هذه الاتفاقية التي دخلت حيز التنفيذ وصادقت عليها 34 دولة أفريقية، من المنتظر أن تكون الإطار القانوني المرجعي الذي يفتح الفضاء الاقتصادي الإفريقي على الإمكانات التجارية المعطلة بين الدول المصادقة على اتفاقية زليكاف، ويفتح المجال للمنافسة وتغيير السياسات الاقتصادية التي دأبت عليها الدول الأفريقية منذ عقود.

العديد من التحديات والعوائق التي تقف أمام تفعيل هذه الاتفاقية في الفضاء الإفريقي وملائمة قوانين الدول الأعضاء فيما بينها لتيسير إزالة الحدود الجمركية وتطوير الاقتصاديات الإفريقية المحلية لتنفتح على بعضها وتطور آليات اندماجها في السوق الإفريقية الحرة.

الصعوبات والتحديات

بالرغم من الطابع الرمزي لبداية تنفيذ اتفاقية منطقة التبادل التجاري الحر القاري الافريقي إلا أن محتوى الاتفاق يتسم، على المدى المتوسط والبعيد، بأهمية كبيرة بالنسبة لاقتصاديات الدول الافريقية التابعة والمنهكة بسبب السياسات الاقتصادية الكولونيالية التي تقوم على تصدير المواد الأساسية والخام. كما أن ميزان المبادلات التجارية المابين-افريقية يشهد اختلالا، إذا لا يتجاوز 16% في حين أن صادرات أفريقيا للاتحاد الأوروبي أساسا والولايات المتحدة والصين وباقي دول العالم تتراوح بين 80 و90% بين 2017-2020، بحسب إحصائيات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية.

العديد من التحديات والعراقيل تقف دون تنفيذ بنود اتفاقية التبادل التجاري الحر بين الدول الأفريقية منها عدم وجود دولة مركزية تلعب دورا محوريا بين الدول الإفريقية الأعضاء في الاتفاقية مثلما هو الحال في الاتحاد الأوروبي (فرنسا-ألمانيا) والولايات المتحدة في اتفاقية منطقة التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا) والصين في تكتل دول جنوب شرق آسيا. إلا أن عدم وجود دولة مركز يعوضه وجود جذور ثقافية وحضارية وتاريخية أفريقية مشتركة تساعد على توحيد مواقف الدول الأفريقية وتيسير العقبات التي تحول دون تنفيذ الاتفاقية.

خبراء أفارقة يرون بأن الوصول لتنفيذ الاتفاقية بالكامل يتطلب سنوات وربما عقود من الزمن بسبب العراقيل الملقاة على طريق اندماج الاقتصاديات الإفريقية، بسبب ثقل الإجراءات الإدارية في الدول الإفريقية الأعضاء. هذا إضافة للبنية التحتية المهترئة (طرقات وموانئ ومطارات..) والمؤسسات الاقتصادية الحكومية غير المجهزة بالقدر الكافي لتيسير تنفيذ بنود اتفاقية التبادل التجاري الحر بين الدول الأعضاء. مثال ذلك ميناء رادس في تونس أحد أهم شرايين اقتصادها والمرآة التي تعكس الأداء اللوجستي الضعيف للبلاد. فعلى الرغم من أن الميناء يتعامل مع أكثر من 80% من حركة الحاويات في البلاد إلا أن المؤشرات تدل على أداء بيروقراطي هزيل إذ يبلغ متوسط وقت التسليم السنوي للحاويات في ميناء رادس 18 يومًا (مقارنة بحوالي 10-12 يومًا قبل 10 سنوات و6-7 أيام لبلدان مثل المغرب).، ويعزى مدير البنك الدولي بتونس ذلك، لجهات فاعلة مختلفة (الجمارك، مراكز المراقبة التقنية، شبكة التجارة التونسية، الشركة التونسية للشحن والتفريغ، مكتب البحرية التجارية والموانئ، المصارف…).

