a-ton-lu-le-coran

بقلم عمّار الجلاصيّ،

فوجئت عند قراءة كتاب الأستاذ يوسف الصّدّيق “هل قرأنا القرآن” باشتقاقات مقترحة لكلمات قرآنيّة من اليونانيّة فيها تعسّف غريب، والمفروض أن يرجع الباحث في لغة القرآن إلى اللّغات السّاميّة الّتي تنتمي إليها العربيّة قبل البحث في غيرها. ومع تقديري لاجتهاده، أودّ أن أناقش بعض تلك الاشتقاقات.

اشتقّ معنى ولفظ “حرث” (الّذي يعني في الأصل الفلح والكسب) في الآية ق 2: 223 (“نساؤكم حرث لكم”) من تمثّل اليونان للزّواج كحرث (harotos). حرف h الّذي كتب به الكلمة لا يوجد في الكلمة اليونانيّة ويوضع مع حروف الحركات عند رسم كلمات يونانيّة بالحرف اللاّتينيّ لبيان أنّها فيها مصوّتات؛ وإيتا (η وبالحرف الكبير H) المطابق في الأصل للهاء الفينيقيّة لا يُنطق مثلها أو لم يعد يُنطق مثلها منذ القديم، كذلك لا يُنطق اسم Hra قرينة زيوس “حراء” كما رسمه. “حرث” جذر ساميّ ورد بنفس الحروف في الأوغاريتيّة (القرن 14 ق م) الّتي حفظت كالعربيّة ثاء وحاء اللّغة السّاميّة الأمّ المفترضة، وتحوّلت الأولى في لغات ساميّة أخرى إلى شين أو سين أو تاء؛ وصارت الحاء في بعضها خاء إلى جانب الخاء السّاميّة الأصليّة؛ وهو يوافق في الفينيقيّة “حرش”، وفي العبريّة “خرش”، وفي الأكّديّة “أرشو” و”أرَصو”، وفي الآراميّة والسّريانيّة “حرت”، وفي الحبشيّة السّاميّة “حرس”. ورد “خرش” بهذا المعنى 17 مرّة في العهد القديم (تثنية 22: 10، قضاة 14: 18،…) وكذلك المصدر خريش (تك 45: 6، خر 34: 21، مل1 8: 12 إلخ) واسم الآلة مخرشه/مخرشة (مل1 13: 20ت). وفي ال70 تُرجم هو ومرادفه “أكر” الموجود أيضا في العربيّة والأكّديّة بarotriaô أو arotriazô، وكلمات من نفس الجذر: arotèr، arotriasis، arotron. وفي العهد الجديد ورد arotriaô وarotron واسم الملك النّبطيّ “الحارث” مرسوما Aretas (كور2 9: 32). وفي لهجات اليمن كلمات إضافيّة للحرث (“بتل”، “تلم”…). إن كانت هناك علاقة بين الجذرين اليونانيّ والسّاميّ فالأقرب إلى العقل أن يأتي اليونانيّ من السّاميّ الأقدم، وربّما انتقل إلى اليونانيّة عبر الحثّيّة (“خرش”: حرث/فلح بدون دابّة، “خرشوار”: الفلاحة)، خاصّة أنّ ما يبدو الجذر الهندوروبّيّ ar(u) (في اليونانيّة القديمة aroô، وفي اللاّتينيّة aro، وفي الأنكليزيّة القديمة erian) غائب من السّنسكريتيّة (حيث حرث= hala) والفارسيّة القديمة. وقد انتقلت أساطير شرقيّة إلى اليونان ومعها النّظرة إلى الجماع كحرث كما في نشيد إنانّا ودموزي، أصل عشتار وعشترت وأتجرتيس وأفروديت وفينوس، وتمّوز وأدونيس وكُبابة وكُبيلة وأتّيس؛ وهو سومريّ، لكنّ ثقافة سومر مرّت إلى اليونان من خلال الأكّديّة عبر الفينيقيّة والحثّيّة. والحقّ أنّ ذلك المعنى يوجد أيضا في السّنسكريتيّة. ويرى البعض أنّ شمشون قصده بقوله لمن أخذوا حلّ أحجيّته من زوجته: “لولا أنّكم حرثتم على عجلتي لم تكتشفوا لغزي” (قضاة 14: 18). وقد استُخدم “حرث” على المجاز في العهد الجديد (كور1 10: 9 “لأنّه ينبغي للحارث أن يحرث على الرّجاء”) والشّعر الجاهليّ (في قول امرئ القيس أو تأبّط شرّا يخاطب ذئبا: “كلانا إذا ما نال شيئا أفاته/ ومن يحترثْ حرثي وحرثك يهزل”) والقرآن (42: 20 “من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدّنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب”). من جهة أخرى كثيرا ما تعبّر كتابات الشّرق الأدنى القديم عن النّسل والإنجاب بالبذر (مثلا يعبّر العهد العتيق عن النّسل ب”زرع”، ويُعبَّر عنه بلفظ بنفس المعنى في الكتابات المصريّة)، يدفع كلّ هذا إلى استبعاد الاشتقاق الّذي قدّمه الكاتب. وكذلك تقريب “نكح” الّذي ورد في القرآن 17 مرّة بمعنى الزّواج لا مجرّد الوعد أو الخِطبة ويقال للمرأة كما للرّجل (قارن 2: 230 و232 ب2: 220 أو 4: 3) وليس له مواز في اللّغات السّاميّة من صيغة egguè (enkuhé حسب رسم الكاتب وn أمام g وk وch يُكتب g) الّتي هي الوعد بالزّواج وإعطاء الأب ابنته (انظر مثلا عبارة thugatera agguan tini في هيرودوتُس 6: 57) أو ekdosis، وفعل egguaô يعني ضمن (مثلا egguos في عبر 7: 22 يعني ضامن، وeggus يعني “تحت اليد”، ويؤدّي mnèsteuo معنى خطب في متّى 1: 18 ولوقا 1: 27 و2: 5، وفي المقطع الأخير وُصفت مريم بenkuos أي “حامل”). وترجمة enfants légitimes ب”بنين أزكياء” غير دقيقة والمراد “أبناء شرعيّين” بعكس المولود من علاقة خارج إطار الزّوجيّة بأمة أو بخليلة (nothos وعند الرّومان naturalis)، ومجهول الأب (kyrnos وskotios أو parthenios)، والنّعت ضمنيّ ولم يرد في الأصل، و”بنين” تعني الذّكور فقط. في المقابل تبدو كلمة “زوج” من أصل يونانيّ وربّما دخلت العربيّة عبر لغات ساميّة.

