بقلم سعدي كريم سلمان،

مفهوم الهيمنة

لاحظنا من خلال قراءاتنا المتنوعة لكثير من الكتب والأبحاث في الأدبيات الثقافية العربية، أن مفهوم الهيمنة مفهوم واسع ومشتت يختلف البحاث في تحديده وذلك حسب المنظور الذي ينطلق منه الباحث، والرؤية التي تؤطر ذلك المنظور، فالبعض يتحدث عن الهيمنة العسكرية، والبعض الآخر عن الهيمنة الاقتصادية أو الهيمنة السياسية أو الهيمنة الثقافية، والكثير منهم يستخدم مفهوم الهيمنة مرادفاً لمفهوم (الغزو)، وبما أن بحثنا يدور في فلك الثقافة، فإننا نلاحظ شيوع مفهوم (الغزو الثقافي) في الأدبيات الثقافية أكثر من مفهوم الهيمنة الثقافية.

وإذا حاولنا وضع تحديد إجرائي لمفهوم الهيمنة، نجد العنصر الذي يرتكز عليه هو التسلط والإكراه، فالهيمنة تعني فرض ثقافة معينة من المتسلط، على المتسلط عليه بشكل ظاهر أو خفي.
ويمثل الشكل الظاهر من الهيمنة ما قام به الاستعمار الغربي عند احتلاله لشعوب العالم الثالث، وحاول فرض لغته وثقافته وأنماط تفكيره، ويظهر ذلك جلياً في الاستعمار الفرنسي للمغرب العربي الذي حاول (فرنسته) .
أما الشكل الخفي من الهيمنة الثقافية فينقسم إلى نوعين خارجي وذاتي، النوع الخارجي: يبرز في خطط الاستعمار الاستراتيجية طويلة المدى، ونضرب مثالاً على ذلك ما قام به الاستعمار الإنجليزي في مصر الذي وضع خطة طويلة المدى قامت بتكريس وتجذير إحدى خصائص العقلية الشرقية، ونقطة الضعف المركزية في الثقافة المصرية والعربية بشكل عام وهي تقديسها للكلمة المكتوبة، للنصوص، لإنتاج الثقافة في مصر وتكوين المثقفين وهذا ما سنكشف عنه في البحث لاحقاً
.
أما النوع الذاتي الخفي، فتمثله النظم المعرفية في الثقافة العربية، النظام المعرفي البياني، والنظام المعرفي البرهاني، والنظام المعرفي العرفاني، وآلياتها التي تمثل آليات خفية تتحكم في العقل العربي بشكل لا شعوري، ومناهجها في إنتاج العلوم والثقافة العربيين، إن الكشف عن النظم المعرفية العربية والبنى الخفية التي تتحكم في تكوين الثقافة تعد ضرورة لأنها من أخطر أشكال التسلط والهيمنة بل أشد خطورة من الهيمنة الاستعمارية، وهذا ما سنلاحظه في الصفحات التالية، أي كيف استفاد الاستعمار الإنجليزي منها في رسم خطته الطويلة المدى لإنتاج الثقافة في مصر، لأن خطورتها تكمن في ممارسة المثقف العربي لها لا شعورياً أو دون وعي أو تفكير، لأنها تمثل الممارسة العقلية التي تلقاها المثقف العربي في التربية داخل الأسرة وربما يكون المنهج الوحيد الذي درسه في المدرسة ممثلاً في المنهج القياسي الذي مارسه عملياً في دروس النحو والفقه، وأصبح فيما بعد المنهج الذي يدرس به كل القضايا التي يبحث فيها والذي يقوده إلى نفس الحلول، فبدلاً من أن يقوم الباحث العربي بتحليل عناصر المشكلة والكشف عن عناصر بنيتها والكشف عن منظومة العلاقات التي تربط بين عناصرها المختلفة، وتعرية مواطن الضعف فيها نجد أغلب المثقفين العرب – نستثني من اطلع على المناهج المعاصرة- يكتفون بقياس المشكلة التي يدرسونها – أياً كانت – على غيرها من القضايا المشابهة في التراث العربي أو الإنساني ، ويصلون إلى حلول متشابهة، أو الوصول إلى عنق الزجاجة أو إحالة القضية إلى المستقبل دون أن يقدموا حلولاً موضوعية واقعية، ولذلك بقيت أغلب المشاكل عربية معلقة دون حلول.

مفهوم الهوية الثقافية

نقف أولاً على مفهوم الثقافة ثم نكشف عن العلاقة التي تربط الهوية بالثقافة، فنجد تحديداً لمصطلح ” الثقافة culture من ثقف بمعنى حذق وفطن ” (1) فارتباط الثقافة بالحذق والفطنة – أي الذكاء – يشير إلى العلاقة القوية التي تربط الثقافة بالعقل، كما تعني الثقافة باللغة اللاتينية ” الفلاحة والتهذيب ” (2) أي أن الثقافة ليست نبتة برية يمكن أن تنبت وتنمو في أي مكان بل غرسة مروية تحتاج إلى عناية الفلاح ورعايته، تحتاج إلى الجهد الإنساني المتواصل من العطاء والإبداع والابتكار في ظروف تتميز بالحرية وتسمح بولادة الإبداعات المتنوعة في شتى العلوم والفنون الإنسانية.

أما العلاقة بين الهوية والثقافة، فإنها تعني علاقة الذات بالإنتاج الثقافي، ولا شك أن أي إنتاج ثقافي لا يتم في غياب ذات مفكرة، دون الخوض في الجدال الذي يذهب إلى أسبقية الذات على موضوع الاتجاه العقلاني المثالي، أو الذي يجعل الموضوع أسبق من الذات، وإن كل ما في الذهن هو نتيجة ما تحمله الحواس وتخطه على تلك الصفحة (ذهن الإنسان) كما يذهب لوك، والاتجاه التجريبي بشكل عام.
الخلاصة أن الذات المفكرة تقوم بدور كبير في إنتاج الثقافة، وتحديد نوعها وأهدافها وهويتها في كل مجتمع إنساني وفي كل عصر من العصور. وبناء على ما سبق فإنه يصعب أن نجد تعريفاً جامعاً مانعاً لمفهوم الهوية الثقافية، فالهوية الثقافية تختلف من مجتمع إلى آخر ومن عصر إلى عصر، كما تختلف باختلاف التوجهات الفكرية والأيديولوجية لمنتجي الثقافة العربية.

فالتيار الذي يحدد الثقافة داخل إطار جامد ومبادئ مطلقة غير قابلة للتغيير سيكون منظوره لمحددات الهوية الثقافية وعناصرها ثابتاً جامداً جمود الثقافة التي يحملها ، تلك الهوية صالحة لكل زمان ومكان، هوية تتعالى على أحداث التاريخ وصيرورته أي لا تتحول ولا تتبدل ولا تتطور، بعيدة عن الواقع والصراع الدائر فيه لا تلامس مشاكل الواقع الذي تعيش فيه ولا تشارك في حلها مقطوعة الصلة به لأن حلولها جاهزة مستقاة من التراث الذي يقدسه، هوية مكتفية بذاتها ليست بحاجة إلى العلوم والانفتاح على الآخر، لأنها تملك كل شيء على الصعيد الديني والأخلاقي والفكري والسياسي والاجتماعي، والبعض منها مكتف حتى على الصعيد العلمي والتطبيقي، فتراثنا العربي يزخر بالإنجازات في جميع الميادين، وما علينا إلا إحياء عناصره من أجل بناء حضارة عربية بذات عربية أصيلة.

أما التيار المضاد للتيار السابق فإنه يقف على الطرف النقيض حيث يرفض الهوية الثقافية العربية المبنية على أسس ومبادئ التراث، وينظر إليها على أنها هوية جامدة متحجرة ولا أمل في بث الحياة فيها، وبالتالي يرفضها ويتبنى هوية ثقافية عصرية تستمد أسسها من الحضارة الغربية الحديثة والمعاصرة

ونجد تياراً ثالثاً في الساحة الثقافية العربية يتميز بالروح العقلانية النقدية والواقعية العلمية ويحاول أن ينتج ثقافة متعددة المناهج منفتحة على الثقافات الأخرى، ويستفيد من نتائج العلوم التجريبية والإنسانية، ويعدها روافد مهمة تتغذى منها الثقافة وتتعامل معها بشكل نقدي، وفي نفس الوقت لا تهمل التراث العربي فهي تخضعه لمحك النقد وتستفيد مما هو صالح للحياة والنمو والتطور ومن ثم تتجاوزه، وتصبح الأصالة في منظور هذا التيار ” هي تلك التي صنعها ويصنعها العرب كل يوم بل كل ساعة، فالأصل ليس كنزاً ولا ركازاً، ليست معطى خاصاً ولا قطعة في متحف، بل الأصالة سمة تطبع كل عمل فيه خصوصية وإبداع، والخصوصية والإبداع ليسا وقفاً على فترة معينة، ولا في التاريخ العربي ولا في تاريخ أي شعب من الشعوب” (3) وينظر هذا التيار العقلاني النقدي إلى الهوية في كونها هوية مرنة متجددة تتجدد عناصرها حسب التطور ومستجدات العصر، مع احتفاظها بخصوصيتها في كونها هوية عربية تستوعب ثقافة الآخر وتوظفها في بناء ثقافة منفتحة وتطرح الدين الإسلامي بصورة تتميز بالتسامح يقبل الآخر ويتعامل معه، الهوية الثقافية العربية عند التيارين الأولين تتميز بالتعصب لما هو تراثي إسلامي بالنسبة للتيار الأول، ولما هو غربي بالنسبة للتيار الثاني، أما التيار الثالث فيتبنى هوية ثقافية تتميز بالمرونة والتشكل المتجدد المستمر، فهي نتاج ذوات وموضوعات وثقافات، فالهوية الثقافية هي الانعكاس لتكوين الأنا ” إن تشكل الأنا عبارة عن ولادة مستمرة … ” (4) ، أي الولادة المستمرة للأنا أو الهوية الثقافية تعني الحياة والاستمرار والنمو والتطور، هوية متجددة تستفيد من معطيات العصر في ميادينه المختلفة واستثمارها لصالح الإنسان ومتطلباته المتعددة في مختلف مناحي الحياة. هوية ثقافية تعيش داخل التاريخ لا خارجه ولا متعالية عليه.

وإذا تساءل البعض: أين تبتدئ الهوية وأين تنتهي؟ نجد أن هذا السؤال لا نملك الإجابة عنه لأنه ليس هناك حدود معينة يمكن أن نقولب فيها الهوية بشكل عام والهوية الثقافية بشكل خاص حسب التعريف الأخير. قد يعترض البعض على أن التفكير في مسألة الهوية الثقافية في الظروف العالمية الراهنة وما يسود من اختراق ثقافي للعالم العربي، يدعونا إلى التشدد في مسألة الهوية الثقافية العربية التي يحاول الغزو الثقافي الغربي ضربها في مكوناتها ومبادئها وأسسها خاصة إذا نظرنا إلى الثقافة في كونها ” ذلك المركب المتجانس من الذكريات والتصورات والقيم والرموز والتعبير والإبداعات التي في إطار ما تعرفه من تطورات بفعل دينامكيتها الداخلية وقابليتها للتواصل والأخذ والعطاء ” (5) فإذا كانت الثقافة العربية تمثل من هذا المنظور الخصوصية التاريخية للأمة العربية في قيمها ومبادئها ونظرتها إلى الإنسان والكون والله، ونظرتها إلى الحياة والموت، بمعنى آخر الثقافة العربية تشكل البعد الإنساني للعرب فهي التي تجذر العرب في تراثهم وتاريخهم، وهي التي تفتح آفاق المستقبل أمامهم، كما أن ارتباط الهوية الثقافية (6) بالوطن أو الأمة يجعلها تتعرض اليوم للهجوم من قبل العولمة أحد أشكال الهيمنة وأحدثها التي تحاول القضاء على الدولة الوطنية والقومية من أجل تعميم قيمها ونموذجها الحضاري والثقافي، وهذا خلق نوعاً من التعارض الحاد بين الهوية الثقافية وأهداف العولمة، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: عن أي ثقافة عربية أو هوية ثقافية عربية نتحدث؟ هل توجد بالفعل ثقافة عربية واحدة أي هوية ثقافية واحدة للعرب؟ سؤال سنناقشه في الفقرة التالية.

