حقّا ، التّمهيد، كان بانلك صعيب و كسّرلك كرايمك، نقّزو و تعدّا للّي بعدو. فيه جوست توضيح للمقاربة المعتمدة.
تمهيد : قبل كلّ شيء، لابدّ من التّذكير بأنّ النّقد ، كممارسة عقلانيّة، له طرائقه الخاصّة كلّما تمّ تطبيقه على مجال ما ، و قواعده الفكريّة الأساسيّة. فالنّقد ، ان أردنا مثلا تسهيل ما أورده كانط ، هو نظرة من “العقل الخالص” أو “العقل المحض” ، ذاك اللّذي يتناول جواهر الأشياء و يتناول الأفكار حسب منطق صوري “متعالي” (يعني لا يولي أهمّيّة لشيء غير العقل و المنطق). المقصود بعبارة “منطق صوري” ليس “المنطق” المذكور في “مدرسة المشاغبين” ، بل هو المنطق الضّمني للأشياء في ذات نفسها. للكرة منطقها، للسّرقة كذلك، للعلوم بكافّة تصنيفاتها، للحياة العائليّة منطقها… كلّ نشاط انساني له منظومته المنطقيّة الخاصّ، و منظومته الأخلاقيّة المضمونة بجوانب من هذا .المنطق. يصير هذا المنطق صوريّا حين نجرّده من دوافعه و غاياته و تفسيرات تمظهره لننظر إلى كنهه فقط. هذا المنطق الصّوري من مشمولات العقل المحض، بينما للأشياء كذلك “منطقها الممارس” و اللّذي يولّد حججا و خطابا كاملا يستقي نفسه من المنطق الصّوري. هذا “المنطق الممارس” من مشمولات ما يسمّيه كانط ب”العقل المطبّق”.
. توجّه هذه النّظرة لل”عقل المطبّق” و نتائجه. أي هو نشاط عقليّ قبل كلّ شيء، يسائل ظواهر نشاط إنساني إنطلاقا من “ما كان يجب أن يكون” ، مقارنة إيّاه ب”ما كان” و أحيانا تكون منطلقا لمقاربة ل”ما يمكن أن يكون”. “الجدليّة” هي مرحلة مرور النّقد من المقارنة للمقاربة، فالمقاربة تتطلّب مراوحة بين المنطق المحض و المنطق الممارس لتقترح “منطقا ممارسا جديدا” يتجاوز ما كان متاحا و يقترح كذلك (في أحسن الحالات) “منطقا محضا” جديدا يتجاوز المنطق الصّوري المعتمد قبل المقاربة الجدليّة.
حين يتوجّه النّقد للعمل السّياسي، يصير نفس الشّيء. يتمّ استخراج المفاهيم و الأهداف و المبادئ و الأفكار الأولى (العقل المحض) ، و يسائل تطبيقها (العقل المطبّق) ، على الأقلّ هذا ما أحاول فعله الآن لتبيان أسباب فشل الحراك المرغوب يوم 23 أكتوبر.
الملاحظات :
ما كان مرتقبا، حسب ما تمّ توارده على الصّفحات الفايسبوكيّة منذ شهور، هو حراك شعبيّ عارم ، على خلفيّة فشل التّرويكا و تحوّل التّأسيسي من مؤسّسة ذات سيادة من مهامّها إرساء قواعد “الاتّفاق الاجتماعي” العام اللّذي سيعيش في إطاره التّونسيّين بعد تعبيرهم القويّ عن رغبتهم الملحّة في تجاوز المنظومة السّياسيّة اللّتي عرفتها البلاد سابقا، إلى مجرّد لعبة بأيدي سياسيّين احترفوا معارك المواقع من أجل المواقع. فتحوّل التّأسيسي من خطوة مهمّة للبناء المجتمعي، إلى حجّة للسّلطة. و قد رأينا تركيز الخطاب الحكومي على شرعيّة ما ، في الأشهر الفارطة، كما لو أنّ الإشكال اللّذي أودى بعرش بن علي كان مجرّد إشكال سياسوي. ذاك هو الخطاب اللّذي تمرّنوا عليه في دوراتهم التّكوينيّة في مراكز دراسة “العالم الحرّ” على أيدي “النّماذج النّاجحة” الآتية من الدّول المنعتقة من هيمنة الدّبّ الرّوسي ، المنصهرة