المقالات المنشورة بهذا القسم تعبّر عن رأي كاتبها فقط و لا تعبّر بالضرورة عن رأي نواة

قبل تناول موقع تونس قياسا للحراك الانتخابي الحاصل في فرنسا ومصر والجزائر وما سيحدث بليبيا لا بد من التوقف عند ملامح واسئلة الانظمة الاقليمية المرتقبة واستحضار حدود ومدار العلاقات التونسية القديمة..

1.اين القديم.. انظمة اقليمية جديدة في المحك

لقد ولى وفات ، عهد لا تتأثر فيه تونس بما يحصل في الدول المجاورة خاصة وان تونس ، هذا البلد الصغير بجنوب المتوسط قد اشعل فتيلا عربيا وكونيا وجد فيه اللاعبون الدوليون الكبار ما يشجعهم على متابعة تواتر المشهد وانتشار الهشيم والاسراع برمي جذوع الحطب اليابس في بؤرة النيران الملتهبة ، عساها تعيد تشكيل الخرائط الاقليمية وتمكن من تجربة جدية للاسلام السياسي الديمقراطي القادم لامحالة، وعساها “تطير شر ” الغول القادم عبر ازمة اقتصادية عالمية لا تواجه الا بحروب الوكالة.. او الفوضى الخلاقة في زمن استحال فيه مشروع الشرق الاوسط الكبير ولا بد من خلط الاوراق عساها تفرز منفذا ومخرجا لازمات طالت وتعقدت ولم يجد نفعا فيها الاستعمار المباشر… هذا الوضع المتحرك جعل علاقة التأثير والتأثر سريعة وحادة ومذهلة احيانا.. فقد يتم التحكم في مسار الاتجاهات العامة ولكن التاريخ يفرض لونه المجهول فيخذل حسابات عديدة وهذا الامر قد يفتح به الله على شعوب مغلوبة طال نزيفها واحباطها ولكنها اليوم اصبحت تعتقد ان الثورة ممكنة وان اعتى العروش يمكن ان تنهار بارادة الانتصار الشعبية..وعموما ليس لديها ما تخسر فلا اسف على زمن الغبن والقهر ولو انه لا مناص من تضحيات كبيرة وصبر اكبر للتحكم في المصير ومغالبة الوحوش المترصدة لاعادة الهيمنة..

2. هل تودع تونس علاقاتها الدولية التقليدية

لم يعد بامكان تونس المحافظة على سياسة ناعمة تغيب عمدا مواقفها حول القضايا الساخنة وتكتفي بمقولات كلاسيكية حول المغرب العربي وتبني حيادي لبيانات الجامعة العربية والتستر بالشرعية الدولية باسلوب تعميمي..

اماماضي المبادلات التجارية فتستحوذ فيها اروبا على اكثر من 80 بالمائة وفرنسا على النسبة الغالبة للتبادل التجاري والاستثمار المشوب بفساد رجال اعمال من الطرفين ..في كنف هيمنة فرنكوفونية فرنسية تنفذ الحضانة لعدد كبير من المثقفين والاكادميين والفنانبن فلا مجال لهم لاثبات الوجود الا ضمن فلك مزاجه فرنسي يغطي جل التظاهرات الفكرية والفنية الراقية ويوفر الخبز والحرية والنجومية عبر صالونات الثقافة والابداع.

وفب مستوى اخر لا تخلو علاقات تونس من “شراكة “عسكرية ” متوازنة جدا ” مع الامريكان الداعمين بالتكوين وقطع الغيار بما فيها الات التحكم عن بعد في بعض الاحيان التهكم والاستمتاع بالفشل المخابراتي الفرنسي في تونس في مرات متتالية ..

