عودة لإشكالية التغيير

لم تُخيبّ النسخة المنقحة من “التجمع الدستوري الديمقراطي” التي تحكم تونس حاليا، ظنّ كثيرين، والأشهر الخمسة الأولى من تولي “جماعة النداء” للحكم، كانت كما توقعها كل من عاين بتمعن تجربة أزيد من نصف قرن من حكم هؤلاء، ولو أنهم زوّقوا بعناية الواجهة القبيحة للبناية القديمة ببعض الوجوه التي كانت لوقت قريب تقف على مسافة منهم، من دون أي تغيير للغرف الداخلية لهذه البناية التي ترفض الانهيار.

نحن… وإعلام 7 نوفمبر

تختلف التقييمات كثيرا حول مسيرة أكثر من 4 سنوات مما يسمى ورشة «إصلاح الإعلام التونسي»، وحتى إن كانت المحصلة هزيلة للغاية، ومازال الإعلام يثير حفيظة السياسيين والمواطنين والعاملين فيه أيضا، فإن ذلك لا يعني ضرورة التوقف عما بدأناه. فكل الجهود التي بذلت هي حلقات من سلسلة تنقصها حلقة مفقودة على غاية من الأهمية، وهي أن عملية إصلاح صاحبة الجلالة تحتاج سياقا متكاملا ينشد الإصلاح ويقتنع به، سياق يعمل جاهدا على الخروج بثقافتنا وسلوكاتنا وانتظاراتنا مما نحن عليه اليوم، ومن ذلك تغيير الصحافي (بثقافته وسلوكه) وتغيير الجمهور أيضا (بثقافته وسلوكه).

كيف نعالج ذاكرتنا المثقوبة ؟

لا يكتم المرء دهشته وهو يرى تواطؤ الإعلام والسياسيين والمسؤولين في اختزال شهداء تونس في الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، ولا يكتم المرء دهشته وذهوله وهو يرى الحيز الضئيل الذي بات يحظى به شهداء (17 ديسمبر – 14 جانفي) وهذا التجاهل المطلق لهم، ليس إعلاميا فحسب، فقضايا شهداء الثورة لم يتحولوا حتى إلى مجرد “قضية انتخابية” كما كان عليه الأمر في 2011 !

عودة وجوه الصفيح… والورطة التونسية

سيشعرُ من تبقى من صادقين وشرفاء وخاصة الصُرحاء والقادرون على قول الحق في هذه البلاد، بالكثير من الخزي والعار وهم يقرؤون أسماء عدد كبير من النواب الجدد الذين تم انتخابهم يوم 26 أكتوبر الماضي. وذات الشعور بالخزي والعار، يتملّك أيضا الصرحاء بعد الإطلاع على القائمة التي تضم المرشحين للانتخابات الرئاسية التي ستجرى يوم 23 نوفمبر، وما تحتويه من أسماء تتحمل الكثير من المسؤولية في ما حصل لتونس خلال عهد بن علي.

صفعة “التسجيل” وثقافة الإنكار

“المادة الخام” التي تتلمس طريقها في تونس رفضا لمسار انقلابي غادر على أحلام ما كان لها لتنمو لولا التضحيات والدماء والشهداء، تحتاج أصابع سحرية تتقن تحويل “الخام” إلى نفس نضالي جديد وهادر، توجّهه نحو الوجهة الفضلى، لتنطلق الموجة التحررية الثانية التي ستنسف ما تبقى من منظومة القهر والاستبداد التي تأبى الرحيل، وتطيح كذلك بمن تواطأ مع تلك المنظومة وفضّل عودتها وتسيّدها مقابل بقائه شريكا في “حكم” تباركه السفارات والتوافقات والمصالح الضيقة.

Inscrivez-vous

à notre newsletter

pour ne rien rater de nawaat.org