وبحسب موقع رصد السفن العالميwww.vesselfinder.com فإن آخر دخول لسفينة تجارية قادمة من إسرائيل كان بتاريخ 05 ماي 2021، لتغادر في 22 من نفس الشهر وهو مايعني أن السفينة قضت 17 يوما في ميناء رادس ما بين انتظار وتفريغ وترصيف.
السفينة كانت تحمل اسم “إيكاترينا” Ekaterina وترفع العلم المالطي للتمويه، وليست هذه المرة الأولى التي تدخل فيها لميناء رادس محملة ببضائع إسرائيلية وتغادره مشحونة ببضائع تونسية، فقد سبق وأن دخلت لتونس في 31 مارس 2021.
وفي هذا السياق كشف موقع “الكتيبة” التونسي، بتاريخ 20 مارس 2021، عن عبور العديد من الحاويات من ميناء رادس في تونس وصولا إلى ميناء أسدود التابع لدولة الاحتلال الإسرائيلي، محملة بالكسكسي الذي يصنّع من قبل شركة رندة التونسية. وأشار الموقع إلى أن هذه المبادلات التجارية السريّة تشكّل أحد أوجه التطبيع الاقتصادي المسكوت عنه بين مؤسّسات تونسيّة وشركات إسرائيلية استفادت من غياب إطار تشريعي يجرّم مثل هذه العلاقات.
التطبيع في زمن كورونا
توصلت “نواة” إلى العديد من الأرقام والبيانات التي تعكس حجم التطبيع الإقتصادي، بين تونس والكيان الصهيوني في العقود الأخيرة ليصل إلى ذروته السنة الماضية، حيث بلغت قيمة البضائع التي قامت بلادنا بتصدريها إلى إسرائيل 18.248000 مليون دولار، ما يقارب 49.5 مليون دينار تونسي لسنة 2020 لوحدها، بحسب الاحصائيات التي حصلنا عليها من قاعدة بيانات منظمة الأمم المتحدة.
يأتي ذلك في السنة التي كانت الدولة مجندة لمجابهة جائحة كورونا. وكان الرأي العام والاعلام مركزين على كيفية الخروج من هذه الكارثة وفهم كل العوامل المتداخلة فيها. ومرت بالتالي المبادلات التجارية مع الكيان الصهيوني في كنف السرية، وصدّرت تونس بضائع لدولة الاحتلال ما لم تصدرها لها على امتداد تاريخ العلاقات التجارية السرية التي جمعت بين البلدين منذ الاستقلال إلى اليوم.
وجاء في الاحصائيات والبيانات التي حصلنا عليها من موقع مركز التجارة الدولي (وكالة للتعاون التقني لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية ومنظمة التجارة العالمية) أن واردات الكيان الصهيوني من الملابس والإكسسوارات مثلا بلغت قيمتها 7,647 مليون دولار، ما يقارب 20.8 مليون دينار تونسي. كما بلغت قيمة صادرات تونس من الآلات والمعدات الكهربائية والصوتية لدولة الاحتلال 4.272 مليون دولار، ما يقارب 11.5 مليون دينار تونسي. هذا وارتفعت صادرات الشحوم والزيوت الحيوانية أو النباتية والدهون الغذائية بين سنتي 2016 و2020 إلى 2.017 مليون دينار بنسبة 164 %.
لم تكن سنة 2020 الوحيدة التي عرفت أرقاما مرتفعة في تطبيع العلاقات الاقتصادية، وإن كانت الأعلى في حجم التطبيع، إذ عرفت سنة 2012 (فترة حكومة الترويكا برئاسة حركة النهضة) صعودا غير مسبوق في قيمة التبادل التجاري بين تونس ودولة الاحتلال، لتبلغ قيمة الصادرات التونسية لإسرائيل 15.014 مليون دولار مقابل واردات بقيمة 308 آلاف دولار.
يأتي ذلك في سياق تنكر فيه الدولة التونسية، من خلال وزارة خارجيتها، إنشاء أية علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. بل إن وزير التجارة وتنمية الصادرات التونسي، محمد بو سعيد، أنكر، في جلسة مساءلة أمام البرلمان، علم وزارته قيام بعض الشركات التونسية في مجال صناعة الأغذية بتصدير منتجاتها إلى إسرائيل وكأن إدارة الموانئ والديوانة وأجهزة الرقابة التجارية تتبع دولة أخرى أو أنها مؤسسات تعمل لحسابها الخاص. هذا دون الحديث عن قواعد البيانات الدولية التي تنشر بشكل دوري احصائيات بحجم واردات وصادرات تونس للدول الأجنبية بمن فيها إسرائيل، وهو أمر من المفترض أن تكون وزارة التجارة ملمة به وعلى دراية ببياناته.
