في آخر 2021، حزم الصحفي المغربي عماد ستيتو حقائبه وتوجه نحو تونس، منفاه الاختياري، كان ذلك بعد أن صدر ضده حكم في المغرب، بالسجن لمدة عام. كان الحكم صادما، ووجد الصحفي المغربي نفسه أمام خيارين مرين، الأول البقاء ومواصلة العمل في مهنته حيث سيكون مآله الحتمي السجن ربما لسنوات طويلة، والثاني هو التوقف عن ممارسة الصحافة، لكن ستيتو سطر خيارا أقل مرارة وهو التوجه للعيش في تونس حتى يمكنه العمل بأكثر حرية.

عماد ستيتو، محنة الشاهد الذي يشاهد شيئا

بدأت قضية عماد ستيتو الصحفي المغربي العامل حينها بموقع Le Desk كبقية قضايا الصحفيين المغاربة الذين حوكموا بسبب مواقفهم أو تغطيتهم لحراك الريف في المغرب سنة 2016. ففي ذلك العام، قُمعت الحركة بشكل عنيف ومنعت التغطية الصحفية للحراك، وأصبح من الصعب على الصحفيين المحليين التنقل من مدن المغرب نحو الحسيمة معقل الحراك، ثم جاء دور التضييق على الصحفيين الذين تابعوا الحراك ومحاكمة المشاركين فيه. ففي ظرف ثلاث سنوات، سُجن أربعة صحفيين بعد أن وجّهت لهم تهم أخلاقية وحُكم على صحيفة مستقلة بالإغلاق بعد تجفيف منابع تمويلها وحرمانها من الإشهار.

ترتبط قضية الصحفي عماد ستيتو بقضية الصحفي عمر الراضي، ففي منتصف 2020، ألقت قوات الشرطة القبض على الراضي المعروف بمواقفه المنتقدة لسياسات الحكومة والملك، ووجهت له تهمة التخابر وتهم أخرى مثل الاغتصاب، وهو رابع صحفي يتابع بعد حراك الريف بتهم تدور جميعها في فلك الجرائم الجنسية ذات البعد الأخلاقي، بعد متابعة سليمان الريسوني وابنة أخيه هاجر الريسوني وهما صحفيان يعملان بصحيفة “أخبار اليوم” المستقلة، وتوفيق بوعشرين صاحب الصحيفة، وعفاف برناني التي كانت  تعمل بالصحيفة ذاتها.

يروي عماد ستيتو قصته في مقابلة مع موقع “نواة” بمرارة وسخرية ويقول :

بدأت محنتي حين تلقيت استدعاء من الدرك الملكي باعتباري شاهدا في قضية عمر الراضي والتي جمعت بين قضيتين وهما قضية التخابر والاعتداء الجنسي، وذلك لسماع أقوالي لأنني كنت موجودا في مكان الاعتداء الجنسي المزعوم، وخضعت لتحقيق دام ثماني ساعات. كان ذلك في جويلية 2020، أدليت بشهادتي بخصوص الوقائع بكل أمانة وقلت أن ما عاينته يجعلني متأكدا من أن العلاقة بين الصحفي عمر الراضي والشاكية هي علاقة رضائية ولم أسمع ما يفيد وجود اعتداء أو عنف، وتمت مواجهتي بالشاكية وبعمر الراضي الذي اعتقل بعد سماعي بيومين رغم شهادتي. وبعد شهرين من اعتقال عمر، قررت النيابة العمومة تقديم طلب لقاضي التحقيق لفتح تحقيق ضدي بتهم المشاركة في جنايتين هما الاغتصاب وهتك العرض. وقالت  إنها تملك أدلة على ذلك دون أن تقدمها لقاضي التحقيق، وتحولت من شاهد إلى متهم دون قرائن. خضت التحقيق في ثلاث جلسات أمام قاضي التحقيق، وظل الملف في مكتب قاضي التحقيق قرابة  9أشهر ثم  أحيل إلى المحكمة دون مؤيدات.

حُكم على عماد ستيتو بسنة سجن بعد أن تحول من شاهد إلى متهم، وهو يعتبر أن الحكم انتقام منه لأن شهادته طعنت في رواية الشاكية في قضية عمر الراضي الذي وُجهت له تهم سابقة على خلفية عمله الصحفي وآرائه، وكان آخرها في ديسمبر 2019، حيث اعتقل وتمت متابعته بتهمة تحقير القضاء بعد أن وصف في تدوينة له القضاء بالجلاد إثر صدور  الأحكام القضائية القاسية التي نالها نشطاء حراك الريف، ثم أطلق سراح عمر الراضي بسبب ضغط دولي ووطني، حينها. وبعد أقل من سنة، أعيد اعتقال عمر واتهم بالتخابر وبالاغتصاب.يقول ستيتو ل”نواة” :

كان الحكم علي نقطة تحول في قضية عمر حيث وقف الرأي العام المحلي والدولي على حقيقة ادعاءات المخزن وعلى زيف التهم الموجهة لعمر ولي بعد أن انقلب وضعي من شاهد إلى متهم دون الإدلاء بقرائن ضدي ادعت النيابة العمومية حيازتها.