أشكال الثقافة العربية

إذا حاولنا حصر أشكال الثقافة العربية فإنه يمكن حصرها في صنفين هما الثقافة الشعبية، والثقافة العالمة

أولاً- الثقافة الشعبية (ثقافة الصمتإن الثقافة السائدة في العالم العربي بشكل عام هي (ثقافة الصمت) التي يتصف منتجوها بالخوف والجبن وعدم الثقة بالنفس ” فأن توجد في (ثقافة الصمت) يعني أن تعيش وحسب، وينفذ الجسم أوامر مؤقتة، ويصبح التفكير صعباً، والتلفظ بالكلمة ممنوعاً ” (7) ونلاحظ أن ثقافة الصمت لا تولد تلقائياً في المجتمع بل يفرضها النظام الحاكم داخله ، أي يفرضها الطرف المسيطر على المسيطر عليهم أي أفراد المجتمع ” ذلك أن هذه الثقافة هي نتاج العلاقات البنيوية بين المسيطر عليهم والمسيطرين … وهكذا فإن فهم ثقافة الصمت يفرض مسبقاً تحليل البنية لظاهرة علائقية تولد أشكالاً مختلفة من الوجود والتفكير والتعبير، الخاصة (بثقافة الصمت) والخاصة بالثقافة التي لها صوت” (8) يشير النص السابق إلى أن ثقافة الصمت هي نتيجة للعلاقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بين الحاكم والمحكوم وتولد أشكالاً محددة من أنماط التفكير وأشكال التعبير، فكلما كان هامش الحرية المعطى للشعب واسعاً نمت ثقافة (الصوت المرتفع)، والتعبير الحر عن الآراء والأفكار، وكلما نقص هامش الحرية، وضيق على حرية الرأي والتعبير داخل المجتمع نمت وترعرعت ثقافة الصمت.

وإذا عقدنا مقارنة بين ثقافة (الصوت المرتفع) و (ثقافة الصمت) نجد أنهما يقفان على طرفي نقيض، فالثقافة الأولى تعمل من أجل الحرية، أداتها أو وسيلتها هي الحوار وهدفها توعية الجمهور، بينما نجد الثقافة الثانية ترسخ التسلط وترفض الحوار وهدفها هو ترويض الجماهير والسيطرة عليها، وكذلك فإن الثقافة الأولى تطرح مشاكل الجماهير والثقافة الثانية ترفع الشعارات وتطرح الحلول النظرية، والثقافة الأولى تكشف عن الواقع وتعري الأطروحات الإيديولوجية للحكومات وتدفع باتجاه الفصل بين العلم والأيديولوجية (9) ، وتأخذ على عاتقها النقد العقلاني للأيديولوجيات السائدة في الدولة والحث على الممارسة الفعلية أي العملية، والثقافة الثانية تغرق في وهم المبادئ والشعارات الأيديولوجية، وتعمل على تلقين الجماهير نسخة أسطورية غامضة عن الواقع تتلاءم والمبادئ التي تتبناها الأطروحات التي تقدمها للجماهير، وتعمل في ذات الوقت على السيطرة على الجماهير باسم البحث عن حريتها، وأسطرة التكنولوجية عندما تقدمها للجماهير وكأنها من صنع هذه الأيدولوجيا، وليست نتاج التطور العلمي والتكنولوجي الذي يكتسح العالم.

وعندما ينتقل الوعي الجماهيري من مرحلة الوعي الساذج إلى مرحلة الوعي النقدي تعمل (ثقافة الصمت) جاهدة على الإبقاء على الوضع القائم حيث تسمح بتحولات سطحية، لا تؤدي إلى تغيير حقيقي في السلطة والمواقع، بل لتمتص اندفاع وحماس بعض المثقفين والنقاد الذين يعتقدون أنهم يشاركون في تطور مجتمعهم، وفي حقيقة الأمر يتم التحكم فيهم بدهاء وذكاء(10).

وإذا نظرنا إلى الثقافة السائدة في جل البلاد العربية نجد أنها تمثل شكلاً من أشكال (ثقافة الصمت) أو ثقافة الصوت المقموع، والإرادة المقهورة، والتفكير الملغي أو ثقافة الصوت الواحد بذلك أنتجت هوية ثقافة عربية قلقة ومهزوزة، كما أن أغلب أشكال الثقافة العربية السائدة في أغلب البلدان العربية تعد الأساس في ترسيخ التخلف الثقافي لأنها عجزت عن إيجاد الحلول للمشاكل الواقعية التي يعاني منها المواطن العربي “حيث التخلف ليس وليد حضور مادي بقدر ما هو قصور في إيجاد الحلول الموضوعية لمعضلات الإنسان، في مقدمتها معضلة الحكم التي تمثل نتاجاً للعلاقات الإنسانية في داخل المجتمعات وتشكل مضموناً لها ” (11) وإذا كان الأساس في التغير الثقافي وهو تغير العلاقات الإنسانية في المجتمعات فما نلاحظه في البلدان العربية هو تغيير الشكل أي الأطروحات النظرية ولكن لم تتجسد على أرض الواقع حيث تحولت الجمهورية التي تعني العدل إلى ملكية وراثية مستبدة، تعني تداول السلطة، نجد الحاكم العربي يحصر التداول داخل أفراد الحزب الواحد ومن المحرم أن يطال التغيير هذا الحاكم ما دام حياً، وهنا يحق لنا أن نطرح تساؤلاً: عن أي ثقافة ندافع نحن العرب إزاء الهيمنة الثقافية الخارجية ونحن نعاني من هيمنة مركبة داخل بلداننا؟ هل الثقافة العربية بوضعها وأسسها السابقة الذكر خليقة بأن نتمسك بها ونحافظ عليها وندافع عنها، أم علينا إعادة النظر فيها ومراجعتها ومساءلتها وخلخلة بعض ثوابتها وإعادة تجديدها ومدها بمبادئ جديدة، وتغذيتها بعناصر فاعلة، تتلاءم وتطورات ومستجدات العصر الراهن في مختلف الميادين العلمية والاقتصادية والسياسية والفكرية والاجتماعية حتى تستطيع أن تعبر عن قضايا الواقع العربي ومشاكله؟

ثانياً- الثقافة العالمة: يصعب وضع حد فاصل بين الثقافة الشعبية والثقافة العالمة، إذ تتداخلان بشكل كبير خاصة في العلاقات التي تربطها بالسلطة، والتي تتسم بالخوف، وعدم الثقة بالنفس والخضوع للرقابة، ولكن ما يميز الثقافة العالمة هو استهلاك منتجيها لمواد معرفية من منابع متباينة تشكل مرجعيات ثقافية لهم، مما أدى إلى ظهور تيارات ثقافية وفكرية مختلفة على الساحة الثقافية العربية.

إذا نظرنا إلى الثقافة على أنها ثمرة إبداع وإنتاج المثقفين والمفكرين، فهي – في نفس الوقت – تلعب دوراً كبيراً في تكوينهم، فهم بلا شك خاضعون لآلياتها الفكرية، ومفاهيمها، وأفكارها، ونظمها المعرفية التي تكون بنية الثقافة التي ينتمون إليها، أما الثقافة التي ينفتح عليها المثقفون وينهلون من منابعها فهي تشكل حقلاً مرجعياً لهم، ” إذاً فـ ( المسألة الثقافية في الوطن العربي) هي في مظهرها الأول والمباشر (مسألة) المادة المعرفية المستهلكة وطريقة استهلاكها وإعادة إنتاجها” (12). نجد في الساحة الثقافية العربية عدداً من التيارات يمكن تصنيفها على أساس الحقل المرجعي الذي تنهل منه فهناك التيار التراثي(13) ، وهو الذي يتفرع إلى عدة فروع تختلف حسب نظرة المثقفين إلى التراث، فيقعون ما بين التيار التراثي المحافظ والمتشدد والتيار التراثي المنفتح ولكن يلتقون حول ضرورة التمسك بالتراث العربي ومفاهيمه وآلياته ورؤيته، كما نجد التيار الحداثي(14) ، وهو ينقسم بدوره إلى عدة أقسام حسب درجة الانفتاح على الثقافة الأوروبية، وهذا التيار يعد الثقافة الغربية الحقل المرجعي الأساسي الذي يستند إليه ويتبنى مناهجه ومفاهيمه وآلياته، ويرفض التراث العربي ويقطع مع ماضيه، كما ظهر في العقود الأخيرة من القرن العشرين تيار نقدي(15) ، يتعامل مع التراث ومع الفكر الأوروبي من منظور نقدي فهو يدرس التراث العربي ولا يرفضه وهو في نفس الوقت منفتح على الحقل المعرفي الأوروبي يحاول استثمار إنجازاته العلمية والمنهجية وتبيئتها في الثقافة العربية والاستفادة منها في قراءة التراث العربي. ونلاحظ أن العلاقة بين التيارين الأولين، علاقة تتميز بالتنافر والتنابذ والصراع، صراع يغيب فيه التواصل والحوار بينهما، ويتميز التيار الأول بانتشاره بين الأوساط الشعبية والطبقات الفقيرة، ويقوم على نظرة تتسم بالتسليم لله والأمر الواقع، وإن أخذت طابع رد الفعل والعنف في العقود الأخيرة من القرن العشرين، واتخذ بعضها منحى اتسم بالتطرف والتشدد، بينما نجد التيار الثاني يفرض نفسه كمرجعية علمية لحاضر المجتمع ومستقبله، أما التيار الثالث العقلاني النقدي، فما زال يحبو من أجل أن يأخذ مكانه في الساحة الثقافية العربية التي مازالت تضيق بالنقد وتنفر منه، وتحاربه لأنه يتعارض مع مصلحة أغلب القوى السياسية في البلاد العربية.

وهذا الانشطار في الثقافة العربية ازداد عمقاً بعد انتشار وسائل الإعلام الحديثة التي لا يملكها كل الناس في أغلب البلاد العربية، فزادت المسافة بين المثقف التقليدي والمثقف العصري، بين فئات الشعب الفقيرة والنخبة المثقفة.

ونجد المثقفين العرب – بغض النظر عن انتماءاتهم الأيديولوجية – مازال أغلبهم يؤمن بأن الثقافة العربية أحد مقومات الوحدة العربية، وربما تعد العنصر الوحيد الباقي بالرغم من اختلاف العرب في المصلحة الاقتصادية، وتبنيهم أيديولوجيات مختلفة، وأشكال حكم متباينة من الحكم الملكي إلى الحكم الجمهوري الوراثي، ويقرون بالاختلاف العرقي والطائفي، واختلاف اللهجات وتعدد الأديان ومع ذلك ” فالثقافة العربية في آن واحد لغة ودين وماض مشترك ومستقبل مأمول، ومن هنا كانت وظيفتها التاريخية، ووظيفتها التوحيدية هي هويتها نفسها، لا بل ماهيتها نفسها ” (16).