وعلى مستوى الدول الاخرى اعتماد المسايرة دون غلق الباب دوليا امام الصفقات المتاحة للفاسدين في مختلف ارجاء العالم .
ولما كان الهاجس الامني مسيطرا على ” عصابة” المعجزة التونسية فقد انعكس خاصة على العلاقات مع الجارة الجزائر وذلك بصبغة وقائية تفعل الامتياز التونسي في مواجهة الارهاب وتصدر ذلك درءا لما يمكن ان يمارس من ضغط دولي حول خرق حقوق الانسان.
ان مجال العلاقات الدولية لتونس بمحدوديته وهامشيته كان مفعما بجوقة دعائية حول الاستقرار والنجاح الاقتصادي والثقافي يتم ختمها من قيل شهود الزور الغربيين بقيادة فرنسا الحاضنة وبتورط مخجل لعدد كبير من نخبها..وفي ظل لامبلاة امريكية متعمدة.

ان علاقات تونس التقليدية ودبلوماسيتها كانت رغم علاتها وتوظيفها لصالح العصابة الحاكمة كانت قد استفادت من نوع من الحيادية وتجنبت مساوي الانحياز الى شق دون آخر خاصة تجاه الانقسامات العربية حول القضايا الساخنة.. ولا شك ان هذه السياسة حافظت على صورة ايجابية لتونس ولم تكن عائقا امام التبادل التجاري..

وقد حافظت تونس على وضعية سلمية مع جيرانها في ظل اتفاق وتعاون على ” مقاومة الارهاب ” واستفادت من سيولة السياح الجزائريين والليبيين في ظل ازمات سياحية متكررة.. كما شكلت التجارة الموازية الوافدة عبر الجارة ليبيا متنفسا لعديد العاطلين ومسكنا لاتساع تدهور القدرة الشرائية رغم ما اقترن بها من فساد ومحسوبية عادة مايكون لصالح العائلة المالكة..

امابؤر التوتر في العلاقات الخارجية التونسية فلا شك ان التاريخ قد سجل ازمات حادة مع القطر الليبي ابرزها المحاولة الانقلابية لمجموعة المرغني في نهاية السبعينات وخلافات حدودية مع الجزائر وقطيعة مع الثورة الايرانية .. حدث هذا في عهد بورقيبة بينما وجد بن علي انسجاما مع القذافي وعايش بحذر اوضاع الحدود الجزائرية متبجحا بالتصدي للارهاب مقابل موت سريري للاتحاد المغاربي وردود فعل صبيانية تجاه قطر ” الجزيرة و ” انصياع للاملاءات الغربية المساوية بملف حقوق الانسان ونفاق متستر للجناح الشيعي ممثلا في ايران مما ازعج السعودية والكويت التي لم تنس مناصرة الشعب لعراق صدام وقد سكت عليها جبنا نظام بن علي ..

فما عساه يكون مستقبل العلاقات الدولية لتونس بعد الثورة وكيف تراقب تونس نتائج انتخابات الجزائر ومصر وفرنسا ومستقبل ليبيا..

3.الجزائر وليبيا…هواجس التأثير على المسار ..و الجار قبل الدار

ليس خافيا على احد انه لا نجاح للمسار التونسي الا بتوافق سياسي وامني فعال مع الجارتين الجزائر وليبيا وذلك اهم بكثير من النكامل الاقتصادي المنشود ..ولعله من الاكيد توقف مساعي تونس لحماية ظهرها امنيا يتوقف على اتجاهات المسار الجزائري ومدى استقرار الوضع الامني الليبي وهذان الامران موكولان للمصير الانتخابات في البلدين الجارتين غير واضحي المعالم المستقبلية بدرجات متفاوتة..

صحيح انه لا يتوقع ان تحدث الانتخابات الجزائرية البرلمانية تغييرا جوهريا في السياسة الجزائرية.. ولكن موقع العسكر في القيادة السياسية ومدى هيمنة المخابرات على القرار الحدودي قد تشهد تراجعا طفيفا له انعكاسه على العلاقات مع تونس وقد يحد من القنابل الجهادية الموقوتة ، كما ات الاتجاه المعاكس لا ينفي وجودتكامل بين البلدين يوفر حصانة وذلك اذا ما تقشعت السحب وزالت الافكار المسبقة وعرفت تونس حجمها الطبيعي وتخلصت الجزائر من عقد التفوق والسيطرة…

