بقلم مهدي

لا تزال تداعيات البيان الذي أصدره فرع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ببنزرت بخصوص إنتهاكات حقوقية مست من كرامة الإنسان وقداسة المصحف الشريف تسيل حبراً لم ينضب بمقدار ما تثير جدلاً لم يرشح عنه إلى الآن غير البيانات الرسمية والمقالات التحليلية والعرائض المستنكرة التي، على أهميتها، غيّبت محنة أيمن الدريدي، فمن هو هذا السجين؟ .

هو أيمن بن بلقاسم بن عمار الدريدي [1] مولود في 11أفريل1985في قرية بركان بمنطقة جومة التابعة لمعتمدية أم هاني بمدينة منزل بورقيبة بولاية بنزرت. توقف عن متابعة دراسته عند السنة الخامسة ثانوي ليبحث عن شغل يساعد بمداخيله والده ذي الدخل المتواضع. تم إيقاف أخاه عبد القادر أولاً، الذي أشبعه البوليس السياسي بمركز بوقطفة ببنزرت ضرباً قبل أن يخلّوا سبيله، ثم انصرفوا في طلب أيمن واعتقاله من محل عمله الجديد برأس الجبل.وقد تم اعتقاله في 8 جوان 2005في نطاق الحملة التي شنتها ولاتزال تشنها السلطة التونسية على الشباب من رواد المساجد، تحت ذريعة مكافحة الإرهاب.وظل أفراد عائلته، بعد ذلك يبحثون عنه بين مراكز الحرس ومخافر الشرطة والسجون دون أن يدلهم عنه أحد. إلى أن أشار عليهم أحد المحامين ليسألوا عنه في سجن 9 أفريل بتونس، وفعلاً إلتقت به العائلة هناك بعد شهرين من البحث .لكن لم يطل بأيمن المقام ، إذ لم تلبث إدارة السجن أن منعت عنه الزيارة ورُحّل بعدها إلى سجن الرومي ببنزرت، حيث ستبدأ محنته الحقيقية.

لم يكن يعني أيمن أن يحتفل ببلوغه سن العشرين في شهر أفريل المنصرم وهو في العزلة ،معاقب لمدة 20 يوماً، ويتسلى جلادوه: مدير السجن عماد العجمي [2] وملازمين هما خالد وعبد الرزاق، بتقيد يديه في غرفة على مقربة من إدارة سجن برج الرومي ثم ليتناوب المدير وأعوانه عليه ضرباً و ركلاً تماماً كما ركل المصحف الشريف وضرب به. وبعد أن هب له فرع بنزرت للرابطة التونسية لحقوق الإنسان وأصدر بيانه في الواقعة. قامت السلطة برموز الدعاية فيها مكذبة ونهضت مؤسساتها الملحقة، متهمة رئيس فرع الرابطة ببنزرت بالترويج لأخبار زائفة. وبدلا من أن ترفع السلطة الحرج عن نفسها وتحيل على التحقيق الجلاد الذي حدثت الواقعة تحت سقف قلعته البائسة. راحت السلطة تستعين بشهود زورها والأفاقين من رجالها ومعاونيها، تكذّب وتخوّن وتستنجد بأعداد المساجد التي لم تبنيها غير سواعد أهل الخير من المتطوعين وتنسب نفسها إلى جامع الزيتونة المعمور الذي عطلت وظائفه.. وتذكّر بهويتها الإسلامية التي لم يعد أحد في الداخل أو في الخارج يجهل الحرب التي يشنها ولايزال، نظام السابع من نوفمبر ضد تلك الهوية. لكنها قبل ذلك جاءت إلى شيخ الرابطيين علي بن سالم الذي لم تُمْسَـك عليه زلة واحدة منذ ربع قرن من تأسيس فرع بنزرت لرابطة حقوق الإنسان،ولا زَلتْ بياناته فيما تحرته من وقائع، فحوّلت التهمة من الجلاد عماد العجمي إلى الشيخ الذي يعلم الجميع مصداقيته و سلامة ذمته، ولكن بين هذا وذاك أخفت السلطة الضحية /الشاهد وتركته بين أيدي جلاديه يُكرهونه على تغيير أقواله.