ويرفض بعض النقاد العرب ومن بينهم الصادق النيهوم أن تكون الثقافة العربية أداة توحيد لأنها في نظره ثقافة مزورة، فمصطلح أو ” كلمة الثقافة العربية المعاصرة كلمة سحرية … إنها تسمية سياسية، مثل تسمية الوطن العربي جاءت من العدم، للتعويض عن واقع معدوم، فلا الوطن العربي حقيقة إدارية، ولا الثقافة العربية المعاصرة لها علاقة بجميع العرب إننا نملك التسمية، لكننا لا نملك ما تحتها على أرض الواقع” (17) ولا يكتفي النيهوم بوصف الثقافة العربية بأنها تسمية فارغة من المعنى لأنه لا يوجد ما يقابلها على أرض الواقع العربي، ولأنها لا تخرج عن كونها سلاحاً سياسياً في يد القوى الحاكمة تفرضها على المجتمع لتحكم السيطرة عليه – وهي في نفس الوقت – لا تعبر عن الجماعة (الناس) وشرط الثقافة أن تكون معبرة عن آمال الجماهير وآلامهم وطموحاتهم، وإذا خرجت عن التعبير عن إرادتهم أي في حال عدم توفر سيادة الجماهير وحريتها في التعبير عن رأيها ومصالحها تصبح الثقافة سلاحاً رهيباً في يد من يملك المال، والمشكلة في الثقافة العربية ” أنها ليست أفكاراً (ثقافية) في الكتب بل قوانين ومحاكم، ومدارس، وأعياد، وأناشيد، وخطب وجرائد وإذاعات، وأموال طائلة تنفق علناً، وكل عام، وإذا خرجت الإدارة من يد الناس، فإن الثقافة أيضاً تخرج من يدهم، وتصبح سلاحاً رهيباً في خدمة من يدفع الثمن … ” (18) ، ما جاء في النص السابق كشف سمات الثقافة العربية من حيث المضمون، والشكل، والأدوات، والهدف، والعنصر الفاعل فيها، لذلك يصف النيهوم مصطلح الثقافة العربية بأنه مفهوم طفولي يعبر عن أزمة عقلية قاسية، ويكشف عن مظاهر هذه الأزمة العقلية من عدة وجوه، والنقطة
المركزية التي تلتقي فيها كونها تقوم على الافتراض لا على الواقع الملموس ومن هذه الوجوه الافتراضية:

الافتراض الأول

وفيه يفترض المثقفون الذين يعتقدون بوجود ثقافة عربية واحدة ” أننا نملك تراثاً عربياً مشتركاً، والواقع أننا نملك تراثاً عربياً غير مشترك ” (19) حيث يضخم بعض المثقفين المشترك من التراث ويهملون غير المشترك، ويغضون الطرف عن كونه يقسمنا إلى طوائف دينية: مسلمين، ومسيحيين، ويهود، وكل واحدة منها تتفرع إلى طوائف متصارعة .

الافتراض الثاني
وفيه يفترض جل المثقفين العرب ” أننا نمتلك تاريخاً عربياً مشتركاً، والواقع أننا عرب مقسمون بين خمسة تواريخ على الأقل، الأول: تاريخ ديني يبدأ من آدم وحواء، والثاني: تاريخ طبيعي، لا يعترف بهذه البداية، والثالث: تاريخ سني، يعتبر معاوية خليفة شرعياً، والرابع” تاريخ شيعي، يعتبر معاوية، مجرد رجل، والخامس: تاريخ حديث، يقسمنا حالياً إلى اثنتين وعشرين دولة، كل دولة لها تاريخ منفصل عن الأخرى ” (20) يبرز النص السابق الاختلافات العميقة التي لم يسلط عليها الضوء في أغلب الأدبيات الثقافية العربية، وهي تشكل عنصراً أساسياً في بنية الثقافة العربية ويعمل بشكل خفي، ويعتبر إظهارها والاعتراف بها أمراً مهماً، لأنه يشكل عامل إثراء للثقافة العربية لا عامل إفقار، حيث يعد أحد الجوانب التي يحولها من قائمة التزوير إلى قائمة التعبير الفعلي عن رؤى وطموحات وممارسات الجماهير العربية بشتى أطيافها.

الافتراض الثالث
الذي يؤسس الثقافة العربية المزورة فينقده النيهوم هو ” مصطلح يفترض أننا نتكلم لغة واحدة، والواقع أن ما نقوله فعلاً يختلف من دولة إلى أخرى، بقدر ما تختلف لغة عن لغة، فالذي يدعو مثلاً إلى السلام مع إسرائيل، لا يفهم الذي يدعو إلى مواصلة الحرب ضدها حتى إذا كانا يتكلمان لغة مشتركة ” (21) يبين النص السابق اختلاف المضمون أي استخدام المفهوم الواحد بعدة معانٍ، حيث تعطي له حمولات دلالاية مختلفة، وأحياناً متناقضة مما يخلق صراعاً ثقافياً قائماً على جدال عقيم لا يحل إشكالاً، لأن القاعدة المشتركة للوصول إلى تفاهم أو حل مفقودة، هي الاتفاق على مضامين المفاهيم بين المتحاورين باعتبارهاإحدى أدوات الحوار الأساسية، وهذا الأمر يعري جانباً مهماً من الثقافة العربية، وهو استيراد بعض المثقفين العرب لكثير من المصطلحات من الفكر الغربي، مفاهيم لا تعبر عن الواقع العربي ومشاكله، تغرس في الثقافة العربية، ويستوردون معها الإشكاليات الثقافية المعبرة عنها، ويفتعل هؤلاء إشكاليات ثقافية لا وجود لها أساساً في الواقع العربي(22).

الافتراض الرابع
الذي تقوم عليه الثقافة العربية المزورة في نظر النيهوم فهو ” مصطلح يفترض أننا عرب يجمعنا مصير واحد، وهي فكرة عاطفية … قد أثبت ظهور النفط، إلى أي مدى، تستطيع مصائرنا أن تختلف، رغم (مصيرنا) الخرافي المشترك … ” (23) وإذا كان اكتشاف النفط قد أبرز زيف المصير المشترك بين العرب فإن أحداث العراق وما ترتب عليها من حرب قد حرقت ما تبقى من أوراق العروبة وكل ما هو مشترك بينهم، وكشفت أنهم مشتركون فقط مع سابق إصرار في تزوير مثل هذه الأسماء والمفاهيم التي تزخر بها الثقافة العربية وتبين ” أن ثقافتنا العربية المعاصرة، لا تملك الحصان، وليس لديها لغة مشتركة، وليس لديها تاريخ مشترك، ولا تخاطب كل العرب، ولا تستطيع أن تغير واقعهم لأنها ثقافة مترجمة في غياب العرب أنفسهم ” (24).

ووصل النيهوم من خلال قراءته لتاريخ الثقافة الإنسانية قبل ظهور الإسلام إلى نتيجة مفادها أنه لما ” كانت الثقافة سلاحاً مهمته هو تجهيل الناس، وليس تثقيفهم تستخدمه الدولة والكنيسة علناً، في مؤامرة، أدت إلى توطيد فواحش أخلاقية رهيبة في تاريخ الثقافات، منها تزوير الشرائع الإنسانية، التي تتكفل بتحويل الثقافة إلى عالم السحرة والمعجزات” (25) بهذه المؤامرة لعبت الدولة والكنيسة في تلك الحقبة من الزمن دوراً مهماً في تجهيل الناس ونشر ثقافة تأسست على السحر والمعجزات الخارقة التي غيبت الدين عن واقع الناس، وأضاعت معناه وأهدافه، وكانت السبب وراء سكوت تلك الثقافات القديمة عن حقوق الإنسان وقضاياه وبذلك فشلت في تطوير مجتمعاتها وتحريرها من الرق والربا والخنوع والخضوع للأصنام الحية والميتة (26).
وإذا كان النيهوم قد وجد حلاً لهذه الأزمة الثقافية في الإسلام وهي ” أن شرع الجماعة في الإسلام، هو الذي صحح هذا المسار لأنه حرر المثقف من حاجته إلى لغة السحرة، وحماة الإقطاع، وكفل له حرية الفكر، وجعلها حقاً دستورياً من حقوقه، وفي ظل هذا الدستور الجديد، أصبحت الثقافة لأول مرة في تاريخها سلاحاً في يد الناس ” (27) إن الإسلام الذي وجه دعوته إلى الناس كافة بجميع أجناسهم وألوانهم، وما حمله من دعوة للمساواة بين الناس الفقير والغني، والرجل والمرأة في الحقوق والواجبات ومن تحرير للإنسان المسلم من الرق والعبودية بكل أشكالها وأقرت أن العبادة لله وحده وكفلت لهم حرية التفكير وحرية التعبير، وبذلك أصبحت الثقافة أداة للتعبير عن مصالح الناس ووسيلة فعالة لتحريرهم من الرق والعبودية والشك والخوف، وعندما غابت (شريعة الجماعة) كما يذهب النيهوم حدث انحراف هائل في المسار لأنها الضمان الوحيد لحرية التفكير والجدل، وعاد المثقف العربي يقوم بدور المثقف القديم، وتحول إلى خادم للبلاط الملكي وبوق دعاية له لا علاقة له بمشاكل الناس ولا الواقع الذي يعاصره ” فالثقافة – من دون حرية الفكر – لا تستطيع أن تكون ثقافة إنسانية حقاً، وليس بوسعها أن تلتزم بالدفاع عن عالم الناس ” (28) والمجتمع الذي يضيق فيه هامش الحرية، يعيش المثقف فيه في خوف ورعب لأن السلطة لا تجيد الحوار وتبادل الأفكار ويشبه النيهوم دفاع المثقف عن مصالح الناس في هذا المجتمع كمن يدافع بقلم رصاص ضد سلطة تدافع بالرصاص، لأنه يحاول أن يرفع صوته جهاراً ويقول ما لا تطيق أن تسمعه السلطة سراً في ظل هذه الظروف لا يمكن أن تولد ثقافة تعالج مشاكل الواقع ” ويصبح السحر ثقافة … ويولد للناس، واقعاً ثقافياً لا علاقة له بواقعهم، وتصبح لغتهم بديلاً باطلاً، عن الحق نفسه، وهو ما حدث حرفياً في ثقافتنا العربية المعاصرة ” (29) التي ولدت ونمت وترعرعت بعيداً عن واقع الناس، لأنها في نظره عبارة عن ثقافة معربة عن الثقافة الأوروبية، وأعطت قناعاً عربياً يخفي غربتها، مما جعلها عاجزة عن معالجة المشاكل العربية وحلها وعجزت عن تغيير الواقع العربي.

وكشف النيهوم عن مظاهر الاستيراد في الثقافة العربية مثل مفهوم (الديمقراطية) الذي لم يجد التربة المناسبة التي يولد فيها، فأصبح مفهوماً مقطوع الجذور، بذلك لم يعط ثماره في الأرض العربية” (30) وهكذا أصبحت الديمقراطية عند العرب كالوصفة السحرية لم تتحقق على أرض الواقع، ونجد نفس الوضع يتكرر عندما استورد بعض العرب مفهوم (الاشتراكية) لأن الاشتراكية لا تتطلب فقط تأميم الملكية الخاص وتحويلها إلى قطاع عام، وهو تفسير خاطئ ولكن تتطلب حزباً لينينياً منظماً قادراً على إدارة المؤسسات المؤممة. أما تأميم وسائل الإنتاج في البلاد العربية فإنه حولها إلى يد إقطاعي كبير ” يجلس وحيداً فوق القمة، ويسلم أملاكه لجيش من الموظفين الذين يتولون إدارتها، طبقاً لروتين حكومي مفتعل لا تهمه قوانين الإنتاج، بل قوانين الضبط والربط… ويحدث ما حدث في الوطن العربي، وتولد اشتراكية بدون حزب عمالي حاكم… وينهار الاقتصاد… ويذهب الموظف غير المناسب إلى المكان غير المناسب، وتشيع العمولة، ويعم الفساد… وتصدر الصحف يومياً، للإشادة بمنجزات الاشتراكية ” (31).

ولا يختلف مصير مفهوم (الليبرالية) في الثقافة العربية عن سابقيه، وإذا كان سبب ولادة هذا المفهوم الثورة على الكنيسة، الذي أدى إلى فصل الدين عن الإدارة، وتحريرها من قبضة الإقطاع فإن الثقافة العربية موقفها حرج، فهي لا تستطيع أن تتحدى الإدارة الإقطاعية من جهة ولا المؤسسات الدينية من جهة أخرى، وبذلك يمسك المثقف العربي العصا من المنتصف، فأصبح مقطوع الصلة بالواقع العربي، بل نجد بعضهم ” يساند رجال الإقطاع، ويبرر أخطاءهم المميتة، ويشيد بمآثرهم في الصحف ويغني لهم، ويرقص لهم… ويلعن خصومهم ” (32) ولا يكتفي بذلك بل يساند رجال الدين ويشيد بالسنة تارة وبالشيعة تارة أخرى، ويؤكد النيهوم نفس النتيجة السابقة بقوله: ” إن تطبيق الشريعة، معناه أولاً: تطبيق الإدارة الجماعية وإن الإسلام – من دون هذه الإدارة – قد خسر معركته قبل أن تبدأ ” (33) ، ونحن نعرف أن الإدارة الجماعية في الإسلام قد تحولت إلى ملكية وراثية على يد معاوية.