في المقابل السياسي تبدو الانتخابات الجزائرية عنوان استقرار ووفاف في ظل مؤشرات تؤكد الشفافية والشرعية وتستبعد عودة شبح العنف والحروب الاهلية غير المأسوف عليها جزائريا وتونسيا.. فالربيع الجزائري يكتفي بالاستناد الى ارشيف عامر بالعبر…وها هي تونس تنتظر وعليها ان تراعي اولوية الجزائر دون الوقوع في اغراء الاخوان المغاربة الحاكمين الجدد خاصة وان اذابة الجليد المركم بين المغرب والجزائر مازال بعيدا تحت وطأة الصحراء…

اما العلاقات مع الجارة ليبيا التي تشكل الخطر الاكبر اذا لم يشرع الليبيون في نأسيس اركان الدولة الجديدة وبسط النفوذ على السلاح المشتت بين ايادي الكبار والصغار…

ولم يعد الشأن الاقتصادي بمعزل عن الوضع الامني والسياسي خاصة وان تونس تعلق آمالا كبيرة على الطاقة التشغيلية لليبيا وفرص الاستثمار بها ولا تستبعد الجزائر صاحبة الطفرة المالية العارمة في مساعدة تونس خلال مآزق مالية وطاقية غير مستبعدة ، ولامجال لاغفال ارتباط انتعاشة السياحة التونسية اولا واساسا بسيولة الوافدين من الجارتين.

وبما ان الانتخابات البرلمانية الجزائرية على الابواب فان تونس لا تترقب النتائج بقدر ما ترصد تعامل السلطة الجزائرية الفاعلة ( وغير المنتخبة ) مع ما بات يعرف بالربيع العربي ناهيك ان رياح التغيير قد وضعت اقطاب الاسلام السياسي الاخواني في المقدمة وللجزائر رصيد ” مأساوي ” ادى بالنافذين في الحكم الى طر د ” شرور ” الديمقراطية ولعل ما عانته الجزائر من “ارهاب” كان ضريبة طرد الاسلاميين من دائرة الفعل السياسي بتدبير قادة العسكر و من جاورهم من الفرنكوفونيين “دفاعا” عن الجزائر ودفاعا عن مصالح طبقة نافذة احتكرت القرار السياسي والاقتصاد الاسود .. وهذا ما يجرنا الى سؤال اساسي وحاسم: هل تغير الانتخابات الجزائرية الحالية العقيدة السياسية لجنرالات العسكر الذين يحافظون على توجيههم للعبة السياسية.. وهل تؤدي الانتخابات الى وضع حد لسنفونية العنف الدموي العابر لكل مشروع يمقراطي .. ام ان “الربيع العربي” والجرح الجزائري العميق كافيان للشروع في مصالحة فعلية تبعد شبح الارهاب المتبادل بين الدولة وثلة من ابنائها.. ام ان الارهاب سيظل عنوانا تساوم به الدولة الغنية السيطرة على الاوضاع كل من يحاول ان يفرض عليها خيارات لا تروق لها..

لا اعتقد ان التغيير في الجزائر سيكون شموليا بل ستكون سمته التدرج والترقب لان صناديق الاقتراع لن تخرج عن دائرة الوجوه المألوفة ولو باختلاف النسب مما سيضفي على كثير من الشهود الاقرار بشفافية الانتخابات واستثنائتها..ولا ينتظر ازمات اجتماعية حادة بالجزائر اعتبارا لغمرة السيولة المالية المتأتية من موارد الطاقة..

اما بخصوص مستقبل العلاقة مع تونس فيبدو ان الاستقرار سيكون سمته ما استطاعت تونس ان تحترم الهيبة الجزائرية وتراعي مقاييس نظرة الجزائر لوزنها مغاربيا وعربيا..