وما يجب التنبيه إليه هو أن أيمن الدريدي حين عُـرض على مساعد وكيل الجمهورية بتاريخ 20 ماي تحدث إليه بما تعرض له من تعذيب و ماشاهده من استهانة للمصحف و لإنتهاك حرمته الشريفة، غير أن مساعد وكيل الجمهورية طالبه بالحجة والدليل على ما يدّعي ضد مدير السجن وحين قال له أيمن يشهد ربي على ما أقول ، أجابه مساعد وكيل الجمهورية :إذن، خلي ربي يَحزْ عليك ….
لذلك فإن شهود الزور لن يسمحوا للحقيقة أن تخرج .وهم الذين يعرفونها كما يعرفون أبناءهم

أما عماد العجمي مدير سجن برج الرومي الذي احتمى بحلف الشر وإستقوى بحملة التكذيب التي نهضت بها السلطات التونسية ليستفرد وأعوانه بأيمن الدريدي في غرفة معزولة يضربه بالكرافاج وبالفلقة ثم يخرجه إلى ملعب السجن يعرّضه أمام الشمس في كل يوم من أيام الحر،مهدداً إياه أن يجعل منه فار حبس( ..هكذا) إن لم يغيير أقواله المتعلقة بالتعذيب وإنتهاك حرمة المصحف. وقد اُنذرأيمن من قبل مدير السجن إن هو لم يوقّع على وثائق لايعلم فحواها بالقول. سأطلق عليك الرصاص إن لزم الأمر.

فئتان قامتا للقضية ينصرونها: فئة أولى استنكرت الإستهانة بالمصحف الشريف والإعتداء على حرمته، وتنادى الناس إلى لجنة دولية ، وهم في ذلك محقون، فوجه من وجوه القضية الإعتداء على حرمة المصحف وفئة ثانية استنكرت خطف الرابطيين والإعتداء عليهم وإتهامهم بالتكذيب ودفعوا بالبيانات لمساندة النشطاء وشجب الإعتداء على السجناء وهم أيضاً محقون لامحالة فبعض أطراف القضية رابطيون مستهدفون أخرجوا الواقعة من الظل الرطب إلى حرارة الأضواء.

لكن في كل ذلك ضاعت حلقة أساسية نسيها المتابعون [3] وهي أنه رغم ما عُرف من إنتهاك متكرر للمصحف والمقدسات في السنين السابقة في السجون التونسية فإن أيمن الدريدي وحده من بين السجناء السياسيين من تجشم عناء إبلاغ الخارج بما يجري في الداخل من إنتهاك لحرمة المقدس وهو وحده اللآن لإصراره على عدم تغيير أقواله يتحمل التعذيب والتهديد بالقتل.وهو الأولى بأن يسنده الرجال الآن ،فقد نصر المصحف وهو ممسك على الجمر و لايزال متمسك بكلمة حق عند سلطان جائر، يصر على عدم التراجع عن شهادته إلتزاماً بالحق و إنصافاً لشيخ الرابطيين الذي نصره.

والآن لايزال أيمن الدريدي في المصحة بسجن برج الرومي في عزلة عن السجناء لا يتحدث إلي أحد ولا يتحدث إليه أحد ،تحت رقابة الإدارة وضغوطاتها وتهديداتها وربما إغراءاتها أيضاً إلى أن يغير أقواله،فهو في قضية الحال حجة لعلي بن سالم تقويه وتحصن سُمعة الرابطة التي تُستهدف الآن فروعها بعد أن استهدفت هيئتها المديرة، وهوأيضاً حجة على عماد العجمي الذي شهدت قائمة العار بسوابقه ..وهو في المحصلة شاهد ومشهود على عداء نظام متوحش للمقدسات جاء به السابع من نوفمبر ذات سنة لعنة على التونسيين.

فإن أرادت الطغمة الحاكمة وأزلامها تصفية أيمن الدريدي كما هدد عماد العجمي، فلن تضيع شهادته،إذ ما ضاعت شهادة أصحاب الأخدود، وإذا كان على الغيورين نصرة الحق و القضايا العادلة فليس عليهم ترك أيمن يَستفرد به أزلام النظام ، دون أن يجتهدوا في أن يوفروا له حماية دولية . والله من وراء القصد.

[1] في بيان للجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين ورد إسم والدة أيمن الدريدي على النحو التالي: نعيمة بنت عبد الله بن حسين الفضيلي والصواب نعيمة بنت عبد الله بن خميس الفضيلي

[2] عماد بن الصادق العجمي: إسم الأم: فاطمة، الحالة المدنية: أعزب، السن: في الأربعين من العمر المهنة: مدير سجن برج الرومي ببنزرت، يقطن حالياً بحي حشاد في منزل بورقيبة بولاية بنزرت وهو من تلاميذ الجلاد فيصل الروماني القائم الآن على إدارة سجن 9 أفريل بتونس

[3] قرأنا بتاريخ14.06.06 في تونيس نيوز، للسيد عبد الحميد العداسي قولاً ذكّر فيه بمحنة الشاب أيمن الدريدي ودعاه وعائلته إلى الثبات . وهي المقالة الوحيدة، فيما قرأنا، خصصت لتذكر الناس بالسجين.فله الشكر