في حبّ “العالم الحرّ” هناك. في هذه الدّول (المقصود خصوصا أوكرانيا و جورجيا) ، حيث تمّ “تشليك” كلمة “ثورة” ، يستقيم الخطاب الحاليّ للتّرويكا عن الشّرعيّة ، فقد تحرّكت الجماهير هناك حينها لمساءلة نتيجة انتخابات و فرض نتيجة أخرى. هذا الوضع يختلف جذريّا عمّا صار في تونس ، حيث كان بن علي يتمتّع بنفس الشّرعيّات اللّتي تتمتّع بها التّرويكا الحاليّة، وهي الشّرعيّة المؤسّساتيّة و الحزبيّة و الإعتراف الدّولي. ألم يتحدّث بن علي دوما عن “دولة القانون و المؤسّسات”؟؟؟ ألم يسجن و يشرّد و ينهب، “بالقانون” ؟؟؟ ألم يكن محلّ “حظوة” و “ترحاب” أينما حلّ؟؟؟
انتشار الدّعاوى لتحرّك شعبيّ قويّ يوم 23 أكتوبر، رافقه مواقف و خطابات “المعارضة” بأنواعها، الباحثة لها عن موقع تحت الضّوء. امتهنت هذه المعارضة ، منذ اختيارها عدم الإعتراف بهزيمة قاصمة، تتبّع أهواء بني الفايسبوك ، و بني الصّوت السّاخر و المستهجن للتّرويكا. و لغاية الحدث الكلمي الإعلاميّ، تواردت تذكيراتهم القويّة ، و مزايداتهم حتّى صار يخال الواحد أنّ يوم 23 هو التّاريخ اللّذي تنبّأ به قبائل المايا و الخزرج لنهاية العالم. تركت هذه التّصريحات انطباعا لدى العديد من الشّباب بأنّ آلاف التشي غيفارا سيقتحمون الشّوارع يوم 23.
من الجدير هنا الإشارة و التّركيز على “صدق نيّة” -يقارب البلاهة أحيانا- العديد من الشّباب و من النّشطاء و الحركيّين، خصوصا الجدد منهم ، و شبه انعدام خبرتهم السّياسيّة اللّتي لا يضاهيها إلاّ توقّد حماسهم و اندفاعهم و بحثهم عن “مراجع” و “قدوات” خارج أنفسهم. فمن المفروض التّأكّد من جدّيّة طرح “المعارضة” و مواقفها من هذا التّاريخ، لا الإنسياق وراء مواقف شفويّة. لم يطرح أيّ حزب، في أقصى أيّام “الإحتقان” ضدّ التّرويكا، بطريقة واضحة ، الإحتجاج في الشّوارع كخيار سياسيّ واضح لا رجعة فيه. ، و ذلك لإلى حدّ أسبوع من الحراك المرتقب، هذا الحراك اللّذي ظلّ السّياسيّون يلوّحون به، مذكّرين “بانتهاء الشّرعيّة” يوم 23 أكتوبر. لكن ، كما فعلت التّرويكا في خطابها ، لم يتمّ تحديد عن أيّة شرعيّة يتحدّثون. فباتت الحكاية مجرّد ضغط سياسي، على خلفيّة “شرعيّة مرجوّة” لا ينطق اسمها أحد كي يظلّ الباب مفتوحا . الشّرعيّة اللّتي تحدّثوا عنها ، لا تعدو أن تكون “شرعيّة وفاقيّة” كتلك اللّتي سمحت للمبزّع بالبقاء في الرّئاسة، و زيّنت هيئة بن عاشور، و ضمنت استمراريّة بنية الدّولة التّحتيّة الى حدّ 23 أكتوبر 2011.
الشّرعيّة الوفاقيّة ، جزء مهمّ من الشّرعيّة السّياسيّة. لكن الوفاق يفترض نقطة مهمّة ، ألا وهي موقع واضح للتّحاور و التّفاوض و الاتّفاق. و كما يقول كيسنجر : “التّفاوض لا تحكمه النّيّات و الإبتسامات على الطّاولة ، بل يعنيه فقط طول الظّلّ تحت الطّاولة”. إذن ، فمقاربة الحجم السّياسيّ مهمّة جدّا حين التّفاوض. وهذا التّفاوض أسهل ممّا يمكن تصوّره، فهو يتمّ في مشرب التّأسيسي ، أو في أحد الأماكن بين أفراد يمارسون السّياسة يتباسمون و يتبادلون الحديث المرمّز و يجسّون نبض بعضهم. هكذا كانت السّياسة و لا تزال.