ولعله من المطلوب دبلوماسيا ضبط اللسان وعم السقوط في تقديم مواعظ للجزائر ادراكا لخصوصية المزاج الجزائري …

اما بخصوص وضعية الحالة مع الجارة ليبيا فان الامر شديد الحساسية والخطورة فتحقيق اتخابات ديمقراطية آمنة بليبيا يعد مكسبا عظيما لتونس ..ولكنه مطلبا عزيزا.. فكلما تأخر قدوم الدولة لبسط نفوذها بقيت تونس مهددة لا بالخروقات الامنية والحدودية فحسب وانما بمخاوف العمليات الارهابية المسلحة.. دون ان نتغافل على المخاطر المحتملة لتبادل العنف بين الاشقاء خاصة مع تواصل العربدة المسلحة للثوار الليبيين على الحدود وتكرر حالات الاختطاف في وضع يمكن ان تتصاعد فيه العمليات الثأرية اذا ما سقط قتلى لا قدر الله..

ويبقى الشأن الليبي شأنا تونسيا بامتياز امنيا واقتصاديا ..

4.مصر..هل تكون ام الدتيا ام ” الربيع العربي “…

ان نجاح المسار التونسي باعتباره نموذجا ملهما ومحددا لتداعيات العدوى المحمودة يجعل تونس في مقام علي عربيا ودوليا وهذه الحقيقة لها انعكاساتها على مستقبل العلاقات الدولية لتونس خاصة لو استثمرها التونسيون وآمنوا بها وتجاوزوا ما قد يفوح رائحته دوليا من عفن الصراع الحزبي الوضيع المدمر لامهات المكاسب…فلا مناص من ان تكون تونس محورا جوهريا لما يعرف بالربيع العربي.. الا ان هذه الشجرة لا تغطي الغابة المصرية الكثيفة مترامية الاطراف… الى اسرائيل وسوريا ولبنان والخليج العربي فضلا عن قوة الجغرافيا والديمغرافيا وعظمة التاريخ والثقافة ووزن الحاضر الشرق الاوسطي المتحرك.

بمعنى آخر اذا اردت ان تعرف ما يجري في تونس فعليك ان تعرف ماذا يجري في مصر وهذا بالرجوع الى حراك الانظمة الاقليمية والنظام الدولي المرتقب وهذه الاهمية المصرية لا تتعارض مع كرونولوجيا الاحداث اليومية التي تضع الحدث المصري استنساخا لما سبق ان حدث في تونس.

وبالعودة الى أهـمية نتائج الانتخابات المصرية بالنسبة الى تونس فان مدى الرضى الدولي على تصدر الاخوان المسلمين لواجهة الحكم في مصر ينسحب ضمنيا على نظيره في تونس لان الرهان المطروح على الاسلام السياسي ليس كيفية قبول الحداثة والعلمانية والديمقراطية وانما كيفية التعايش مع النظام الدولي ومشروع الشرق الاوسط الكبير بما فيه عدم التعارض مع وجود اسرائيل في اطار منظومة ..كما يتضمن الرهان امكانيات توظيف الاسلام المعتدل للتصدي للاسلام الجهادي وترويضه.. ومن جهة اخرى الى اي مدى يمكن للاسلام السياسي السني ان يحقق التوازن المطلوب ويتصدى للزحف الشيعي “المتحرش ” بالنظام الاقليمي..

كل هذه المعادلات يدور رحاها في مصر حيث الامتحان الحقيقي والمعادلات المصيرية..

ان وضعية مصر بالشكل الذي اشرنا اليه محددة لمصير تونس لو نظرنا اليها من زاوية تقدم الاسلام السياسي المحتوم ديمقراطيا غير المضمون واقعيا باعتبار تعدد المتغيرات وغباب العناصر الدولية المحايدة او الحارسة.. ويمكن ترجمة هذه الانعكاسات في مصير الانتخابات الرئاسية المصرية ومصير العلاقة بين مختلف السلط ومدى تسليم العسكر بفسح المجال للمسار الديمقراطي من ناحية ومدى اقتتدار الاخوان في التآلف مع السلفية وجرها الى مربع الوسط الناعم المقبول دوليا ( امريكيا ).

