء و كلّ الأدوات الأخرى الكفيلة بفهم هذه الفسيفساء الجميلة دون شكّ على الأقلّ من الناحية اللغويّة.

و بما أنّنا ذكرنا جمال اللغة سنبدأ ببعض ما تعلّمناه من قواعدها و هي تغرينا مثلا بالتمييز بين المذكّر و المؤنّث فقضيّة جنس المواليد ذات شأن عظيم عندنا نحن العرب و هو أساس بسيط للتمييز بين نوعين فقط و هذا حلّ قد لا يستهان به في مقاربتنا لأسماء أحزابنا و حركاتنا. فالذكور هم الأحزاب مثل حزب الوطن و حزب المستقبل … و الإناث هم الحركات مثل حركة الشعب و حركة الإصلاح و العدالة، غير أنّ الخطأ في المناداة وارد و قد حدث فعلا لدى السياسيّين و الصحفيّين فأسند بعضهم اسم الحزب للحركة و اسم الحركة للحزب فكيف سيفعل المواطنون البسطاء و هم أكثر عرضة للالتباس. و زيادة على ذلك لا يحلّ هذا المقياس مشكلة الكثافة لأنّنا سنحصل على عدد مرتفع من الذكور ومثله من الإناث.

الحلّ الثاني يسعفنا به علم الحساب لنميّز بين من اختار لحزبه اسما بسيطا من لفظ واحد و من اختار له لفظين أو ثلاثة و في ذلك حكمة أخرى.

الاسم المتكوّن من لفظ مفرد أبسط ربّما للذكر و أوكد للحفظ و التذكّر مثل الوفاق أو النهضة أو الخضر أو الشعب أو المستقبل أو المجد… و الاسم المركّب الذي له أنصاره من الباحثين عن محاسن المعاني أكثر إلحاحا على جمع الشعارات الجميلة الجذّابة و هذه طائفة منها فلنا حزب الحرية من أجل العدالة والتنمية و حزب المستقبل من أجل التنمية والديمقراطية و حزب الكرامة من أجل العدالة والتنمية و الحزب الجمهوري للعدالة و التنمية…. إنّها حافلة بالشعارات الخلاّقة كما نرى و لكنّنا في مأزق كبير أمام هذه الأسماء المتشابهة التي لن نقدر على التمييز بينها فبالإضافة إلى عبارة [من أجل ] التي تكرّرت مرارا، تعاودت معها ذات الشعارات و هي التنمية و العدالة مع تغيير بسيط في المواقع الأمر الذي لا يغيّر من الأمر شيئا. و قس على ذلك مع بقيّة الأحزاب فإذا اعتمدنا على الأساس المنطقيّ للمقارنة لوجدنا أنّ مشكلة التكرار تحكم بقيّة الأسماء أيضا فشعارات مثل الحريّة و المساواة و العمل و التنمية و الديمقراطيّة و التجديد و الوحدة أو الاتّحاد و العدالة أو العدل أخذت منها كلّ الأحزاب نصيبها و أضافت إليها بعض الصفات التي لا تقلّ عنها حسنا مثل الوطنيّ و الاجتماعيّ و الديمقراطيّ و التقدميّ و الاشتراكيّ و الشعبيّ و التحرّريّ و الجمهوري و الحرّ و الأحرار، و كلّ هذا يجعلنا أمام جهد عسير كأنّه من عذاب السعير فالمعذرة لجميع الأحزاب و الحركات على ما انتهينا إليه في ختام هذه المقالة فالأكيد أنّ جهدنا سيكون عديم الفائدة لأنّ أسماء الأحزاب جميعها هي أسماء حسنة لفظا و دلالة و هي لذلك متشابهة في زعمها أنّها تعمل لخير تونس و التونسيّين.

المشكل ربّما في الأشخاص الذين صاغوا تلك الأسماء فمنهم الصالح الصادق الذي سيؤيّد القول بالفعل و منهم الفاسد الكاذب الذي قد يكون ساعيا لمنصب أو مصلحة ضيّقة و في هذا كلّ الخطر لا من الأحزاب و أسمائها بل من الزعماء و أسمائهم ، أسماء أخرى سنحتاج إلى المزيد من الوقت للإحاطة بها حتّى لا نقع في الخطأ و سوء التقدير يوم الانتخاب فتتحوّل ثورتنا لا قدّر الله إلى مجرّد سراب!