إن الديمقراطية تتطلب تعدد الأحزاب، ونظام تعدد الأحزاب لا ينمو دون رأس المال حتى يستطيع أن يحمي نفسه من العسكر والفقهاء وهذا الشرط لم يتوفر في البلدان العربية.
ويكشف النيهوم عن خصائص المثقف العربي المعاصر التي نوجزها في النقاط التالية:
1) إنه مثقف لا يملك أعداء لأنه ليس لديه قضية يدافع عنها.
2) وهو يمثل ثقافة أوروبية معربة تعبر عن واقع وظروف وتاريخ لم يدخله العرب بعد.
3) ومهمة المثقف العربي تجاهل واقعه.
4) وهو مثقف مسلم لا يعرف شرع الإسلام الجماعي، مثقف عالمي لا يحترم تراثه.
5) وكذا هو مثقف ثوري تقدمي لكنه لا يعادي الإقطاع (34) وقد التقت آراء المثقفين العرب المعاصرين على اعتبار الشيوعية (أخطبوطاً)، أما الإقطاع الذي يلف أذرعه حول عنق ثقافتنا المعاصرة، فإنه مازال حتى الآن وحشاً مميتاً من دون اسم” (35).

كما كشف النيهوم الغطاء عن ازدواجية المعاني في الثقافة العربية فمثلاً لنظام الشرع الجماعي مصطلحان: أحدهما قديم مأخوذ من التراث وهو (الشورى) والآخر معاصر هو (الديمقراطية) ولكن في الحقيقة لا نملك لهما تطبيقاً على أرض الواقع. كما أن مفهوم (المواطن المسلم) في ثقافتنا العربية مفهوم مركب من مفهوم (المواطن) ومفهوم (المسلم)، وإن كان كلاهما يدل على الإنسان الحر والمسئول، فالأول، يعني أنه ناخب، والثاني، يعني أنه عبد لله تعالى ” لكن المواطن المسلم شخصياً، ليس حراً، وليس مسئولاً، إلا بقدر ما تطول عصاه ” (36) لأن المواطن المسلم يعيش في بلدان تضيق هامش الحرية والتفكير، فهو إما خادم للسلطة المسيطرة، أو إنسان محايد أو مغترب، أو سلبي لا مبال.

وينتقد النيهوم مفهوماً ثالثاً وهو مفهوم (العدل) في الثقافة العربية الذي يعني تطبيق الشريعة أولاً، ويعني تطبيق القانون ثانياً، ولكن في الحقيقة إن العدل غائب عن واقعنا بحيث لا يحتاج إلى دليل، كما أننا في نظر النيهوم نتملك في الثقافة العربية مصدرين تشريعيين لحرية الرأي، أحدهما ديني وهو حق الجهاد باليد وباللسان، والثاني قانوني يضمنه الدستور، في حرية الانتخاب، ولكن في الواقع العربي وعلى مستوى التطبيق، ليس هناك قانون يكفل حرية التعبير(37).

إن الثقافة التي لا تعبر عن واقع الناس ومشاكلهم ولا تملك تغيير واقعهم لا تستحق أن نطلق عليها ثقافة واعية، بل ثقافة مزورة وسحرية، هدفها تجهيل الناس لا تثقيفهم.

الأسباب التي أدت إلى الهيمنة على الثقافة العربية

يمكن الكشف عن أسباب الهيمنة على الثقافة العربية بالرجوع إلى الخطط الاستعمارية التعليمية في المستعمرات العربية في القرن التاسع عشر، ونذكر مثالاً على ذلك ما قام به مستشار التربية في مصر في عهد الحاكم الإنجليزي كرومر، إذ عمل على الكشف عن خصائص العقلية الشرقية وتجذيرها في البنية التعليمية ” واستند (دانلوب) (38) إلى خاصية معينة من خصائص العقلية الشرقية، ألا وهي تقديسها للمكتوب، للكلمة المكتوبة للنصوص، وراح يقيم تعليماته الدورية إلى المفتشين والنظار على أساس تنمية الذاكرة، والحفظ بالذاكرة، دون كل ما من شأنه أن ينمي ملكة التفكير النقدي والإبداعي الخلاق (39) وكان الهدف من هذه الخطة وضع استراتيجية للهيمنة الثقافية على مصر، من خلال إنتاج مثقفين بلا ثقافة، لأنهم لا يمتلكون وسائل الثقافة الفعالة وهي الحوار والنقاش والجدل والنقد بل يكتفون بالحفظ والتكرار والاجترار وهذا ما يكشف عنه رأي (دانلوب) في أن الضمان الوحيد لاستعباد مصر على مر الأجيال لا يكمن في الاحتلال العسكري والاستعمار الاقتصادي بقدر ما يكمن في ضرب الفكر المصري في الصميم بحيث يصبح عاجزاً عن التطور والإبداع والخلق ويظل معتمداً على غيره ليتحرك، ورأى دانلوب أنه لكي يتحقق هذا الهدف لابد من أن تتجه سياسة التعليم كلها – في مرحلة الابتدائية والثانوية والعالية على السواء – إلى الحفظ دون المناقشة، والترتيل دون النقد، ومحاكاة المراجع والأساتذة دون تشريحها وتكوين رأي مستقل فيها، واحترام الكلمة المكتوبة دون امتحانها والتصارع فكرياً معها (40).

إن ما جاء في هذا النص يترجم حرفياً خطط التعليم ومناهجه في بلداننا العربية في جميع مراحله، حيث يقتصر دور المدرس على تلقين الطلبة دون إعطائهم فرصة للمناقشة وطرح السؤال، الذي يعد من المحرمات عند أغلب الأساتذة. وربما نلتمس العذر لهؤلاء الأساتذة لأنهم أنفسهم لا يمتلكون ملكة الحوار والجدل والمناقشة وطرح السؤال، وبالتالي كيف نطلب منهم القيام بهذه المهام، لأن فاقد الشيء لا يعطيه.
وإذا نظرنا إلى وضع الطلبة في أغلب الجامعات العربية فإنه لا يسمح لهم أساتذتهم بتكوين رأي مستقل لأنهم متلقون لا غير في مرحلة الليسانس وهذا ما نجده في مستوى التعليم العالي حيث يجاري الطالب في مرحلة الدراسات العليا وإعداد رسالة الماجستير أستاذه المشرف في جميع آرائه ولا يجرؤ على مخالفته، وقلة من الأساتذة المشرفين الذين يسمحون لطلبتهم بحرية البحث، وتكوين آراء خاصة، شرط البرهنة عليها بحجج مقنعة وفق الشروط العلمية والأكاديمية، إذ مازال الكثير من أساتذتنا وطلابنا في الجامعات العربية، واقعين تحت سيطرة النصوص خاصة التراثية منها – ونستثني من هؤلاء علي عبد الرازق وطه حسين – وعدداً قليلاً من المثقفين الذين بدءوا قبل عقدين من الزمن يتعاملون مع النصوص التراثية من منظور نقدي(41) .

ولقد أراد (دانلوب) غرس بنية تعليمية وتربوية في مصر تعتمد على أن التلميذ الممتاز هو الذي يتميز بسرعة الحفظ، أما التاريخ فهو لا يخرج عن كونه دراسة لتاريخ الملوك والأسر الحاكمة، وكثير من المعارك والانتصارات والهزائم، دون محاولة إيجاد تفسير علمي لتطور الأحداث وترابطها ودون محاولة الكشف عن الفلسفة التاريخية التي كانت وراء تلك الأحداث ونتاجاً لها، عن تجارب معملية، دون أن يقدم للطلبة كيفية تطور هذه التجارب داخل علم ما، وكيف استطاعت بها نظرية ما بيان خطأ سابقتها، ولا تعطي للطلبة الطريقة الجدلية التي استطاعت بها نظرية ما تجاوز النظريات القديمة، أما في ميدان الفلسفة فتدرس للطلبة بصورة مختصرة تعطي نبذة عن أراء الفلاسفة والنظريات الفلسفية، دون البحث عن الأسباب التي دفعتهم إلى إنتاج تلك النظريات والأفكار، وفهمها في إطار عصرها، ومحاولة إخضاعها للنقد وفق مناهج عصرنا الراهن، بل تقتصر استراتيجية تعليمنا في أغلب البلدان العربية على تطبيق خطة (دانلوب) بحذافيرها وهي ” الحفظ، ولا شيء إلا الحفظ والامتحان يدور كله في إطار هذه المحفوظات، إنه ترتيل وتسميع ولا شيء غير ذلك” (42) واستراتيجية (دانلوب) هذه التي أصبحت تكون البنية العميقة لأسس التعليم في البلدان العربية، وهي كامنة في لا شعور خبراء التعليم عندنا وتعمل بشكل خفي وربما بدون وعي هؤلاء بها، وعليه فنحن في حاجة إلى دراسة علمية موسعة تتناول البنية التعليمية في كل بلد عربي ودراسة أسسها وطرقها ومناهجها وأهدافها ونتائجها، لأن هذه البنية هي التي تكون الكوادر العلمية في جميع المجالات ومنهم شريحة المثقفين، وهذه البنية العقيمة، هي السائدة في حياتنا الثقافية، التي كشفت عن عقمها في عدم إيجاد حلول للمشاكل العربية على المستوى الوطني والقومي، ونحن في حاجة إلى خلخلة ثوابتها وأسسها والكشف عن آلياتها ومناهجها وتعرية أسسها وإعادة صياغتها على أسس جديدة، تتخذ من النقد والحوار والتساؤل والسلب مرتكزات أساسية بدل الحفظ، والتذكر.

ويحصر محمد عابد الجابري أسباب الغزو الثقافي للثقافة العربية في أربعة أسباب(43) ، يمكن تلخيصها في النقاط التالية:

1- واقعنا المتخلف وانتماؤنا إلى قائمة المتخلفين.

2- الغزو الإعلامي السمعي والبصري عبر وسائل الإعلام التي تهدد القيم والأخلاق وتغزو العاطفة والخيال.

3- قصور العرب في تبني الحداثة، أدى إلى قصور في الفعل والتخطيط على جميع المستويات العلمية والثقافية والاقتصادية والسياسية على المستوى الوطني والقومي العربي، وهذا مؤشر إلى عدم فهمنا واستيعابنا لأسس الحضارة المعاصرة.

4- إسقاط الحاضر على المستقبل وتقديم حلول للحاضر بكل ما يحمله من نقائص وإعادة إنتاج القديم على المستوى الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والفكري، أما المستوى الثقافي فهو متروك للسياسة تمارس عليه المراقبة والقمع وتسويد الصوت الواحد، وهو صوت الجهاز الرسمي.

وبناء على ما سبق فإن الهيمنة الثقافية في البلدان العربية لا تقتصر على ما تكرره الأدبيات الثقافية العربية ممثلة في الغزو الإعلامي عبر الفضائيات ووسائل الاتصالات المعاصرة (الإنترنيت) ووكالات الأنباء الصهيونية والكتب والمجلات وغيرها، التي لا نغفل دورها فهي تمثل العوامل الخارجية للهيمنة الثقافية وهي تلعب دوراً لا شك فيه، ولكن نقطة الضعف المركزية تكمن في البنية التعليمية في بلادنا العربية، لأنها الأساس الذي تتكون وتنمو وتنضج فيه الكوادر العلمية والفكرية والثقافية والسياسية والاقتصادية، فهي البؤرة التي يجب أن تتجه إليها جهودنا من أجل الكشف عنها وإعادة صياغة أهدافنا ووسائلنا التعليمية ومناهجنا في فضاء يتسم بالحرية، حرية الرأي والتفكير والجدل والحوار وتعدد الآراء والأفكار، وبذلك نفسح المجال أمام الطاقات الإبداعية في جميع المجالات، لتكسر سياج التسلط الداخلي، وأوجه الهيمنة الخارجية، بإبداعات في جميع الميادين، تتفاعل مع الثقافات الأخرى وتنهل منها وتنقدها وتمدها بعناصر جديدة بذلك تتحول علاقة الهيمنة إلى علاقة مثاقفة علاقة أخذ وعطاء ” فحيثما توجد ثقافة حية نامية متحركة تتعامل مع مشكلات العصر الكبرى وتحدياته المصيرية بنجاح معقول وتتفاعل مع قضاياها الوطنية والفكرية والعلمية والتقنية والفنية بصورة خلاقة ينكمش تأثير الغزو الثقافي، ويميل فعله إلى التلاشي ” (44).

