بداية, لا مفر من الاعتراف ان المعدنوس اكتسح منذ مدة صفحات الفايس بوك وتواصل تواتر صوره كدواء فعال يطهر الكلى والمجاري البولية ويقي من عديد الامراض الشائعة, ولا انكر انّني من بين المتأثرين بهذه الوصفات.
هل يلتحم (يلتهم ) فيروس الثورة بفيروس الثورة المضادة؟
وتواترت الوصفات بشدة عبر الصفحات حيث سجّل حضور مميز لورق الزيتون كدواء الى جانب المعدنوس والاثنان فعالان في القضاء على “ضغط الدم والسكر” وكنت لا أرى حرجا في نشر هذه الوصفات لانّها مفيدة و موضوعها بعيد عن السياسة ولا تختتم ب”ان لم تنشرها …” وخالية من التشهير و وهتك الاعراض.
ولكني فوجئت أخيرا بان المعدنوس والزيتون يتم تداولهما والزج بهما في سياق بليد وهجين ومبتذل… هل أصابهما فيروس الثّورة اوالثّورة المضادة؟
وقد تأكد منذ مدة تسرب خبر مؤسف مفاده أنّه طرأ تغيير جيني اختلط بموجبه فيروس الثّورة بفيروس الثّورة المضادة وهو يأكل نفسه اراديا. ولم يحدّد بعد اسم الجسم الجديد وهو شديد الانتشار متعدد الالوان ويجمع الاضداد ويأكل الأخضر والازرق والاحمر ويترك اليابس لاستعماله في اشعال الحريق. ومن أشد أعراضه الهذيان والهلوسة ولكن مفعوله ينتهي تدريجيا وهو ضنّيا يدعم المناعة…
وبالعودة الى حديث المعدنوس والزيتون المتداول بقوّة هذه الأيام عبر الفايس بوك ارتباطا بعزم ابن السيد بائع المعدنوس وزير التعليم العالي بعث قناة الزيتونة التلفزية.
امبراطورية المعدنوس تهدد الثورة و هذا الامر يدفعني الى عرض الملاحظات التالية:
اولا : استغرب في غباء أعداء النهضة ومعارضيها عندما يقدمون هدية جديدة فيوفرون برنامجا دعائيا لقناة قبل ظهورها هي في امس الحاجة اليه وقد تكون غير فادرة عليه.. وقد ذاع صيطها..
ثانيا :ألا يخشى ان يكون مصير المعدنوس كمصير نظارات المرزوقي فيلحقه ابن بائع المعدنوس بشعار القناة كمادة طبيعية مطهرة للمجاري خاصة وان الحديث عن صحافة واعلام المجاري اصبح شائعا في سوق الثورة؟ علما أنّ الرّمز صالح للتسويق بابراز نضال واضطهاد كفاءة علمية عالمية لم تنحني لبن علي.
كل ذلك متوقف على سعر المعدنوس ومدى خلوه من المواد الكيمياوية الخطرة و المستوردة.. واهمية صابة الزيتون والقدرة على الترويج ومواجهة المنافسة .
وبما ان القناة تقدم نفسها كتكتل شبابي مبادر وعازم على خوض تجربة اعلامية دون رهبة من الفشل الذي لئن حصل سينمي حصيلة التجارب ويكون مستفيد من التجربة والخطأ لان الرهان يطرح كل الاحتمالات وهذا يشير اساسا الى غياب استثمارات ضخمة .. وغياب المراهنة على شخصيات اعلامية مشهورة او هكذا يقدمها صاحب المشروع كلعبة شباب طموح.
ثالثا : صحيح ان قضية المعدنوس تحيل على استغراب تمويل ابن بائع المعدنوس لقناة فضائية وبالتالي فان الامر وراءه تمويل خارجي واجندات استعمارية مما يجعل المعدنوس يهدد الثورة (اوالثورة المضادة )خاصة وان سعره مرتفع هذه الايام وستشهد اسهمه ارتفاعا كبيرا في شهر رمضان لا لزيادة الطلب وانما لان انطلاق بث قناة المعدنوس سيكون في شهر رمضان.
