تحيين بتاريخ 2 جوان 2017
صدر بالرائد الرسمي عدد 42 أمرا حكوميا عدد 620 لسنة 2017 مؤرخ في 25 ماي 2017 يتعلّق بإحداث دوائر ابتدائية متفرعة عن المحكمة الإدارية بالجهات وبضبط نطاقها الترابي في كلّ من نابل وبنزرت والكاف وسوسة والمنستير وصفاقس وقفصة وقابس ومدنين والقصرين وسيدي بوزيد والقيروان. هذا وسبق أن أعلن وزير العدل غازي الجريبي في 18 مارس 2017 عن قرار إحداث الفروع الجهوية للمحكمة الإدارية. وتأتي هذه الخطوة في انتظار تأهيل الفروع الجديدة بانتداب 60 قاض بالمحكمة الإدارية و20 قاض جديد بدائرة المحاسبات قبل الانتخابات، علاوة على تعزيز المحاكم بعدد إضافي من الإداريين والكتبة والعملة، وكذلك تمكين دائرة المحاسبات من الاستعانة الظرفية بعدد من المراقبين من هياكل الرقابة والمختصين في المحاسبة بمناسبة تنظيم الانتخابات البلدية.
أثارت قرارات وزير العدل غازي الجريبي التي أعلن عنها يوم السبت 18 مارس جدلا واسعا لم يمسّ فقط العاملين في سلك القضاء وإنّما شمل مختلف الأطراف المعنية بتنظيم الانتخابات المحليّة المقبلة باعتبار أنّ تأهيل محاكم القضاء الإداري والمالي يمثّل محدّدا رئيسيا لإجراء الانتخابات في أقرب الآجال. وقد شملت هذه القرارات تركيز فروع المحكمة الإدارية بالجهات وتسخير الموارد البشرية واللوجيستية والمادية لتمكين محاكم القضاء الإداري للقيام بدورها أثناء وبعد الانتخابات المحليّة. ولئن تبدو هذه القرارات ذات أهمية فقد جاءت متأخّرة في سياق العدّ التنازلي للانتخابات البلدية.
قرارات ذات أهمية لكن متأخّرة
لم تتمّ برمجة الإجراءات التي أعلن عنها وزير العدل ضمن ميزانية وزارة العدل لسنة 2017، ممّا جعلها تبدو قرارات ارتجالية قصد تعجيل تنظيم الانتخابات المحليّة. ولئن ترضي هذه القرارات الهياكل والهيئات التنفيذية المعنية بإجراء الانتخابات فقد فشلت في إقناع عدد هامّ من القضاة. وأعلنت جمعية القضاة التونسيين إضرابا عامّا من 27 إلى 29 مارس الجاري بكافّة محاكم الجمهورية العدلية والمحكمة الإدارية ودائرة المحاسبات، وذلك “ردّا على التعاطي الأحادي مع الشأن لصالح الوزارة وإقصاء هياكل القضاء”، إضافة إلى “أنّ قرارات المجلس الوزاري بقيت منقوصة في عديد المسائل في الجانب المادي”، حسب لائحة المجلس الوطني الصادرة بتاريخ 18 مارس 2017. وقد أشارت رئيسة جمعية القضاة التونسيين روضة قرافي إلى انسداد الحوار مذكّرة أنّه بعد 7 أشهر من تشكّل الحكومة لم يتمّ استقبال أي قاض أو استشارتهم في عملية أخذ القرار وهو ما يتنافى مع مبدأ التشاركية.
هذا وشملت القرارات التي أعلن عنها وزير العدل إحداث إثنتي عشرة دائرة ابتدائية جهوية وأربع دوائر استئنافية بالمحكمة الإدارية وتوفير وتهيئة المقرات المناسبة لتركيزها و”تسخير جميع الإمكانيات المادية واللوجستية الضرورية لتنظيم الانتخابات البلدية قبل موفى سنة 2017″، و”استحثاث نسق إنجاز المقر الجديد للمحكمة الابتدائية بتونس”، كما شملت قرارات المجلس الوزاري دعم الموارد البشرية من خلال انتداب 20 قاض جديد بدائرة المحاسبات و60 قاض جديد بالمحكمة الإدارية خلال سنة 2017، علاوة على تعزيز المحاكم بعدد إضافي من الإداريين والكتبة والعملة، وكذلك تمكين دائرة المحاسبات من الاستعانة الظرفية بعدد من المراقبين من هياكل الرقابة والمختصين في المحاسبة بمناسبة تنظيم الانتخابات البلدية.