أهداف الهيمنة الثقافية

إن أهداف الهيمنة الثقافية ترمي إلى نشر ثقافة الطرف المهيمن، وضرب الثقافات المحلية أو القومية، من أجل سيادة نموذج واحد للتفكير، ونشر قيم إنسانية معينة، هذا هو الهدف الظاهر للهيمنة الثقافية، ولكن الهدف العميق للهيمنة، كما أوضحنا في الصفحات السابقة هو تعطيل العقول في ثقافة معنية عن الإبداع كما رأينا في استراتيجية (دانلوب) فهو لم يعمل على تجذير الثقافة الإنجليزية العلمية التجريبية التي تنتج عقولاً مبدعة وخلاقة في مصر، ولكن عمل على ترسيخ وتعميق نقطة الضعف المركزية في الثقافة الشرقية هي تركيزه على الحفظ والتذكر، وبالتالي القضاء على الإبداع في جميع مجالاته في مصر خصوصاً أن النموذج المصري التعليمي معمم في أغلب البلدان العربية.

كما يكشف محمد عابد الجابري عن هدف آخر للاختراق في الثقافة العربية وهو تسطيح الوعي(45) ، أي جعله مرتبطاً بالسطح ممثلاً في الصور والمشاهد الإعلامية التي يغلب عليها طابع الإعلان، الذي يستفز الانفعال ويحرك المشاعر ويحجب العقل، وهذا يؤدي بدوره إلى امتلاك الذوق وقولبة الفكر وتغير أنماط السلوك، ويصبح السلوك استهلاكياً، يؤدي إلى تعطيل التنمية في البلدان النامية ومنها الدول العربية، وبالتالي إلى استهلاك ما تنتجه الشركات الغربية والأمريكية العملاقة في العالم، كما يخلق رأياً سياسياً مبنياً على الدعاية الانتخابية، ويترتب على ذلك تكوين رؤية جديدة خاصة في المجتمع المستهلك عن الإنسان والمجتمع والتاريخ والكون ككل (46).

لقد حلل باحث أمريكي مكونات الثقافة الأمريكية المهيمنة على جل الثقافات في العالم، وتوصل إلى أنها تقوم على خمسة افتراضات هي:

الافتراض الأول:
وهو الفردية التي ترمي إلى إلغاء الطبقة والأمة كإطار اجتماعي.

الافتراض الثاني:
وهو الخيار الشخصي الذي يكرس نوعاً من السلوك الأناني ويلغي مبدأ التعاون.

الافتراض الثالث:
وهو الحياد، بمعنى أن الفرد يعيش محايداً والآخرين المحيطين به كذلك، مما يؤدي إلى انعدام التزامه بأي قضية جماعية وطنية أو قومية أو أخلاقية.

الافتراض الرابع:
وهو الاعتقاد بأن الطبيعة البشرية لا تتغير، فيها الغني والفقير والأبيض والأسود والقوي والضعيف، وهي أمور طبيعية كالليل والنهار.

الافتراض الخامس:
غياب الصراع الاجتماعي كأداة للتغيير يؤدي إلى الاستسلام للشركات المستغلة، وأقليات متسلطة، وغياب التغير المبني على الصراع الاجتماعي(47).

إن الوعي بأهداف الهيمنة الثقافية ومكوناتها وأسسها يعتبر خطوة جادة في فهم معنى الهيمنة، هذا الوعي الذي يفسح المجال لوضع خطط علمية عقلانية متوسطة وطويلة الأمد لمواجهة الهيمنة الثقافية، كما أن الوعي بأهدافها التي ترمي إلى إلغاء الأسرة والمجتمع والطبقة والأمة، من أجل تحويل المجتمعات البشرية إلى مجرد أفراد معزولين محايدين استهلاكيين، سطحيي التفكير يعتمدون على الإدراك المباشر بدل التفكير العقلي، يتطلب منا وقفة تأمل وتفكير، كيف لهذه الحضارة الأمريكية أن تهيمن على العالم وهي تتميز بهذه الخصائص السلبية؟

أعتقد أن تهويل بعض الأدبيات العربية لمظاهر الهيمنة الأمريكية على الثقافة العربية يتناسى أن لكل حضارة أهدافها وأدواتها وأساليبها، وإن كل حضارة قد شغلت حيزاً من المكان والزمان، وإن كل حضارة خاضعة لعوامل التطور والتفكك حسب المنطق الهيكلي، كل قضية تحمل نقيضها، وفي القراءة التفكيكية كل نص أو نظرية سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية … تحبل بالنقائض والثغرات، التي تعمل على تفككها وتحللها هذا التفكك الذي لا يسير حسب منطق تاريخ الأدوار. لكل بداية نهاية، وإنما تفكيك وتجديد لا ينطلق في الأغلب من بداية مطلقة أي من لا شيء، ولكن صيرورة تستفيد من العناصر الفاعلة، وتستبدل العناصر غير الفعالة والميتة بأخرى أكثر فاعلية عن طريقة استراتيجية مؤسسة على العلم والعقل وعلى الحوار النقدي.

كما أن اعتقادنا في مبدأ السببية – يجعلنا نرفض الإطلاق على مستوى الأفكار والنظريات- فالصراع الطبقي، أو الصراع الاجتماعي كان أداة فاعلة للتغير منذ ماركس واستمر على امتداد القرن العشرين، ولكن هذا لا ينفي أن تنتج التطورات المعاصرة عناصر أخرى للتغير تتلاءم مع مستجدات العصر الراهن.

وإذا كان الاختراق الثقافي يخترق الرغبة في التبديل ومناشدة التغيير، فستأتي اللحظة التي يتشبع فيها الإنسان من هذا النموذج، ويرغب في التغيير بوسائل ربما تكون غير واضحة الآن، وبما أننا نؤمن بأن لا شيء ثابت على مستوى الأفكار والآراء والنظريات، وإن سنة الكون هي الصيرورة والتطور والتحول والتبدل، كما أن التغير لا يعني النفي المطلق، وإنما اكتشاف النقائض والعوامل غير القابلة للحياة والاستمرار وأن دورها انتهى وتجاوزها التاريخ لتعطي الفرصة لأفكار وآراء ونظريات جديدة تأخذ مجالها، وإذا كانت العولمة أداة الهيمنة الثقافية في عصرنا الراهن تخترق الرغبة في التغيير ربما في الدول الأوروبية المتقدمة فأعتقد أن العرب لن يصلوا إلى هذه الدرجة لأن لديهم رغبة وإرادة في تغيير واقعهم المتخلف إلى الأفضل.

نقد الأدبيات الثقافية العربية التي تتصدى للهيمنة

إذا تفحصنا الأدبيات الثقافية العربية التي تتناول الغزو الثقافي أو الهيمنة الثقافية نجد أكثرها يغلب عليه الطابع الخطابي، الذي يبتعد عن التحليل العميق، الذي يكشف عن عمق إشكالية الهيمنة، أي البحث عن أسبابها ومكوناتها وآلياتها ومناهجها وأهدافها القريبة والبعيدة، وإذا ما حاولنا حصر خصائص الأدبيات الثقافية العربية نجد أنفسنا نشاطر صادق جلال العظيم في بعض الملاحظات التي أوردها في كتابه (ذهنية التحريم ) ونضيف إليها ملاحظات نقدية أخرى نوجزها فيما يلي:

1- الإطناب في وصف مظاهر الهيمنة الثقافية بشكل خطابي يحرك المشاعر، ويغيب فيها التحليل العلمي العقلاني الواقعي الذي يخاطب العقل.

2- تتميز الأدبيات الثقافية العربية بالانتقائية والعشوائية في وصفها للهيمنة الثقافية بأسلوب يغلب عليه طابع الاستبشاع والتعجب والاستفهام، مبرزاً مظاهر الهيمنة والنهب والعنصرية الأوروبية ودورها في سلب الإنسان في العالم العربي من ثقافته وتراثه.

3-إهمال الكثير من الأدبيات الثقافية والبحث عن الأسباب الحقيقية الظاهرة والخفية للهيمنة الثقافية في الطرفين المهيمن والمهيمن عليه، وإظهار الطرف الثاني في صورة المغلوب على أمره، وأنه ضحية مؤامرة غربية استعمارية.

4- ميل أغلب الأدبيات الثقافية العربية إلى عدم مناقشة القاعدة المادية للتطور الغربي مثل الجانب الاقتصادي وعلاقته بالتقدم الغربي، وإهمال قاعدة المادية في العالم العربي ودورها في تخلفه الذي جعلها في موقع المنفعل لا الفاعل في ثقافته وفي اقتصاده، وتقدم التطور في أوروبا للقارئ العربي كأنه سر مغلق خطفته أوروبا من العرب في بداية عصورها الحديثة.

5- إهمال جل الأدبيات الثقافية العربية وتقديم الحلول لكيفية التعامل مع الهيمنة الثقافية الغربية، واقتصارها على عرض مظاهرها وإبراز مخاطرها، وعدم تناول هذه الأدبيات للأسباب التاريخية والاقتصادية لتقدم الطرف المهيمن، وتخلف الطرف المهيمن عليه أدت إلى خلق وعي زائف يخدم استمرار الهيمنة وزيادة ترسيخها في المجتمعات العربية.

6- عدم وضوح أهداف بعض الأدبيات الثقافية العربية وأحياناً جرها إلى التطرف أو التعصب ” على الرغم من النوايا الحسنة والمقاصد التقدمية أحياناً، للانزلاق باتجاه المواقف الرجعية اجتماعياً والسلفية ثقافياً، هذا في أحسن الأحوال، أما أسوأها فإنها تطرح نفسها صراحة كدعوات سلفية وارتدادية تدافع عن نكوصيتها بدون تغليف أو مواربة” (48).
ويتجلى ذلك في تمسك أصحاب هذه الأدبيات بمفهوم ( الأصالة ) الذي يعد مفهوماً ميتاً فيزيقياً لا ينتمي إلى الزمن وتحدياته، وينفلت من التحولات التاريخية الاجتماعية والفكرية، فبدلاً من أن تعطي تلك الأدبيات الثقافية مفهوماً مرناً للأصالة يحمل دلالات تترجم المصالح الملحة الراهنة، وقضايا المجتمع الاجتماعية والثقافية والفكرية والعلمية والسياسية من أجل مواجهة الهيمنة، تصر على تبني مفهوم جامد للأصالة ذي خصائص ثابتة غير قابلة للتغيير والتجديد، ويشير ( صادق جلال العظم ) إلى نقطة تدعو إلى التأمل والتفكير ومراجعة الذات وهي تشجيع بعض مؤسسات الهيمنة الثقافية الغربية بدعوة العرب إلى الرجوع لأصالتهم وتراثهم وروحهم، وهي دعوة لا تختلف عما قام به ( دانلوب) في الثقافة المصرية التي تناولناها في الصفحات السابقة ” لذلك لا عجب إن رأينا الغزو الثقافي نفسه، بمؤسساته وأجهزته، ومنظريه، يسارع إلى تبني مقولة الأصالة بمعناها الميتافيزيقي، والدعوة لها وتقديم النصح إلى العرب بالرجوع إلى أصالة روحهم العتيقة والارتداد إلى تراثهم التقليدي، والحقيقة الغائبة في ذلك كله هي أن من يريد أن يكون فاعلاً ومؤثراً محركاً في الزمان الحاضر ومشكلاته وأزماته ومخاطره ( بما فيها الغزو الثقافي) يستحيل عليه أن يستمد مقدرته على الفعل والحركة من الماضي مهما كان قديماً ومن التراث مهما كان عظيماً، ومن الأصالة الميتافيزيقية مهما كانت عريقة لأنه إذا لم يستمدها من الحاضر وشروطه الكبرى فلا شيء غيره سوف يعطيه إياها ” (49) وإذا كنا نتفق مع صاحب النص في دور أجهزة الهيمنة الثقافية في ترسيخ الدلالات الجامدة لمفهوم الأصالة لخدمة أغراضها، فإن الارتداد إلى التراث وحده كأصل مرجعي وحيد لن يشارك في تكوين ذوات ثقافية فاعلة في الثقافة العربية، ولكن يمكن تجاوز هذا المأزق بأن نغير منظورنا إلى التراث، بأن نتعامل معه من منظار نقدي ونعطي للأصالة معنى يعبر عن قضايا واقعنا العربي وإشكالياته، ونعتبر كل اختراع وابتكار وإبداع عربي في كل العصور بما فيها الحاضر أصيلاً كما يقول الجابري، وبذلك نعطي للأصالة حمولة دلالية تاريخية تدخل في صيرورة التاريخ وفي نفس الوقت تعبر عن همومنا ومشاكلنا، لأن التخلي عن التراث ورفضه ينبت ثقافة بلا جذور ولا هوية، وهي ثقافة محكوم عليها بالموت، فبدل الرفض القاطع للتراث والأصالة فإن التعامل النقدي يمكننا من امتلاكهما وتجاوزهما عندما ندخلهما في أطر الصيرورة التاريخية، وعندما نلغي نظرة التقديس وأسلوب التفخيم والتعظيم لهما والكشف عن الجوانب التي تجاوزتها تطورات العصر الراهن أي العناصر غير قابلة للحياة، ونشارك في إبداع تراثنا وأصالتنا، بما نقدمه في شتى ميادين المعرفة والاقتصاد والاجتماع والسياسة.

