بقلم عبد الحفيظ خميري
حـتى لا نموت…
هناك مجموعة من الاحتمالات وراء ثبات النظام التونسي على صلابته و ثبوتيته وعدم تزحزحه قليلا من أجل توسيع الهامش العام للحريات حتى وإن تحدثت الصحافة عن تكليف الرئيس التونسي زين العابدين بن علي لزكريا بن مصطفى (رئيس الهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية) لكي يشرع بتقبل الاتصالات من الأحزاب السياسية، وبقية مكونات المجتمع المدني وغيرهم ممن يرغبوا في التواصل مع النظام، حتى يتباحث معهم في شأن ما يشغلهم وما يتطلعون إليه..
الاحتمال الأول: المعارضة التونسية في أغلبها منافقة وغير
مبدئية
إن النظام التونسي يعرف جيدا أن المعارضة التونسية معارضة براغماتية ونفعية وهشة ومنافقة وغير مبدئية وهي التي شجعته على التنكيل بالنهضة ووقفت بجانبه ليضع الإسلاميين في السجن ويضيق عليهم في السجن وخارج السجن في الوطن وخارج الوطن.. فكيف تأتي هذه المعارضة الصفراء اليوم لتدافع عن المساجين.. والنظام متيقن أن هذه المعارضة بعيدا عن بعض النخب النزيهة ليس لها مكان في قلوب التونسيين.. وبالتالي طالما أن الإسلاميين في السجون وفي المنافي فلا خوف بالنسبة للنظام من هذه الأحزاب الكرتونية..
الاحتمال الثاني: أغلبية اليسار هي القواعد الخلفية والأساسية للنظام التونسي
النظام يدرك أنه إذا كانت هناك ثلة من اليساريين والديمقراطيين في المعارضة فإن الأغلبية الساحقة من هؤلاء هم معه يشدون من أسره ويكفي أن نضرب مثلا بسمير العبيدي الذي كان ذات يوم الأمين العام للاتحاد العام لطلبة تونس.. أين هو اليوم إنه يمثل النظام رسميا في سويسرا.. وهؤلاء هم الذين يصوغون البرامج المدرسية وهؤلاء هم الذين يديرون دور الشباب ودور الثقافة بل وهؤلاء اليساريون هم من يتولى تعذيب الإسلاميين والتحقيق معم في السجون وخارج السجون فمنهم المخبر ومنهم مدير السجن ومنهم.. ومنهم.. ومنهم من لا عهد له ولا ميثاق..
الاحتمال الثالث: النهضة لم تتطور فكيف يتطور النظام
النظام يعرف أن الإسلاميين قد أكلتهم السجون ومن هم في المنافي من أكلتهم ظروف الحياة اليومية والبحث عن الرزق وفيهم من تحولوا إلى أصحاب رؤوس أموال وأصبح الوطن بالنسبة إليهم يمثل مساحة ضيقة في اهتماماتهم اليومية يتذكرونه في الصيف عندما يروا الناس يعودون إلى تونس.. كما يدرك النظام أنه من بقوا داخل النهضة في الخارج لم يتطوروا في رؤيتهم وطرحهم ولم ينقدوا تجاربهم ولم تتطور النهضة طيلة 15 سنة في قراءتها لواقع البلاد ولم تتجدد في قيادتها و لا في برامجها فكيف لهذا التنظيم وهو بنفس الرموز ونفس العقلية ونفس البرامج ونفس البنية جامد لا يتطور كيف يطلب من نظام حاكم أن يتغير ويتطور.. فالنظام وما فعله بهذا التنظيم يظل خائفا منه وحذرا ومتيقظا لكل شاردة و واردة تقع في البلاد فمن يضمن لهذا النظام ـ الغير ديموقراطي ـ أن هذا التنظيم لو أفرج عن قادته وعادوا من هم في الخارج إلى الوطن أن ينقضوا عليه وهو النظام المتخلل الواقف بقوة الحديد والنار والعصا.. يضاف إلى كل هذا هذه الألوف المؤلفة من قوات الأمن والمخبرين والبوب والجلادين والعملاء إذا أقفل ملف الإسلاميين فبماذا سيشتغلون..؟
الاحتمال الرابع: النظام التونسي بعوراته ولا الإسلاميين
يدرك النظام أنه هناك ثلة من الإسلاميين لا يزالون يتحركون ولكن ليس هناك من يسمعهم.. لا منظمات ولا جمعيات ولا الاتحاد الأوروبي ولا الحكومات الغربية لسبب واحد هو أن نظام بن علي أفضل بالنسبة للغرب من الإسلاميين الذين يمثلون البديل الوحيد والمعارضة الحقيقية والقوية ووحدهم من يهدد هذه الأنظمة الديكتاتورية فهم وحدهم من يمثل خيار الشعوب لو سمح لهم بالعمل العلني والقانوني وهذا ما كشفته انتخابات الجزائر سنة 1991.. وما أسفرت عليه انتخابات مصر الأخيرة وفوز الأخوان بكثير من المقاعد في البرلمان المصري رغم التزوير والبلطجة وترهيب الناخبين..