من جهتها ، عملت الأحزاب و الكتل، كلّ من جهتها على تصعيد الخطاب و تصوير يوم 23 كيوم يحجّ فيه النّاس للالتحام بالمناضلين السّياسيّين الشّجعان. لكن القارئ للسّياسة ، قبل أن تنطلي عليه هذه الدّعاوى، ينتظر الفعل السّياسي. و ما حصل منذ جوان الفارط لم يعد أن يكون مجرّد توافر فرص في الشّارع ترفع فيها الأعلام، و تستعمل فيها الصّور لتبيان الحجم السّياسي، أهمّ مكوّن في “ظلّ كيسنجر”. و فرص للعمل السّياسي الدّعائي عبر وسائل الإعلام و التّصريحات. لكن ، لم يتخطّ أيّ طرف سياسي الخطّ الفاصل بين الدّعاية و تأصيل الخيار السّياسي. هذا الخطّ واضح. إن كان الحزب الفلانيّ صادقا في مسعاه حين ينادي بانتهاء الشّرعيّة ، فهو سيكون أمام حالة من اثنين :
– إمّا ممثّلا في التّأسيسي ، و هنا الفعل السّياسي الواضح هو الإستقالة يوم انتهاء الشّرعيّة كي لا يكون بدوره غير شرعيّ. و أوّل خطوة هي -على الأقلّ- التّلويح بالإستقالة في وثيقة حزبيّة رسميّة.
– إمّا غير ممثّل في التّأسيسي ، و هنا الفعل السّياسيّ الأدنى هي التّصريح الحزبي الرّسمي بعدم الاعتراف بأيّ مؤسّسة بعد تاريخ 23 أكتوبر، و المناداة بحلّ التّأسيسي أو حوار وطني أو …
في هاته الحالتين، يكون الضّغط و التّهديد واضحين ملزمين. غير أنّ للأحزاب منطقها و حسبتها، فكلّ طرف يعرف أنّ هذا الموقف قد يستبعده إن بدأت باقي الأطراف في الوصول إلى اتّفاقات ما. هنا ، كان خيار الأحزاب واضحا : الإلتفاف وراء اتّحاد الشّغل. فإن نجح ، يستطيع الحزب (أيّ حزب) ادّعاء مساهمته و دوره و وزنه. و إن فشل ، فما على الحزب ملامة، ففي الآخر، تلك مبادرة الإتّحاد. في سياق رفض التّرويكا مبارزة “نداء تونس” اللّذي فرض نفسه ككائن “صوريّ” و المخاطرة بالبروز وحيدا في مواجهة الباقين (جبهة + جمهوري + اتحاد + نداء) ، و جّهت هذه الأخيرة رسالة واضحة لباقي المكوّنات السّياسيّة ب”الحضور الحكومي”. فمكوّنات التّرويكا ترفض آنيّا مبارزة حزبيّة واضحة المعالم (لعلّها لم تجزم موقفها للاستحقاقات الانتخابية القادمة لكن تريد الحفاظ على صورة الوحدة المطمئنة) لكنّها لا ترفضه بصفة قطعيّة ، و تخيّر الحديث باسم مؤسّسة الدّولة (المشتركة) عوض الحديث باسمها. فالرّفض ليس قطعيّا بقدر ما هو ظرفي. و هذا اعتراف ضمنيّ لباقي المكوّنات بالقوّة و بامكانيّة إعادة احتساب القوى. يومها، سقطت آخر امكانيّة مشاركة للأحزاب في حراك ذا طابع ثوريّ على المدى القصير.
نستطيع كذلك تصديق فرضيّة أخرى، ألا و هي تدخّل الجيش لفرض التّهدئة على جميع الأطراف. لكن هذا يفترض قابليّة الأحزاب للتّهدئة من جهة، و من جهة أخرى يفترض قناعة المؤسّسة العسكريّة بإيجابيّة الرّدود المرتقبة، فهاته المؤسّسة لن تغامر بمكانتها و سلطتها الخاصّة المتعالية لتدخل في مواجهة -ولو لفظيّة مخفيّة- مع أحد الأحزاب. و في هاته الحالة أيضا ، تكون المؤسّسة العسكريّة وفّرت فقط فرصة لإعادة تنشيط “الشّرعيّة الوفاقيّة” و آليّاتها.
