بقلم رشيد مشارك،

أعلن السيد عياض بن عاشور عن محتوى الإتفاق الذي وصلت إليه سلسلة من الحوارات الصعبة والمضنية تمت في إطار جلسات مشتركة ظمت كل الأحزاب الممثلة في الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة كان قد بادر هذا الرجل بتنظيمها منذ مدة بغاية ربط جسور الحواربين الأطراف السياسية الفاعلة بعدما أصبح هذا الحوار غير متيسر في إطار الهيئة العليا – وهي مبادرة تستحق كل التقدير وقد بين تطور الأحداث لاحقا أهميتها وحاجة مستقبل البلاد إليها.

ويتعلق إعلان الإتفاق هذا بتوضيح الرؤيا حول المسار الإنتخابي و مجمل الإشكاليات التي سترافق المجلس التأسيسي من حيث مدته وصلوحياته وأيضا تراتيب إنتقال السلط إلى هذا المجلس وتنظيمها بصرف النظر عن نتائج صندوق الإقتراع لفائدة هذا الطرف أو ذاك لأن القبول بهذه النتائج وقد توفرت كل شروط النزاهة والشفافية هو القاعدة الأولية للتنافس وهوالمبدأ الأساسي الملزم للدخول في المسار الديمقراطي.

وإذاإعتتبرنا مجمل التخوفات السياسية المتعلقة بنتائج المسار الإنتخابي بقطع النضر عن نتائج الصندوق فإن ما في إعلان الإتفاق هذا هو بالضبط ما ينادي به الداعون إلى تنظيم إستفتاء يرافق إنتخابات المجلس التأسيسي فنكون بذلك قد تجاوزنا هذه التخوفات دون الحاجة إلى تنظيم إستفتاء لما في هذا الإستفتاء من إشكاليات سياسية وقانون-دستورية يصعب إن لم نقل يستحيل تجاوزها.

ويأتي هذا الإعلان في وقته وهو يستجيب لحاجة ملحة لدى الرأي العام ليستعيد الثقة في سلامة العملية السياسية فيكون بذلك قد تدخل بصفة حاسمة في إزاحة الضبابية وتوضيح خارطة الطريق بما يساهم في تأمين المسار الإنتخابي
وهو يكتسب كامل أهميته عندما نعي درجة الخطورة التي سادت المشهد السياسي حيث يحتدم الجدل طيلة الأسابيع الماضية حول إمكانية تنظيم إستفتاء موضوعه تحديد مدة وصلوحيات المجلس الوطني النأسيسي المزمع إنخابه في الثالث والعشرين من أكتوبر القادم.

وإذا كان من الطبيعي جدا في هذه المرحلة أن تتكاثر الآراء والمبادرات لتدخل مختلف الفعاليات السياسية في جدل وحوار ومحاججة هي من سماة الحياة الديمقراطية فإن ما يثير الإنشغال هوهذا التشنج وتبادل الإتهام والتوتر في التعبير عن الموقف التي لا علاقة لها بمنهجية الحواروآدابه والذي أفضى إلى إستقطاب الساحة السياسية بين معسكر( ملتف على المجلس التأسيسي) يدعو إلى الإستفتاء وآخر( وصي على المجلس التأسيسي ) يرفض هذا الإستفتاء.

وبلغ هذا التشنج درجة من التدهور السياسي و محاكمة النوايا أفقدت الحوار موضوعه الأساسي وانزلقت به إلى متاهات تبادل التهم اللامسؤولة التي لا تساعد إطلاقا على مناقشة موضوع الإستفتاء ودوافعه و إسنخلاص ماهو عقلاني في طروحات هذا الطرف أو ذاك إلى جانب كونها دفعت المشهد السياسي نحو حالة من التوترالذي لايخدم المسار الإنتخابي.

وتجب الإشارة هنا ان هذا التدهور في المشهد السياسي والإعلامي قد تولد مباشرة من الفراغ السياسي الذي إنجرعن أعمال الإطاحة بالهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة وإضعاف دورها بالإنسحابات اللامسؤولة وبحملات التشكيك في وجودها أصلا.

وإذا لآحظنا أن هذه التجاذبات التي إكتست طابع الإستقطاب السياسي تجندت لطرفيه قوى إعلامية ومالية متنفذة دخلت على الخط بشكل يثير التحفظ وأنها تزامنت مع حالة التوترات الإجتماعية والتدهور نحو الفنتة و التصادم ومع حالة الإضطرابات الإقتصادية والتدهور نحو الإعتصامات العشوائية وقطع الطريق ومع ظاهرة التململ داخل رجال الأمن وصلت حد العصيان الذي يهدد تماسك الجهاز الأمني إذا ما لاحظنا كل ذلك نكون قد إستوعبنا أهمية الدور الرئيسي الموكول إلى كل القوى السياسية في وضع مصلحة البلاد و مستقبلها فوق كل إعتبار ومصلحة البلاد اليوم هي إنجاح المسار الإنتخابي وتأمينه سياسيا ثم أمنيا و واجب تأمين المسار الإنتخابي يفرض على الجميع الإلتزام بروح الوفاق الوطني والإقرار الثابت أن هذا الوفاق هو المدخل الوحيد لمقاربة الإشكاليات الوطنية مهما كانت درجة تعقيدها وأن ما تحتاجه البلاد لتأمين مستقبلها وإنجاح ثورتها في هذه المرحلة الإنتقالية بما فيها مرحلة المجلس التأسيسي إنما هي الحلول والتمشيات التوافقية في المجال السياسسي وكذلك في الميدان الإقتصادي الذي لم يأخذ حضه حتى الآن من الحوار وتبادل المقربات حيث تتوفر إمكانية إعداد برنامج توافقي حول جملة الإجراءات العاجلة تتناول مسألتي التنمية الجهوية والتشغيل بعيدا عن الإشهار بالإجراءات الديماغوجية التي وضعت لغاية الدعاية الإنتخابية.

إن إعلان المسار الإنتخابي هذا سوف يساهم في دعم روح الثقة لدى المواطن وتقوية الشعور بالإطمئنان لدى الرأي العام بما يدفع الناخبين إلى المشاركة الفعالة والمتفائلة في هذا العرس الإنتخابي وقد نجحت الهيئة العليا المستقلة في أن توفر له كل أسباب الشفافية والحرية والنزاهة.