بسم الله الرحمان الرحيم

بقلم:
الأستـــــاذ فتحـــــي نصــــري

الأستــــاذ نور الدين ختروشي

نـداء الــى مــن يهمـــــه الأمــــــر

أمام اتساع رقعة الحركة الاحتجاجية في تونس واتساع صداها بالخارج , وخطورة المنعرجات القادمة و أهمية الاستحقاقات المقبلة , وايمانا منا بأن المصلحة الوطنية تعلو فوق الحسابات الضيقة , وحرصا منا على نقاء ووضوح الخط السياسي لهذه الحركة لكونها ليست ” أصلا تجاريا ” , واحتراما منا لأخلاق المسؤولية التي سنسأل عنها أمام شعبنا وأمام الله عز وجل ارتأينا توجيه هذا النداء الى من يهمه الأمر ويعنيه الشأن التونسي ويحرص أن يكون التحول نحو ارساء دولة الحق والقانون تحولا سلميا يجنب البلاد مزيدا من المآسي.

ـ ندعو السلطة في تونس الى قراءة المرحلة قراءة جيدة وتغليب العقل والمصلحة الوطنية وفتح قنوات الحوار مع المعارضة الجادة بنية التفاعل الايجابي مع مطالبها المشروعة للخروج من حالة الاحتقان السياسي والتصحر الثقافي والجدب الاجتماعي والاقتصادي , ونذكرها بأن الوضع الداخلي بلغ درجة من الاحتقان لم يعد يسمح بسياسة التقطير ولا حتى الجرعات الخفيفة ’ وأن تكف عن الاستهزاء بالتحركات السلمية لأقطاب المعارضة وتخوينهم وتهديدهم , وأن تنظر الى جيرانها الذين فتحوا للحوار سبيلا , وأن تعلم أن أبناء تونس قادرون على صياغة مستقبل مشرق مهما كانت التضحيات.

ـ ندعو السلطة الى اطلاق مبادرة اصلاح سياسي تدرجي عبر سقف زمني معقول ومعلوم , وخطوات متفق عليها مع جميع الأطياف السياسية تشكل مبادرة اطلاق سراح المساجين السياسيين وسن عفو تشريعي عام أولى درجات سلم الاصلاح, تليها دعوة جميع مكونات المشهد السياسي والمجتمع المدني الى حوار وطني بناء , وافساح المجال أمام المعارضة الحقيقية للعمل العلني وفق القانون لتسهيل تجاوز عقلية احتكار السلطة عبر تعايش الحزب الحاكم مع أحزاب أخرى مما يؤدي الى تنمية ثقافة القبول بالآخر والمنافسة المشروعة وهذا يؤدي بالضرورة الى اعادة الهيبة للدستور واحترام القانون وارساء مبدأ التداول على السلطة عبر صناديق الاقتراع

ـ ندعو حركات المعارضة وأطياف المجتمع المدني الى تحمل المسؤولية كاملة في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ تونس السياسي عبر التأكيد على أن المصالحة الوطنية الحقة هي واجب وطني لا يمكن اسقاطها من كراس النضال الوطني , كما يجب أن لا يغيب عنها في سعيها نحو تخمير الأزمة أن المطلب الحقيقي المؤدي الى تحقيق الشعارات المرفوعة هو الدفع نحو الحوار باعتباره أرقى مراتب المدافعة السلمية , وهو الرهان الأصعب في ادارة الصراع.

ـ ندعو جميع مكونات المعارضة الى التخلي مرحليا عن الأجندات الحزبية , وانشاء تحالف مواقف عبر صياغة ميثاق جماعي يحدد الثوابت الوطنية , والتمترس خلف مطالب يلتقي حولها الجميع ضمن ما يصطلح عليه ب” الجيل الأول من الحقوق ” وهي الحقوق المدنية والسياسية , والابتعاد عــــــــن الشعارات صعبة التحقق حاليا كوحدة الصف لكونها ليست شرطا ضروريا لادارة الأزمة.