 الرهانات والآفاق

تغيير براديغمات الاقتصاد الكولونيالي في أفريقيا ليس بالأمر الهين ولا يحصل بين يوم وليلة. الفضاء الأفريقي يضم 1.2 مليار شخص وتكتل اقتصادي حجمه 3.4 تريليون دولار وترسانة من التشريعات الاقتصادية البيروقراطية صيغت في أغلبها لخدمة التبادل التجاري مع الفضاء الأوروبي والآسيوي دون أن تسعى لتطوير تشريعاتها البينية إلا في اتفاقيات إقليمية مثل اتفاقية السيدياو لدول غرب أفريقيا و الاتفاقية المشتركة لدول شرق وجنوب أفريقيا (كوميسا) التي انضمت إليها تونس سنة 2018.

الوضع الحالي يتطلب تطوير تشريعات الدول الافريقية المتعلقة بالتجارة البينية وتحريرها لتتلاءم مع روح اتفاقية منطقة التبادل التجاري الحر الأفريقية بما يسهل عملية انصهار اقتصادات الدول الأفريقية داخل فضاء زليكاف.  في هذا السياق، يؤكّد وامكيلي مين، الأمين العام لأمانة منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (زليكاف): “نريد أن نتوقف عن اتخاذ الرسوم الجمركية كوسيلة للدخل، نريد أن تكون الرسوم الجمركية وسيلة للتنمية الصناعية”.

وتهدف الاتفاقية في مرحلة أولى إلغاء الرسوم الجمركية عن 90% من البضائع، وفي مرحلة ثانية إلغاء الرسوم عن 7% من البضائع المتبقية في مرحلة أطول يعود لكل دولة أن تحددها. أما نسبة 3% المتبقية من البضائع، فلا ترفع عنها الرسوم.

من المنتظر أن يمكن تنفيذ اتفاقية منطقة التبادل التجاري الحر الافريقية بالكامل من تعزيز الدخل الإقليمي بنسبة 7% أي 450 مليار دولار من المكاسب المحتملة، من بينها 300 مليار دولار ناتجة عن تدابير تيسير التجارة و إزالة الحواجز البيروقراطية وتبسيط الإجراءات الجمركية.

ومن بين المزايا الأخرى لتنفيذ بنود اتفاقية زليكاف هي تسريع نمو أجور النساء التي سترتفع بنسبة 10.5% مقارنة بالرجال 9.9% وزيادة أجور العمالة غير المهرة بنسبة 10.3% وأجور العمالة الماهرة بنسبة 9.8%، ما من شأنه أن يساهم في في انتشال 30 مليون شخص من الفقر المدقع وزيادة دخل 68 مليون شخص آخر يعيشون على أقل من 5.5 دولار في اليوم بحلول العام 2035، بحسب إحصائيات البنك الدولي.

منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية ستساهم كذلك في نمو التجارة الأفريقية بشكل كبير، ولا سيما التجارة البينية في التصنيع. وبحلول عام 2035، فإن حجم إجمالي الصادرات الافريقية سيزداد بنحو 29% مقارنة بحجم الصادرات المعتاد. في حين ستزيد الصادرات القارية بأكثر من 81%، بينما سترتفع الصادرات إلى البلدان غير الأفريقية بنسبة 19%، وهو ما سيخلق فرصا جديدة للمصنعين والعمال الأفارقة، وسيدعم النمو التجاري للبلدان الأعضاء وزيادة التشغيل وفرص العمل والاستثمار.

والأهم من ذلك كله هو قدرة هذا الاتفاقية، إذا ما تم تنفيذها بشكل منظم وشفاف، على دعم البنى الاقتصادية التقليدية للدول الأفريقية وتطوير بنيتها التحتية ووسائل النقل المواصلات، وخاصة النهوض بالصناعة والخدمات لابتكار منتجات متطورة تنافس بها في السوق العالمية وتحقق منها اكتفائها الذاتي بدل الاقتصار على سلاسل الإنتاج التقليدية والارتهان لقيود الاقتصاديات الكولونيالية.