بسم الله الرحمان الرحيم


حوارات وراء القضبان

Ridha Saidi

المهندس رضا السعيدي قبل السجن و بعده!!!

من ساحات النضال بالجامعة التونسية إلى رئاسة قاعدة الشمال الغربي لشيكات نقل الطاقة الكهربائية ثم إلى منطقة الأمن الوطني بجندوبة، و منها إلى إقليم تونس للأمن إلى سرداب أمن الدولة بوزارة الداخلية ثم إلى فضاءات التشفي و التنكيل و الانتقام أو ما يسمى مجازا “السجون التونسية”… رحلة معاناة و مصابرة، رحلة ضنك و شظف و متعة كذلك…متعة أن ترى جلادك و قد خارت قواه لا يقدر على الحركة و ذهب سعيه رمادا تذروه الرياح، و تبقى أنت- الضحية- شامخا، مرفوع الهامة، لا ينقصك إلا إكليل غار يتوج رأسك به سيد الشهداء…

و صدق من هو أرحم بنا من أمهاتنا حين يقول:” و الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله، فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون”..

و بعد ستة عشر سنة من المحن التي يشيب من هولها رأس الرضيع، يخرج رضا كما كان بالنسبة للذين عرفوه، ابتسامة هادئة، حديث يمتزج فيه العقل مع الروح، استعداد للبذل و التضحية لم ينل منه سوط جلاده…و في كل ذلك يذكر من يكون قد أنسته “الدنيا” أن الرجال يبقون دوما على العهد…

و إليكم الحديث مع رضا تتجول بين تلافيفه بعد تعريف مقتضب به…

رضا السعيدي: تعريف سريع

العنوان 22 نهج المدارس-7032 تينجة / بنزرت

المهنة مهندس سابق بالشركة التونسية للكهرباء والغاز- رئيس قاعدة الشمال الغربي لشبكات نقل الطاقة الكهربائية .

تاريخ الولادة 24-11-1962 بمنزل بورقيبة / بنزرت

الوضع الاجتماعي أعزب

المحطات النضالية قبل السجن مناضل إسلامي بالمعاهد الثانوية وبالجامعة التّونسية ممثل للطلبة بالمدرسة القومية للمهندسين( قائمة الاتجاه الإسلامي) لفترتين نيابيّين(83/84.85/86)- عضو بالهيئة المديرة لأسبوع الجامعة لدورتين(84،85)- عضو بلجنة المؤتمر العام للحسم وعضو مؤسّس للإتحاد العام التونسي للطلبة (1985)- عضو بحركة الاتجاه الإسلامي ساهم في مختلف المحطّات الهامّة في مختلف الدرجات التنظيمية آخرها مندوب عام وعضو بالمكتب التّنفيذي لحركة النهضة .

تاريخ الإيقاف 11 سبتمبر 1991، مرورا بمنطقة الشرطة بجندوبة وإقليم تونس للأمن(بوشوشة) وإدارة أمن الدولة. حيث خضع للتعذيب الشديد الذي انجرّ عنه آلام مزمنة في أسفل الظهر(..) وآلام في الكاحل والرّكبة لا تزال متواصلة إلى الآن.

تاريخ دخول السجن 4/10/1991

المحاكمات – محكمة بنزرت(1992) 3 سنوات بتهمة الاحتفاظ بجمعية غير مرخّص فيها

– المحكمة العسكريّة (جويلة- أوت 1992) الحكم بالسجن مدى الحياة .

الخروج من السجن يوم 24/7/2007 بعد قضاء 16 سنة بالسجون التونسية(سجن 9أفريل تونس- سجن المهدية سجن بنزرت- سجن برج العامري – سجن المرناقية ) أغلبها بأجنحة العزلة .

الحـــــــــوار

س1/ هل دار بخلدك يوما انك قد تكون وراء القضبان؟

ج1/ لقد نشات منذ نعومة اظفارى فى مناخ العمل الاسلامى و تربيت و انا شبل صغير لم ابلغ الحلم بعد على دروس مشائخ الحركة الاسلامية و على كتابات كبار الدعاة من جماعة الاخوان المسلمين بمصر و سورية والجماعة الاسلامية بالباكستان, و بالرغم من ان اجواء السبعينات لم تكن مشحونة بالصراع المباشر مع السلطة فاْننا كنا متاْثرين بالمؤلفات الاخوانية التى تحدثت عن المحنة الطويلة التى عاشها الاسلاميون بمصر فى عهد عبد الناصر و كنا متهيئين ذهنيا و نفسيا لمثلها فى تونس، على اعتبار العداء المستحكم للاسلام والمسلمين من قبل النظام البورقيبي اللائكي المعادى للدّين و للحرية و الجاثم على البلاد طيلة عقود يقطع انفاس المعارضين و يحصي خطوات “المناوئين”. فجرائم رموز النظام السلطوى لم تبداْ بعد امضاء وثيقة مارس1956 بل سبقتها بالمؤامرات و الدسائس والاْعمال المخزية فى حق المناضلين الزيتونيين واْحرار البلاد الذين رفضوا الاستسلام و خيانة الشهداء و التنكر للقضية الوطنية فى شمولها و اتساق اْبعادها قطريا و اقليميا و حضاريا. لم تغب عن اْذهاننا لحظة و نحن فى اْول سنين الشباب نتطلع لمستقبل اْفضل لبلدنا الحبيب ولاْمتنا العظيمة و مخزونها الحضارى و تجربتها التاريخية المتميزة، لم تغب عن اْذهاننا اْننا سنواجه المحن و الابتلاءات من سجن و تشريد و تجويع مع هذا النظام العنيد مثل ما حصل لليوسفيين و اليساريين و النقابيين الاْحرار على يد بورقيبة و للاسلاميين على يد عبد الناصر. فقد كنا مستعدين لكل ذلك و ترسخ هذا الشعور مع التقدم فى السن و ولوج الجامعة و خوض غمار التحركات الطلابية و النضالات السياسية على راْس اْهم اتجاه سياسى بالجامعة طيلة فترة الثمانينات, (الاتجاه الاسلامى) الذى طبع الاْجواء الطلابية ببصمته الخاصة المتمثلة فى جدية العمل السياسى ومسؤولية العمل النقابى..التمثيلى و عمق الطرح الفكرى و طرافة الممارسة الثقافية. و قد كنا معرضين فى كل لحظة للاعتقال و التعذيب و السجن و الفصل من الدراسة. و قد قضت اْلطاف الله اْن اْنجو من قبضة البوليس طيلة المرحلة الجامعية. ومن الطريف أنه قد وقع اعتقال طالب أشترك معه فى الاسم و اللقب فى أخر حملة مواجهة مع النظام البورقيبي سنة 1987 و تعرض للتعذيب رغم بعده عن كل عمل سياسى و تنظيمى .

و شاءت الاْقدار أن أكون فى الهياكل القيادية لحركةالنهضة أثناء المواجهة المتجددة مع النظام البورقيبى فى نسخته الجديدة الاْكثر تطرفا و عنجهية و أن أتعرض للاعتقال و التعذيب الشديد و الحكم علي بالسجن مدى الحياة مع “فائض” بثلاث سنوات و أن أكون ممن أمتحنهم الله بالبقاء وراء القضبان. لما يفوق العقد و النصف من الزمن(16 سنة).

و هو زمن مهدور بمقياس الدنيا و لكنه ذخر بمقياس الاْخرة و فخر بمقياس الحق و العدل و الحرية .