دور هيكلة القضاء الإداري في تركيز السلطة المحليّة
ينصّ الفصل 15 من القانون عدد 40 لسنة 1972 المؤرّخ في أوّل جوان 1972 على إمكانية إحداث دوائر ابتدائية بالجهات متفرّعة عن المحكمة الإدارية “ويضبط النّطاق الترابي لكلّ منها بأمر وذلك للنّظر في القضايا المرفوعة ضد السلط الإدارية الجهوية والمحلية والمؤسسات العمومية الكائن مقرّها الأصلي بالنّطاق الترابي للدائرة”. لكنّ النزعة المركزية للسلطة التنفيذية حالت دون إحداثها وتركيزها بالجهات. فتفريع القضاء الإداري يقتضي إرادة سياسية تنخرط فيها الدولة لتدعيم حقوق المتقاضين وتفعيل دور القضاء ونجاعته واستقلاليته أمام الإدارة وتقريب العدالة للمواطن. وقد جعل دستور جانفي 2014 القضاء الإداري مرجع نظر يشمل تجاوز الإدارة لسلطاتها عموما ويمارس وظيفة استشارية. وحسب الفصل 116 يضبط القانون تنظيم القضاء الإداري واختصاصاته إلاّ أن هذا القانون لم يصدر بعد.
ولا تقتصر محاكم القضاء الإداري متمثّلة في مجلس الدولة، حسب الفصل 69 من دستور 59، على المحكمة الإدارية وفروعها الجهوية فقط حيث تشمل كذلك دائرة المحاسبات وهي “المؤسسة العليا للرقابة على التصرف في المالية العمومية”. وقد نصّ الفصل 117 من دستور جانفي 2014 على “محكمة المحاسبات”، والتي تمثّل بمختلف هيئاتها “القضاء المالي” وتختصّ “بمراقبة حسن التصرّف في المال العام وفقا لمبادئ الشرعية والنجاعة والشفافية”، كما تضطلع بدور رقابي على السلطة المحلّية متمثّلة في الجماعات المحليّة حسب الفصل 137.
ضرورة تمكين محاكم القضاء الإداري قبل الانتخابات
وقد صرّحت القاضية بدائرة المحاسبات عائشة بن بلحسن في ندوة صحفية عقدتها جمعية القضاة التونسيين يوم الإربعاء 15 فيفري “باستحالة القيام برقابة على الانتخابات البلدية في ظل الظروف الراهنة”، وهو ما سيطرح وفق تقديرها “إشكاليات عديدة أمام المحكمة” التي لا تريد أن تكون رقابتها صورية. وأضافت أن “القضايا المتعلقة باسترجاع المنح العمومية والمخالفات الانتخابية في مختلف المحطّات الانتخابية التي جدّت في السنوات الأخيرة مازالت في الطور الاستئنافي أو التعقيبي لدائرة المحاسبات”. وشدّد القاضي الإداري حمدي مراد على تردّي ظروف العمل بالمحكمة الإدارية مؤكّدا أنّ تخوّفات القضاة مبنية على معطيات إحصائية، فالمحكمة غير قادرة على البت في النزاعات الحالية دون احتساب النزاعات التي ستسفر عنها الانتخابات في 350 بلدية.
هذا وسبق أن أوضح محمد باللطيف عضو جمعية القضاة التونسيين بأنّ “أهداف مشروع قانون المالية لسنة 2017 تبقى رهينة الاستثمار في القضاء، بمعنى توفير الإمكانيات البشرية والمادية للقضاء ليتمكن من القيام بدوره”. الأمر الذي فسّره من خلال الارتفاع البيّن في ميزانيتي الداخلية والدفاع مقارنة بميزانية وزارة العدل مؤكّدا أنّه “تمّ ضبط نفقات التصرف والتنمية لوزراة العدل لسنة 2017 في حدود 542.005 مليون دينار مقابل 491.315 مليون دينار سنة 2016، إلاّ أنّها لا تمثل سوى 1.67% من الميزانية العامّة للدولة”. وأفاد في السياق نفسه بأنّ 43.2% من الميزانية المخصصة لوزارة العدل فقط للمرفق القضائي بما معناه أنّ الدولة تنفق 21 دينارا فقط سنويا لكل ساكن بعنوان مرفق العدالة. واعتبرت جمعية القضاة أنّه رغم تطور ميزانية المحكمة الإدارية بين سنتي 2016 و2017 بنسبة 8,41% إلا أنّه دون نسبة تطوّر الميزانية العامة للدولة البالغ 11,1% بالإضافة إلى أنّ هذا التطور لا يأخذ بعين الاعتبار حجم العمل العادي ولا نزاعات الانتخابات البلدية المبرمجة لسنة 2017″.
وتجدر الإشارة أنّ الجدل حول ضرورة إجراء الانتخابات البلدية في أقرب الآجال وعدم جاهزية السلك القضائي قد أثير منذ أفريل الماضي، وتأكّدت عدم إمكانية تنظيم الانتخابات في أكتوبر 2016، إلاّ أنّ النقاش تواصل وازداد حدّة مع أزمة سلك القضاة.
مقال جيد حيث وثق مختلف الجوانب واشتمل على تحيينات واقعية منها إحداث الدوائر الجهوية للمحكمة الإدارية. غير أنه وردت به عبارة السلك القضائي التي تعتبر خطأ لغويا «abus du langage» لأن العبارة الواردة بالدستور هي السلطة القضائية أو القضاء.
عبارة السلك استخدمها النظام السابق لتدجين القضاء ولا تزال الأنظمة الحالية تستخدمها.