الاحتمال الخامس: النظام والدعم الإسرائيلي…
النظام التونسي تسنده إسرائيل وليذهب كل المحتجين إلى الهاوية.. فالمؤتمر العالمي للمعلومات قد زكاه الحضور الإسرائيلي بحضور وزير الخارجية سلفان شالوم مع أمه مريم و150 يمثلون الوفد الإسرائيلي وحطت طائرتهم على أرض الخضراء التي طهرها عقبة وحسان وطارق.. وهكذا فتحت كل أبواب التطبيع أرضا وجوا.. وليعامل الصحافيون معاملة سيئة وليضرب كريستوف لويتانسكي مبعوث جريدة “ليبيراسيون” حتى ولو كان فرنسيا.. فردة فعل السلطات الفرنسية كانت باردة لأن جاك شيراك ذات مرة حين زار تونس صرح بأن التونسيين بخير ويتمتعون بالديموقراطية فهم يأكلون ويشربون وهذا جيد.. كأن التونسيين دواب حسب فهم شيراك للديموقراطية.. هذا أولا.. وثانيا فمن يدير السياسة الفرنسية في إعلامها أليس هو اللوبي الإسرائيلي.. وماذا يفعل صوت روبار مينار وعدد قليل من النزهاء أمام الإعلام الرسمي واليمين الحاكم الذي يعتبر تونس ونظامها نموذجا ناجحا لا بد أن يقتدى به في العالم العربي..
إذن طالما هناك دعم إسرائيلي فلا يهم فالأمور بخير وليغض سادة العالم وساسته العين عن المظالم والمساجين وانتهاك الحرمات والأعراض فإسرائيل راضية ووزير خارجيتها راض وهو يزور موطن ولادته حيث تم ترميم بيته و لا عجب إذا تحول إلى معلم سياحي أو إلى معلم مقدس يقصد ويزار.. نظام تونس هو نظام يحترم صلة الرحم ويستضيف أبناء عمومتنا من أمثال شالوم وغيره.. و يا طائرة انزلي بسلام ففيك أبناء العم يعودون لتزداد المحبة بيننا ويزداد الود ودا والقرب قربا..فلا جفاء بعد اليوم وقد بان المكشوف..
الاحتمال السادس: النظام التونسي يرى نفسه قويا و ديموقراطيا..
لا يهم أن تكمم الأفواه فهذه صحافة تصادر ومواقع انترنت تغلق وسجون تفتح وتتوسع.. و تعداد شرطة يفوق جيشنا الوطني.. آلاف من الشرطة كأنها الجراد انتشرت لتحصي على الإسلاميين تحركاتهم في زمن زادت فيه الجريمة وعم فيه الفساد.. يضاف إلى الشرطة آلاف أخرى من المتزحلقين والمتزلفين والسماسرة والمتملقين والانتهازيين والنماقين والأفاقين.. إن عدد الشرطة يزداد كل سنة فتونس أصبحت رومانيا جديدة: مخبرون.. ومخبرون على المخبرين.. ومخبرون على المخبرين على المخبرين.. وكل هؤلاء سيف مسلط على كل رجل حر في تونس مازال فيه رمق من رجولة و نضال وعرق نابض و كرامة وشوق للحرية.. هذه هي الديموقراطية في نظر النظام التونسي ونخبته الضالة..
تونس لا تحتاج اليوم إلى حرية وديمقراطية حسب فلسفة التغيير.. بل تحتاج إلى شرطة و” بوليس وبوبا و خلائق وابواندية ” ليخيفوا الناس حتى يظل التونسي يخاف من خياله، ويمشي جنب الحيط و” لا تدخل يديك مغاغر، ولا تلسعك أحناش ” كما يقول المثل التونسي..
و طالما هناك دعم إسرائيلي، فليثر كل العالم ضد النظام التونسي التحرري الديموقراطي في نظر بني العمةمة، وليتكلم الرئيس السويسري عن الحرية وحقوق الإنسان، و لتتكلم شيرين عبادي عن الحرية، و ليضرب الصحافي الفرنسي.. فكل هؤلاء لم يفقهوا معنى الحرية التي يرفل فيها التونسيون، المشكلة ليست في النظام بل في الذين لم يفهموا فلسفة النظام، فتونس بخير رغم كيد الكائدين ورغم شوشرة غير الوطنيين.. ونظامها يقظ منتبه وقبضته قوية وحديدية..
