دخل القضاء التونسي يوم 30 جانفي المنصرم بمناسبة نظره في القضية الجناحية عدد 2083.المتعلقة بسرقة اليخوت الثلاثة في فرنسا والتي تورط فيها عماد الطرابلسي ومعزّ الطرابلسي ( وهما صهرا الجنرال بن علي ) مرحلة جديدة من  الانحطاط المهني والأخلاقي.

إن ما شاب  المحاكمة التي شهدها ذلك اليوم  قصر ” العدالة” بتونس  من إخلالات قانونية أمرغير مسبوق .

فقد أصدر القاضي الأسعد الشماخي حكما حضوريا بالبراءة على  المدعو عماد الطرابلسي وسنة سجن مع وقف التنفيذ على المدعو معزّ الطرابلسي وسنتين مع تأجيل التنفيذ على المدعو نوفل بن عبد الحفيظ.

الجديد في قضية الحال أن القاضي أمر بأن يسجّل في محضر الجلسة حضور المتهمين الرئيسيين أي عماد ومعزّ الطرابلسي، والحال أنهما لم يحضرا بالجلسة  أصلا ، مما يعني أن القاضي نفسه شارك في تدليس مفضوح يعاقب عليه  القانون التونسي بالسجن المؤبّد،  ثم  برّأ المتهم الرئيسي وحكم على عميل صغير له بسنتين مع تأجيل التنفيذ ، كل هذا في إطار جلسة انتصبت ظهر يوم سبت خصيصا خارج الدوام القانوني وبعد رفع الجلسة الاعتيادية بأكثر من أربع ساعات وكان قصر ” العدالة” خاليا  ، بما يؤكّد نية إجراء هذه المحاكمة بصفة سرية.

إن  وقائع هذه المحاكمة دليل على أن خصخصة القضاء قد بلغت شوطا بعيدا حيث لم يعد فقط في خدمة الأهداف السياسية لنظام قائم على تزوير الانتخابات والقمع والفساد، وإنما أصبح في خدمة المجرمين الكبار طالما كانت لهم صلة قرابة بليلي الطرابلسي زوجة الجنرال بن علي.

إن هذه القضية حلقة أخرى في مسلسل انحطاط قضاء عملت السلطة السياسية دوما على منعه من الارتقاء إلى مستوى المؤسسة المكلفة بحماية الحقوق وإيصالها لأصحابها ليبقى جهازا مكملا للجهاز البوليسي ، مهمته إضفاء غشاء هشّ من القانونية والشرعية على مظالم متكرّرة .

إن القضاء ليس السلك الوحيد الذي حاد عن مهامه الأصلية فهو نفس الوضع  مع الأمن والجمارك وإدارة الجباية وكأنهم لم يخلقوا إلا لخدمة عصابات الحق العام التي استولت على السلطة.

إلا أن العملية الأخيرة التي ستبقى وصمة عار في تاريخ قضاء سجلّه حافل بما لا يحصى ولا يعدّ من وصمات العار،تمسنا في الصميم لأن العدل كان وسيبقى أساس العمران، وهذا القضاء المشين الذي أصبح يحكم بالتدليس المفضوح والجلسات الخاصة لتبرئة المجرمين هو اليوم إحدى أسباب الخراب في بلادنا.

لهذا يتوجه  المؤتمر من أجل الجمهورية للقضاة  الصامتين ليقول لهم أن الصمت  لن يعفيهم من مسؤوليتهم الأخلاقية  والوطنية وحتى القضائية يوم  يعود للشعب سيادته وللدولة  شرعيتها وللمواطن كرامته.

إنه من  حق كل التونسيين مطالبتهم بتحمل  مسؤوليتهم بإدانة  كل القضاة الفاسدين ومنهم الأسعد الشماخي وكل الوزراء الذين عملوا على إخضاع القضاء ومنهم الأزهر بوعوني الوزير الحالي ، والانخراط في الدفاع عن كرامة واستقلالية المهنة والعمل على إعادتها لوظيفتها الطبيعية التي هي بسط سلطة القانون دون تمييز والدفاع عن الحقوق والحريات .

كذلك يتوجه  المؤتمر من اجل الجمهورية لعمادة المحامين لمساءلة المحاميين اللذين حضرا هكذا محاكمة في تناقض تام مع نواميس المهنة وقوانين المحاماة باعتبارهما مشاركين في الجريمة.

وينادي المؤتمر  كل القوى الوطنية بضرورة العودة للنضال السياسي لإنهاء نظام الفساد والتزييف والقمع وإعادة بناء كل المؤسسات التي  خربها الاستبداد وعلى رأسها مؤسسة قضائية تحمي من الجريمة لا تكون غطائها القانوني.

عن المؤتمر من أجل الجمهورية

د. منصف المرزوقي