هذا عن الجّانب السّياسي من منظور الأحزاب، بعجالة. نمرّ الآن للجانب السّياسي الإحتجاجي. الحدث “المرتقب” سابقا يوم 23/10 ، أخذ بريقه من ادّعائه استدراك الحراك السياسي/ الثّوري /الشّعبيّ و مواصلته. و للحراك الثّوريّ الشّعبيّ أيضا منطقه. أستعمل نعت “ثوريّ” لأنّ حراك 23/10 قدّم نفسه في نفس سياق المطالب الأولى للثّورة ، و في نفس ا سياق الرّوح التّمرّديّة أمام سلطة غيّرت رجعيّتها لكنّها لم تغيّر نهبها و قمعها. أستعمل نعت “شعبيّ” لأنّ الحراك سوّق نفسه كحراك يهمّ كافّة الشّعب التّونسي ، و أستعمل نعت “سياسي” لأنّ الحراك اقترح نفسه في يوم ذا بعد رمزيّ سياسيّ مباشر. من جهة العمل الثّوريّ، فله قواعده ، و نستطيع تقسيمه إلى نوعين :
– العمل الثّوري “الفردي” : تقوم به مجموعات صغيرة العدد ، لا تعير للامتداد الشّعبيّ لعملها أهمّيّة ، بل لوقع العمل و مدى مطابقته للمبادئ الأولى للثّورة فقط. و هذا العمل يتّسم دائما بالرّاديكاليّة : سواء على مستوى الخطاب أو على مستوى الفعل. و العمل الثّوريّ الفرديّ يتطلّب السّرّيّة المطلقة أثناء التّحضير، المفاجأة، المباغتة، الوقع الإعلاميّ “بعد” العمل. و لهذا النّوع من العمل عديد الصّيغ ، كالمجموعات الفنّيّة اللّتي تخلق ذاتها في الشّارع ، و كالمجموعات اللّتي تنبش قضايا لا تحظى بالتّغطية الموالمة ، أو كالمجموعات الثّوريّة الرّاديكاليّة اللّتي تتّخذ من العنف الثّوريّ (بمختلف مستوياته : الرّمزي و المادّي) طريقة للعمل. حسب منطق هذا العمل ، فيوم 23 أكتوبر، و لإبلاغ و محاولة فرض انتهاء الشّرعيّة ، الواجب هو اقتحام التّأسيسي على الأقلّ في عمليّة نوعيّة. وهو ما يمكن أن نعتبره استحالة عمليّة، نظرا لعدم بلوغ راديكاليّينا درجة من الإلتزام ، و عدم بلوغ البلاد درجة من التّأزّم الخانق، اللّتي تسمح بمثل هذه الأفعال.
– العمل الثّوري “الجماعي” : يختزن هذا العمل على مقدار أدنى من العنف الثّوريّ الرّمزيّ على الأقلّ ، و يعوّل هذا العمل على الإمتداد الشّعبيّ. الصّيغ هنا ليست في نفس تعدّد صيغ العمل الثّوريّ الفرديّ نظرا لعدم عودتها أساسا لوعي أفراد بقدر عودتها لوعي جمعيّ معيّن اختزن في لحظة معيّنة جمعت مجموعة كبيرة من النّاس في نفس المكان من أجل نفس الهدف. في مثل هذه الحالات، تير الشّجاعة أسهل، بينما يختفي مستوى معيّن من الخطاب، ليأتي مستوى أدنى “يشعبن” الطّرح السّياسيّ المنشود. إذن ، في هذا النّوع من العمل الثّوري، يعتبر الامتداد الشّعبيّ الكمّي ساعة الحركة أهمّ عامل. لذلك من المهمّ ضمان حشد أكبر عدد ممكن من النّاس للحراك، مع ما يتطلّب ذلك من عمل و قدرة خطابيّة. الصّيغ معروفة و متداولة، و هي المظاهرات و الاعتصامات و الوقفات و المسيرات ، و في أقصى الحالات الإضراب الوطني العام و العصيان المدنيّ. و لكلّ صيغة منطقها.
