صادق مجلس النواب مساء اليوم الثلاثاء 31 جانفي 2017 على السماح للأمنيين والعسكريين بالمشاركة في الانتخابات البلدية والجهوية دون سواهما، وقد تمت المصادقة على هذا الفصل بأغلبية برلمانية (144 نعم، 3 احتفاظ، 11 رفض).هذا المقترح سبق وأن تقدمت به -بصيغ مختلفة- الكتل البرلمانية لأحزاب نداء تونس وآفاق تونس والجبهة الشعبية وكتلة الحرة، وبالمقابل عارضته الكتلة الديمقراطية وكتلة حركة النهضة، ويلوح أن هذه الأخيرة غيرت موقفها في اتجاه القبول بمقترح المشاركة.
تعاملت مختلف الكتل البرلمانية مع هذه القضية من زوايا مختلفة، بعضها محكوم بهاجس الخوف من خزان انتخابي جديد قابل للتوظيف، وبعضها الآخر يقيس المشاركة الأمنية والعسكرية بمعيار الحيادية، في حين تتموقع وجهات النظر الأخرى داخل منظومة الحق الدستوري وتعميم مبدأ المواطنة.
تغير في موقف حركة النهضة
جاءت نتائج التصويت على الفصل 6 مكرر الذي يسمح للعسكريين والأمنيين بالمشاركة في الانتخابات البلدية والجهوية معاكسة للمواقف السابقة، ويبرز التغير الكبير خاصة في موقف كتلة حركة النهضة الذي انتقل من الرفض إلى القبول. إذ سبق وأن طُرحت القضية للنقاش داخل لجنة النظام الداخلي بمجلس نواب الشعب، من خلال مقترحات تعديل مختلفة للفصل 6 مكرر من قانون الانتخابات لسنة 2014، تقدم بها نواب من الجبهة الشعبية وآفاق تونس وكتلة الحرة ونداء تونس. وفي الأثناء رفضتها كتلة حركة النهضة والكتلة الديمقراطية من خلال التمسك بالإبقاء على الفصل 6 مكرر الذي يعفي الأمنيين والعسكريين من الاقتراع، وعندما أفضى التصويت حول هذا المقترح داخل اللجنة إلى التساوي بين الرافضين والموافقين ضمّت رئيسة اللجنة والنائبة عن حركة النهضة كلثوم بدر الدين صوتها إلى الأعضاء الرافضين. ليتم بذلك إسقاط مقترحات التعديل والإبقاء على الفصل 6 مكرر بصيغته الأولية.
في نفس الاتجاه أوضحت كلثوم بدر الدين قبيل الجلسة العامة لموقع نواة أن “كتلة حركة النهضة متمسكة بالإبقاء على الفصل 6 مكرر في صيغته السابقة التي تعفي الأمنيين والعسكريين من المشاركة في الانتخابات”. وينسجم هذا الموقف مع البيان الأخير الذي أصدره مجلس شورى حركة النهضة المنعقد أواخر الأسبوع الفارط، الذي دعى إلى النأي بمؤسسات الدولة عن “الاصطفاف والتوظيف السياسي”. وتدل هذه الحجة عن هاجس الخوف من خزان انتخابي جديد لا تضمن حركة النهضة توجهاته الانتخابية، بل ترجح فرضية “توظيفه السياسي” من قبل منافسيها خصوصا حركة نداء تونس.
رغم هذا التخوف اختارت حركة النهضة القبول بمقترح التعديل والتصويت أثناء الجلسة العامة على حق الأمنيين والعسكريين في الانتخاب، وفي هذا السياق لم يتمكن موقع نواة من الحصول على تصريحات من رئيس كتلة النهضة نورالدين البحيري للوقوف على هذا التغير المفاجئ في موقف الحركة. وبالمقابل أفادت مصادر برلمانية مطلعة أنه تم التوصل لتوافق بين كتلتي النهضة والنداء قبل انعقاد الجلسة العامة.
من جهتها تمسكت الكتلة الديمقراطية بالتصويت ضد مقترح مشاركة الأمنيين والعسكريين في الانتخابات، إذ سبق وأن صرح غازي الشواشي الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي والنائب بمجلس النواب بأن “هذه الخطوة ستُخرج المؤسسات الأمنية من حياديتها وتزج بها في أتون التوظيف السياسي”. وأبدى الشواشي تخوفا من تأثير مشاركة الأمنيين في توجيه الموازين الانتخابية من خلال مراكز السلطة التي يشغلونها.