ماذا تريد إسرائيل من تونس؟
كان نظام الرئيس المخلوع بن علي من أوائل الأنظمة العربية التي وقعت اتفاقيات تعاون مع الكيان الصهيوني في عام 1994 بعد المغرب بشهر واحد، إثر توقيع اتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل. وربط نظام بن علي وقتها علاقات دبلوماسية مع الإسرائيليين تُوِّجت بفتح مكتبي اتصال دبلوماسي وتجاري بين البلدين في العام 1996. وأصبح على إثرها التطبيع شأنا رسميا قبل أن تقوم تونس بقطع العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين البلدين من جديد وإغلاق مكتب الاتصال الإسرائيلي ببلادنا، وسحب سفيرها محمد المصمودي من تل أبيب كرد فعل على قمع الاحتلال الإسرائيلي للانتفاضة الثانية سنة 2000. لكن العلاقات التجارية والسياحية بين البلدين لم تتوقف وتواصلت الاتصالات بينهما في عدة مجالات.
في نوفمبر 2005، جاءت زيارة وزير الخارجية الاسرائيلي، سيلفان شالوم، إلى تونس، تحت غطاء القمة العالمية لمجتمع المعلومات (SMSI)، يرافقه فيها وفد من المعهد الإسرائيلي للتصدير والتعاون الدولي، وجمعية المصنعين الإسرائيليين، وشركات الاتصالات الرائدة، لتحسين فرص وشروط التطبيع بين البلدين. وبحسب وثيقة منشورة على موقع رئاسة الحكومة الإسرائيلية، فقد عقد الوزير الإسرائيلي، ذو الجذور التونسية، ساعتها، لقاءات مع المسؤولين التونسيين. وقال في الوثيقة إن لديه “انطباعا بأن القيادة التونسية اتخذت قرارا استراتيجيا بإبداء الدفء والانفتاح على الوفد الإسرائيلي من أجل تعزيز العلاقات الثنائية ولعب دور أكثر أهمية في الشؤون الإقليمية”. كما بحث شالوم ومضيفوه التونسيون سبل الارتقاء بالسياحة والتجارة الثنائية.
تطور العلاقات التجارية بين البلدين بعد الثورة لم يلجم رغبة الكيان الصهيوني الجامحة للتطبيع الشامل والعلني للعلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بين البلدين. وبحسب تصريح وزير أملاك الدولة الأسبق حاتم العش، لراديو جوهرة اف ام، فإن سفيرة الاتحاد الأوروبي في تونس أبلغته عندما كان في منصبه على رأس الوزارة سنة 2015 بأن اسرائيل تنوي طلب التعويضات باسم اليهود التونسيين الذين غادروا البلاد في الستينات والسبعينات إثر حربي 1967 و1973، مشيرا إلى إن “فرضية طلب إسرائيل لـ 50 مليار دولار من تونس ممكنة جدا، وسيكون هذا الطلب وسيلة للابتزاز والمساومة على التطبيع مقابل التنازل عن التعويضات”.
تسعى إسرائيل من خلال خططها للتطبيع مع تونس وبلدان شمال افريقيا (ليبيا، المغرب، الجزائر)، إضافة للمكسب السياسي الذي تحققه من ذلك على حساب عدالة القضية الفلسطينة، هو أن يكون لها موضع قدم راسخة في القارة الأفريقية من بوابتها الشمالية بعد أن استطاعت اختراقها من بوابتها الشرقية (أثيوبيا، السودان، جنوب السودان، كينيا…). تونس مهد لمجتمع يهودي قديم، ويمكنها أن تكون عاملا مساعدا أو عائقا أمام تحقيق مصالح الاسرائيليين في أفريقيا، وذلك بسبب موقعها الجيوسياسي وعضويتها داخل الاتحاد الأفريقي، بحسب الباحثة في المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية “متافيم”، أدينا فريدمان.
وأشارت الباحثة الاسرائيلية إلى أنه على الرغم من العقبات السياسية القائمة أمام العلاقات بين البلدين إلا أن “هناك سابقة لعلاقة جيدة بين إسرائيل وتونس تجسدت في التعاون بين البلدين في ميدان الزراعة على سبيل المثال”، وبأن هناك “إمكانية لتوسيع التعاون في مجالات إضافية في المستقبل، في ظل ظروف مناسبة”.
وهكذا، على الرغم من الضغوطات التي يمارسها الكيان الصهيوني على تونس من أجل تطبيع العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية مع بلادنا لما تتميز به من أهمية استراتيجية لإسرائيل في المنطقة المغاربية والأفريقية، إلا أن قضية مناهضة التطبيع تبقى على رأس أولويات التيارات والجماعات المساندة لحق الشعوب في تقرير مصيرها، ومقياسا لدعم القضية الفلسطينية وتبني مطالبها المشروعة.
iThere are no comments
Add yours