من الواضح أنّ “23 أكتوبر” كان من المرتقب أن يكون من النّوع الثّاني. حراك ثوريّ ذا امتداد شعبيّ. أوّل شروط مثل هذا الحراك، قبل كلّ شيء، هو تواجد التّنظيم المسبق. أعزّائي، أصدقائي، مرحبا بكم : لا يوجد شيء في السّياسة اسمه “عفوي”. لم تكن الأحداث بين 27/12/2010 و 14/01/2011 و بعدها حتّى القصبة 2 ، عفويّة. لم يكن فيها “عفويّا” سوى ما بعد التحام المحتجّين بالأمن. لكنّ “العفويّة” كانت خطابا مهمّا في فترة كان من السّهل (كان؟؟؟) فيها رمي النّشطاء بالعمالة للأجنبيّ ، و كان فيها درس “الرّديّف” حاضرا في الذّهون. لدواع أمنيّة ، تستّر النّشطاء عن أنفسهم و عن الزّعامات المحليّة، و ساهموا في تغذية “وهم العفويّ” كاحتياج مرحليّ حياتيّ. ثمّ” تحوّل هذا التّستّر في فترة أولى من احتياج أمنيّ إلى التزام أخلاقيّ أمام الشّهداء. “العفويّة” تأتي بعد أن يصرخ النّاس الحاضرون بأعداد غفيرة بالشّعار الأوّل. لكنّ “الحاضرين” و صراخهم و صورهم هو عمل يتمّ التّخطيط له من قبل.
كيف يتمّ التّنظيم لمثل هاته الحراكات؟؟؟ لن أدخل في غياهب تقنيّة، فذلك ليس الإشكال المطروح. لكن للتّنظيم منطقه اللّذي يستند لإليه. في تاريخ البلاد التّونسيّة، على الأقلّ الحديث و المعاصر، لم ينطلق حراك احتجاجي و اجتماعي و شعبيّ من العاصمة -أيّ عاصمة- ، بل ينطلق من الحواشي و المناطق الشّبه-قاحلة و المناطق المهمّشة، لكي تكون العاصمة هي المرحلة الأخيرة، مرحلة التّتويج، سواء كان الحراك ناجحا أم لا سياسيّا ، فبلوغه للعاصمة تتويج رمزي و عامل يفرض التّأثير. و اسحب من العاصمة للمدن الكبرى حسب أهمّيتها الرّمزيّة. عدم بلوغ العاصمة و المدن الكبرى لا يشكّل فشلا تامّا ، بل يشكّل خطوة مهمّة تؤثّر تكتيكيّا و استراتيجيّا، خذ كمثال الحوض المنجمي اللّذي ، و إن لم يبلغ أهدافه ، فقد فرض التّفكير و العودة لمشاكل توزيع ثروة الفسفاط و أعطى للحوض المنجميّ سلطة رمزيّة خاصّة. كمثال للحراكات الأخرى اللّتي بلغت العاصمة ، نذكر الفتنة الباشيّة الحسينيّة اللّتي فرضت تصوّرا لدولة الجباية ، ثورة علي بن غذاهم، ثورة الفراشيش في العشرينيّات من القرن الماضي، الحركة النّقابيّة، حركة التّحرّر الوطني (لاحظ كيف عمل بورقيبة و الدّساترة الأوّلين على كسر مركزيّة تونس و الإنطلاق من قصر هلال في جولة عبر كامل الجمهوريّة، ثمّ كيف انطلقت الإضرابات من قفصة لصفاقس للقيروان ، ثمّ كيف انطلقت المقاومة المسلّحة من الكاف و القصرين و قفصة ، لتصل تونس و تفرض على المقيم العام واقعا سياسيّا جديدا) … ما صار في تونس بين 27/12/2010 و 14/01/2011 لم يخرج عن هذا النّسق. لكن ما حصل بعد 14/01/2011 أضاف عاملا جديدا لهذا النّسق، باعتصام القصبة 1 ، حيث تحرّك أبناء المناطق الدّاخليّة و كانوا كتلة شعبيّة أثّرت على السّياق التّاريخي و الواقع السّياسيّ. بعد القصبة 1 ، صار هناك معطى جديد أثبت نجاحه و تحلّى بأحلى الأغطية الحجاجيّة (وحدة الوطن من مختلف جهاته، انتفاء التّفاوت الإجتماعي، الإلتحام النّضاليّ العفويّ، الشّحنات العاطفيّة) … حينها برز تفسيران ، الأوّل لدى ساسة اليسار التّقليديّن اللّذين تذكّروا مقولة ماويّة جاهزة (الرّيف يحاصر المدينة) ، بينما لم يصل التّناقض ريف/مدينة في تونس حدّته في صين ثلاثينيّات و أربعينيّات القرن الماضي من جهة، و من جهة أخرى لهذين الطّرفين علاقة خاصّة بنياها عبر التّاريخ تجعلهما ملتحمين يتقاسمان الأدوار و الشّتائم. التّفسير الثّاني كان مجرّد ملاحظة تقنيّة “كي تضمن امتدادا شعبيّا لحراك ثوريّ، لابدّ من جلب أبناء مختلف المناطق الدّاخليّة” . على هذه الملحوظة قامت القصبة 2 ، اللّتي ابتدأت بمجموعة نشطاء و مناضلين ميدانيّين، منهم من ابتدأ وعيه السّياسيّ يوم 11/01/2011 و هم أغلبيّة حتّى. بعد أن جرّب هؤلاء النّشطاء (المنظّمون الأوّلون للحراك) جسّ نبض الأحزاب اللّتي اختارت الشّارع حينها، و كانت اجابة الأحزاب واضحة : قواعدنا هنا ان صار شيء، لكن لن أعينك بشيء الآن ، و لن أعطّلك ، قرّروا البدء في الحراك بمفردهم و “توريط” أبناء المناطق الدّاخليّة، فكان “افتكاك” القصبة ليلا منظّما من قبل نشطاء من تونس العاصمة فقط ، و ركّزوا خطابهم على أنّ أبناء المناطق الدّاخليّة هم من أعلنوا الإعتصام رغم أنّ أوّل 48 ساعة كانت “عاصماتيّة” بحتة، و تمّ فتح قنوات الحوار مع النّشطاء بالمناطق الدّاخليّة، و ثمّ تمّ جمع مبلغ أوّليّ من المال لاكتراء حافلات (3) تقلّ النّشطاء اللّذين أعلنوا رغبتهم في الإلتحاق … و بعدها ، كانت “القصبة 2” بمختلف مراحلها و تداعياتها.
الأمر واضح إذن. من أوكد جوانب الإمتداد الشّعبيّ، هو حضور أبناء المناطق المهمّشة الدّاخليّة، لتمرّسهم على الخطاب الشّعبيّ أكثر من غيرهم ، و لفاعليّتهم، و لأهمّيتهم في “الطّابع الوطني”. كيف ، كم ، من … تلك مسائل تنظيميّة.
كم كان حضور أبناء المناطق الدّاخليّة ، نسبيّا؟؟؟؟؟ هل تمّ التّخطيط لخطوات معيّنة لهذا الحراك؟؟؟ بل ، هل تمّ تخطيط أوّلي للحراك؟؟؟ … استباقا لسؤال “و لكن من سيخطّط” ، الإجابة سهلة : “أنت”. و استباقا لسؤال يداعب شخصيبقول : “ما دمت تعرف، لم لم تبادر؟؟” الإجابة واضحة من فرط تكرارها : “تاريخ 23 أكتوبر لا يعني لي شيئا الآن ، و الشّرعيّة سقطت بالنّسبة لي يوم نظّر الجميع للنّظام الدّاخليّ كمعركة مصيريّة بينما تمّ التّغافل عن المشاكل الأساسيّة” … و ان كنت تعتبر، أيّها القارئ المنتظر خطوة ثوريّة جديدة، أنّ لا حقّ لي في اسداء نصائح، فلا تقرأ جملتي التّالية و أرح نفسك. هي نصيحة واحدة : لا تعوّلوا على الأحزاب، و لا تغلقوا الباب في وجه قواعد الأحزاب، فالقواعد دائما تأتي دون استشارة القيادات و تفرض واقعها ان اقتنعت بامكانيّة عمل ثوري ذي امتداد شعبيّ. لكنّ هذه الأحزاب لن تبادر لمثل هذا العمل، فذلك خطر عارم عليها. و الأحزاب ترنو لأن تحتلّ السّاحة السّياسيّة، بينما تقتضي الثّورة العمل على إعادة تشكيل ساحة سياسيّة جديدة.
لا تكونوا حطبا للأحزاب ، دعوا الأحزاب تكون حطبا لكم.
و شكرا على وسع البال :)
Bonjour,
Juste une réaction à chaud. Et de loin aussi. Oui, elle est terrible la géographie, un peu comme “est terrible le petit bruit de l’oeuf dur cassé sur un comptoir d’étain”!!
Le texte est intéressant, en ce sens qu’il pourrait constituer une base de discussion sur le travail révolutionnaire. Néanmoins certaines questions doivent être posées au préalable: y a-t-il eu révolution? Auquel cas, combien de temps a-t-elle duré et qui l’a faite? L’auteur semble y répondre, mais seulement en filigrane, en évoquant la “périphérie”, que certains appellent multitude (Negri, entre autres). Quelles sont les conditions pour que ça reprenne et dans quelle perspective? N’y avait-il pas un gouffre entre ceux qui l’ont faite cette révolution, ceux qui l’ont rêvée et ceux, plus dangereux, qui l’ont accaparée? L’échec de cette révolution ne reside-t-il pas dans cet écart entre la “spontanéité”, forcément inorganisée, et la volonté de pouvoir et de puissance de ceux qui se disent faisant partie de l'”élite”? Et puis, qui est encore révolutionnaire au pays? Les tenants de l’Islam ou ceux de la “modernité”? A moins qu’il n’existe une “classe” qui se réclame ET de l’un ET de l’autre? Mais existe-telle cette “classe”? N’assiste-t-on pas, plutôt, à la naissance de paradoxes, du genre le “progressiste” devenu réactionnaire et le supposé réactionnaire passant pour progressiste? Toutes les révolutions connues furent le fait d’une “élite”. La nôtre s’est faite sans. D’où sa force, vite épuisée. D’où sa faiblesse, vite instrumentalisée…Ce sont là quelques questions qui pourraient aider à ce que se rencontrent ceux qui ont fait la révolution et ceux qui l’ont rêvée, non pas forcément pour s’entendre, mais au moins pour avoir une petite raison d’espérer et de déconstruire une certaine vision, celle justement qui prévaut depuis le 23 octobre 2011 et qui est significative de l’échec de tous les pouvoirs (au sens de Foucault) au pays.
A mon avis, on ne peut encore prétendre l’existence d’une révolution et en parler à-posteriori. Ce que l’on a jusqu’ici, c’est un processus révolutionnaire, une “révolution en devenir” qui a franchi des pas énormes, et qui a subi des coups énormes aussi. On ne peut juger que lors de l’arrêt clair de ce processus. Là on pourra dire si ce fût une révolution ou une réforme. Entre temps, il y a des choix à prendre. Adopter le processus révolutionnaire est un choix politique, croire à la réforme l’est aussi. Ces positions là sont “dynamiques”, et on peut trouver X le jour j dans une position, et le jour j+20 dans l’autre position. Mais lorsque l’on va d’une position à une autre, c’est un aller final, sans retour.
[…] : نواة Posted in: Article […]
هل تعرف معنى النقد عند كانط ؟ ان النقد يقال بالإغريقية kritike و يعني الحكم اي الفصل في الفرنسية critiquer c’est juger و كانط يفصل بين ممكن و حدود العقل يبدو ان ممكنك الفلسفي لم يمكنك من ذلك فأن اللعنة على بشار الكلب
كانط يفرّق مستويات النّقد، كي يمرّ إلى “امكانيّة الفصل أو الحكم” لطرح اشكال الأخلاق كمنظومة اجتماعية و الأخلاقيات كمنظومة عقلانية (في إحالة خفيّة لسبينوزا و ليبنيتز). ما خيّرت اعتماده هنا، هو اتّباع المنهجيّة الكانطيّة الأوّليّة للتّناول النّقدي، أكثر منه ارساء نقد لعقل ما على الطّريقة الكانطيّة و اللّتي تقتضي، كعمل، مساحة أكبر من مقال، نظرا لتعدّد العوامل المناطة بالتّحليل، و تعدّد الامكانيات و تعدّد احتمالات القدرات (les possibilités de faculté)
ceci dit les “jeunes de l’intérieur du pays” ne sont pas à la disposition de quiconque veut faire sa révolution ( en dehors du temps réglementaire), surtout pas les révolutionnaires de la 25ème heure.Une révolution ce n’est pas un travail de Pénélope qu’il faut faire et défaire à l’infini.Les”jeunes de l’intérieur du pays” sont beaucoup plus intelligents que de se laisser tenter par une révolution, mourir, se blesser, faire de la taule, rien que pour faire plaisir aux”فروخ طاحلي الجبن ” tristes qui ‘ils sont pour le départ de “بوهم لحنىن” ou bien des gauchistes,sans programme ni discours réaliste, mais qui sont plus présent sur les colonnes des tribunes ou sur les plateaux télé qu’ils ne le sont en réalité, ou bien des vendus francophones qui rêvent d’un nouveau protectorat français, ou bien des rcdistes qui sont entrain de mettre le feu dans le pays, comme si 55 années de pillage en règle n’étaient pas suffisant. enfin c’est pour donner le pouvoir à qui par la suite; à Bajbouj et ces 87 ballets pour revivre le scénario de 1986-87 et permettre à un nouveau dictateur de se faufiler entre les mailles du filet, ou bien à “شكري صبة” ou bien ” خميس putsch” ou bien “مرزوق هاوس”.Oui chère monsieur il y a une autre révolution qui couvent et se prépare à petit feu.Non, ce n’est pas pour les raison que pouvez imaginer mais parce qu’il y a un gout d’inachevé et parce que les vipères qui se sont ,un temps, enterrées commencent à ressortir plus vénéneuses que jamais.Oui “les jeunes de l’intérieur” sont indispensables pour tout mouvement populaire. non, cher monsieur, “les jeunes de l’intérieur du pays” ne sont pas sur commande.
شباب المناطق الدّاخليّة ليس مجرّد كتلة يختصمها هذا أو ذاك. المقصود هنا : ما لم يكن الاشكال ذا طابع وطنيّ ، و ما لم يتم التحضير للتحرك على صعيد وطني، فلا فائدة ترجى من أيّ حراك. أمّا تصنيفك السّريع ، كما لو كانت البلاد قد خرجت من معمل قوالب جاهزة، فذلك رأي يحكمه الهوى، لا التّوصيف المنطقيّ للواقع.
j’adore les trouduc qui ne font rien sauf analyser… t’as aucune crédibilité toi et ta bande d’imposteurs sur twitter, retournez sur terre ou taisez vous enterrés, personne ne vous écoute car vous n’êtes personne juste des imposteurs. et au delà des articles dans ce pays il manque des leaders…
Bonjour,
C’est à ce genre de commentaire (a.a et derhannibal) que l’on voit que dans la Tunisie “nouvelle” le partisanisme est de loin la règle et l’esprit critique l’exception. Est-ce là la “preuve” qu’il n’y eut point de révolution? Probablement, car l’esprit et la pratique révolutionnaires sont indissociables de la critique et de l’autocritique. Encore un effort camarades…
يا عزيز من أسباب عدم النّجاح هو القطيعة إلّي صارت مع النخبة و رؤاها، على خاطر النخبة تكتب في مقالات طوااال ياسر و فيها مفاهيم مشقبعة ما تنجّمش تستوعبها في زمن الإستهلاك السّريع ، إستفيق صديقي رانا في عصر الهمبرقر هههه
ملحوظة : التّحليل العقلاني و التّفكير النّظري (برطانتهم) واجبان لتبيان المواقف و طرح “ما العمل”. فالاستناد للعاطفيّات لن يقدّم شيئا، و الخطاب المسيّي لا يجدي نفعا. و مثل هذه التّحاليل، بطبعها لا تتوجّه لعموم النّاس، بل فقط بالمهتمّين و المتابعين و كلّ من يريد أخذ زمام مبادرة ما. هذا المجال ليس “سلعة استهلاكية” أو “خطبة تعبويّة رنّانة” ، لكلّ مجال مستلزماته.
لا يمكن مواصلة العمل الاحتجاجي دون فكر واضح، و دون استخلاص للدّروس. كم سنة أخرى يجب أن نضيع كي نبدأ في فهم الأساسيّات؟؟؟
أمّا من وجدها فرصة للتّهجّم ، فتلك السّفاسف أموره و ليظلّ غارقا فيها. العقل الانسانيّ لا ينتظر رأيك في شخصي :)
@ azaiz
C’est au historiens de le dire si c’est une … Ou pas? C’est une contestation populaire qui a été contré et puis manipuler par des spécialistes dans la matière pour éjecter des gouvs a des fins géopolitique avec ce qui se passe en Libye et en Syrie le complot ne laisse plus place au doute.
La différence d’analyse que je porte avec celle du complot “classique”, c’est que moi je vois qu’il y a eu manigance “post-14 janvier” , par témoignage occulaire, alors que la théorie du complot (dont certains sont eux même comploteurs) croient à un complot “pré-14 janvier”.
Le 14 janvier fût un grand instant politique, géostratégiquement. S’attendre au silence des grandes forces (France supportant les restes de Ben Ali et les modernistes pour garder son influence, USA achetant l’amitié de tous avec un “penchant” décisif des islamistes) face à un tel événement relève, selon mon humble avis, de la pure naiveté.
Un jour, j’écrirais mon témoignage sur tout celà, quand je verrais qu’il est temps d’éclater certaines vérités inattendues. Maintenant, il y a des choses que certains “acteurs” ou “activistes” devraient garder pour eux. Charognards et hyènes , attendent de partout :)
Merci, l’avenir le dira…
” nier le complot c’est déjà une partie du complot”.