مشاركة مقتصرة على الانتخابات البلدية والجهوية
رغم أن الجبهة البرلمانية الداعمة لمشاركة الأمنيين والعسكريين في الانتخابات تلوح غير منسجمة في مقترحات التعديل وفي قراءاتها السياسية، فإنها تتفق في حصر المشاركة فقط في الانتخابات البلدية والجهوية دون التشريعية والرئاسية، منطلقة في ذلك من تعميم مبدأ المواطنة والمشاركة في الاختيار. في هذا السياق أوضح زياد لخضر، النائب عن الجبهة الشعبية، لموقع نواة أن “الجبهة تدافع عن حق الأمنيين والعسكريين في المشاركة في اختيار من يشرف على شؤون معيشتهم المحلية”.
ويصطدم هذا الموقف بحجج مضادة تذهب إلى أن هذه المشاركة ستفتح الباب أمام “تحزيب القوات الحاملة للسلاح”، وبالتالي التقليص من حياديتها وإقحامها في لعبة الصراع السياسي على السلطة، كما يفسح المجال للنقابات الأمنية لتعزيز تأثيرها السياسي. في هذا الصدد أفاد زياد لخضر أن “عدم السماح للأمنيين والعسكريين من المشاركة في الانتخابات البلدية والجهوية ليس ضمانة لحياديتهم بل حرمان لهم من حقوقهم المواطنية”. وأضاف النائب عن الجبهة الشعبية أن “مسألة الارتباطات السياسية داخل النقابات والأجهزة سابقة على القانون، ولا يمكن معالجتها إلا من خلال إصلاح المنظومة الأمنية وتعميم مبدأ التمثيلية الديمقراطية والاقتراع حتى تتمكن القواعد الأمنية من اختيار ممثليها الذين يدافعون عن حقوقهم المهنية”.
فتحت هذه المسألة أيضا باب النقاش داخل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، التي أكد نبيل بافون، عضو مجلسها، لموقع نواة أنها “بصدد دراسة بعض المقترحات اللوجيستية التي تتماشى مع مصادقة مجلس نواب الشعب على حق الأمنيين والعسكريين في التصويت”. ومن ضمن هذه المقترحات ذكر نبيل بافون إفراد يوم خاص للأمنيين والعسكريين للاقتراع واتخاذ بعض الإجراءات التي تضمن سرية توجهاتهم الانتخابية من خلال إقحام أصواتهم داخل نتائج الفرز العام دون الاعلان عن نتائج خاصة بهم.
تعميم الحق الانتخابي مطلب شرعي و مشروع ، حق مواطنة … الثورة جأت أيضا لتعميم حقوق المواطنة .. يجب أن نكون على مستوى واحد (كمجتمع ، كأحزاب على مستوى واحد من القوات الحاملة للسلاح ) و هذا ما سيضمن أن تكون القوات الحاملة للسلاح على مستوى واحد من الجميع .. الأحزاب التي لها تحفظات أو خوف يمكن أن نفهم موقفها ، و هذا لا يدل أنها عدوة القوات المسلحة .. لا أبدا … السياسي هو الذي يرسم مصير المجتمع عبر الديمقراطية .. نعم يمكن أن نكون متوجسين من بعض الأمنيين، خاصة أبناء النقابات الأمنية ، مع الأسف … هناك شروط وضعها القانون ، يجب الالتزام بها ، دون ذلك أصوات الحاملين للسلاح تكون ملغاة ، و ليس لحامل السلاح حق الاحتجاج .. يجب أن نتعلم كيف نبني الديمقراطية … كنت، منذ الثورة ، و لا أزال من الذين يريدون أن تصل تونس لهذا المستوى من حقوق المواطنة … ليس من حق أحد (إعلام ، احزاب ، …) أن يوظف إنتخاب الحاملين للسلاح لأي مصلحة حزبية أو طبقية .. القانون يجب أن يكون في مستوى من الوضوح و من القوة و يلزم الجميع .