الا تكون هذه الدخلة القوية والمضادة للزيتونة وللمعدنوس خطيرة فيصبح ابن بائع المعدنوس صاحب امبراطورية اعلامية كمردوخ او بلقايتس الذي لم يبع المعدنوس ولكنه كان فقيرا معدما؟
كل ذلك متوقف على سعر المعدنوس ومدى خلوه من المواد الكيمياوية الخطرة و المستوردة.. واهمية صابة الزيتون والفدرة على الترويج ومواجهة المنافسة…
اما حكاية الزيتونة فتحيل الى قناة النهضة زمن التهجير ايام الاضطهاد غير المخلوع اعلاميا وماليا وتجمعيا حكومة و معارضة..و قناة الزيتونة ادارها الدكتور رفيق عبد السلام فلا غرابة في السؤال والخوف لان الاعلام جواد لا يركبه –عادة- الهواة الابرياء الطيبون.
و أمر التمويل مسألة في غاية الاهمية.. ولكن من يمول نسمة وحنبعل؟ ثم وأساسا من يمول كل هذه القنوات الجديدة؟ التونسية و تونسنا و تونس العالمية و الحوارالتونسي و غيرها كثير… دون أن ننسى الجرائد والاذاعات الجديدة… هل تبث “بلاش ” ولله ومن اجل الوطن؟ أم انها مقاولات تجارية وسياسية؟
للعريضة قناتها وللمعارضة حصصها القارة في جل القنوات وللطرابلسية نصيبهم وللتجمعيين حصتهم .. وللنهضة نصيب ..ولكن لايمكن منع الاطراف المتصارعة من الولوج الى الاعلام لان الامر جزء من لعبة الديمقراطية والتعددية..وضريبة للحرية…
ان من يفتك مساحة اعلامية عليه ان يجتهد قي تقديم ما ينفع الناس… من يستفيد من الفوضى الاعلامية ؟
أصبحت سوق الاعلام شبيهة بالسوق الفوضوية الموازية مثل من يتاجر بالمحروقات و المواد المسرطنة. لا بد من بعث هيئات وطنية لتقنين القطاع و للحد من الضرر وذلك بسن قوانين واضحة تمنع ما يضر بالمصلحة الوطنية وتتضمن خاصة:
– تقنين حماية اللغة العربية و الهوية والمقدّسات و الاخلاق.
– معايير جودة لحصص الاطفال والناشئين بالاستناد الى مرجعية المشروع التربوي للمجتمع واولوياته.
– تنظيم ضوابط الاشهار التجاري وحماية المستهلك وتحديد نسبته من البث وأوقات بثه وحدود مساحته وضوابطه و محتواه.
– معايير وضوابط الاشهار الحزبي وحدوده وحقوق الرد ومراعاة التوازن.
– و مراعاة اهمية المحافظة على القيم والاخلاق المتفق عليها تونسيا و عربيا واسلاميا وانسانيا.
– ضرورة حماية الانتاج الوطني السمعي البصري بتخصيص نسبة الزامية كحد ادنى ضمن البرمجة مفصلة حسب المجال (الدراما, الاغنية,المنوعات, الفنون..)
– الالتزام بمعايير ومواصفاة الجودة التقنية و الفنية وتحديد حصص الزامية في انتداب المحترفين في الصحافة وفي الاختصاصات التقنية.
– الالتزام بتخصيص مساحة حصة دنيا من البرمجة للثقافة والنشاط الجمعياتي و الانشطة الجهوية.
– الالتزام بمساحة دنيا للتوعية الصحية والوقاية من المخاطر والسلامة و مجالات الاتصال الاجتماعي.
– الاهتمام بالابداع والابتكار والتعبير.
– بث القيم الاخلاقية النبيلة والتعايش والتسامح ونبذ التعصب والتفرقة والتمييز.
– بث قيم المواطنة والديمقراطية وحق الاختلاف و تشجيع الحوار ومراعاة الحق في الاخبار و الحصول على المعلومة.