7-تنظر بعض الأدبيات الثقافية العربية لمظاهر الحداثة في عصرنا الحديث على أنها تمثل صورة جلية للهيمنة الثقافية على العالم العربي وصورة من صور الغزو الثقافي، فتلجأ إلى إدانتها، دون أن تحدد ماهية هذه الهيمنة وكيفية علاجها.

8- كما تنظر إلى المواطن العربي على أنه دائماً منفعل لا فعال، هو دائماً متلقٍّ لا مرسل، دون أن تبحث عن الأسباب العميقة الكامنة وراء ذلك، الذاتية أو الخارجية، وهي تدعو دائماً إلى الحجر عليه بمنع بعض الكتب والمنشورات والفضائيات، وهي بذلك تتعامل معه كالطفل الذي يجب حمايته من الخارج عن طريق منع تلك الوسائل عنه، وهي نظرة تنم عن احتقار، فبدل أن تدعو إلى إعطائه هامشاً أكبر للحرية، وتعمل على تحصينه من الداخل أي بنائه نفسياً وأخلاقياً وعلمياً، حتى يعرف كيف يتعامل مع المؤثرات الخارجية، ويتحول بذلك من إنسان منفعل متلق، إلى فاعل ومشارك في بناء الحضارة المعاصرة، نلاحظ جل الأدبيات الثقافية العربية تركز على العوامل الخارجية للهيمنة الثقافية، بينما نجد الكثير من العوامل مستمدة من إرثنا الثقافي على المستوى الفكري والاجتماعي والتربوي والتعليمي، وقد رسختها نظمنا التربوية والتعليمية السائدة، فالعوامل الخارجية والداخلية تتضافر في خدمة الهيمنة الثقافية وغيرها من مظاهر الهيمنة الأخرى في عالمنا العربي لأن الهيمنة الثقافية لا يمكن أن تصل إلى أهدافها مع وجود ثقافة حية فاعلة متحركة مبدعة، تعالج مشاكل المجتمع الواقعية، وتتغير وتتحول وتتطور مع تطور المجتمع وتستفيد من التطورات العالمية على جميع المستويات.

9- أما المرجعية التي تعتمد عليها الأدبيات الثقافية العربية، فهي المرجعية التراثية، والمرجعية الأوروبية، الأولى تضخيم وتفخيم التراث العربي، وتمجيده، وتنادي بهوية جامدة مأخوذة من التراث، أما الثانية ذات الأصول الثقافية الأوروبية الصرفة، فهي ترفض التراث العربي، وهي ترفع شعار ( إننا لا ننهض إلا بما نهضت به أوروبا ) وعلينا التمسك بخصائص الهوية الأوروبية التي استطاعت أن تتطور فشيدت الحضارة المعاصرة، أما الأدبيات الثقافية المنفتحة على المرجعين السابقين، فهي تتعامل من منظور نقدي مع المرجعين عن طريق بث الحياة فيما هو قابل للحياة والتطور من عناصر التراث العربي وإدخاله إلى حيز الممارسة وبالتالي تجاوزه، وعدم الانبهار بكل ما جاء من أوروبا وإخضاعه للفحص والنقد من أجل بناء هوية ثقافية عربية تواكب العصر وتطوراته.

10- وأما مناهج الأدبيات الثقافية العربية للوصول إلى أهدافها، فهي تختلف فذات المرجعية التراثية تستخدم عادة أساليب تراثية خطابية، تعتمد على تحريك العواطف ودغدغة المشاعر الدينية، وعلى التاريخ، والقياس والمقارنة منهجاً. أما ذات المرجعية الأوروبية، والمنفتحة على المرجعين التراثية والأوروبية فهي تستخدم أساليب الجدل والمنطق، والمناهج التاريخية الجدلية الهيجلية والمادية التاريخية، والمنجزات العلمية المنهجية المعاصرة، مثل البنيوية، وتحليل الخطاب وتحليل المضمون، والسيميولوجية والتفكيكية وغيرها من القراءات المعاصرة.

إذن ما الحل؟ أو كيف نتعامل مع الهيمنة الثقافية؟

لقد صنفنا التيارات الثقافية في الفكر العربي المعاصر إلى ثلاثة تيارات: تيار تقليدي، وتيار عصري، وتيار نقدي، معيارنا في ذلك هو موقفها من العولمة وهي الصورة الأحدث للهيمنة الثقافية، ولو رصدنا مواقف هذه التيارات من العولمة، نجد أن التيار الأول يرفضها ويرفض كل ما هو آت من الآخر على المستوى الفكري، ولا يقبل إلا الجانب التقني، أما التيار الثاني، فهو ينفتح على الآخر ويدعو إلى قبول العولمة بكل صورها، لأنها تمثل تياراً جارفاً لا يمكن مواجهته، ونحن نتفق مع رأي التيار النقدي العربي المعاصر، في أن كلا الموقفين السابقين يتعامل مع إشكالية العولمة بصورها المختلفة بصورة سلبية، لأن كلا الموقفين هرب من مواجهتها (50) ، فالتيار الأول هرب من مواجهته الهيمنة بالاحتماء بالماضي وبالعودة إلى الوراء، وهذا الموقف لا يؤثر تأثيراً فاعلاً في الهيمنة الثقافية، والموقف الثاني يهرب إلى الأمام دون أن يواجه الواقع بانفتاحه اللامحدود على ثقافة الآخر في غياب النظرة النقدية، مما يجعله يفقد هويته الثقافية، ولا يستطيع بناء هوية أخرى، وهذا التيار المغترب على مر العقود الماضية لم يقدم حلاً، فبدلاً من أن تسود المجتمع العربي أسس الحداثة من علمية وعقلانية، نجد نكوصاً نحو صحوة إسلامية متزمتة في أغلب الأحيان.

ونلاحظ كذلك أن العلاقة بين التيارين الثقافيين التقليدي والعصري المغترب هي علاقة تنافر، ورفض كل منها للآخر، وبذلك خلت الساحة الثقافية العربية من لغة الحوار الجاد والتفاعل الدائم، والصراع الفكري الهادف، مما جعل ثقافتنا لا تنتج جديداً، وإنما جديدها يأتي من الخارج وهذا الضعف ناتج عن خلل في بنيتنا التربوية والتعليمية التي تنتج المثقفين، وإذا كان التجديد الحقيقي لأي ثقافة لابد أن يتم من داخلها، وذلك بخلخلة ثوابتها والكشف عن ثغراتها وأساليبها وآلياتها وأهدافها، وتغييرها من خلال ممارسة الحداثة العلمية والعقلانية النقدية والواقعية، والتاريخية والنسبية في تحديث معطياتها، وإعادة قراءة تاريخ الثقافة العربية بطريقة نقدية، وترتيبه بطريقة منطقية، واستخدام أساليب الفهم والتأويل في الكشف عن العلاقات التي تربط ماضيها بحاضرها وبمستقبلها، على أن تكون عملية تجديد الثقافة عملية مستمرة ومسترسلة، لا تتوقف لأن التوقف يعني جمودها وتحجرها وبالتالي موتها، هذا بالإضافة إلى أن الثقافة أصبحت شرطاً ضرورياً من شروط الانتماء إلى الحضارة المعاصرة وأحد مقوماتها الأساسية (51).

كما أن حل معضلة الثقافة في البلدان العربية، تفرض تحرير الثقافة من السياسة، فالثقافة العربية كانت ومازالت ضحية السياسة، فبعض الحكومات العربية أهملتها خوفاً منها، فمارست عليها رقابة شديدة، وبعضها الآخر وظفها توظيفا أيديولوجياً خدمة لمصالحه وأيديولوجيته المهيمنة، وفي نفس الوقت تغيب النقد وتضيق عليه، لأن السياسة تتبرم من أي نقد، وبذلك تخنقه في سبيل سيادة قوالب أيديولوجية جاهزة جامدة لقد سادت السياسة على الثقافة فقتلتها، وهذا ما يحصل دائما في كل زمان ومكان، فالسياسة سلطة والثقافة حرية، والسلطة تقتل الحرية وتكبلها وتغلبها (52) إن التناقض بين السلطة السياسية والثقافة في كون الأولى تتبنى في أغلب الأحيان أيديولوجية مغلقة شمولية، لا تسمح بأي عنصر آخر بالدخول في منظومتها أو يخترقها، وبذلك يمارس متبني هذه الأيديولوجية الحماية لها من الخارج عن طريق نفوذهم السياسي مستعملين أدوات الرفض والمنع والقمع، متناسين أن هذه الأساليب توفر حماية داخلية مؤقتة، وإن الأيديولوجية التي يكتب لها البقاء هي تلك التي تفتح حواراً مع الأيديولوجيات الأخرى، وتكشف عن عناصر النقص فيها، لتعيد صياغتها من جديد، وبذلك تدخل التاريخ وتستفيد من التطورات التاريخية ومن المنجزات العلمية والفكرية العالمية.

يقترح بعض المفكرين العرب بعض الخطط لمواجهة الهيمنة الثقافية على الثقافة العربية وسنقف عند خطتين إحداهما لصادق جلال العظم والأخرى لمحمد عابد الجابري.

