بسم الله الرحمن الرحيم

كتبه مرسل الكسيبي

خاطبني اخوة كثيرون عبر الهاتف وكاتبني اخوة أعزاء عبر البريد الاليكتروني وكتب اخرون من بني وطننا على صفحات الواب معلقين وغامزين وغير جارحين على مانشرته من مقالات واراء تعلقت بما وصل اليه حال المنتظم السياسي التونسي ,وعاتب اخرون على الألفاظ دون الدخول عمقا في مناقشة الأفكار والطروحات باستثناءات قليلة صدرت عن أصدقائنا الأعزاء في المؤتمر من أجل الجمهورية أو بعض اخوة الأمس واليوم والغد في حركة النهضة …وقرأت كل النصوص اجمالا وأراد البعض أن يختزلها معركة كلامية بين الشيخ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة والد.محمد الهاشمي مدير فضائية المستقلة وشقيقتها الديمقراطية ,ولكنني كنت أرى في قرارة نفسي وبدون مجاملات عكس ذلك ,كنت أرى فيما حصل من سجالات تجنيحا حقيقيا عن أم المعارك التونسية ألا وهي معركة الحرية والاصلاح ,معركة لم تكن أبدا بين سلطة ومعارضة ولكنها كانت بين الخنادق الايديولوجية واليات العمل السياسي القديم واليات العمل السياسي المجدد.

علينا أن نعترف اليوم بأن مسؤولية المحنة السياسية وماانجر عنها من محن مست كل تداعيات حياتنا العامة والخاصة كانت نتيجة أسلوب عقيم في التفكير انبثقت عنه أساليب أعقم في الممارسة ,واليوم اليوم أقول ماعجزت عن قوله وسط دهاليز العمل الحزبي كما عبر عن ذلك صديقنا العزيز عبد الوهاب الهاني هذا الرجل الذي يزن ألفا من رجالات تونس ويعادل في جهده كثيرا من الكتل السياسية,اليوم اليوم أدركت أن محنة تونس ليست في سلطتها ولا معارضتها ولا حتى في نهضتها ولكن محنتنا ومحنة التونسيين وتونس تكمن في طريقة تفكير نخبتها …

اليوم اليوم وقد أدركت هذا المعنى سابقا ولكن بح صوتي داخل التنظيم وضاعت كلماتي بين مقررات وأجندة الخطط المرحلية ومشاريع أولويات ورقية ,اليوم أعلنها صراحة ان محنتنا في تونس نتحملها جميعا سلطة اشراف ومعارضة ,نتحملها جميعا لأننا أسسنا للمعادلة السياسية على فقه الصراع والخصومة بدل فقه التدافع والتعاون والوفاق ونسينا أننا أحببنا أم كرهنا دولة من دول العالم الثالث في حاجة ملحة الى كل الطاقات والأفكار والموارد من أجل البناء لا الهدم من أجل الوفاق لا الخصام من أجل المصالحة والاصلاح لا المبارزة والانتقام.

اليوم أهدي الى كل وطني غيور على بلدي تونس خلاصة أفكار ودروس استقيتها من مدرسة النهضة الوطنية عند مشروع تأسيسها وبعد مخاض عشته داخل جدرانها التنظيمية طيلة عشرين سنة ,أهديكم بني وطني خلاصة الامي داخل هذه الجامعة التربوية والمدرسة السياسية ,أهديكم أحلامي والامي وامالي ,أهديكم بعد تخرجي من هذه الجامعة وهذا المحضن الذي جمع بين الأكاديميين وأشاوس الطلاب والعمال والحالمين من براعم معاهدنا الثانوية ,أهديكم مولودا أبث بشراه الى كل التونسيين اسميه اليوم بالوفاق.

الوفاق بني وطني الوفاق الوفاق ولاأقول لكم قطعا الاتفاق …
لابد أن نشعر اليوم أن ماأصاب اخواننا وبني وطننا من بؤس وعذاب في سجونهم وقساوة ومرارة في منافيهم وتصحر للثقافة في بلدنا لم يكن أبدا مسؤولية سلطة الاشراف لوحدها وانما هو مسؤوليتنا جميعا, مسؤولية أولئك المفكرين الذين لم يفكروا واذا فكروا فانهم فكروا لغير بلدهم وبيئتهم يوم أن حلقوا بنا في فضاء قضايا الأمة متناسين أن ما أصابها من بأس كان نتيجة الصدئ والتاكل الذي أصاب حلقاتها ,يوم أن حلقوا بنا أيضا في عوالم الكينونة والصيرورة والابيستمولوجيا والانتروبولوجيا والفيلسوفوجيا وابتعدوا عن الحديث عما ينفع الناس …

اليوم اليوم أدرك أن محنتنا ليست محنة حاكمنا الذي أشبعناه سبابا وشتما وتجريحا وألقمناه حجرا وتخويفا وكان علينا أن ندرك أن المرض قد أصابنا جميعا حتى أصبح قادة أحزابنا يخافون من التداول أو حتى مجرد النقد وغدت ماكينة الحزب لديهم هي معيار الولاء للوطن أو ربما الدين وغدى قادة أحزابنا في مواقعهم المختلفة أنشوطة بيد رؤسائهم يحركونهم لسب ذاك أو التشهير باخر أو قطع الطريق على أي مسلك جديد.