– احترام اهمية الاولويات الوطنية في الأمن واجتناب العنف والتعايش والتطوع وحماية الفئات ذات الخصوصيات ودعم التعايش والتكامل بين الجهات والاجيال والاعراق والاديان والفئات ذات الاحتياجات الخاصّة.
باختصار النسج على منوال الدول الديمقراطية.. ولكن عدم اعطاء اولوية لهذه الضوابط والمعايير وتكيييفها حسب تخصص القنوات وهويتها واهدافها يعود الى هيمنة “التنبير” الحزبي الضيق وعدم قدرة النخب على تجاوز عقدها وامراضها.. كما ان اصرار ذوي المصالح المتناقضة مع الثورة على اتباع سياسة الارض المحروقة حتى يتسنى لهم العودة الى الهيمنة..
الفرص الضائعة..اهداف مضادة
الا يفترض في تونس ان يشكل فضاء استثماريا اعلاميا وثقافيا ضخما يفتح الأفق لقدرة التونسي على التكييف والابداع باعتبار مكسب الحرية وموقع تونس الجيو سياسي المتميز واهمية الكفاءات التونسية القادرة على اعادة صياغة نفسها, فتمتد المدن الاعلامية والمراكز الثقافية ليجد كلّ ضالّته في ما ابتغى. أم ان تبادل الغزوات الوهمية وصناعة الميليشيات التحررية والدينية نتيجة العجز عن المواكبة وتوجيه الظرف التاريخي لاقتناص لحظة فعل وبناء تفوت الفرصة على الاشرار المتربصين بالامّة وبالوطن؟ وأشد الشرور ما هو كامن في ذواتنا لاننا كرها كنا نتاجا لتراكم عريق للانحطاط والجهل والاستبداد…
يبقى الاهم حماية البلاد حتى تكون لا شرقية و لا غربية.. بل تونسية.
أردت أن أكمل قراءة المقال و لكن بذاءة المصطلحات و تفاهة التحليل حالت دون ذلك و كما يقول المثل التونسي ” من ريحتو تعرف عشاه” فإن هذا المقال من بدايته يبدو منحطا لا يرقى إلى مستوى موقع نواة للأسف لا أدري كيف تم قبول نشر مثل هكذا مقالات.
إذا كان هناك من داع لمهاجمة قناة لم تبدأ البث بعد فهنك دواع و ليس داع واحد لمهاجمة و نقد قنوات تبث منذ سنين عجاف الرداءة و البشاعة و القباحة.
تحية للمحررين
لقد افرزت عهود الاستبداد التي جاءت بعد عهود الاستعمار و من قبله عهود الانحطاط انماطا من التفكير المعادي لكل نفس اسلامي و اي مشروع يعيد لهذه الامة مكانتها و ريادتها التي كانت عليها و يعمد اصحاب هذا المشروع الى الاساليب المنحطة و السخيفة لتعطيل هذا المشروع بكل ما أوتوا من قوة و خبث فتراهم يكيدون و يحرضون و يبثون الأراجيف و يحرضون على الإقتتال و التدابر , لاهم لهم إلا الفوضى و لاغاية لفعلهم إلا التمكين للمستعمر أو لزبانيته و مهمى إدعى هؤلاء من وطنية و إلتزام فإن أقوالهم قبل أفعالهم تنبئ عما يخططون له و يسهرون من أجله الليالي و لن أرد عما جاء في هذا المقال فقد جاوز فيه صاحبه حدود اللياقة و الأدب ولم يبلغ فيه من العلم إلا مبلغ المتطفلين و المتفيهقين عما لايعلمون.
إن الخوف من المشروع الاسلامي هو مرض يمتد من جميع البلدان التي عادت هذا المشروع منذ الحروب الصليبية إلى كل الطوائف التي تعيش اليوم بين ظهرانينا و تدعي إنتماؤها لهذه الأرض في مفارقة مرضيه فريدة بين الأمم فمعادات الأفراد لأوطانهم تأتي في سياقات تاريخية تجد لها تفسيرا غير أن ما يقوم به هؤلاء هو المرض الذي ليس منه شفاء.