يقبع ثلاثة صحفيين مغاربة وهم سليمان الريسوني وتوفيق بوعشرين وعمر الراضي في السجن بتهم مختلفة تتلخص في الاغتصاب والاتجار بالبشر، ويعتقد المدافعون عنهم أن النظام، راهن على عزل الصحفيين الذين ينتقدون سياسات الملك، فقد تفطنت الدولة حسب عماد ستيتو إلى أن اعتقال الصحفيين أو متابعتهم بسبب آرائهم تحوّلهم إلى أبطال، لذلك ارتأت تلفيق قضايا ذات طابع أخلاقي من أجل تدمير صورتهم. وتضمن السلطة من خلال تلك القضايا خفض التضامن المحلي والدولي مع هؤلاء الصحفيين وهو ما حصل فعلا فانقسم الحقوقيون في المغرب بخصوص قضيتي عمر الراضي وتوفيق بوعشرين. كما كان الدعم الدولي حذرا لحساسية القضية، حيث يمكن أن يسبب التضامن مع المتهمين حرجا للمنظمات الحقوقية الدولية. وعلى العكس قضيتي بوعشرين وسليمان الريسوني، أجبر التضامن الدولي الملك محمد السادس على إصدار عفو عن الصحفية هاجر الريسوني بعد حكم قضائي ضدها ظاهره قضية ذات أبعاد أخلاقية، أما سببها الحقيقي فهو عملها في صحيفة مستقلة تزعج النظام.

الصحفية التي طردت من وطنها ومنفاها

في بداية 2022، زارت الصحفية المغربية هاجر الريسوني صديقتها عفاف برناني التي كانت تعمل معها في صحيفة “أخبار اليوم” المستقلة. كانت عفاف برناني قد قضت في تونس أكثر من سنتين بعد صدور حكم ضدها بالسجن لمدة6 أشهر حين تحولت من شاهدة إلى متهمة في القضية التي عرفت بقضية توفيق بوعشرين وسليمان الريسوني. حينها لم تحزم هاجر الريسيوني كل أغراضها، واعتقدت أن زيارتها السياحية لتونس لن تطول. لكن مرت قرابة الخمسة أشهر على تلك الزيارة ولم تغادر هاجر تونس إلا مرة واحدة  في مهمة عمل لتعود إليها وتقرر أن تكون تونس منفاها هي أيضا.

في 2019، اعتقلت هاجر الريسوني بتهمة الإجهاض، وهي عملية يجرمها القانون المغربي، ولقي اعتقالها انتقادا دوليا ومحليا للسلطات في المغرب، بسبب ما سمي الأهداف الثلاثة التي وضعتها السلطة لمعاقبة الصحفيين وهي “إخفاء الطابع السياسي لما تقوم به السلطة وتصوير نفسها بأنها لا تنتهك حقوق الإنسان، وثانياً التقليل من التضامن مع المعتقل، وثالثاً تشويه سمعة المعتقل وضرب مصداقيته في المجتمع” حسب توصيف الحقوقية المغربية خديجة الرياضي في تصريح إعلامي سابق.

تقول هاجر الريسوني في مقابلة مع موقع “نواة” :

حكم على بسنة سجنا رغم أن كل الأدلة الطبية كانت تثبت أنني لم أجهض ولم أكن حاملا من الأصل، وتعرضت للتعذيب الجسدي خلال فترة إيقافي. وأكد كل المراقبين من منظمات دولية ووطنية في تقاريرهم أن محاكمتي كانت سياسية وليست بسبب التهم التي توبعت بها والغرض منها الإساءة لسمعتي وسمعة عائلتي.

قضت  الصحفية المغربية أكثر من شهر في السجن، وكتبت في رسالة مسربة أن الأمن سألها خلال استجوابها عن كتاباتها السياسية وعن عمها أحمد الريسوني رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وعن عمها سليماني الريسوني وهو صحفي يساري يعمل رئيس تحرير في الصحيفة التي تعمل فيها هاجر.