كرامة تهتك.. معارضة تقصى.. تهميش لرجال الثقافة والمحامين، والصحافيين، وأساتذة الجامعات.. والنقابيين والمهندسين.. أدباء و شعراء يهانون.. و ترتفع السياط والعصي، في وجه كل من تحدثه نفسه بالتغيير، أو فضح ما يجري في تونس.. لا يهم أن يتألم التونسيون من انسداد في الأفق.. وهؤلاء جيرانهم ينعمون بأقساط، لا بأس بها من الحرية، في المغرب والجزائر وموريتانيا.. حتى ليبيا تغيرت..
الخلاصة: النظام وأطراف كثيرة من المعارضة شركاء في الجريمة…
إن النظام غير مكترث بمن يجوعون ويضربون ويموتون.. غير مكترث بالسجون الملأى، غير مكترث بالأطفال اليتم، والنساء الرمل.. غير مكترث بأحلام تموت وعمر يفوت.. مات الكثير من خيرة أبناء تونس، ولم يتكلم العالم، ولم تتكلم الصحافة، ولم تتكلم المعارضة الصفراء.. فالميتون إسلاميون لا ضير.. خمس عشرة سنة، والإسلاميون بين سجن ونفي وجوع وخوف، وموت يمضي في بطء رهيب.. لم يتكلم العالم، والمأساة في صمت مطبق تعظم وتتفاقم.. مات أبر أبناء تونس بها، ولم يتكلم العالم بكل حساسياته، وألوانه ومنظماته الحقوقية، إلا القلة القليلة منها، والتي لا يتجاوز تأثير صوتها جدران مكاتبها.. وكانت المعارضة حليفة النظام، في قطع أوصال الثور الأبيض، وتفكيك بنية الحركة الإسلامية.. وكانت المعارضة التونسية تبارك كل خطوة، يخطوها النظام في إقصاء النهضة، وتصفيتها والتنكيل بها وبمناظليها طيلة عشرية كاملة.. بل لقد كانت عصا المعرضة أشد فتكا من سيف النظام، فهي التي تجاوزت الهجوم على النهضة لكي تجفف منابع التدين في تونس .. فقد تولى محمد الشرفي وزارة التعليم العالي لسنوات، وكانت خطته في ذلك إفراغ البرامج الدراسية من كل ما يمت إلى الدين بصلة..
وظل لسان النظام يتبجح بدولة القانون والمؤسسات.. دولة القانون والمجتمع المدني.. ونظام 7 نوفمبر يبقى في كل ذلك “علم على رأسه نار” في مقاومة الإرهاب.. ظل يقول: قولوا: ما تريدون فسندنا قوي، ونظام تونس ليس العراق حتى يدخله الأمريكان، وليس فلسطين حتى يستبيحها الصهائنة، وليست أفغانستان، وليست سوريا حتى يتهددها بوش وغيره..
نحن نظام مسنود مدعوم.. ونخبة تونس تحول الباطل حقا والحق باطلا، فهذا برهان بسيس، وهذا أبو بكر الصغير، وهذا الحبيب عاشور “اسم على غير مسمى”، وهذا المازري حداد وهذا وهذا.. كلهم يدافعون ويكتبون، ويصولون مثلما تصول الثعالب، دفاعا عن النظام وعن إنجازات النظام..
إن سحرة فرعون لما رأوا الحق آمنوا به، وهؤلاء المتمعشون لا يزالون ينفخون في الطبل.. فينتفخ ويزداد قرعه أكثر فأكثر، وهو أجوف ينفخون فيه، ويزكونه في كل مناسبة إعلامية، متبجحين بإنجازاته وخدماته..
نظام أكرمته الأيام بنعم عدة: نعمة القربى من أبناء العمومة، ونعمة الاعتراف والوفاء من قبل شرذمة من المثقفين، ينامون ويصحون على المغالطة و” الماكياج “، ونعمة الاعتراف الغربي بأن تونس بلد لائكي، حيث حرية المرأة، وحيث الانفتاح، وحيث هناك ثورة عمرانية، وهناك بلد نظيف وجميل وساحر، يقصده آلاف السُياح الغربيون كل صيف، وقبل الصيف وبعد الصيف..
الحقيقة المؤلمة المبكية..