غريب أيضا تقريب كلمة “أمنيّة” في ق 22: 52 من كلمة umneô في مرقس 14: 26/متّى 26: 30، الّتي تعني هنا “سبّح” والمقصود حمد الله بعد الأكل على عادة اليهود (“بركة همزون” وفق الأمر في تثنية 8: 10)، ووردت بنفس المعنى في سياقين آخرين (أعمال 16: 25، عبرانيّين 2: 12)؛ وهي من umnos أي النّشيد (أفسس 5: 19، كولسّي 3: 16). و”أمنيّة” تعني حسب جمهور المفسّرين التّلاوة/الكلام كما يوحي السّياق وآيات أخرى (2: 78 و111، 4: 123، 57: 14)، وتعني كذلك رجاء ما يصعب تحقّقه (2: 94ت، 4: 120، 62: 6ت)، وهي مشتقّة من جذر “مني”، والهمزة فيها حرف زيادة، بخلاف u في الكلمة اليونانيّة. الشّبه محدود إذن ولا يثبت صلة بينهما. ومن معاني الجذر العربيّ “قدّر” الّذي يبدو أصل كلمة “المنيّة” أي الموت (ومن ثمّة الجناس في بيت المتنبّي: “كفى بك داء أن ترى الموت شافيا/ وحسب المنايا أن يكنّ أمانيا”). ويوجد في الفينيقيّة (“مني”/”منه”) والعبريّة (“منه”) بمعنى عدّ وحسب (تك 13: 16، عدد 23: 10…)، وقد يكون أصل mna اليونانيّة (لوقا 19: 13 و16 و18 و20 و24ت) وmina اللاّتينيّة و Moneta.