تقول هاجر في تصريح ل”نواة” :

أعتبر أن سبب اعتقالي كان على خلفية عملي الصحفي، وبالضبط تغطيتي لحراك الريف الذي انطلق في شمال المغرب سنة 2016 ومن خلال تغطيتي كنت اكشف التجاوزات والعنف الذي تعرض له المحتجون وكيدية التهم التي لفقت لنشطاء حراك الريف، فضلا عن استهداف عائلتي وهي عائلة لها مواقف معارضة للسلطة سواء الذين ينتمون للتيار الإسلامي أو الذين ينتمون إلى اليسار. بالإضافة إلى ذلك، فالجريدة التي اشتغل بها “أخبار اليوم” وهي آخر الجرائد المستقلة في المغرب، كانت مستهدفة من طرف السلطة بسبب خطها التحريري المستقل وقد اعتقل مدير نشرها الصحفي توفيق بوعشرين وحكم عليه ب15 سنة سجنا بتهم جنسية أيضا كما اعتقل عمي سليمان الريسوني سنة 2020 وهو رئيس تحرير الصحيفة.

تصف هاجر الريسوني وضع الصحفيين المستقلين في المغرب بالخطير لأن السلطة ستعاقب كل من يعبّر عن رأيه بحرية بتجهيز ملف يضم تهما ذات طبيعة جنسية أو جرائم الأموال، وتقول

اليوم الصحافيين المستقلين إما في السجن أو في المنفى الاختياري والقلة التي بقيت في المغرب لا تستطيع التعبير بحرية خوفا من الاعتقال والمتابعة. استخدمت السلطة في المغرب سلاح التشهير ضد الصحافيين المستقلين في مواقع موالية للسلطة، حيث تشهر بهم وبعائلاتهم وأصدقائهم وتتنبأ هذه المواقع نفسها باعتقال الصحافيين حتى قبل صدور أوامر بذلك، مثلما حدث مع سليمان الريسوني وعمر الراضي وتوفيق بوعشرين

غطت هاجر الريسوني الاحتجاجات وكل الأحداث التي عاشها الشارع المغربي منذ 2015، كما كتبت تحقيقات عن ملفات فساد في مشاريع ملكية. بعد محاكمتها وإطلاق سراحها بعفو ملكي إثر ضغوط من منظمات دولية، اختارت الخروج من المغرب والبقاء في تونس لأن السلطة حاصرت أغلب الجرائد المستقلة، واعتقلت الصحفيين المستقلين الذين كانت لهم الشجاعة لانتقاد الأمن والسلطة والقضاء وشخصيات قريبة من المحيط الملكي حسب قولها.

تضيف الريسوني

أعتبر تونس الوطن الثاني للصحافيين المضطهدين، حيث يتم استقبالنا والتعامل معنا باحترام وتقدير، ونملك هنا حيزا من حرية التنقل والعمل والتعبير والعيش في أمان نسبيا رغم أن المغرب يده طويلة ولا يترك معارضيه، أنا ممتنة لتونس التي منحتني الإحساس بأنني في وطني في الوقت الذي جار وطني علي، وامتناني أيضا للنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين.

تسعى النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين إلى مساعدة الصحفيين الذين يختارون اللجوء إلى تونس، وتقول ريم سوودي عضو المكتب التنفيذي بالنقابة لموقع “نواة” إن جهود النقابة للوقوف إلى جانب الصحفيين الفارين من القمع أساسها مبدأ التضامن بين الصحفيين في كل العالم وخاصة الصحفيين الذين يعيشون تضييقا على حرية الصحافة في دولهم، وتضيف

لا تملك النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين ميزانية خاصة لتقديم المنح للصحفيين الفارين إلى تونس والذي غالبا ما يكون وضعهم المادي متأزما، لكن النقابة تعتمد على علاقاتها المتميزة مع المنظمات الحقوقية مثل الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، التي يمكن أن تقدم منحا للصحفيين المذكورين حتى يتمكنوا من مواجهة نفقات الإيجار والأكل واللباس.

يبحث الصحفيون الهاربون من بلدانهم عن وطن جديد يمارسون فيه مهنتهم دون خوف من السجن أو من التصفية، وتمثل تونس خيارا مقبولا لأغلبهم، أو مستقرا مؤقتا خاصة بسبب مخاوف من تراجع في مستوى حرية التعبير خلال العامين الأخيرين بسبب التجاذب بين حزب حركة النهضة وحلفائه من جهة، وبين رئاسة الجمهورية من جهة أخرى. بين العامين 2020 و2021، سجلت وحدة الرصد بمركز السلامة المهنية بالنقابة الوطنية للصحفيين 206 اعتداء على الصحفيين. وسجلت تتبعات ضد الصحفيين في 6 مناسبات خارج الإطار القانوني للمرسوم عدد 115، لعل أخطرها هي متابعة خليفة القاسمي مراسل إذاعة موزاييك على معنى قانون مكافحة الإرهاب وغسيل الأموال وإيقافه لمدة أسبوع، ووصل التضييق على الصحفيين حد متابعة صحفيين من موقع “نواة” بتهمة التصوير، وهي ممارسات قد تثقل ملف الرئيس قيس سعيد لدى المنظمات الدولية المدافعة عن حرية التعبير والدول المانحة على حد السواء.