س2/ الصورة التى كانت منطبعة فى ذهنك عن السجن, هل وجدت فى الواقع السّجني ما يرسخها أو ما يناقضها؟

ج2/ أول الصورالتى كنت أحملها فى ذهنى عن السجن هى ما سمعته من ألسنة الاخوة المجاهدين الذين اعتقلوافى محنة 1981 و ما بعدها (1987 والمجموعة الاْمنية 1988) أو الصورة التى حصلت لي عند زيارتي لابن عمتى الذى اعتقل فى تلك المرحلة بسبب انتمائه لحركة الاتجاه الاسلامى (النهضة فيما بعد). فقد كان السّجين السياسى فى العهد البورقيبى يتمتع بالاقامة المناسبة و يسمح له بأدخال الكتب الخاصة و بالتسجيل بالجامعة و اجراء الامتحانات. و أعرف العديد من الاخوة المناضلين الذين نالوا إجازاتهم و هم وراء القضبان. و قد كان كل من مر بمعتقلات الشرطة و الحرس , وخاصة معتقل بوشوشة و سرداب أمن الدولة بمبنى وزارة الداخلية, حيث تعرضنا لأبشع أنواع التعذيب (التعليق لفترات طويلة فى شكل “دجاجة مصلية” والضرب بالقضبان الحديدية و العصى و الاْسلاك الكهربائية والتغطيس فى الماء الملوث لحد فقدان الوعىوالصعق الكهربائى فى أماكن حساسة من الجسم…), كان جميعنا يتطلع الى اليوم الذى يغادر محتشدات الاعتقال و التعذيب البدنى والنفسى لينتقل الى السجن لينعم بالاْمان وينجو من التعذيب والترهيب و يرتاح من الاستجوابات الماراطونية ومن اْهوال التحقيق, و كنا نمنى النفس لملاقاة أخواننا الذين سبقونا بالاعتقال والتفرغ للعبادة وحفظ القرأن ومطالعة المراجع العلمية والدينية لتوسع معارفنا وتعميق ثقافتنا وللارتقاء فى مسالك العلم ودرجات العرفان بالتسجيل فى الجامعة والحصول على الماجستير والدكتوراه. ولكن ما راعنا ونحن ندخل أبواب السجن ألا بوجودنا فى معتقل جديد خبزنا اليومي فيه الاهانة والضرب والتعنيف ونحن محرومون من أبسطحقوق السجين. فقدوجدنا أنفسنا فى غرفة ضيقة (سيلون مخصص عادة للعقوبة وللمحكومين بالاعدام) لا يتسع عادة لأكثر من أربعة أنفار, فمكثنا فيهاعلى حشايا ملقاة على الأرض الرطبة من ثمانية الى عشرة أنفار, و كنا ممنوعين من الحديث مع الغرف المجاورة أو مبادلتهم الطعام ولا نخرج الى الفسحة الا لفترة لا تزيد عن عشردقائق لنعود مكدسين بعضنا على بعض. ومكثنا على تلك الحالة سنوات ولم نتمتع بالسريرالا فى سبتمبر1995 على اثر الفضائح والفظاعات التى ارتكبت فى السجون خاصة فى فترة المدعو أحمد الحاجي المدير العام للسجون والتى تناقلتها وسائل الاعلام الخارجية والمنظمات الحقوقية ،الذين أقدم لها جميعا ولكل من وقف الى جانبنا من رجال البلاد الصادقين ومن أحرار العالم وكل المناضلين الاْوفياء, خالص شكرى وامتنانى.

اذن وجدنا أنفسنا فى مأوى لا يليق حتى بالحيوانات .

نأكل و نرقد ونجلس ونصلى فى نفس الفضاء الذى نتبرز فيه( كنا نعيش فى “مرحاض” كبير) وكنا نقتات مما توفره لنا عائلاتنا بحكم رداءة أكلة السجن التى تنفر منها الكلاب. وقد كان استعدادنا للصبر على كل تلك المكاره كبيرا كما ألهمنا الله تعالى قدرة عجيبة على التأقلم مع تلك الأوضاع البائسة واللاّإنسانية خاصة وأن أغلبنا كان من الاطارات العليا للبلاد وكان يعيش حياة طيبة ميسرة أقرب للرفاه واليسر منها لحياة الضنك والمكابدة.

ولكن الوضع الذى آلمنا كثيرا لم تكن حياة البؤس والشقاء ومارافقها من ألام و معاناة كبيرة للعائلات المجاهدة، التى نحييها جميعا على صمودها البطولى وصبرها الطويل، ولكن ما ألمنا هو منعنا من كل وسيلة تتيح لنا سبيلا للمعرفة والتعلم من كتاب و قلم وقرطاس. فليسجل التاريخ هذه المظلمة التى مارسها رافعو شعار العلمانية والتحديث والتعليم مدى الحياة. فقد اتخذت السلطة خيار المنع من المعرفة بتوجيه من فلول اليسار الانتهازى وفقهاء السلطان لاضعاف صمودنا وتجهيلنا وكانوا يراهنون على اخراجنا من السجن ونحن لانفقه من الأمر شيئا منقطعون عن الواقع غرباء عن المجتمع أميون فى مجال المعارف الحديثة ومقطوعين عن عائلاتنا بفعل الهرسلة والتضييقات التى تدفع بالضعفاء والمغلوبين على أمرهم للتبرؤ من الأزواج والأبناء والأشقاء لذلك منعونا من القلم والقرطاس لسنوات طويلة( ست سنوات بالنسبة لأمثالى) ومنعوا عنا الكتب الشرعية والعلمية لما تفوق الخمس عشرة سنة( لم أتلقّى كتبى الخاصة الا بعد زيارة الصليب الأحمر الدولى لتونس فى أوت 2005) ومنعونا من التسجيل بالجامعة وبالمعاهد الثناوية طيلة المحنة التى فاقت السبع عشرة سنة، بينما ظلوا يتبجحون بتمكين مساجين الحق العام من اجراء الامتحانات فى مختلف مراحل التعليم للتعمية والتمويه.

باختصارفقد كان الواقع السجني مناقضا لكل أوجه الصور التى كانت منطبعة فى ذهنى عن السجن بعضها بفعل تغير الظروف والأهم هو بفعل السياسات الظالمة التى اتخذتها السلطة الجديدة الأمينة على الإرث البورقيبى والتى عوض أن تطوّر أوضاع السجون وترتقى بممارسة المشرفين على السجون الى مستوى ما يروج لها خطابها نزلت به الى أسفل سافلين وكما يقول المثل الشعبى التونسى “الله يرحم رجل أمي الأول”.

س3/ السّجون بين ما تسمعه فى الاعلام الرسمى والواقع؟

ج3/ كما سبق وأن أشرت فاْن الواقع السجنى يناقض تماما كل ما تروج له الآلة الاعلامية “التلميعية” للسلطة ولا يتناسب مع الفصول القانونية التى وردت بالقانون الداخلى المنظم لقطاع السجون و الاصلاح و الصادر فى عهد النظام الحالى (………1989).فالقارىْلبنود هذا القانون يحسب نفسه فى جنة حقوق الانسان لما يتمتع به السجين من حقوق مثل؛السرير الخاصّ, الأكل الصحى, والنشاط الرياضي والفكري والاحاطة الصحية والزيارة المباشرة وغيرها من الحقوق الأساسّية التى تمنح للسجين على الورق للترويج الاعلامى ويحرم منها فى الواقع المرير ( الاكتظاظ, الأكلة الرديئة, الاهمال الصحى,…).

س4/ هل أنك أهنت فى مرة من المرات؟

ج4/من المعلوم أن القانون ينص على أن العقوبة بالسجن تقتضى سلب حرية المحكوم عليه لفترة محددة ولكن واقع السجون يضيف الى ذلك سلب الكرامة والامعان فى حرمان السجين من أبسط الحقوق فمنذ أن يلج المحكوم عليه باب السجن يقع استقباله بالاهانة الرمزية المتمثلة فى طلب تحية العون البسيط ثم اخضاعه للتفيش ألمهين بتجريد السجين من كل ملابسه ومراقبة كل تفاصيل جسمه حتى حلقة الدبر بما يعرف فى السجون ب”طبس كح”( الانحناء والسعال) ثم يرمى بذلك السجين الى “بيت الدوش” الشهيرة بالاكتظاظ وكثرة الاْوساخ و”الدّواب الصغيرة” ( قمل, بق, خنافس صغيرة, بوفرّاش…) ثم بعد ذلك يقع تعيين غرفة الاقامة وتسليم السجين غطاءين رديئين( مستعملة لشهور طويلة من قبل عشرات المساجين) للافتراش والاحتماء من البرد. ويقع تمكينه من مكان الاقامة المتمثل عادة بالنسبة للمساجين الجدد بما يصطلح عليه باسم “الكدس” (افتراش البلاط) أو”تحت الكميون”( افتراش ما تحت السرير) الى حين وصول دوره فى السرير( اقتسام السرير مع سجين ثان فى العادة).

هذا الى جانب العقوبات الكثيرة مثل؛الاقامة بالجناح المضيق طيلة عشرة أيام مع رغيف خبز وغطاء متسخ وتقييدالرجلين بسلسلة فى الحائط مثل البعير فى بعض الحالات, اضافة الى الحرمان من القفة والزيارة والاستحمام. أما بخصوص الزيارة فأنني لم أشعر بالراحة مع عائلتي طيلة فترة سجني بحكم المراقبة اللصيقة لعون الحراسة الذى يسجل كل كلمة وكل اشارة تصدر من السجين أو من أحد أفراد العائلة.وقد وقع تطوير طريقة المراقبة باعتماد أجهزة التنصّت والتصوير التى زرعوها فى كل مكان بالسجون الجديدة وخاصة “قلعة المرناقية “مما جعل البعض منا يخشى من التجرد من كل ثيابه خشية استغلال تلك الصورفى أشرطة مركبة لمزيد اهانة السجين والنيل من كرامته مثل ما فعلوا مع بعض أشرف المناضلين الصادقين فى بداية المحنة(1991).

س5/ ألا يوجد بالسجن ما نال أعجابك أو أثار حفيظتك؟

ج5/ السجن مكان يلتقى فيها الطيب بالفأجر والصالح بالطالح وهو نموذج مصغر للمجتمع ولكن فى قاعه فقط. فيمكن أن تلتقى بالسجن نماذج من الناس لم تقابلهم ولو مرة فى حياتك وأن تكتشف ظواهراجتماعية لم تنتبه اليها فى السابق بالرغم من انتشارها فى المجتمع. فمعاشرة مساجين الحق العام تطلعك على قاع المجتمع أو بالأحرى على الصورة المخفية للمجتمع, أي الصورة الحقيقية بدون مساحيق.وهي مسألة هامة لمن يطرح على نفسه مهمة تغيير المجتمع نحو الأصلح والارتقاء به نحو الاْفضل. فتشخيص الواقع هو أولى المراحل الحاسمة للعلاج. كما يمكن للسجين/الملاحظ أن يكتشف الفارق فى العقليات بين مختلف أصناف المجتمع وحتى بين مختلف الجهات رغم التقاء أغلب التونسيين حول سمات معينة للشخصية الأساسية التى تعتبر القاسم المشترك بين الجميع .

وربما ما نال اعجابى فى السجن- وهو قليل- هو بعض مظاهر التكافل التى لاحظتها فى بعض الجهات وخاصة بسجن تونس حيث تتجلى قيم التضامن الصادق والتعاون التلقائى بين مساجين الحق العام فيما بينهم,وفيما بينهم وبين المساجين السّياسّيين بعد كسر الحصار الذى فرض عليهم لسنوات طوال حيث كانت الوشاية على الاسلاميين تؤدى الى المكافأة و”الارتقاء الوظيفى”,سواء بالنسبة للاْعوان والمديرين أولمساجين الحق العام. وتبرز مظاهر التكافل خاصة فى المناسبات الدينية( الأكل, اللباس, مقتنيات المشرب,…..)

أما ما أثار حفيظتي بالسجن فهو بالتأكيد كثرة الوشاية(الصبة) وانتشار ظاهرة اللواط بن مساجين الحق العام صغارا وكبارا وكثرة التدخين وانتشار ظاهرة تناول الأقراص المخدرة وتدخين الأفيون(الزطلة) التى يجلبها بعض الأعوان وبعض وجهاء الحق العام ويجنون من ورائها مبالغ مالية طائلة .

س6/ ماهى أقسى اللحظات عليك فى السجن؟

ج6/ عموما تعتبر لحظة فراق صديق عزيز أو لحظة الشعور بالعجز عن فعل أي شيْ لشخص عزيز يمر بظروف صعبة أوبمحنة صحية من أقسى اللحظات التى عشتها داخل السجن. فقد كانت لحظات فراق الشهداءالذين سقطوا طيلة المحنة الطويلة بفعل الظروف السجينة الصعبة والاهمال الصحي وبعض الأمراض المستعصية, لحظات عسيرة فارقنا فيها أعز الأحبة وأطيب الناس الذين نذرواحياتهم لخدمة الحق العام والتمكين للدعوة واصلاح حال البلاد والعباد..وأذكر خاصة الشهيدان الحبيبان اللذين كانت تربطني بهما علاقات متينة وصداقة خالصة امتدت لسنوات طويلة وهما؛الشهيد الأستاذ” سحنون الجوهري” المناضل الحقوقي والصحافي الممتازوالشهيد”الهاشمي المكي” المناضل الاسلامي المعروف .

كما كانت لحظة افتكاك المصحف وحرماني من كتاب الله العزيز لحظة عسيرة . فقد كان القرأن دوما ملاذنا عند الشدائد وأنيسنا فى الوحشة وصديقنا فى الوحدة ودليلنا عند الحيرة..وكنا نعتقد أن النظام سيضع لنفسه خطا أحمر فى محاربته المكشوفة للدين وللمتدينين وأن الحقد الأعمى على الاسلام لن يطال القرأن لرمزيته الكبيرة. ولكن تبين للجميع من خلال مختلف فصول المحنة أن مواجهة السلطة اللائكية للاسلام قد طالت كل مظاهر التدين ومختلف الرموز الدينية وأن عداءها المستحكم للدين قد شمل الكتاب المقدّس كما طال من قبل حجاب المرأة ولحية الرجل وكل المظاهر المرتبطة بالتدين مثل القميص لينضاف الى كل ذلك فى السجون التونسية حجز السجادات(المصليات) والجبة التونسية والبرنس البربرى الأصيل والمسبحة والسروال العربي.انها حرب مفتوحة على الدين والتدين والمتدينين وهم” لا يرقبون فى مؤمن إلاّ ولأذمّة وأولئك هم المعتدون”. فقد كانوا يستهدفون معنوياتنا وظنوا أنهم بذلك قد أصابونا فى مقتل ولكنهم خسئوا كما خسيْ الذين من قبلهم ” ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين”. فقد ازددنا بذلك تعلقا بالقرأن واجتهدنا أكثر فى حفظه وترتيله وتمكن العشرات منا من ختم القرأن فى فترات قياسية “إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون”. أما اللحظة الأخيرة القاسية فقد كانت لحظة الخروج من السجن. كيف لا وقد تركت خلفي أحبة أعزاء جمعتنا المحنة وقربت بيننا المصاعب وتآلفت قلوبنا على حب الله واتباع هدي رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام و تعاهدنا على الخير والصلاح وعلى تحقيق مجتمع الحق والعدل والحرية. فقد كانت لحظة مغادرة المعتقل لحظة فريدة تختلط فيها مشاعر الفرح بقرب لقاء الأحبة بمشاعر الحزن والأسى بمفارقة أعز الأحبة. وعسى أن يكرمنا الله جميعا بلم شمل كل الأحبة فى ساعة يسر قريب “ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله….”.

س7/ ماهي أبرزالمظاهر السلبية فى الحياة السجنية؟
ج7/ لقد سبقت الإجابة عن هذا السؤال فى ج(5)

س8/ هل تمكنت من تنمية قدراتك المهنية أو العلمية طيلة اقامتك فى السجن؟

ج8/ لا يمكن الحديث عن تنمية القدرات العلمية والمهنية للمساجين السياسيين الإسلاميين لأن السياسة الظالمة التى اعتمدتها ادارة السجون بأشراف مباشر لكل الهياكل المعينة بملفنا من مختلف درجات هرم السلطة, انبنت على سبع بنود أوما أسميه “بسياسة التاءات السبع” وهي التنكيل والتعذيب والتشريد والتمييز والتجويع والتعتيم والتجهيل. وهى البنود التى انضوت تحتها كل الممارسات الظالمة التى استهدفت بشكل خاصّ المساجين الاسلاميين دون غيرهم فحتى سياسة التجهيل التى تهمنا فى هذا السؤال، فقد نجا منها مساجين حزب العمال الشيوعي عندما احتضنتهم السجون التونسية, إذ وقع تمكينهم من التسجيل بالجامعة ومن اجراء الامتحانات السنوية, بينما خاض العديد من مساجين النهضة اضرابات طويلة عن الطعام للمطالبة بحقهم القانوني فى التسجيل بالجامعة أو باجراء امتحان الباكالوريا دون جدوى. وقد خضت شخصياالعديد من الاضرابات للمطالبة بحقي فى التسجيل بمرحلة الماجستيركان أطولها اضراب سنة 2000 الذى صادف انطلاقته..انطلاقة انتفاضة الأقصى الشريف (28سبتمبر2000) ودام 45 يوما, ولكن دون نتيجة تذكر ما عدا الوعود الكاذبة. ففي فلسطين ينتفض الشعب الأبيّ فى وجه العدو الصهيونى المغتصب لأرضه والمعتدى على مقدساته، وفى السجون التونسية ينتقض المساجين السياسيون للمطالبة بحقهم فى العلم والمعرفة فى بلد يرفع شعار”المعرفة للجميع والعلم مدى الحياة” . ومن المفارقات العجيبة أنه فى الوقت الذ كنت فيه مضربا والفلسطينيون منتفضون, نشرت الصحف خبر حصول سجين سياسي فلسطيني على شهادة الدكتوراه فى ادارة الأعمال, كما نشرت الصحف التونسية خبر نجاح سجين تونسي فى احد الامتحانات الجامعية, فحملت قصاصتي الخبرين وقدمتهما لمدير السجن المدني بتونس العقيد ” الصادق عتيق” .

ولكن رغم التّضييق والمنع والتعتيم فقد كنا نحاول كسر الطوق المضروب علينا بخلق دورة خاصة بنا تتمحور حول كتاب الله حفظا وترتيلا وتأويلا وتستفيد من معارف وخبرات كل واحد فينا. فقد استفدنا من غياب الكتب العلمية والشرعية بالتركيز على حفظ القرأن, وحاول كل مالك لمفاتيح علم من العلوم من افادة اخوانه من معارفه مما خلق دينا ميكية خاصّةتجلّت فى بعث بعض” المدارس متعددة الاختصاصات” تقدم فيها دروس فى العلوم الشرعية(فقه,قرأن,سيرة نبوية,…) والعلوم الأنسانية( علم نفس,علم اجتماع ,اقتصاد,…) مع الاعلامية و الكهرباء والمعمار اسلامى,…) وغيرها من الاختصاصات. كما كنا ننظم ندوات فكرية وسياسية لمناقشة بعض القضايا الهامة مثل جدلية العقل والنص والواقع المرأة الحرية السياسية فى الاسلام الديمقراطية ومختلف أشكال الحكم – منهج التغيير- دور الدولة فى الاقتصاد – الجباية فى الاسلام والنّظم الحديثة- قراءة فى الاقتصاد التونسى- العولمة- صراع الحضارات – النظام العالمي الجديد- قراءة فى الواقع الأقليمي- حوار الذكورة والأنوثة ….

وقد ساعدت بعض أوضاع العزلة التى فرضت على بعض المجموعات من ادارة النقاش فى مواضيع هامة والخروج بخلاصات مفيدة نأمل أن يقع توثيقها ونشرها لتعميم الفائدة وللتأكيد على جدية الاسلاميين وعلى عمق أطروحاتهم برغم القهر والتعتيم والتضييق .

لذلك أقول بأن السياسات الظالمة لن تثمر أبدا اذا وجدت ارادات تقاوم وتمانع, فحبل الباطل قصير لأن له جولة..وللحق بحول االه صولة على مدى الزمان .فقد اقتضت سنة التدافع أن يتواصل الصراع فى مختلف الساحات بنسق يرتفع ويخبو بحسب ما تقتضيه المرحلة, ونحن على يقين بأنه فى ساحة الإرادات سنكون نحن المنتصرون..لأن ارادتنا من ارادة الله.. وارادة الله لا تقهر،وسينفذ االه وعده لعباده الصالحين اذا أخذوا بالاسباب وعملوا بسنة الكتاب( كتاب الكون الواسع) ” وكان حقا علينا نصر المؤمنين” .

س9/ الأن وقد عرفت السجن وقضيت به ربيع عمرك وزهرة شبابك هل يمكنك أن تعود اليه ؟

ج9/ السجن مؤسسة عقابية للردع والزجر تسلب فيه حرية الانسان ويحرم داخله من العديد من الحقوق الانسانية الطبيعية. وقد اتخذته السلطة السياسية المستبدة كمركز للتدمير النفسي والإفناء الجسدي للمعارضين من أجل تركيعهم وكسر صرح شموخهم. وقد ازدادت درجة العسف فى فترة التسعينات, مع دخول آلاف المناضلين الاسلاميين للسجون. ولكن لم تفلح كل أشكال العسف والترهيب التى مورست طيلة أكثر من عقد ونصف من الزمن داخل السجون مع المساجين وخارج الأسوار مع عائلاتهم فى كسر صمودهم أواثنائهم عن الوفاء لقضية الحرية التى تعتبر مفتاح الخروج من قمقم الاستبداد وسرداب الدكتاتورية والتحرر من النفق المظلم للحيف الاقتصادى والظلم الاجتماعى والفساد المالي والمحسوبية. فلا مستقبل لهذه البلاد بدون حرية تفسح المجال لكل أطياف المجتمع ومختلف قواه الحية للمساهمة فى نحت صورة مشرقة لمستقبل واعد لبلدنا الحبيب. فالنضال من أجل حرية الاعلام وحرية التنظم وحق المساجين السياسيين فى الحرية وحق المسّرحين فى الحياة الكريمة واسترجاع مكانتهم الاجتماعية ودورهم السياسي الطلائعي.. هى المحاور الحقيقية التى يجب أن يلتقى حولها كل الفرقاء من أجل الوصول الى المرحلة التى” يتداولون فيها سلميا على الحكم بعد تداولهم على السجون” كما قال الشيخ راشد الغنوشي حفظه الله. فتونس بلد الجميع ويجب أن يساهم الجميع فى نحت مستقبلها بدون اقصاء ولا تهميش لأي طرف وأن يجعلوا صندوق الا قتراع هو المكان الذى تفصل فيه الجماهير العريضة النزاعات بين الفرقاء السياسيين و الايديولوجيين بعد فسح المجال واسعا للحوار والنقاش حول القضايا الحقيقية التى تهم البلاد والعباد والابتعاد عن كل”المتفجرات” التى تعيق مسيرة التغيير المنشود الذى تطمح اليه الأجيال الصاعدة التى سئمت الحياة السياسية البائسة التى تعيشها البلاد وأصبحت تخجل من انتمائها لبلد متخلف سياسيا مقارنة بالجيران الأفارقة والمغاربة رغم التقدم الاقتصادى النسبى الذى تحقق بفضل الكفاءات الوطنية التّكنوقراطية التى أعدت التصّورات ونفذت البرامج برغم العديد من المعيقات الهيكلية والسياسية. فتونس بحاجة أكيدة لكل أبنائها كي تقدر على مواجهة التحديات الكبيرة التى تنتظرها فى ظل واقع الهيمنة الامبريالية الجديد والعولمة المتوحشة والاتفاقيات اللاّمتكافئة. فالبلاد مقبلة على محطات سياسية هامة يجب استغلالها للتمكين لمبدأ الحرية و آلية الديمقراطية ونزع فتيل الاستبداد وألغام الاقصاء والاستئصال. فاما ذلك واما الطوفان الذى سوف يأتى على الأخضر واليابس.

فنحن برغم المظلمة الكبيرة التى تعرضنا لها وبرغم سقوط العديد من الشهداء وبرغم آلام المساجين ومعاناة العائلات والمسرحين،، مستعدون لطي صفحة الماضى بشرط التمكين للحرية فى البلاد وتمكين الجميع من المساهمة فى بناء تونس الديمقراطية التى ناضل من أجلها الوطنيون الصادقون وسقط فى سبيلها عشرات الشهداء. لذلك أكرر بأننا لا نساوم في قضية الحرية وأننا مستعدون للعودة للسجون من أجل حقنا فى التنظم وحق الجميع فى الحرية وحق البلاد فى حياة سياسية راقية تليق ببلد يزخر بالطاقات الحية والكفاءات العالية التى تطمح للمساهمة فى رفع التحديات وبناء مستقبل أفضل للبلاد. وأنا على يقين من أن العزائم الصادقة والارادات الأبية ستنتصر فى النهاية ولو بعد حين. فنحن فى أخر النفق المظلم الذى تلوح فى منتهاه بؤرة ضوء ستتسع مع الأيام لتنير درب بناء دولة الحق والعدل والحرية.

س10/ هل حظيت بأي احاطة من الادارة أو من احدى مصالحها طيلة هذه المدة؟

ج10/ لقد قضيت أغلب فترات سجنى دون احاطة أو رعاية من ادارة السجون خاصة فى العقد الأول الذى مورست فيه ضدنا كل أشكال العسف والترهيب وحرمنا خلالها من حقوقنا التى يضمنها قانون السجون. وكان سبيلنا الوحيد للتمتع ببعض حقوقنا هى الاضرابات والشكاوي والتظلم للجهات الحقوقية والاعلامية، سواء تعلق الأمر بظروف الاقامة والزيارة أو بالرعاية الصحية والاجتماعية.

س11/ هل وقع اطلاعك على قانون السجون؟ وهل تمتعت بما ورد فيه من حقوق؟

ج11/ لم يقع اطلاعي على قانون السجون ولم أتمكن من ذلك الا بشكل عرضي فى أواخر التّسعينات عند ما عثرت عليه فى احدى أعداد مجلة الأمل التى تصدرها ادارة السجون. فكل ما قامت به ادارة السجن هو تلخيص بعض فصول القانون المتعلق بواجبات السجين وبعض حقوقه مذيلا ببعض الأمور الترتيبية التى تتعارض أغلبها مع بعض فصول القانون ذاته، وتعليق ذلة فى غرف المساجين الذين لا ينتبهون اليه غالبا. وعند اطلاعنا على فصول القانون المنظم لمصالح السجون والاصلاح تبين لنا الفارق الكبير بين الصياغة القانونية المعدة ” للتصدير” الاعلامي والحقوقي و بين الواقع المرير الذى يعيشه المساجين. لذلك اتخذنا القانون على علاته كوثيقة للتحرك والمطالبة بالحقوق الواردة فيه، مثل الحق فى الكتب الخاصّة وفى التعليم والترسيم بمختلف المراحل الدراسية ، والحق فى السرير الخاص والرعاية الصحية والاجتماعية، والحق فى ممارسة الرياضة الفكرية والبدنية – خاصة وقد تعرض بعضنا للعقاب بسبب ممارسة للنشاط الرياضى- والحق فى الزيارة المباشرة(بدون حواجز) التى لم نتمتّع بها الا بعد أكثر من اثنى عشر سنة نتيجة الاضرابات والشكاوي، فى الوقت الذى يتمتع بها مساجين الحق العام كل ثلاثة أشهر. وهى احدى فصول التمييز المقيت الذى كانت تعاملنا به الادارة والذي يتمظهر أيضا فى الزيارة العادية والقفة وسقف الشراءات من مغازة التزود والفسحة وغيرها من المجالات. فقد كانت السياسة المتبعة تجاه المساجين الاسلاميين هى سياسة التّاءات السّبع، والسبعة رقم مبارك وسحرى فى بلادنا، وليس القانون المنشور لدى المنظمات الانسانية والهيآت الحقوقية العالمية. فنحن فى بلد يتكلم كثيرا عن الديمقراطية وحرية الاعلام والتنظم واحترام حقوق الانسان حتى تخال أنك في بلد غير البلد وفي عصر غير العصر المظلم الذي نعيش. أذكر أنه وقع تنظيم يوم في سجن المهدية للحديث عن احترام حقوق الانسان بالسجون التونسية أشرف عليه المدير الهادي الزيتوني وأعضاءه ووقع استدعاء بعض المساجين للمباركة والتأييد وأحضروا بعض مساجين النهضة ليكتمل اخراج المسرحية. ولكن المدير فوجىْ بالسجين السياسي صالح العابدي الموقوف حاليا بتهمة مالية كيدية بعد خروجه من السجن في 1997 يتحدث عن التجاوزات الادارية وعن العقوبات اللاقانونية وعن التمييز بين المساجين.. فما كان من المدير الا أن قطع الاجتماع ونزل بنفسه من المنصة ليعطى السجين المتمرد على ناموس الادارة درسا تطبيقيا فى حقوق الانسان تمثل فى جذبه وتقييده بالأغلال واشباعه ضربا وركلا أمام الجمع الكريم واقتياده دفعا وجذبا لأيداعه بغرفة العقوبة(السيلون).

ولو أردنا تلخيص السياسة التى حكمت تعامل ادارات السجون مع مساجين النهضة لوجدناها تتلخص فى العناصر السبع التالية

1- التعذيب النفسي والجسدي الارهاب اليومي، التفتيش المتواصل، العقوبة بالحبس الانفرادي لأتفه الأسباب وفى ظروف سيئة ومهينة مع الضرب(الفلقة) والربط بالأغلال، العقوبة بالاقامة فى غرفة الشاذين جنسيّا.

2- التنكيل الفصل بين يوم القفة ويوم الزيارة، المراقبة اللصيقة أثناء زيارة العائلة، منع النّساء والبنات من ارتداء الحجاب أثناء الزيارة، منع استعمال أواني الفخار والزجاج ..واجبارنا على استعمال الأواني البلاستيكية المضرة بالصحة، الحرمان من زيارة الطبيب إلاّ فى الحالات القصوى، التفتيش المهين لكامل الجسد قبلالزيارة و التحديد في سقف الشراءات من مغازة التزود بالسجن، الفسحة القصيرة،….

3- التغريب والابعاد الاقامة فى سجون بعيدة عن مكان سكنى العائلة والحرمان من الجمع بين يوم الزيارة ويوم تسليم القفة.

4- التمييز فى المعاملة بين مساجين الحق العام وبين مساجين الصبغة الخاصة أو”الانتماء”(التسمية الادارية للمساجين السياسيين) سواء في الاقامة أو الفسحة أوفي الزيارة أوفي الشراءات من القنوة(مغازة السجن) أو في التمتع بالزيارات المباشرة(بدون حاجز) أوفي التمتع بحق التسجيل في المعاهد أوالجامعة.

5- التجهيل الحرمان من إدخال الكتب الخاصة ومن الدراسة(الحرمان من التسجيل), وفي فترات طويلة وقع حرماننا من القلم والكراس, بل حتى من مصحف القرأن.

6- التعتيم الاعلامي الحرمان من الاطلاع على الصحف(ما عدا الصحف الرسميّة أو التابعة للحزب الحاكم), الحرمان من التلفزة طيلة 10سنوات..وعند التمتع بالتلفزة وقع تثبيتها على القناة الرسميّة فقط…

7- التجويع الأكلة الرّديئة، الفصل بين يوم الزيارة ويوم القفة ، تحديد سقف المشتريات الشهرية بمغازة السجن بما لا يحقق الكفاية,خاصة في ظروف تباعد الزيارات.

س12/ متى مكنت من فراش فردي؟ ومتى عرضت على الفحص الطبى؟

ج12/ لم يقع تمكيني من فراش فردي إلا في أكتوبر1995 أي بعد حوالي أربع سنوات من الاقامة على حشايا مفروشة على الأرض فى الجناح المضيق(السيلون) فى ظروف العزلة المقيتة. أما عن الرعاية الصحية فيكفي أن أذكر بأنه في بداية التسعينات كان هناك طبيبان فقط لأكثر من خمسة آلاف سجين وبالتالي كانت الادارة تعتمد أسلوب”التصفية” وإعطاء الأولوية للأمراض المزمنة والإصابات الظاهرة. فقد كان العون الصحي الذي تلقي تدريبا صحيا بسيطا يمارس في أغلب الأحيان دور الطبيب،فيقوم بتشخيص المرض ويصف الدواء ولا يعرض على الطبيب إلا الحالات التى يقّدر أنها هامة ويستثنى عادة المرضى الذين يشكون أمراضا باطنية لايقدر هو على تبينها ويتهم بالتالى المريض بالكذب والرغبة فى الخروج للفسحة(؟ ). فيمكن أن تعرض نفسك على هذا المتطبب ليصل دورك في مقابلة الطبيب بعد أسابيع أوأشهر. ولكن بتراكم الملفات الصحية العالقة وبتوالى الشكاوى وتسجيل بعض حالات الوفاة الناتجة عن الاهمال وسوء المتابعة الصحية تحسنت الأوضاع قليلا فى المصحات السجنية وبقي الاٍشكال فى صعوبة مقابلة أطباء الاختصاص وخاصة في العيادات الخارجية بالمستشفبات بسبب الهاجس الأمني المعشش في أذهان المسؤولين الأمنيين،و بالتالي لا يمكنك التمتع بحقك في مقابلة أطباء الاختصاص بالمؤسسات الصحية الرسمية إلا بعد الشكاوي والاضراب عن الطعام. ويمكن أن أذكر هنا حالة الشهيد سحنون الجوهري الذي قضى سنة 1995 بسبب الاهمال الصحي والاعتراض على خروجه للاقامة بالمستشفى للعلاج وكذلك حالة الشهيد الهاشمي المكي رحمه الله الذي تعكرت حالته الصحية فى سنة 2005 ولم يقع تمكينه من العلاج بالمستشفي إلا بعد أشهر تحت ضغط شكاوى العائلة واضرابه عن الطعام وتحرك المنظمات الحقوقية والانسانية لمساندته.وتحضرني الأن حالة المناضل والسجين السياسي رضا البوكادي(سجن المرناقية) الذي بقي ينتظر موعد إجراء الفحوص اللازمة بالمستشفي, طيلة ثلاث سنوات تعكرت أثناءها حالته الصحية بعد إصابته بجرثومة في الكلى قدر الأطباء أنها نتيجة الهواء الملوث وأماكن الاقامة المتسخة.ونأمل أن يقع تسريحه بشكل فورى ليتم علاجه خارج السجن في ظروف صحية ملائمة لأن حالته تتطلب تغذية خاصة ورعاية صحية مكثفة والاقامة بمكان نظيف وغير ملوث.

س13/ متي زارتك عائلتك أول مرّة؟ مشاعر الزوّار؟

ج13/ تمت زيارتي بالسجن لأول مرة بعد إيقافي بشهر ونصف, وقد كان المشهد مثيرا بحكم أن أفراد عائلتي يقفون لأول مرة ذلك الموقف البائس, فقد وجدوا فردا عزيزا عليهم وراء القضبان يفصلهم عنه حاجزان مشبكان يحجبان عنهما الرؤية الطبيعية.ولكن والحمد لله فقد كانوا صابرين محتسبين أمرهم وأمري لله وحده لأنهم يعلمون أنه ابتلاء من الله تعالى وبأن السجين الذي يرونه وراء القضبان كان بارّا بوالديه ومحبا لأشقائه وكان غيورا على بلاده ولا يحب لها إلاّ الخير والصلاح وأنه لم يسكت عن الظلم يوما ولم يتوانى عن مواجهة الظالمين ومحاربة الاستبداد متسلحا بايمانه الراسخ بربّه وبدينه وبعدالة قضيته. ولكن مع كل هذا التما سك الذي أبداه أفراد العائلة فإن الأمّ الملتاعة بفقدان ولدها لم تتمالك نفسها فذرفت بعض الدمعات الحارّة التى ستتحول الى نار مستعرة تحرق عروش الطغاة وتدك حصونهم.

س14/ لماذا تجلب العائلة القفة؟ هل تفتش بحضورك؟ هل حدث أن فقدت بعض محتوياتها؟ ماذا فعلت؟

ج14/ نظرا لرداءة الأكلة بالسجن فإن أغلب المساجين يعتمدون فى غذائهم على قفة العائلة وعلى بعض المشتريات من المشرب أو من مغازة التزود بالسجن. ولكن الى جانب ذلك تكتسي القفة بعدا رمزيا هاما. فهى الى جانب الزيارة والرسائل تساهم في تأكيد الصلة بين السجين وعائلته وتزيل عن السجين بعض مشاعر الحرمان والغربة ,بل تتحول أحيانا الى وسيلة لتأكيد الذّات وإبراز المكانة الاجتماعية والعائلية للسجين .

أما عن عملية التفتيش،فإنها تتم في مكان خاص وبدون حضور السجين رغم تأكيد القانون على ذلك. ويحدث أن تفقد بعض الأوانى والمحتويات من القفة أو حتى تضيع بأكملها إما بسبب الاهمال وسوء التّنظيم أو بسبب السرقات التى يتورط فيها بعض الأعوان ومساجين الحق العام,فنلجأ حينئذ الى الشكاوى التى تؤخذ عادة بعين الاعتبار.

س15/ هل من إضافة حصلت لك في السجن؟

ج15/ السجن محطة هامة لمراجعة المسيرة ومحسابة النفس والوقوف على الأخطاء لتلافيها في المستقبل, وهومدرسة للصبر والتضحية ومكان تتجلى فيه مختلف العناصر المكونة لشخصية الانسان،فيقرب السجين من نفسه ويتعرف على نوازعها وعناصر القوة والضعف فيها.كما أنه يتيح التعرف بدقة على رفاق الدرب ومختلف الفئات الاجتماعية.فقد مكنتني إقامتي لبعض الفترات مع مساجين الحق العام من التعرف على بعض النماذج الاجتماعية التى لم أكن لأقابلها خارج السجن مثل الشاذين جنسيّا والمقترفين لجرائم بشعة(قتل،اغتصاب المحارم،….) والمحكومين بالاعدام . كما تعرفت على بعض الفئات الشبابية، التى تعتبر حصيلة المشروع الثقافى التّغريبي، الذي روجت له السلطة ولا تزال، والقائم على إشاعة ثقافة الميوعة واللهو والعبث بمنظومة القيم الأصيلة والترويح لقيم الاستهلاك والمفاخرة والتنافس على مباهج الدنيا على حساب قيم القناعة والتكافل والتضامن والاستخفاف بالنضال من أجل القيم والمبادىْ وتسفيه المناضلين ومحاربة كل مظاهر العفة والتدين والصلاح . فقد ساقني القدر لمعرفة هنا الشباب الضائع الذي استهلكته المظاهر الزائفة واللهث وراء الثراء السريع عن طريق” الحرقة”أو الترويج “للزطلة” أو” البروموسبور” أو المشاركة في البرامج التلفزية المربحة مثل”دليلك ملك” أو”ستار أكاديمي”. كما تعرفت على بعض ضحايا النظام التعليمى البائس الذى خرّج أشباه المتعلمين وأسياد المتسكعين.

وما هذا إلا غيض من فيض ما جنته سياسة تجفيف المنابع وتقليم الأظافر واقصاء دعاة الخير والاصلاح من الفعل في مسرح الحياة شباب تائه يحلم بالثراء وفرحة الحياة وشباب تدفعه ردة الفعل على الوضع البائس للأحتماء بنظرة متشددة للدّين يستمد منها قوته لمقاومة التيار الجارف ويستلهم منها منهجه لتغيير الواقع .

فمتى نعى بأن التطرف لا ينتج إلا التطرف وبأن إصلاح الأوضاع يتطلب تكاتف كل الجهود وتعاون كل أصحاب النوايا الصادقة لإنقاذ البلاد من براثن الاستبداد ومتاهات الميوعة والانحلال.

من جهة أخرى أعتقد أن أهم انجاز حققته خلال فترة سجنى هو حفظي لكتاب الله العزيز وهو أمر لم يكن ليتحقق خارج الأسوار بحكم الأعباء الكثيرة والانشغالات المتعددة. هذا إضافة الى بلورة بعض التصورات وأفكار المشاريع فى مجالات فكرية متنوعة وخاصة في المجال الاقتصادي . وعموما يبقى السجن برغم مساوئه الكثيرة أهم تجربة مررت بها في حياتى، كيف لا وقد أختلست مني أهمّ فترة فيها نرجو أن يكتبها الله لنا في ميزان الأجر والحسنات وأن يسجلها التاريخ في مآثر الصّالحين .

س16/ لنفترض أنك كلفت بإدارة هذا السجن، ما هى الاصلاحات التى تبادر بها؟

ج16/ لقد تبين للجميع أن سجن المرناقية أو قلعة مجمعات السجون بالمرناقية الذى صرفت عليه المجموعة الوطنية أكثر من ثلاثين مليون دينار والذي يروج على أنه سجن مبني طبق المواصفات العالمية يشكو من نقائص وإخلالات عديدة على مستوى البناءات والفضاءات المخصصة للفسحة والمجمعات الصحية والأدواش وقاعات الزيارة وغيرها من المرافق السجنية. فقد وقع التركيز على الجوانب الأمنية(حيطان من الاسمنت المسلح، عزل الأجنحة والمجمعات عن بعضها البعض، تركيز أجهزة المراقبة بالصوت والصورة)على حساب راحة السجين. فالغرف ضيقة والاكتظاظ يزداد يوما بعد يوم والأدواش لا تعمل إلا لماما وإذا عملت يغرق الجميع في برك المياه والأكلة رديئة والخبز الذي يطبخ بالسجن يوزع وهو لا يزال عجينا، كما أن البناء الضخم لمصحة السجن لم ينهى المشاكل الدائمة المتمثلة في ضعف الرعاية الصحية للمريض وتداخل المهام وقلة تنظيم المواعيد. كل هذه النقائص تتطلب إدارة حازمة ومؤمنة بنبل دورها وبأن السجن مؤسسة يحرم فيها السجين من حريته دون المساس بكرامته وبحقوقه المشروعة التى يكفلها القانون. فلو وقع احترام القانون على علاته فإن أوضاع السجون ستتحسن بالتأكيد.

س17/ وإن افترضنا أنك أصبحت مديرا عاما للسجون والاصلاح,ماهي الاصلاحات التى تحظى باللأولوية لديك؟

ج17/ أعيد لأ أكد على ضرورة تطبيق القانون الحالى مع تطويره باتجاه المزيد من التحسينات مع التركيز على الجانب الاصلاحى شبه الغائب فى الممارسة اليومية لادارة السجون. فالاحاطة الاجتماعية والرعاية النفسية والارشاد الدينى ضرورية لتوعية المساجين وإصلاحهم . وقد نجح بعض المساجين الاسلاميين فى إصلاح عدد كبير من مساجين الحق العام عندما خف الضغط الأمنى والمتابعة اللصيقة لتحركاتهم . فمهمة الاصلاح لا تتطلب اعتمادات مالية كبيرة وأجهزة مختصة رغم أهمية ذلك ولكن تحتاج إلى العزائم الصادقة والايمان بمحورية عملية الاصلاح فى المنظومة السجنية لتقليص نسبة العودة للسجن التى تعتبر في تونس من أعلى النسب في العالم. هذا إلى جانب تطبيق القانون في مجال تصنيف المساجين والتشغيل الاصلاحي(المقابل المجزي) والاقامة والفسحة والرعاية الصحية والتعليم. كما يجب التفكير في توسيع عدد المسموح بهم بزيارة السجين ليشمل الأقارب والأصدقاء لتأكيد صلة السجين بمحيطه الاجتماعي والمهني، وتمكين المتزوجين من فسحة خاصة لزيارة زوجاتهم بشكل مباشر ودون رقيب.

هذا إلى جانب تقليص قوائم الممنوعات واعتماد قاعدة العقاب الشخصي للمخالفين وليس العقاب الجماعي المعتمد حاليا وأن يكون الأصل هو الاباحة والمنع هو الاستثناء خاصة في مجال القفة والأواني(اعتماد الفخار والينوكس دون البلاستيك المضر صحيا) والسماح باقتناء كل الجرائد والمجلات المسموح بها في البلاد وتقليص مدة مراقبة الرسائل من أسابيع حاليا إلى أجل لايتجاوز ثلاثة أيام. هذا مع ضرورة اعتمادمقلييس واضحة وشفافة في اسناد العفودون تمييز بين المساجين ومع تجديد بعض الحوافز التى تساعد على الحطّ من العقاب مثل النجاح الدراسى والمهني واستقامة السلوك وأداء الشعائرالدينية وحفظ القرأن؛وهو إجراء معمول به فى بعض الدول الاسلامية مثل السعودية .

س18/ بم تنصح به سجينا جديدا؟

ج18/ أنصحه بالحرص على المحافظة على صحته بالتغذية السليمة المتوازنة والاجتهاد في نظافة جسمه ومحيطه وممارسة بعض الأنشطة الرياضية لمحاربة الخمول والرتابة وتخصيص أوقات للمطالعة وأوقات “للأنشطة الروحية”(الصلاة، قيام اللّيل، تلاوة وحفظ القرأن، الذكر،..)لما في ذلك من أثر إيجابي على الوضع النفسي للسجين,مع الحرص الشديد على التحرر من الدورة المقيتة لليوم السجني وخلق دورة خاصة به تحرره من الروتين القاتل للابداع والمبلد للحس والمكلس للذهن. أما فيما يخص علاقته بالادارة فلا يجب أن يساوم على كرامته وعليه أن يدافع على حقوقه بشجاعة وحكمة واستماته ” فما ضاع حق وراءه طالب”(الحديث).

وبخصوص علاقته ببقية المساجين فيجب أن يعلم أن للسجن طقوسه ونواميسه وتقاليده وأن لا يصطدم ببعض العقليات والممارسات السائدة بالسجن مثل الأنانية المفرطة والنفعية و”تدبير الراس” أو” تخديم المخ” كما تعرف في اللغة السجنية,وأن يحرص على حسن انتقاء أصدقائه الذين يشترك معهم في الأكل والقفة وأن يترفع عن المهاترات والخلافات التافهة التى تنشأ عادة بين المساجين.

س19/ حكمه(آية قرآنية، حديث نبوي، مثل شعبي، بيت شعري،..) كثيرا ما ترددها

ج19/ هناك بعض الآيات التى استحضرها باستمرار مثل ” يا أيّها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلّكم تفلحون” ، ” يا أيّها الذين آمنوا لنبلونكم بشيْ من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنّا لله وإنّا إليه راجعون,أولائك عليهم صلوات من ربّهم ورحمة وأولائك هم المهتدون”.

“لكلّ أجل كتاب” ـ “وكان حقّا علينا نصر المؤمنين”.

وهناك بيت شعر طالما رددناه منذ دخولنا للسجن

“ضاقت، فلمّا استحكمت حلقاتها

فرجت، وكنت أظنّها لا تفرج”.

وكذلك حكمة صوفية رائعة:

“إذا حدثته نفسه بالفشل حدّثها بقرب الأمل” .

س20/ ممنوعات يجب مراجعتها دون تأخير؟

ج20/ أعيد التأكيد على ضرورة التخلص من عقلية التشفي واعتبار السجن مؤسسة للحرمان والمنع, وأعتقد أن تصرفات بعض مساجين الحق العام وتجاوزاتهم يمكن محاصرتها بالقانون(العقوبات الفردية ـ الحرمان من بعض الأشياء عند التجاوز..) وبتكثيف التوعية حيث نجح الاسلاميون وفشلت الآلة الاداريّة البيروقراطية .

وبخصوص التفاصيل أحيلك على الجواب السابق(ج18).

س21/ مباحات يجب التصدي لها بحزم

ج21/ تشديد المراقبة على مسالك توزيع أدوية الأعصاب وتحديد سقف لبيع السجائر ومنع استعمال الأواني البلاستيكية لمضارها الصحية المؤكدة .كما يجب التصدي لبعض الممارسات الأدارية التى تتساهل في عملية تصنيف المساجين وتسمح بنوم أكثر من سجين في فراش واحد .

س22/ حادثة عالقة بذهنك ؟

ج21/ في السنوات الأولى كنا ممنوعين من القلم والقرطاس فاستنبطنا طرقا كثيرة للكتابة وتأمين التواصل فيما بين مختلف الغرف التى كان متساكنوها ممنوعين من التحادث فيما بينهم. فكتبنا على “محامل” كثيرة وأطلق أحدنا على شبكة التواصل السرية سيلو. نات (شبكة السيلونات) فكنا بذلك سباقين لاعتماد الشبكة العنكبوتية حتى قبل أجهزة السلطة ذاتها(؟ ).

س23/ هل تذكر اليوم الأول بالسجن؟ مشاعرك؟

ج23/ كان يوما مشهودا. فقد أتم المحقق العسكرى عمله مع منتصف النهار وأمر بإيداعنا بالسجن. كنت في البداية مرتاحا لمغادرة سرداب الداخلية و”النّجاة” من الزيارات المرعبة للجلادين في مختلف أوقات الليل والنهار والأسئلة التى لا تنتهى. ولكن “حرارة”الاستقبال والغرفة(السيلون) التى رمينا فيها أنا وأحد الاخوان على الأرض، والأكلة الرديئة التى قدموها إلينا في إناء بلاستيكي محاط بالقاذورات، والحلاق الذي جلبوه لنا ليحلق شعر اللحية والرأس بطريقة أقرب إلى “الجز” منها للحلاقة، والمعاملة” الحضارية” جدا لأعوان السجن المضيق، كل ذلك جعلنا نتهيأ لاستقبال وضع جديد تختلط فيه المعاناة بالمرارة والوضع البائس بغموض المستقبل. فلجأنا لله ندعوه كي يجعل لنا من الضيق مخرجا ومن الهم فرجا وكي يفرغ علينا صبرا وطمأنينة نقاوم بها محنة السجن.

س24/ هل من نصيحة توجهها لاخوانك في المهاجر؟

ج24/ المهجر ملاذ للفارّين من بطش السلطة وجبروت الآلة الأمنّية الرّهيبة والفارّ بدينه مجاهد يسعى لخدمة قضيّته بالوسائل المتاحة دون تقاعس أو تهاون أو كلل.فالاقامة في المهجر تتيح للأجىْ السّياسي وسائل عمل متنوعّة وفضاءات للفعل والتأثير ومناخات متميّزة بالحرّية والتّسامح.كما تتيح له فرصا كثيرة للعمل وكسب الثروة. لذلك أقّول لأخوتي الذين شرّفونا بوفائهم الصادق لقضيّتهم وبسعيهم الدؤوب لخدمة قضايا البلاد وخاصّة قضيّة المساجين السياسيين أقول لهم ” شكرا لكم، فللّه رجال صدقوا ماعاهدوا الله عليه” وندعوكم لمواصلة الجهد مع الحرص على الاقتراب أكثر من نبض الشارع وحركة الواقع واعتبار مرحلة المهجر صفحة استثنائية لا يجب أن تطول أكثر ممّا طالت؛ وإذا فكّرتم في العودة فلا تعودوا إلاّ معزّزين مكرّمين لا مختفين أو مكبّلين بالأغلال والشروط المهينة.

كما أقول لمن فتح الله عليهم في الرزق وأتاهم الله من فضله “لا تنسوا أنّ لكم اخوة تعاهدتم معهم على ميثاق غليظ، صبروا وخرجتم، وأوذوا في سبيل الله ونجوتم” بعضهم يعيش الخصاصة والاحتياج وبعضهم شارف على الخمسين ولم يتزوّج وبعضهم يعاني من أمراض خطيرة، وأغلبكم يعيش ترف العيش وناعم الحياة. فلا تنسوا اخوانكم وتذكّروا قول النبيّ صلى الله عليه وسلم الذي تعلّمناه ونحن صغار “المسلم للمسلم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّد”.

س25/ الأشكال النّضاليّة التي خضتها طيلة سجنك .

-  العقوبة بالاقامة في غرفة الشاذّين جنسيّا طيلة شهرين…

-  خوض اضرابات جوع عديد ومتنوعة أهمّها:

– 7 أيّام أثناء فترة المحاكمة (جويلية 1992) للاحتجاج على ظروف البحث والتحقيق والمحكمة اللاّدستورية (المحكمة العسكرية ببوشوشة التي عوّضت محكمة أمن الدولة) وعلى ظروف الاقامة بالسجن ومنعنا من وسائل الاعلام (الجرائد، التلفزة،..).

– اضرابات قصيرة وفي أوقات مختلفة للاحتجاج على مسائل مختلفة( الاقامة، الأكلة، القفة، منع الرسائل، سوء المعاملة،…)، وذلك طيلة التّسعينات.

– إضراب بأسبوع في 1997 للمطالبة بالتّصنيف القانوني للمساجين وتجميع المساجين السياسيين (المعروفين إداريّا بتسمية مساجين الصّبغة الخاصة) وتقريبهم من أماكن سكن عائلاتهم.

– اضراب شخصي ب47 يوما(من 28 سبتمبر2000 إلى13 نوفمبر2000) للمطالبة بحقّي في التّرسيم بالجامعة(مرحلة ثالثة) وفي جلب الكتب الخاصّة العلميّة والشرعيّة والفكريّة ولتمكيني من زيارة أفراد عائلتي بدون حاجز.

– اضراب بأسبوع في 2001 في إطار تحرّك جماعي للمطالبة بسنّ قانون العفو التّشريعي العام.

– اضرابات بأيّام في مناسبات عديدة (2002) للاحتجاج على وفاة الشهيد عبد الوهاب بوصاع إثر اضراب جوع(سجن برج الرومي) وفي(2003) للاحتجاج على وفاة الأخوين الاخضر السّديري وحبيب الردّادي بسبب الاهمال الصحّي في سجن الهوارب.

– في 26 أكتوبر2003 وقع نقلي مع مجموعة من الاخوة(ثمانية) إلى جناح العزلة بسجن برج العامري وتمّ وضعنا في زنزانات انفرادية تنعدم فيها التهوئة والانارة الطبيعية (بدون شباك)، فقمنا برفض الاقامة ورفض تسلّم قفة العائلة احتجاجا على منعنا من اقتسامها فيما بيننا(في شهر رمضان المبارك). فقمنا بتحرّك احتجاجي بثلاثة أيام ثم دخلنا جميعا في اضراب جوع في28 أفريل2004 ولم نقطعه إلاّ بعد31 يوما بعد تمكيننا من جهاز تلفزة ومن شافط للهواء وآلة تهوئة وتجهيز الغرف بأبواب مشبّكة لتيسير عملية التهوئة والتمديد في مدّة الزيارة .

– في21 أكتوبر2005 انطلقنا في اضراب جوع سياسي للمطالبة برفع المظلمة المسلطة على المساجين السياسيين منذ عقد ونصف من الزّمن ولكشف زيف الخطاب الرسمي حول احترام حقوق الإنسان .

-  فيفري2007 سجن المرناقية- دخلنا جميعا(15فردا) في اضراب عن الطعام لمدة ثلاثة أيام للاحتجاج على الاعتداء الذي تعرض له السجين السياسي الأخ رضا البوكادي من طرف أحد مسؤولي المجمّع تمّ على إثره إيقاف المعتدي وإجابة كل مطالبنا الخاصة والعامة(الاقامة،الزيارة، المعاملة،…) .

ختاما شكرا جزيلا و جازاكم الله عنا خيرا…

و للتواصل مع الأخ رضا السعيدي:

الهاتف القار:72567668

الهاتف الجوال:20040130

البريد الإلكتروني:sridha2007@yahoo.fr

عبدالله الــزواري