تتكون خطة صادق جلال العظم من عنصرين:

العنصر الأول يلفت نظرنا إلى أهمية العنصر المادي في مواجهة الهيمنة، حيث يدعو إلى تخصيص جزء من الجهود المخصصة لفضح الهيمنة الثقافية لإنتاج مشروع ثقافي، يشغل حيزاً من الخواء الثقافي الذي تعاني منه الحياة العلمية والثقافية والفكرية في العالم العربي، ويعد لبنة، وكفعل إيجابي في مواجهة الهيمنة الثقافية

أما العنصر الثاني، في الخطة فهو معنوي يلامس البنية التربوية والتعليمية والمنهجية وعلاقتها بالسياسة فيقترح صادق جلال العظم، تكوين مدرسة للتاريخ تتجاوز العقل النقلي الغيبي والعقل الدعائي اللاموضوعي والعقل التسويغي، الذي يفصل الحقيقة حسب الحالة السياسية وتكوين مدرسة ” تحترم الوقائع ومناهج البحث الجادة، وتقيم أعظم الوزن للجرأة والعمق النقدي في كل عمل علمي في ميدان التاريخ ” (53) صاحب النص السابق يدعو إلى ثورة منهجية على مستوى السلوك العادي اليومي لتحرير العقل العربي من الأفكار والآراء المسبقة، والتحرر من كثير من الأوهام العقلية التي كشف عنها فرنسيس بيكون وهي أوهام القبيلة وأوهام الكهف وأوهام السوق وأوهام المسرح، التي مازالت تفعل فعلها في الثقافة العربية، التي لم يستطع جل المفكرين العرب التحرر منها، بالإضافة إلى تبني قاعدة الوضوح والتحليل والتركيب الديكارتية، والقضية ونقيضها والجمع بين النقيضين (المنهجالجدلي)عندهيجل، والبحث عن العوامل الاجتماعية والاقتصادية الكامنة وراء كثير من الظواهر والاشكاليات بالإضافة إلى المناهج المعاصرة المنهج البنيوي، وما بعد البنيوية ممثلاً في القراءات المتعددة في عصرنا الحالي، كلها أدوات لتحرير العقل العربي حيث تزوده بوسائل فعالة تساعده على الكشف عن مواطن الغموض واللبس في تراثنا، وفكرنا، وواقعنا الحاضرين، هذه الأسلحة التي تساعد الباحثين على تجاوز مرحلة التغني بالأمجاد وتضخيم الماضي وتفخيم التراث العربي إلى إبداع أدوات ووسائل وآليات وأفكار في هامش كبير من الحرية، يؤدي إلى مواجهة الهيمنة الثقافية بطرق فعالة

أما الخطة التي يقترحها محمد عابد الجابري لمواجهة الهيمنة الثقافية في العالم العربي فهي ترتكز على ثلاثة أبعاد نوجزها في النقاط التالية (54):

1- البعد السياسي ويهدف إلى تكوين ديمقراطيات حقيقية في العالم العربي تسمح بحرية الرأي والتعبير، لأن لا إبداع بدونها، وهي التي تسمح بمراقبة السلطة وبلورة مشاريع للمستقبل، كما أن الاستقلال الفكري هو الأساس في تحرير الثقافة، فلا بديل عن الحوار كوسيلة للاتصال والانفتاح على الثقافات الأخرى وبالتالي العمل على تبيئة الحداثة، فيصبح التواصل وسيلة إغناء وإخصاب بدل أن يكون أداة سلب واستسلام وهيمنة، وبذلك نخلق فضاء للمثاقفة، وحوار الحضارات وإفساح المجال للعقل ليمارس النقد، والاستفادة من الإمكانات العربية حيث إن الميزة التي تتصف بها الثقافة العربية هي قدرتها على الانفتاح على الثقافات الأخرى واستيعابها، وهضمها مع المحافظة على خصوصيتها، كما حدث في حركة الترجمة أيام الدولة العباسية، ويبقى الدور على المثقفين وقوة إرادتهم للتغير وبث الحياة، وتنشيط وتغذية الثقافة العربية بينابيع مختلفة، وتبيئة الآتي للوصول إلى مرحلة الابتكار والإبداع، من أجل الحفاظ على استقلالهم ومواقعهم التي تقع خارج السلطة المستبدة ليقوموا بدورهم التنويري التوعوي.

2- البعد الاقتصادي يعمل على غرس تنمية اقتصادية وطنية تلبي حاجة الجماهير الضرورية، ويساوقها تجديد على المستوى الاجتماعي والسياسي والثقافي، ينبثق من الداخل بحيث يبعث الحياة في المجتمع، وهذا يتطلب الانفتاح على مكتسبات الحضارة المعاصرة العلمية والإنسانية، وهي خطوة لا مناص منها، على أن تبني هذه التنمية على أساس توازن المصالح لا الاستسلام للتبعية في جميع مظاهرها.

3- البعد الثقافي، ويرمي إلى تشييد ثقافة عربية، تكون العلاقة بين أطرافها مبنية على الحوار والتواصل والجدل والحوار بين الماضي والحاضر وبين الأنا والآخر، وتستوعب الثقافة المحلية وثقافة الأقليات الأثنية، وهذا العمل يستدعي إعادة النظر في استراتيجية التعليم في البلدان العربية وبنيته وأهدافه ووسائله، التي تفرض ضرورة إبعاد الأيديولوجية عن عالم المعرفة، وإشاعة الروح النقدية التي تتحايل وتضيق بها الأيديولوجية. كما يدعو الجابري إلى ضرورة تقرير الوحدة الثقافية بين أقطار العالم العربي، التي تعمل على إعداد خطط إعلامية ذات أبعاد تنويرية علمية عقلانية نقدية واقعية، تشمل جميع وسائل الإعلام السمعية والبصرية وبرامج التثقيف والتسلية والترفيه، والتبادل الثقافي بتبني أهداف مشتركة للبحث العلمي، وتبادل الأساتذة والطلاب الجامعيين، وهذه الخطة يصعب تطبيقها على المستوى القطري في العالم العربي، فهي تتطلب قيام تكتل تاريخي لا يرتبط بالأيديولوجية، وإنما ينطلق من حاجات المجتمع التي يفرضها الانتماء إلى العصر ، وهذا التكتل التاريخي لا يدعو التيارات المختلفة للتخلي عن أيديولوجيتها وإنما يطلب منها تأجيلها، لأن الواقع يتطلب أن يخرج البديل من جوف الأمة ككل ولا تنفرد به فئة معينة، وعلى الكتلة التاريخية أن تبلور أيديولوجيتها، حتى تحصل على إجماع ثقافي يخدم المصالح الوطنية التي يلتزم بها الجميع، وهذه الكتلة التاريخية عندما تنجز مهمتها تفتح المجال أمام كتل تاريخية أخرى صاعدة وبذلك تتخلى كل كتلة عن شرنقتها لتتواصل وترتبط بالمجتمع ارتباطاً حياً فاعلاً وتساهم في حركة المجتمع المستمرة.

إن الاحتفاظ بهوية ثقافة عربية في العالم العربي مرتبط بمقدار التحديث، وتبني أسس الحداثة في تكوينها بحيث تكون مرنة ومنفتحة مع الاحتفاظ بخصوصيتها والدفاع عنها، لان القانون الذي يحكم العالم اليوم هو قانون المنافسة عن طريق تقوية الأنا، والتعامل مع الآخر بأساليب عصرية علمية عقلانية واقعية، عن طريق تقوية المؤسسات الاقتصادية، وتحديث المعاهد العلمية والثقافية بحيث نستطيع الدخول مع الآخر في حلبة المشاركة ثم المنافسة. هذه هي الوسيلة المجدية، لا العنف الكلامي والانغلاق على الذات ومحاولة إلقاء الآخر الحاضر في شتى مناحي حياتنا رغماً عنا، هذا بالإضافة إلى غرس الروح النقدية، والجرأة العلمية بين طلابنا، التي تجعلهم يتخلون عن الآراء المسبقة، والأحكام المبنية على الحماس والعاطفة، ونظرة التقديس للتراث العربي، والخوف من السلطة في الحاضر، بذلك نواجه أوهامنا الفكرية وعظمتنا الإنسانية غير الواقعية، ونؤمن بالنسبية في قيمنا وأحكامنا، ونعيد مراجعة أسس ثقافتنا التعليمية والتربوية المبنية على نظرة التسليم وتصحيح أدواتها ومناهجها المعتمدة على التلقي، والحفظ والتذكر التي رسخها (دانلوب)، وجذرها خبراء التعليم والتربية في بلادنا العربية، وما لم نع أبعاد هذه البنية التعليمية التي تنتج مثقفين عملهم المفضل التكرار والاجترار، ما لم نخلخل ثوابت هذه البنية وأهدافها الكامنة التي تناقض أهداف التعليم والتربية والثقافة الظاهرة، وذلك باستنبات آليات ترسخ روح التفكير والنقد والصراع الفكري بالحوار والجدل، ويصبح العقل أداة فاعلة منتجة للأفكار وناقدة لها على أسس منهجية علمية واقعية، بذلك يتكون فضاء ثقافي يحترم الرأي الآخر، ويخلق صراعاً فكرياً يؤدي إلى الإبداع والابتكار في شتى المجالات، في ساحة تتمتع بهامش كبير من حرية التعبير والاستقلال السياسي، الذي يعد شرطاً ضرورياً للإبداع والابتكار، فلا إبداع مع التسلط والعنف ومصادرة الآراء والقولبة داخل قوالب محددة تضعها السلطة السياسية.

وخلاصة القول إن الحرية السياسية والفكرية وبناء قاعدة اقتصادية، وغرس روح النقد والحوار والجدل واحترام الرأي المخالف والتوجه لدراسة الطبيعة، والاستفادة من إمكانات العصر الراهن العلمية والمنهجية وتبيئتها في العالم العربي، والانفتاح على الآخر والدخول في حوار مع الحضارات الأخرى، ومراجعة التراث العربي الإسلامي بمنهجية نقدية، ونقد ثقافة الآخر، جميع هذه العناصر ضرورية لبناء ثقافة عصرية وتكوين هوية ثقافة عربية قوية، تمتلك القدرة والآليات لمواجهة الهيمنة الثقافية، والانخراط في الحضارة المعاصرة وإثرائها وتصحيح بعض عناصرها بما يناسب خصوصيتنا العربية، وبذلك يتم إنتاج موضوع من أجل الذات العربية، وهو مشروع ثقافي يحافظ على الهوية الثقافية العربية تتميز بالمرونة قابلة للتطور ومواكبة مستجدات العصر دون أن تفقد ثوابتها، التي يحتاج بعضها إلى إعادة صياغة وتنشيط وفهم عن طريق التفسير والتأويل بما يلائم منجزات العصر في مجال العلوم التجريبية والإنسانية ويبث الحياة فيها.

