علاقة هذه معه خاصة جدا. السلطة لا تعرف من الأساليب للتعامل سوى الإرهاب و القمع، سوى الإخضاع دون حدود أو هي تنحو منحى التضليل… ليس هناك علاقة تكافئ أو حوار بين السلطة و الجماهير في المجتمع المتخلف. ليس هناك اعتراف متبادل و سير متبادل للالتقاء عند نقطة تحفظ توازن العلاقة في مناخ مرن و متكيف. السلطة لا تريد مواطنين بل أتباعا، إنها تخشى المواطنة التي تعبر عن ذاتها، تخشى المواطنة التي تنزلها من مكانتها الجبروتية إلى مستوى اللقاء الإنساني. فالسلطة قطعية تصاب بالذعر من اللقاء الإنساني مع المواطن، ذلك اللقاء الذي يتضمن اعترافا متبادلا و تسائلا متبادلا في الوقت نفسه. إذ أن السلطة في المجتمع المتخلف تخشى وضعها موضع التساؤل و هو شرط الاعتراف بشرعيتها.
د. مصطفى حجازي : التخلف الاجتماعي – صفحة 195
هذه قصة أخرى من حكايات الجلاد في هذه البلاد
المصدر منظمة حقوقية وطنية قانونية و معترف بها لمن لا يفهمون القانونية إلا في ما يعترف به السلطان للرعية. خلاصتها ” أن السجين أيمن بن بلقاسم الدريدي المحال بمقتضى قانون مكافحة الإرهاب في القضية التحقيقية عدد 1/1110، تعرض لتعذيب فضيع بالضرب بالفلقة والدهس بالأرجل والضرب على كامل أنحاء الجسم، يوم الخميس 04 ماي 2006، وذلك من طرف مجموعة من الأعوان بإذن من مدير السجن المدعو عماد العجمي لأنه اشتكى لعائلته من حبسه في عزلة في زنزانة انفرادية منذ نقلته من السجن المدني بتونس في خلاف تام لقانون السجون.
وإثر ذلك تقدم محاميه بشكاية في حقه من أجل التعذيب وغيرها من الجرائم المصاحبة مطالبا بفتح تحقيق عاجل وعرضه على الفحص الطبي بصفة عاجلة لمعاينة الأضرار الحاصلة له وحتى لا تندثر آثارها بمرور الوقت. فسجلت الشكاية بالمحكمة الابتدائية ببنزرت بتاريخ 17 ماي 2006 تحت عدد 2006/11018 وأذنت النيابة بجلب الشاكي من السجن لسماعه وحرر عليه يوم 20 ماي 2006 من طرف السيد مساعد وكيل الجمهورية.
وبلغ لعلم الرابطة أنه كان من نتيجة ذلك تعرض السجين أيمن الدريدي لاعتداء جديد من طرف نفس المدير وأعوانه الذي زيادة على الاعتداء الجسدي قام بضربه بمصحف ثم ركل المصحف عند سقوطه أرضا. وأمام احتجاج السجين أيمن الدريدي على هذا الاعتداء الشنيع عاقبه مدير السجن بوضعة في السيلون ومنع عائلته من زيارته. وقد أعلمتنا والدته أنها تحولت إلى السجن يوم 25 ماي 2006 ويوم 01 جوان 2006 وفي كل مرة يطردها الأعوان بدعوى أن ابنها معاقب وممنوع من الزيارة. وبلغ لعلم الرابطة أن هذا السجين دخل في إضراب عن الطعام احتجاجي وهو لا يزال يواصله وقد أصبحت حالته الصحية متدهورة جدا.”
انتشار هذا الخبر عقبه صدر توضيح رسمي ورد فيه “نفت وزارة العدل التونسية حدوث أي تدنيس للقرآن الكريم في سجن برج الرومي بمدينة بنزرت أو في غيره. وقالت الوزارة في توضيح بعثت به للجزيرة إن مصالح السجون التونسية تحرص على إتاحة الفرصة لجميع السجناء للقيام بواجباتهم الدينية, واستدركت أن البحث جار للوقوف على ملابسات ما وصفتها بادعاءات…” و في اليوم الموالي 4 جوان 2006 ورد خبر مقتضب في مختلف الصحف مضمونه ” أعلن مصدر رسمي أنه تبعا للبيان الصادر بإمضاء السيد على بن سالم و لما تضمنه هذا البيان من مزاعم بسوء معاملة مساجين و مس بحرمة المصحف الشريف أذنت النيابة العمومية بفتح تحقيق قضائي حول الملابسات المتعلقة بهذه المزاعم و تحديد المسئوليات. و تبين من البحث المجرى في الغرض مع مختلف الأطراف المعنية أن هذه المزاعم مختلقة و لا أساس لها من الصحة وتم تبعا لذلك و طبق ما يقتضيه القانون الاحتفاظ بالسيد على بن سالم و تقديمه لقاضي التحقيق لدى المحكمة الابتدائية ببنزرت الذي أذن بالإبقاء عليه بحالة سراح اعتبارا لتقدم سنه و لحالته الصحية و بمواصلة الأبحاث في الموضوع…”
قد يبدو المهم في هذه القضية التنازع حول الجلاد و الضحية و لكن البيانات الرسمية لم تنظر للموضوع من هذه الخلفية. بل أنها حددت مهمة البحث في الوقوف على ملابسات هذه الادعاءات التي تبين لها أنها مختلقة ولا أساس لها من الصحة لتتحول التهمة من الجلاد إلى من تجرأ على طلب الإستنجاد.