اليوم أدركت أننا في تونس النخب مصابون بمرض الصدام والتامر والانتقام السياسي مصابون بمرض عمى الايديولوجيا الذي اذا أصاب المثقف فانه يقتل بموجبه ملكات الابداع عنده ويدمر دفاعات الاخرين وحصونهم الثقافية والعقدية.

اليوم أدرك جيدا أكثر من أي وقت مضى أن السياسي التقليدي و غير المجدد خطر علينا جميعا نحن معشر التونسيين وربما نحن معاشر العرب والمسلمين …اليوم أقطع الرأي بأن نخبتنا السياسية نخبة تحب وطنها في الأعماق ولكنها فشلت فشلا ذريعا في معالجة طبائع الاستبداد,اذ أن منطقها وأسلوبها وخطابها ومواقفها جعلت الناس ينفرون من الشأن العام.

ان ماأصاب ضمائرنا من تكلس وران كان سببا في طول محنة أولئك وراء القضبان وهؤلاء في منافيهم المشبقة بالنسيان.

فالعيب حينئذ ليس في حاكمنا فقط وانما في أولئك الذين أثاروا مخاوفه بكثرة الحديث عن قرطاج وأولئك الذين أفتوا بتجفيف الينابيع وسياسة الاستئصال والعيب أيضا في أصحاب الدكاكين المعارضة التي لازمت الفرجة وابتعدت عن الحراك وقبلت الرشوة في مقابل الصمت والعيب في مثقفينا يوم أن عزفوا عمدا عن الشأن العام ولم تحركهم الا قضايا فلسطين والعراق رغم ايماني العميق بقداسة هذه القضايا!

العيب في شبابنا الذي ركب البحار وعانق قوارب الموت ودفن بعضه في مقابر لامبدوزا وكان بامكانه أن يصر على حقه في الحياة والاصلاح والمصالحة والتغيير باتجاه واقع أفضل
العيب في أدمغتنا المهاجرة التي تمتعت بالمنح الحكومية التي أخذتها من عرق هذا الشعب ثم استطابت العيش في أوروبا وأمريكا لتطور هناك مراكز بحوثهم ودراساتهم وتخلفت لذلكم نظيرتها عندنا.

العيب في قياداتنا المهجرة التي نسيت جراحنا والمخاطر التي تتهدد أبناءنا وأسرنا في مهاجرها واخوان الأمس القريب في ديارهم الأصلية وصعدت نص الخطاب والحال أنه كان يسعنا ويسعها اللين والرفق بضحايا حقبة كاملة.

العيب في من بيده مقاليد الأمور واستمع الى المخوفين والمهولين من شأن الأخطار الوهمية والحال أنه كان يسعه ويسعنا أن يستمع الى المنصفين والمخلصين للأوطان في بعد تام عن المتاجرين بالأوهام والفوبيات والمخاوف والهواجس.

العيب فينا معشر الأقلام والكتاب أننا تأخرنا في اعلان الحقيقة شفافة على ملا من الناس أننا نعاني في تونس الحبيبة من مرض الاقصاء .

وبعدئذ وقد تحركت أصابعنا تشير الى أمراضنا وعيوبنا ان لنا أن نختم مشيرين الى أن العلاج يكمن في سياسة وفاق وطني شامل يجتمع عليها كل من يريد الاصلاح لواقعنا العام بعد توبة جماعية تصطحب معها الندم على مافات وتقطع مع علل الماضي بتناول الدواء الشافي ألا وهو سياسة الوفاق الوطني والاصلاح الشامل داخل الفضاء السياسي الثقافي والاجتماعي, و لابأس عندها من الابتداء بالفضاء السياسي لأنه المدخل الى كل اصلاح ,وأقترح في هذا الغرض جبهة وفاق وطني تجمع كل الاصلاحيين من كل التيارات السياسية حتى ولو كانوا من داخل السلطة من أجل النظر في عوائق الماضي ومعالجتها والقطيعة مع حقبة التسعينات والتأسيس لانطلاقة جديدة في فضاء تونس الرحب.

أخوكم مرسل الكسيبي

ألمانيا الاتحادية في 7 ربيع الثاني من سنة1426 ه
الموافق ل 16 ماي من سنة 2005

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته