السجين زهير مخلوف، 3149 السجن المدني بالمرناقية
ليلة عيد الإضحى، 26 نوفمبر 2009 الموافق لـ9 من ذي الحجة 1430
ستبلُغُك سُطورُ هذه الرسالة يوماً، وإن تأخر ساعي البريد، سيبلُغك حَرفُها ورسمها، سيبلُغ رمزها والدلالة، ستبلُغك الرسالة لابد يوماً، وإن أبطىء القطار بعمي رشيد، ستنفذ… زهير إلى أعماقها وتقرأ أطيافها وتأخذك أهدابها بعيدا بعيدا.. تضيع المراحل وتغيب الضفاف…. سيبطىء القطار بعمي رشيد ، طيبٌ هو ساعي البريد، سيبطىء لأن حواجز ستُضرَب أمام الرسالة وتمتد المتاريس بطول الطريق… على عنوانها وعند ختم البريد، على صمغها..وريق تمسكت به المغاليق.
فمدننا لم تعد بينها معابر، ولا جسور ولا حقول الربيع.. فطار الشحرور بعيداً وبقيَ العَـقعَـق، فمدننا حواجز خلف الديار وبعد الدُوار وعند الطريق…تفسخت على جنبات المعابرُ علامات الطريق، لتُستنبت شارات أهل الفخامة والزعامة ورقم جديد لعهد جديد…مدننا مقاطعات يرقبُها بالزي المدني أعوانها و”حرس وطني” وأعضاده وشيخ المدينة وأصحابه وعمدة البلدة وأزلامه و رَجل لجان الأحياء وأخواته ،

قد تبطئ الرسالة لكن لن تضل الطريق ، وإن لم تبلغك سطورها..فمهلك لا تلم.. فمن ذا الذي يلوم عمي رشيد..فإن ولج الجمل في سم الخياط.. فمن ذا الذي ينازع الحواجز ويَخرق الموانع ويلج المتاريس من سمها….رجل طيب هو ساعي البريد… فمهلك لا تلم.. فمن ذا الذي يلوم عمي رشيد….؟
أنبيك..أن “حَمة الهمامي” مطلوبة حريته وأن غيبته الشريفة قد لا تطول ، وأن عتمة سجن توفيق بن بريك إن غُصبت حريته فلن تكسر أقلامه…ولن تذهب بمدادها،وأن الدكتور صادق شورو..سيذكر التاريخ أنفاسه الكريمة أبداً وترانيمه الليلية الجليلة..وسينقلب سجنه خصومه كابوسا وعلى حياتهم مرارة.. أنبيك أن فرسان الكلمات وأقلامها في بلادي سَد بيوتهم الحصار و حُشر العسس عند معابرها، أنبيك أن سياط العنف سلخت جلودهم وقـَذفت مداد أقلامهم بالخيانة..ورمَت أعراضُهم، صحفُ الموالاة، بفحش الكلام وصنوف النذالة.

سيبُلغك أن البلادَ مريضة، ..اُسرُ إليكَ:…أن البلاد إذا عم بوليسها مناكب المدائن وطمت متاريسها طرقانها..فلابد أنها تعافت قليلاً.. قليلاً.. سيزول السقم . سيبلغك أن البلاد سجينة…أسر إليك: نعم..أيْ نعم…لكن ستصبح أحلامها خيراً فخيراً..بدون ألم…سأخبرك.. أن أجوارك في السجن.. رفاق الصحيفة رفاق القلم…دعاة الحرية وأهل العلم.. فأي مدينة.. يُطرد أنبياءُها… ستشرع أبوابها يوما فيوماً… لكل قلم،… لكل المشاهد..صُورْ.. فصُورْ..
سيفيق” يحي” هذا الصباح… خروفك أقسم يا أبي…أن لا عيد له..إلى أن تعود…فكيف العمل..؟ ستجيبه يا زهير، عند الزيارة ومن غيرك يجيب: كن رجلاً يا يحي.. وقل للخروف : إنه عيد أبي..ذهب يدفع ضريبة الرجولة .. ينغص عليهم أيامهم.. ولن يطول الأمر ليعود،
فأنا يا بُني.. جعلتُ نصرهم شبه هزيمة و فرحتهم عزاء بلا سَكينة… وسطوتُ على أضوائهم وأوقعت بهم عند كمينهم.. وأشهدتُ عليهم الخلق صوتا وصورة ،
وحركتُ عسسهم وكشفت الزور في أفواه شهودهم ..فأي عيد لأبيك بغير هذي الغنائم….قل للخروف.. يا يحي..أن أبي سيعود.. قريباً يعود أبي.. وقد غنمتْ أحلامه يوماً جديداً.

صديقكم فوزي الصدقاوي

المصدر مدونة فوزي الصدقاوي على موقع الفايس بوك