ويمكن التأكيد ان نجاح التجربة المصرية في الوصول الى معادلة دقيقة تلائم الواقع ولا تلغي الثورة سيكون نجاحا للمسار التونسي .وليس بديهيا انه على تونس ان تكتفي بانتظار ما سيحصل في مصر لان المصريين يستفيدون كثيرا من النجاحات التونسية التي تسبقهم كمثال ومنوال وبرهان على ان التقدم ممكن ومضمون العواقب.

وفي مستوى مستقبل العلاقات بين البلدين فان رياح التغيير ستحمل تكثيف التبادل الثقافي ” السني ” وتداول اكاديمي مفتوح للعلوم الشرعية بين الازهر والزيتونة كل ذلك بنكهة اخوانية وروح فيها من الحماسة والجرأة والتجديد ما يحفز الاسلام السياسي على التمتع بنعيم الديمقراطية ولو تطلب الامر تضحيات لا بد منها..

اما بخصوص توقعات الحاصل الانتخابي في مصر فيبدو انه لا مجال لتهميش الدور السياسي للمؤسسة العسكرية حاضرا ومستقبلا ولا مجال لصعود وجوه ” متتطرفة” .. كما لا مجال لالغاء اتفاقية داوود في المدى القريب كما ان مصير سوريا لن يحسم الا بعد سنوات.. ولو رحل الاسد..

5..حيرة الانتظار الحقيقية في تونس التي توجه انظارها الى الانتخابات الفرنسية

بلا منازع.. ظل الصمت والترقب والخوف يحف مصير تونس ما دامت فرنسا الشريك التقليدي المفروض عنوة لم تفصح عن نواياها ومواقفها .. ولم تعط اشارات الطمأنة..فرنسا مهيمنة علينا تجاريا واقتصاديا وثقافي..ا فرنسا حاضرة ومؤثرة الى حد بعيد ..لو لم ترض لن يرضى وكلاؤها مستثمرين ومثقفين ومبدعين ..تونسيون ولكنهم يتنفسون اكسيجينا يفد علينا من شمال المتوسط مفعما بعطر باريسي مغمور بجوقة الابداع والاعلام والحياة الجمعياتية الدافئة الصانعة حصريا لمجتمع مدني فاعل والمحتكرة لقواميس الحرية والديمقراطية.. بلكنة فرنسية تجعل من العهرالثقافي والسيلسي والاعلامي اناقة واستتيقا ثورية..قدرا محتوما بفضل تاريخ الاستعمار و ومآلات الاستقلال وتراكم معارف التنوير والتدبير.. كل ذلك يتحول الى تفويض سياسي لا ينافسه تفويض صندوق الاقتراع .. بوابته السيطرة الاعلام و المجتمع المدني احتكار وصفة الخلاص الفريدة الوحيدة للبلاد..

.لا يعادله المجلس التأسيسي لأن مجالس الصالونات البديعة رخوة وناعمة ترفه وتوفر الحلوى بدل الخبز استحقاقا لجحافل المبدعين بناة الثورة من خلال هرولة الدقيقة بعد التسعين وبعد صافرة الهاربين..ولعل من لعب فعليا بجدية خلال الوقت الاصلي ولم تسعفه اللعبة الانتخابية سيجد في فرنسا ملجأ وملاذا..

يكاد الكل يعرف ان فرنسا ستقول قولتها.. ورغم تشنجها تجاه ما بدا ظاهره يحيل على تصريحات المرزوقي غير المألوفة تجاه فرنسا الحاضنة ولكن باطنه مبني على قراءة لمرحلة فاصلة قد يكون فيها للشريكي الامريكي مكانة منافسة لتقليد عريق قبلته فرنسية…واشارات الحكومة لتنويع المشهد الثقافي الفرنكفوني بمواز له انجلوسكسوني.. مغر خاصة وان اعضاء الحكومة ومرشديها يحنون الى عاصمة الضباب لندن ويتقنون الانجليزية حتما اكثر من الفرنسية ونعني من عاشوا المنفى في بريطانيا ونالوا شهائدها العلمية غير المألوفة تونسيا والمعتبرة دوليا..