الثابت الوحيد الذي يمكن تحصيله من هذه الواقعة يقع في الحقيقة خارج إطار أحداثها ليذكرنا بأن القاضي و الجلاد كائنان لا يلتقيان بمعنى أن وجود أحدهما ينفي وجود الآخر من أساسه لأنهما نقيضان لا يمكن أن يجتمعا في نفس القضية و لا حتى في نفس البيئة الاجتماعية فوجود الجلاد ينفي وجود القاضي من أساسه كما أن و جود القاضي لا يبقي مجالا لظهور الجلاد.
البيانات الرسمية جاءت منطقية من حيث المنهجية إذ تجاوزت مسبقا مجرد فرضية وجود الجلاد و لم يبقى لنا سوى البحث في فرضية و جود القاضي في هذه البلاد. و لكن لماذا هذا العناء و القضية قد حسمت بصفة رسمية بإيقاف المتهمين حيث “تم صباح اليوم السبت 03 جوان 2006 إيقاف السيد علي بن سالم رئيس فرع بنزرت للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان من طرف الشرطة، و تم إقتياده إلى مقر فرقة الأبحاث العدلية ببنزرت، كما تم بعد ذلك إيقاف السيد حمدة مزغيش عضو هيئة فرع بنزرت من المدرسة التي يشتغل فيها معلما بجرزونة، فيما أوقف السيد لطفي الحجي عضو هيئة الفرع و رئيس نقابة الصحفيين التونسيين أمام مقر الفرع التونسي لمنظمة العفو الدولية بالعاصمة بعد خروجه من ندوة صحفية كانت تعقدها الهيئة المديرة الجديدة للفرع. كما تم إحتجاز السيد محمد بن سعيد الناشط الحقوقي المعروف في بنزرت بعد أن دخل إلى مركز الفرقة للسؤال عن السيد علي بن سالم.” هكذا انتهى التحقيق إلى أن كل القضية تتلخص في هضم جانب جلاد و كشف عدالة زائفة على رءوس الأشهاد بعد أن أصبحنا في هذه البلاد بحاجة لتبرير عدم اعتقالنا ووضعنا مع المساجين بعد أن شفع للسيد على بن سالم كبر سنه (75 سنة) و حالته الصحية ( عملية لتسريح شرايين القلب منذ أسبوعين) من أن يقع في قبضة الجلاد عماد.
الحوار الخفي الذي يخفيه هذا الفصل الجديد من قصة الجلاد يلخصه الموقف الرسمي للرابطة التونسية لحقوق الإنسان في هذه الكلمات: ” و تذكر الهيئة المديرة بكل قوة بأن من دور الرابطة قيادة مركزية و فروعا التنبيه إلى الخروقات التي يحصل لها العلم بها، وهو ما قام به فرع بنزرت الذي تحرّى من موضوع بيانه و نسب الأخبار المضمنة به إلى مصادرها و هي “عائلات المساجين”.و كان أحرى بالسلط المعنية فتح تحقيق جدي في موضوع ذلك البيان”وفي هذا الحوار الذي تحاول فيه الرايطة التوجه للسلط المعنية يرفض الناطق الرسمي باسم السلطة الخفية إكساء أي صفة مؤسساتية على مصدر القضية و يشخصه في فرد خارج عن القانون أدين قبل الحكم في القضية.
عندما نتأمل مليا المشهد و نتجرد تماما من كل الاعتبارات تقابلنا صورة المصدر الرسمي و لا نسمع غير صوت الجلاد، تقابلنا صورة الوزير و لا يصلنا غير صدى صوت الجلاد، تقابلنا صورة القاضي و لكننا لا نسمع منه سوى صوت الجلاد. و بقدر ما تنمحي تفاصيل معالم صور الناطق الرسمي و الوزير و القاضي و تتحد صورتهم تنجلي صورة الجلاد ليتحد الخطاب مع الصورة في هذه السلطة الغبية بما يحكمها من عنجهية موغلة في التخلف و الشراسة البدائية حتى لا نحتاج إلى أدلة إثبات بأنها تدوس كل المقدسات و تنتهك كل الحرمات لأنها كما أثبتته بطريقة تعاملها مع هذه الواقعة صارت بحالة انفلات و كل ما عداها مجرد بيادق ترتعد في يدها و تتحرك بمشيئتها و تنطق بإرادتها. فما جدوى كل هذا الرياء و الصورة واضحة بكل صفاء على نحو قال شاعرنا الكبير:
فافعــل مشـيـئتـك التي قد شئتـها *****و ارحم جلالك من سماع خطابي
المختار اليحياوي
– تونس في 04 – 06 – 2006
أنظر مدونة القاضي المختار اليحياوي
iThere are no comments
Add yours