كيف نكون ثقافة جديدة؟

تكوين الثقافة في أي مجتمع لابد أن ينطلق من معالجة مشاكل المجتمع، ولابد أن يشعر كل فرد فيه بأنها تخدم مصلحته ” لابد أن يشعر الفرد في المجتمع بأنه جزء من جهاز الهيمنة ” فعندما يشعر الفرد أنه يمثل لبنة مهمة وعضواً في المشروع السياسي والاقتصادي والاجتماعي داخل مجتمعه يصبح إنساناً فعالاً، لأن هدفه هو خدمة المواطن وتحقيق سعادته، وبذلك ينخرط كل فرد في المجتمع محاولاً تغيير الواقع، وقد يكون مرتبطاً في المرحلة الأولى بخطاب تقليدي ورثه دون نقد هذا الوضع يخلق نوعاً من القلق والصراع على المستوى الشخصي يعاني منه الفرد، ولا يخرج منه إلا بالانخراط الفعلي في صراع الهيمنات السياسية في مجتمعه ” إن وعي الإنسان بأنه عنصر من قوة معينة محددة (أي الوعي السياسي) يشكل المرحلة الأولى من أجل الوصول إلى الوعي بالذات التدريجي حيث تتحد في النهاية والممارسة ” (55) وعن طريق وعي الفرد بذاته، وأهداف مجتمعه، وممارسة نقد الذات والآخر، تتوحد الإرادات داخل المجتمع من أجل إيجاد رؤية مشتركة للعالم والإنسان، الذي يؤدي إلى ولادة ثقافة واحدة في مرحلة من مراحل نمو المجتمع حيث يتجذر الأساس الفكري، ويؤكد غرامشي على العلاقة المتينة بين التربية والهيمنة ” فكل علاقة هيمنة هي علاقة تربية بالضرورة” (56) وتأخذ تلك العلاقة في إحدى مراحل نمو المجتمع صورة معكوسة ، حيث يتحول التلميذ إلى أستاذ عن طريق النقد، ويجب أن تسود هذه العلاقة الجديدة بين جميع فئات المجتمع بين الحاكم والمحكومين، بين مختلف فئات المجتمع، وينتج عن ذلك بروز فئات جديدة تشكل هيمنة جديدة في فكرها وأخلاقها، ومن صراع هذه الفئات تتشكل (الكتلة التاريخية) التي يعرفها غرامشي بـ ” تكوين البنية الفوقية (كتلة تاريخية) أي أن المجتمع المركب المتناقض المتنافر للبنى الفوقية هذا انعكاس لمجموع العلاقات الاجتماعية” (57) ويلعب المثقف دوراً فعالاً في الصراع الثقافي الفكري وذلك بالكشف عن الثغرات في أفكار وأيديولوجيات الفئات أو الطبقات الأخرى في المجتمع، التي تتناقض مع الواقع، لأن تغيير موقع الهيمنة يفرض على المثقف معرفة أزمات الهيمنة في الواقع المتصارع، التي تنتج في أوساط الطبقة السائدة، أو في أوساط المعارضة، كما تحصل خلال الحروب، وفي حالة انتقال الجماهير الواسعة من السلبية السياسية إلى الفاعلية والتفاعل، وعادة ما تؤدي هذه الأزمات إلى نقد الثقافة المسيطرة والثقافة الجماهيرية، وطرح مبادرات جديدة بشروط جديدة تتطلب التجريب والفعل الحر الطليق بإمكانات وفعاليات جديدة، تعمل على خلخلة وهدم الثقافة المسيطرة، وإعادة بناء ثقافة جديدة تختلف عن سابقاتها شكلاً ومضموناً ” فالدعوة إلى ثقافة جديدة هي الدعوة إلى ممارسات ومبادرات تخلق إنساناً جديداً، فالبدء هو الإنسان لا الثقافة من حيث هي قراءة وكتابة ” (58) والثقافة الجديدة عند غرامشي لا تعني فقط ابتكاراً لا سابق له من قبل أفراد معينين، وإنما تشمل نشر حقائق سابقة ولكن بشكل نقدي، ومحاولة نشرها على المستوى الاجتماعي، أي تصبح جزءاً من وعي أفراد المجتمع لكي تصبح أساساً فعالاً لتفعيله، وعنصر تنسيق بينها، وربما تشكل نظاماً فكرياً وأخلاقياً متماسكاً موحداً يوجه أفراد المجتمع نحو التفكير في واقعهم المتحرك المتغير وبذلك يشارك الإنتاج الثقافي في خلق نموذج سياسي، يعيد صياغة العلاقات الاجتماعية داخل المجتمع ” دور الثقافة إذاً تحقيق الهيمنة أي المساهمة في فعل سياسي يعيد صياغة الثقافة في إعادة صياغة العلاقة الاجتماعية كلها ” (59) لأن الثقافة لا تعد دائماً مرآة تعكس صورة الشعب، بقدر ما تعبر عن ميزان القوى السياسية والصراع الدائر في محاولة مستمرة للهيمنة، وبناء على ذلك فإن أي محاولة للتغيير تتطلب تغيير العلاقات الاجتماعية ” إن العلاقات الاجتماعية الأساسية تتبدل بالضرورة حتى داخل الإطار السياسي الواحد، وتبرز في قوى جديدة فعلية، تنمو وتؤثر بشكل غير مباشر، عن طريق الضغط البطيء والمستمر دون تراجع، على القوى الرسمية التي تقوم بتعديلها، دون إدراك منها بذلك ” (59) يكاد يتفق جل الفلاسفة على أن التغيير داخل المجتمع لابد أن يتم بطريقة هادئة بطيئة هدفهم تنويري بالدرجة الأولى يرمون من ورائه إلى إحداث تغيير داخلي أي توعية أفراد المجتمع وإقناعهم إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم (60) هذه الآية القرآنية نرى أنها تتطابق مع قاعدة فكرية راسخة لدى أغلب الفلاسفة، وتلتقي مع أحد الثوابت في تفكيرهم، وهي رفضهم العنف بكل أشكاله المادية والمعنوية، لأنهم يطمحون إلى تغيير لا يفرض قسراً على المجتمع وإنما ينبع من قناعاتهم وحاجاتهم المادية والمعنوية.

وإذا كانت القرون الحديثة بنت النهضة الحضارية المعاصرة على قوتين أساسيتين: هما إرادة المعرفة وإرادة السيطرة، لأن الرغبة والتعمق في المعرفة يعد عاملاً مهماً في إحداث التغيير على جميع المستويات، ومحاولة السيطرة على فضاءات متعددة (61) ، وإذا كانت الحداثة في نظرة (هنري لو فيفر) لا تواصل مسيرتها بدون أزمات، لأن الأزمات عنصر مؤسس للحداثة، ومولد خصب للبحث والتجديد على جميع المستويات- باستثناء العالم العربي- وإذا كانت الحداثة، تعني التجاوز الدائم والمستمر للأفكار والنظريات العلمية والفكرية وتجديد مستمر لمنهاج البحث العلمي والفكري، فإن دخولنا لعصر الحداثة ومواجهة الهيمنة الثقافية تفرض علينا تبني قيم الحداثة، وأسسها وآلياتها عن طريق اختيار أهدافنا التي تحافظ على خصوصيتنا وهويتنا الثقافية، وإعداد أجيال عربية تتميز بالجرأة والقدرة على الحوار والنقد والإبداع الفكري والاكتشاف العلمي وتكوينها تكويناً علمياً عقلانياً واقعياً يؤمن بنسبية الأفكار والنظريات وتاريخيتها .

المصدر : صوت الامة العربية www.arab-nation.com


الهوامش

(1) عبد المنعم الحنفي، المعجم الشامل لمصطلحات الفلسفة، القاهرة، مكتبة مدبولي، (2000) ص 223 .
(2) نفس المرجع ، ص 225 .

(3) محمد عابد الجابري، المسألة الثقافية، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، (1994) ص 39 .

(4)مجموعة من المفكرين، تساؤلات الفكر المعاصر، ترجمة محمد سبيلا ( الرباط، دار الأمان) ص 91 .

(5)محمد عابد الجابري، المسألة الثقافية ، مرجع سابق ، ص 213 .

(6)فريري باولو، العمل الثقافي من أجل الحرية، ترجمة خليفة العزابي ( طرابلس، المركز العالمي لدراسات وأبحاث الكتاب الأخضر، د . ن) ص 53 .

(7) نفس المرجع السابق، ص 69 .

(8)المعرفة العلمية تتميز ” ذلك إن نقطة الانطلاق الحقيقية الوحيدة في المعرفة العلمية للواقع هي العلاقات الجدلية بين الأنا والألم، والفهم النقدي لكيفية نشوء وتطور هذه العلاقات وكيف تكيف هذه العلاقات بدورها إدراك الإنسان للواقع الملموس ” ، نفس المرجع السابق ، ص 92 .

(9) نفس المرجع السابق، ص 80 – 81 .

(10) نفس المرجع السابق، ص 7 .

(11) محمد عابد الجابري، المسألة الثقافية ، مرجع سابق ، ص 19 .

(12)من رواد هذا التيار : سيد قطب، حسن حنفي، محمد عمارة .

(13) من رواد هذا التيار، عبد الله العروي.

(14) يمثل هذا التيار: محمد عابد الجابري، والمدرسة العقلانية المغربية ومن روادها عبد السلام بن عبد العالي، وسالم يفوت، هشام جعي، محمد أركون …

(15) نفس المرجع السابق، ص 19 .
(16)
الصادق النيهوم، صوت الناس، محنة ثقافة مزورة ( لندن، مكتبة رياض الريس للكتب والنشر، 1987) ص 188 .

(17) نفس المرجع السابق، ص 189 .

(18) نفس المرجع السابق، ص 188 .

(19) نفس المرجع السابق، ص 188 .

(20) نفس المرجع السابق، ص 188 .

(21) المستوى الفلسفي يمكن أن نشير إلى إشكاليات الفلسفة الوجودية، والفلسفة الشخصانية، والفلسفة الوضعية المنطقية، والماركسية خاصة في جوانبها الأيديولوجية.

(22) نفس المرجع السابق، ص 189 .

(23)نفس المرجع السابق، ص 189 .

(24)نفس المرجع السابق، ص 189 .

(25)نفس المرجع السابق، ص 189 .

(26) نفس المرجع السابق، ص 198 .

(27)نفس المرجع السابق، ص 190 .

(28) نفس المرجع السابق، ص 190 .

(29) إن الديمقراطية تتطلب تعدد الأحزاب، ونظام تعدد الأحزاب لا يثمر دون رأس المال حتى يستطيع أن يحمي نفسه من العسكر والفقهاء وهذا الشرط لم يتوفر في البلدان العربية.

(30) نفس المرجع السابق، ص 192 .

(31) نفس المرجع السابق، ص 192 .

(32) نفس المرجع السابق، ص 193 .

(33) نفس المرجع السابق، ص 192 – 200.

(34) نفس المرجع السابق، ص 210 .

(35) نفس المرجع السابق، ص 211 – 212 .

(36) نفس المرجع السابق، ص 212 .

(37) دانلوب هو مستشار التربية في عهد الحاكم العسكري الإنجليزي كر ومر على مصر .
(38)
أنور عبد الملك، دراسات في الثقافة الوطنية، (بيروت، دار الطليعة، 1967) ، ص 38 .
(39)
نفس المرجع السابق، ص 219 – 220 .

(40) نذكر من هؤلاء المفكرين محمد عابد الجابري، هشام جعيط، وعلي حرب، ورجاء النقاش، ويمني العيد، محمد مفتاح.

(41)نفس المرجع السابق، ص 360 – 361 .

(42)محمد عابد الجابري، المسألة الثقافية، ص 45 – 46 .

(43)صادق جلال العظم، ذهنية التحريم، ( قبرص، مركز الأبحاث والدراسات الاشتراكية في العالم العربي، 1997)، ص 115 – 116 .

(44)أظهرت دراسة إحصائية بعض النسب التي تخص وسائل الاختراق في العالم العربي حيث ” تمثل الأفلام الأمريكية نسبة تزيد على 70% من الأفلام المعروضة في الأقطار العربية، أما برامج التسلية التلفزيونية فما يزيد على 5% منها أمريكية، وفي العالم أجمع عشر وكالات دولية للدعاية، وتسع منها أمريكية، وأربع وكالات عالمية للأخبار، اثنتان منها أمريكيتان … أما البث عبر الأقمار الصناعية، فالسبق والهيمنة للولايات المتحدة الأمريكية ” ، محمد عابد الجابري، المسألة الثقافية، ص 194 .

(45)نفس المرجع السابق، ص 194 .

(46)نفس المرجع السابق، ص 194 .

(47) صادق جلال العظم، ذهنية التحريم، ص 113 .

(48)نفس المرجع السابق، ص 133 .

(49) محمد عابد الجابري، المسألة الثقافية، مرجع سابق، ص 224 .
(50)
نفس المرجع السابق، ص 266 – 230 .

(51)نفس المرجع السابق، ص 231 .

(52)صادق جلال العظم، ذهنية التحريم، مرجع سابق، ص 115 – 116 .

(53)محمد عابد الجابري، المسألة الثقافية، مرجع سابق، ص 234 – 237 .

(54) أمينة راشد، غرامشي من الهيمنة إلى الهيمنة الأخرى، غرامشي وقضايا المجتمع، ندوة القاهرة ( القاهرة، مؤسسة عيبال للطباعة والنشر، 1991) ص 198 – 199 .

(55)نفس المرجع السابق، ص 200 .

(56)فيصل دراج، الثقافة الشعبية في سياسة غرامشي، قضايا المجتمع المدني، ندوة القاهرة، مرجع سابق، ص207.

(57) نفس المرجع السابق، ص 206 .

(58) نفس المرجع السابق، ص 216 – 217 .

(59) جوزيبي فاكا، تحليل الهيمنة، غرامشي وقضايا المجتمع المدني، ندوة القاهرة، مرجع سابق، ص 116

(60)سورة الرعد، آية رقم 11 .

(61) نور الدين أفاية، الحداثة والتواصل في الفلسفة النقدية المعاصرة نموذج هابر ماس، ( الدار البيضاء، أفريقيا الشرق، 1991) ، ص 108 .