بقلم محمد سميح الباجي عكاز،
أمضت تونس مع المملكة العربية السعودية عددا من الاتفاقيات بخصوص التعاون في المجال الدفاعي ومجال الحماية المدنية والدفاع المدني ومجال النقل البري للبضائع والأشخاص إضافة إلى اتفاقيتي قرض مع كل من الصندوق السعودي للتنمية والبنك الإسلامي للتنمية. وقد وُقعت هذه الاتفاقيات خلال زيارة أدّها رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي إلى السعوديّة استمرت طيلة يومي 22 و23 ديسمبر الجاري بدعوة من الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود.
هذه الزيارة تأتي بعد أسبوع من الإعلان في العاصمة السعودية الرياض عن تشكيل تحالف “إسلامي” عسكري من 34 دولة من ضمنها تونس لمحاربة الإرهاب.
التحالف بمقابل
الوفد التونسيّ الذّي وصل السعوديّة ظهر يوم الثلاثاء 22 ديسمبر 2015، ضمّ إضافة إلى رئيس الجمهوريّة، كلاّ من وزير المالية ووزير الدفاع، وهو ما عكس طبيعة الاتفاقيات الممضاة خلال لقاءات وفود البلدين. إذ عدى اتفاقيات التعاون في مجال النقل والدفاع المدني، وقّعت تونس على قرض جمليّ بقيمة 659 مليون دينار، الأوّل من الصندوق الإسلامي للتنمية بقيمة 259 مليون دينار، أمّا الثاني فتمّ ابرامه مع البنك الإسلامي للتنمية بقيمة 400 مليون دينار ويرجّح أن يُموّل هذا القرض إنشاء محطة توليد الكهرباء بالمرناڨية. وإن لم تكشف بعد السلطات السعوديّة والتونسيّة عن نسبة فائدة هذه القروض، إلاّ أنّها لم تكن الأولى في سلسلة قروض البلاد الخارجيّة خصوصا من السعوديّة، حيث منح الصندوق السعودي للتنمية قرضا للحكومة التونسيّة سنة 2013 بقيمة 290 مليون دينار يتم سدادها على مدى 20 عاماً، وتتضمّن فترة إمهال 5 سنوات، بفائدة نسبتها 2 بالمائة. ليصبح اجمالي قروض تونس من هذا الصندوق بالذات بعد الاتفاقيّة الأخيرة مليار دينار تقريبا.
أما في ، فكان الاتفاق الأبرز منح السعودية لتونس هبة من 48 طائرة مقاتلة من طراز أف 5، وهي للتذكير مقاتلة أمريكيّة تم انتاجها في ستينات القرن الماضي. وقد خرجت فعليا من الخدمة في السلاح الجويّ السعوديّ منذ أكثر من عقدين.
هذه المعونات من المملكة العربيّة السعوديّة، والدعوة الشخصيّة من ملك السعوديّة لرئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي في سياق الجهود السعوديّة لتشكيل تحالف عسكريّ لمحاربة الإرهاب وإغراء أكثر عدد من الدول “الاسلاميّة السنيّة” للانضمام لهذا الحلف الذّي تم الإعلان عنه في الرياض في 15 ديسمبر الجاري.
وقد أعلنت تونس انضمامها لهذا الحلف بقيادة المملكة العربيّة السعوديّة مع التشديد على عدم انخراط تونس في ايّ عمل عسكري مباشر خارج حدود الوطن.
ويضمّ هذا التحالف الأردن والإمارات والبحرين وتونس والسودان والصومال وفلسطين وقطر والكويت ولبنان وليبيا ومصر والمغرب وموريتانيا واليمن وجمهورية القمر. إضافة إلى عدد من الدول غير العربية على غرار باكستان وبنغلاديش وبنين وتركيا وتشاد وتوغو وجيبوتي والسنغال وسيراليون والغابون وغينيا وكوت دي فوار والمالديف ومالي وماليزيا والنيجر ونيجيريا.