الحكومة لتونسية تنتظر حائرة الى فرنسا ما بعد الانتخابات في جو مشحون بالاعيب جذب الحبل وسحب البساط وادراك ان “الشرك في الحجر ” بمعنى ستر العار وسط الدار وهذا الحاقا بما راج حول اجتهاد السفير الفرنسي في تشكيل الحكومة البديلة وامعانه في دعم الجمعيات المعادية للحكومة وسيطرة مسبقة على مفاتيح الاعلام من خلال قادتها الفرنكونيين..

وفي المقابل يرى الكثير من المتتبعين ان هذا الخطاب وكل هذه الامور بعيدة عن الاثبات اي انها قد تكون عارية من الصحة وتخدم نظرية المؤامرة لتبرير فشل الحكوممة واقصاء الخصوم والحد من حرية التعبير واعادة تأسيس ديكتاتورية منبعها الانغلاق الفكري وضيق الافق والجهل والتشبث بالكراسي…

كان ما تقدم مدخلا متشنجا حول تونس وفرنسا قصدنا ابراز تشنج الوضعية وحساسيتها فقد ظلت فرنسا الركن الثابت والحتمي في علاقات الدولة التونسية الخارجية.. وواستمرارا لا يرتد لازدواجية جعلت من غالبية المثقفين والمبدعين التونسيين فرنسيي المزاج بمن فيهم المحافظين والمتدينين لان القيم الثقافية لا تكون بلا عنوان وعنوان التحديث الذي شمل الشخصية القاعدية كان فرنسيا بلا منازع ..ولفرنسا فضلها.. ولكننا في مفصل تاريخي خطير ..لا ادري هل يمكنه اعادة النظر في منابع الثقافة الشعبية العصرية فرنسيا لا محالة ..ام ان مقولات الاستعمار الثقافي وتهجين الهوية واللغة ووقاحة الساسة الفرنسيين وعديد المثقفين الداعمين لبن علي الى اخر رمق وحدود المنهج واللغة الفرنسية قياسا الى لغات وثثقافات الحداثة يفرض تعديل المسار والاتجاه الى جودة المستقبل المؤمن حتما باللغة الانجليزية وتبعاتها..الاقتصادية..

كل الاسئلة تتجمع ولا تجد جوابا من خلال مستقبل العلاقات الفرنسية التونسية وحتى نتائج الانتخابات لا تحمل اختلافا نوعيا كبيرا بين اتجاهات ساركوزي وهولاند تجاه تونس فضلا عن تعدد الاعبين والمؤثرين في مصير هذه العلاقات من رؤوس اموال ونخب.. ومخابرات تتعدى الرقعة الفرنسية لتفتح لنا عبرها منفذا لاسرائيل..

اما نتائج الانتخابات الجارية..لنقل ان فرنسوا هولوند اوفر حظا… ولكن النهضة لن تكون معه اكثر حظا من دعاة الحداثة واعداء الحكومة..رغم انه يظهر اهون للنهضة من سركوزي..

بقي ان لابن جعفر الصديق المميز لهولند شأنا آخر خاصة اذا كان مرشحا مدعوما من النهضة للرئاسة ذات الصلوحيات .. وهذا امر شديد الاحتمال..عندها سنجد شرعية السؤال هل يقدر بن جعفر على اذابة الجليد بين النهضة وفرنسا..

وفي مستوى آخر هل ستنأى فرنسا بنفسها عن تحديد ما يصلح لتونس في انجاح مرسرها الدمقراطي وتعطي اشارة لمريديها في تونس بان تركة الماضي يمكن تجاوزها وان ” بابورهم زفر” ..وتكسب اصدقاء جدد يضمنون الامتداد الفرنسي الافريقي والمغاربي باسلوب جديد مغاير يضمن المصالح والوئام بفرنكونية جديدة ترضى بالتعدد الثقافي..