ـ ندعو القائمين على حركة 18 أكتوبر الى انضاج الفعل النضالي بدعمه بأشكال واقعية ممكنـــــــة وموازية لاضراب الجوع وعدم ارتهان حركة الاحتجاج باستمرار اضراب الجوع من عدمه لكون الاضراب لا يعدو أن يكون شكلا من ضمن أشكال عديدة لادارة الأزمة وفعل بشري محدود في الزمان والمكان وقدرة المنخرطين على الاستمرار فيه , فضلا عن ضرورة تسقيف المطالب المرفوعة تناسقا مع امكانيات رافعيها حتى يتسنى تقييم الاشواط والخطوات المقطوعة تفاديا لخيبة أمل قد تصيب الجماهير لا قدر الله.


ـ ندعو الأطراف التي تدبر يوميات المبادرة الى التحكم في مسارها وتوجيهها في الاتجاه الممكن والتصاعدي المثمر عبر امتلاك رؤية لما بعد قمة المعلومات وتتاليات ما بعد اضراب الجوع , ورصد تطورات الوضع بدقة من أجل التفاعل معه وفق أفق الحركة ما يتطلب تكتيكا واقعيا تراكميا في اطار وحدة الموقف ومرونة التنزيل ضمن موازين القوى القائمة , وتنويع الواجهات والوسائل حسب الظروف , واقتناص جميع الفرص المتاحة لتحقيق مكاسب ممكنة ضمن الشعارات المرفوعة.

ـ ندعو بعض قوى المعارضة المنخرطة في حركة 18 أكتوبر عبر المساندة الى الخروج من حالة التردد والانخراط الفعلي في حركة الاحتجاج عبر تفعيل مخزونها التاريخي وتمددها الأفقي تصليبا لحركة الاحتجاج , واستغلال تجربتها وقدرتها على تعبئة الجماهير وتوجيهها لنزع رداء النخبوية عن حركة الاحتجاج , وان كانت هذه القوى تتفادى المجازفة بالدخول في حركة لاتستشعر اتساع أفقها فالمسؤولية التاريخية وارثها المثقل بمئات المساجين وآلاف المنفيين تحتم عليها المساهمة الجادة بما يمكن ان يرشد حركة التغيير , فضلا عن ازالة بعض الترهلات عن جسدها.

ـ ندعو جميع التونسيين المتواجين بالخارج الى تفعيل دورهم المأمول والاستفادة من الأرصدة التي حققوها خلال سنوات المنفى الطويلة كل في مجال اختصاصه , وتكثيف الاتصال بالمنظمات الدولية غير الحكومية والهيئات الحقوقية التي لها تأثير على التقارير المرفوعة الى هيئة الأمم المتحدة, والانخراط الايجابي في لجان المساندة حتى يتناغم الخارج مع الداخل , فالمرحلة هامة والمنعرج السياسي خطير والفرصة مناسبة لطابور المستقيلين والمصابين بشلل حركي/ سياسي للعلاج وترويض الاقلام والالسنة المتخشبة.

ـ وأخيرا ندعو المنظمات والجمعيات والهيئات الحقوقية والاعلامية الدولية الى المساندة الايجابية لحركة 18 أكتوبر انتصارا للشعارات المرفوعة المعانقة لروح الاعلان العالمي لحقوق الانسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تنص على الحق في الحياة والحرية والأمن وعدم التعرض للتعذيب وحرية الرأي والتعبير والتفكير وحرية الاشتراك في الجمعيات وحرية التجمع والمشاركة السياسية.

كما ندعوها الى تفعيل شعار ” عالمية ” حقوق الانسان بما هي واحدة لجميع البشر ومتأصلة في كل فرد لا تشترى ولا تكتسب و لا تورث وهي ثابتة غير قابلة للتصرف وغير قابلة للتجزؤ , وهذه العالمية هي أساس ندائنا , لأن الحدود الوطنية لا تمثل عائقا أمام مساعدة الآخرين على التمتع بحقوقهم.

وفي الأخير نقترح أن يكون شعار المرحلة معا من أجل الوطـــــن