القفز على التناقضات في مقابل جرعة الإنقاذ السعوديّة
انضمام تونس للتحالف “الإسلامي” ضد الإرهاب منذ الإعلان عنه في الرياض منتصف شهر ديسمبر الجاري، يطرح العديد من التساؤلات حول دور تونس وعمق قراءتها لطبيعة هذا التحالف ودوره.
هذا الحلف “الاسلاميّ السنيّ” استثنى منه دولا محوريّة في الصراع ضدّ الإرهاب على غرار العراق وسوريا أين يتمركز تنظيم داعش ويحوز مجالا جغرافيا مهمّا، كما أنّ دولا ذات خبرة في مجال مكافحة الإرهاب على غرار الجزائر رفضت الإنضمام إلى هذا الحلف لعدم رغبتها في الزجّ بنفسها في تحالفات غامضة لم تحدّد مفهوم الإرهاب أو الجماعات الإرهابيّة المستهدفة. فخلال اجتماع وفود دول التحالف كشفت المحادثات عن تباين واسع في تصنيف الأعداء “الارهابيّين” حسب كلّ دولة عضوة في التحالف، ففي حين صنّفت مصر تنظيم الإخوان المسلمين وحماس كتنظيمات ارهابيّة، كانت السعوديّة تدفع بشدّة لإدراج حزب اللّه، وتركيا رفضت استثناء حزب العمال الكردستاني من قائمة التنظيمات الإرهابيّة. وهو ما يوقع الدبلوماسيّة التونسيّة في حرج بالغ، نظرا لتحالف الحزب الحاكم، نداء تونس مع حركة النهضة المنضوية تنظيميّا ضمن الإخوان المسلمين عكس ما صرّح به رئيس الحكومة الحبيب الصيد مؤخّرا من أنّ حركة النهضة لا تنتمي لهذا التنظيم.
كما أنّ انضمام تونس لتحالف يدرج حزب الله وحماس ضمن الأعداء المستهدفين مسألة تثير الكثير من الجدل على الصعيد الداخليّ سواء على المستوى السياسيّ أو الشعبيّ، حيث تعتبر فئة واسعة من التونسيّين هذين التنظيمين كرموز للمقاومة ضدّ الاحتلال الصهيوني لفلسطين.
مسألة ثالثة قفزت عليها الحكومة التونسيّة عند انضمامها لهذا التحالف، وهو الحسابات السعوديّة الخفيّة، خصوصا أنّها تحاول إيجاد مخرج من المأزق العسكريّ الذّي تعيشه في اليمن بعد تراجع الدعم المصريّ ووعود التدخّل البريّ الباكستانيّ. كما أنّ السعوديّة لم تسقط من حساباتها ضرورة إيجاد حلف مواز لما تعتبره التحالف الشيعي بين إيران والعراق وسوريا ولبنان ممثّلا بحزب اللّه. هذه الحسابات تأتي على نقيض الأولويات التونسيّة التي تسعى للنأي بنفسها عن أي عداوات، وبعد بداية مساع لتحسين العلاقات مع الدولة السوريّة وتوسيع التعامل الاقتصادي مع إيران. بل وتناست الحكومة التونسيّة أنّ هذا الحلف الجديد ليس إلاّ وليد تحالف أنشأ بداية سنة 2011 من عدد من دول الخليج والممالك العربيّة كالأردن والمغرب كإجراء احترازيّ ممّا قد تؤول إليه الأمور في الدول العربيّة التي شهدت انتفاضات أطاحب بحكّامها على غرار مصر وتونس وليبيا واليمن. حيث لم تتوضّح الصورة تماما حينئذ حول التوجّهات السياسيّة الجديدة لتلك البلدان.
ولكن يبدو انّ المأزق الاقتصاديّ الذّي تعيشه تونس دفعها للسقوط سريعا امام الإغراءات الماليّة السعوديّة لتقفز على كلّ هذه التساؤلات والتناقضات وتكون جزءا من حلف هلاميّ صنعه البترودولار.
العلاقات الاقتصاديّة السعوديّة التونسيّة
لئن بقيت المبادلات التجاريّة ضعيفة بين دول الخليج وتونس، حيث لم تتجاوز صادرات تونس إلى تلك الدول 172 مليون دولار، فإنّ المثير هو حجم نموّ تلك الصادرات بنسبة 56 % منذ سنة 2011، إلاّ أنّ نسق الاستثمار السعوديّ المباشر في تونس شهد نموا سريعا خلال السنوات الخمس الماضية، حيث تحوّلت السعوديّة إلى ثالث أكبر مستثمر عربي في تونس بأكثر من 1630 مليون دينار.
وقد سعت السعوديّة لتدعيم تواجدها عبر بعث ما يزيد عن 36 مشروعا استثماريا توزعت بين الخدمات والفلاحة والصناعة، كما تتواجد السعوديّة بقوة في البورصة التونسية من خلال بيت الإيجار السعودي التونسي.
المجال الإعلامي، تحوّل إلى وجهة مغرية للاستثمار الأجنبيّ بعد سنة 2011، فكان هو الآخر قبلة للمال السعوديّ، فقناة حنبّعل المملوكة سابقا لرجل الأعمال التونسي العربي نصرة آلت ملكيّة أغلب أسهمها للصندوق الاستثماري “غاية”. هذه الشركة التي يرأسها رجل الأعمال السعودي ذو الأصول الفلسطينيّة طارق قدادة، قامت في سنة 2013 بشراء النصيب الأكبر من أسهم قناة حنّبعل. وقد تأسس هذا الصندوق الاستثماري في شهر أفريل من نفس السنة بالشراكة مع البريطاني من أصول أيرلندية كينيث كينسيلا متخّذة من العاصمة الإيرلنديّة دبلن مقرّا لها لتعقد بعد أشهر قليلة صفقة شراء قناة حنّبعل.
النفوذ السعوديّ المالي في تونس لم يقتصر على الاستثمار المباشر، أو التجارة البينيّة، بل يتجلّى بشكل أكبر من خلال القروض الممنوحة لتونس والتّي بدأت بالتصاعد منذ سنة 2011، حيث أمضت تونس مع البنك الاسلاميّ للتنمية والصندوق الإسلامي للتنمية خلال السنوات الخمس الماضية على عدد من القروض التّي جاوزت قيمتها ملياري دينار بنسب فوائد تتراوح بين 2% و2،5%.
التعاون الاقتصاديّ السعودي التونسيّ، ورغم ضخامة المبالغ المتداولة، يدخل في خانة الاستثمارات الميّتة أو الآمنة، فبخلاف القروض الاستهلاكيّة الممنوحة لتونس، أو تلك الخاصة بإنشاء مشاريع لم ترى النور حتّى هذه اللحظة كقرض الصندوق الإسلامي للتنمية لبعث المساكن الاجتماعية منذ سنة 2012، والقرض الخاص بتمويل مشروع محطة توليد الكهرباء ذات الدورة المزدوجة في سوسة سنة 2013 أو مشروع التنمية الفلاحية المندمجة في ولايتي الكاف والقصرين سنة 2012، فإنّ الاستثمارات السعوديّة لم تتجه نحو مشاريع صناعيّة أو خدماتيّة ذات مردوديّة تشغيليّة عالية، بل توجهت لشراء الشركات والمؤسسات قائمة الذات أو شراء الفنادق. هي وبحسب مقياس النجاعة الاقتصاديّة، مشاريع عقيمة على مستوى القيمة المضافة وقدرة الاستيعاب. إذ أنّها، رغم تكاليفها الضخمة، لا تحتاج إلى الكثير من اليد العاملة المحدودة التكوين أو المختصّة على حدّ سواء.
iThere are no comments
Add yours