إن الكريم يبقى كريما مهما تكالبت عليه المحن، و إن الأبيض يبقى أبيض مهما سودوه، والأسود يبقى أسود مهما زينوه.. و العورة عورة مهما تطورت لوازم الماكياج و ومعدات التجميل.. وشتان بين المتنبي وكافور، وشتان بين من يكون وفاؤه للوطن، ومن يكون وفاؤه لحفنة من الدراهم..
يخيل للنظام أن سنده قوي والقمة نجحت بالنسبة إليه، وبالنسبة للعالم.. والقافلة تسير.. هكذا صرح ساسة تونس وتكلم إعلامها.. وكيف لا تنجح القمة، وريح أبناء العمومة تخفق في أروقة مبنى القمة.. ولكن الحقيقة المبكية أن تونس تم اغتصابها ممن يده ملوثة بدم إخواننا في فلسطين.. تونس قدّمها نظام لا يعرف نخوة المعتصم، لتضاجع تربتها أقدام قذرة ونجسة، مهد لها نظام 7 نوفمبر البساط، لتدنس طهارة التربة التي طالما قبّـلها رجال، ذادوا عليها بالنفس والنفيس.. وتم تكسير كل الحواجز، وسيضاف إلى رصيد نظام 7 نوفمبر، أنه فتح أبواب تونس على مصراعيها للإسرائيليين الذين يقتلون الفلسطينيين ويدمرون المنازل ويقطعون الزيتون..
استضاف النظام رئيس الوزراء شارون، واعتذر هذا ليرسل وزير خارجيته.. والنظام بذلك يسعى لستر العورات التي عليها الواقع السياسي في البلاد، من إقصاء للمعرضة، وتكميم للصحافة، وانسداد في الأفق السياسي، ومن جوع وإضرابات.. كل هذه العورات والفجوات والقبح، جمّـله حضور ابن عمنا وزينه وبيضه وعطره.. ولن تكون القمة كما أراد لها المغرضون من أعداء النظام التونسي… بل ستكون كما أرادها النظام وأبناء عم النظام، وستتواصل تونس تنظر بعين واحدة.. تبكي في الليل الطويل عقوق أبنائها، ممن حرموها من الحرية والعدالة والحب، وهي أحق من كل البلدان بذلك.. عين رمداء، أراد النظام المزكى من بني عمومتنا ومن الأمريكان ومن الفرنسيين، ومن كل من يعترف بالكيان الصهيوني بأن تكون عينا حوراء.. و من سويسرا جنة الحرية إلى تونس جنة الديمقراطية وسويسرا العرب ـ على حد تعبير أخينا الدكتور الهاشمي حامدي، المستغرق بتنقية المستنقع العراقي من أوحاله وحل مشاكل السنة والشيعة ـ تتحقق نبوءة الهاشمي بأن تونس هي سويسرا العرب، وهذا ما وقع فعلا.. فلم تكن إلا تونس من بين كل الدول العربية، من اختارتها الأمم المتحدة لتحتضن قمة المعلوماتية..!
ليس المغرب وما تم فيه من خطوات في حقوق الإنسان، وليست الجزائر وما تمت فيها من مصالحة، وليست مصر وما شهدته من تقدم في الانتخابات التشريعية الأخيرة، وليست قطر وما تتمتع به من حرية، وليست الإمارات وما تتمتع به من عمران ورفاهية وليس و ليس.. وليس.. وليس..
تونس فقط من تم اختيارها، ولنا شرف نحن التونسيون في ذلك، أن تكون تونسنا الحبيبة حاضنة لهذه القمة، وما فيها من إيجابيات.. تونسنا حبيبتنا بشرى لك بهذا الحدث العالمي.. ولكن يظل فاقد الشيء لا يعطيه، ومهما غلف النظام وجهه بالمساحيق، يبقى نظاما استبداديا يعيش في كهوف المغالطات، وشعاب المزايدات التي يروجها برهان بسيس وغيره.. وستجري على هذا النظام سنن التاريخ، هذا إن لم يتدارك نفسه، ويمهد الأجواء للمصالحة الوطنية، حيث تستعيد تونس بسمتها العذبة المشرقة، والتي غيبها الاستبداد لسنين طويلة..
ويبقى السؤال الذي يؤرقني، لماذا تغير جيراننا ولم يتغير نظامنا.. ربما تكون المفاجأة بعد هذه القمة… وتكون المصالحة..
يبدو ان الموت لا مفر منه في ظل هذه الايام التي نعيشها…وان كان هذا المقال من عدة سنوات فما زال الوضع على ما نحن عليه ..
ارجو ان يكون الفرج عن قريب..
نشكركم على حبكم لاوطانكم ايها الشرفاء.