كلمة “حنيف” من غريب القرآن معنى لا أصلا، وردت فيه 13 مرّة منها 8 عن إبراهيم (2: 135، 3: 67 و95، 4: 125، 6: 79 و161، 16: 120 و123)، وبمعنى إخلاص الدّين لله وترك الشّرك في الأخرى (10: 105، 22: 31 في الجمع، 30: 30 دين الفطرة، 98: 5 في الجمع). للجذر معنى الميل في العربيّة، والعرج والاعوجاج في كتابات أوغاريتيّة (القرن 14) والسّوء في الأكّديّة وفي إحدى رسائل العمارنة (أواخر القرن 14)، والوثنيّة والانحراف في السّريانيّة والتّلمود (البابليّ والأورشليميّ) وكتابات المندائيّين. وقد استخدمها بذلك المعنى كتّاب مسلمون متأثّرون بكتّاب يونان. فذكر اليعقوبيّ أنّ طالوت (شاول) حارب الحنفاء أي عبدة النّجوم، وأنّ بعض أباطرة الرّوم كانوا “حنفاء” يقصد من عبدة النّجوم (وفعلا انتشرت عبادة Sol Invictus في أنحاء الإمبراطوريّة بتواز مع انتشار المسيحيّة وأديان المسارّة، بل صُوّر المسيح نفسه بهيئته في نقيشة)؛ ودعا ابن النّديم (الفهرست) والبيرونيّ (الآثار) كذلك صابئة حرّان، وأكّد المسعوديّ أنّها “كلمة سريانيّة عُرّبت” والسّريانيّة ليس فيها فاء بل حرف بين الباء والفاء (:p)، وأنّ الفرس كانوا قبل زرادشت “على رأي الحنفاء وهم الصّابئون”، وأنّ أباطرة الرّومان كانوا حنفاء أي صابئين قبل اعتناق النصرانيّة (التّنبيه والإشراف)، وأنّ “لُليانوس المعروف بالحنيفيّ” (يوليانوس “المرتدّ” Ioulianos Apostatès) رجع إلى عبادة الأوثان (مروج الذّهب). لتفسير المعنى القرآنيّ (توحيد الفطرة) اقترح François Blois ترجمة أمّيّ في العهد الجديد (ethnè, ethnikos, ellèn) إلى السّريانيّة ب”حنفا” بمعنى إيجابيّ في بعض الحالات، وإن غلب عليها المعنى السّلبيّ وخُصّص “عمّا” أو “أرمايا” للمعنى الإيجابيّ (في مرقس 7: 26 “حنفتا” في الفشيتا، وأرملتا في المخطوط السّينائيّ السّريانيّ القديم حيث الكلمة تحريف لأرميتا؛ وفي أعمال 18: 4 “ليهودايا ولحنفا” لكن في مقاطع أخرى مثل 19: 10 ترجمت بأرمايا؛ وفي روم 1: 16 نجد في الفشيتا “أرمايا” وفي النّسخة الهرقليّة “حنفا”، وتستخدم نفس التّرجمة أيضا في يوحنّا 12: 20 مقابل “عمّا” في الفشيتا و”أرمايا” في السّينائيّ؛ وفي سيرة سريانيّة لكليمنس الرّوميّ: كان أبواه حنفا ولكنّهما كانا تقيّين وفيهما تمّ المقول في إبراهيم أنّه “آمن إبراهيم بالله وهو حنيف”). لكنّ تفسيره يفترض النّظر إلى إبراهيم كأب للأمم بمعنى لاهوت بولس، بينما هو في القرآن كما في العهد القديم أبو الإسماعيليّين بالمعنى الجسديّ (بل توحي دراسة متفحّصة بأنّه أتى من جزيرة العرب لا من “أور الكلدانيّين”)، ويفترض- عند من ينكر تلقّي محمّد للوحي- معرفته بالسّريانيّة واطّلاعا واسعا على الأدب المسيحيّ مع استخدام هذا المعنى الشّاذّ. ولا حاجة إلى اللّجوء إلى هذه اللّغات والجذر موجود في العربيّة (ومنه اسم قبيلة حنيفة وفي صدر الإسلام الأحنف بن قيس الّذي كُني بذلك الاسم لعرج فيه). أبسط أن نأخذه بمعناه فيها وهو الميل، وفي حالة إبراهيم الميل عن الدّين السّائد في زمانه، مثل يوسف الّذي ترك دين المصريّين (ق 12: 37) وشعيب الّذي أمر قومه أن يتركوا آلهة آبائهم وتقاليدهم التّجاريّة (ق 11: 87)، ومحمّد الّذي صبأ عن دين قومه ونهاهم عن عبادة آلهتهم وعن عدد من عاداتهم ومعتقداتهم، وهذا الميل يؤكّده وصفه بأنّه “كان أمّة” (16: 120) أي منفردا بدين وإعلانه لقومه عن اعتزاله لهم (19: 48). فالحنيفيّة تخلٍّ عمّا هو سائد، وفي نفس الوقت عودة إلى دين الفطرة الّذي انحرف عنه حسب القرآن. يشبه ذلك استخدام “جنح” في 8: 61 (“وإن جنحوا للسّلم فاجنح لها”): فالجنوح هو الميل، و”مال” يقترن بالسّلبيّة في القرآن، والجنوح للسّلم يخالف حالة الحرب المستمرّة بين النّبيّ والمشركين، وهو مع ذلك عودة إلى الحالة “الأصليّة”، حالة ما قبل الحرب: هنا أيضا استُخدمت في حالة خاصّة بمعنى إيجابيّ كلمة تغلب عليها السّلبيّة. وقد يكون للجذر معنى خاصّ بلغة القرآن غير الميل، أي أنّ كلمة “حنيف” تشكّل مثل “إسلام” مفهوما قرآنيّا يتجاوز مدلوله معنى اللّفظ في اللّغة المتداولة، خاصّة أنّ صيغة فعيل للصّفة المشبّهة لا تُستخدم لما يشذّ عن السّويّ و”أحنف” أنسب بذلك المعنى.

لم يقدّم يوسف الصّدّيق دليلا على أنّ الإله هُبل هو بعل بإضافة هاء التّعريف وحذف العين (لماذا؟) ولا على اشتقاق “بعل” الّذي يعني السّيّد والزّوج والرّبّ وهو اسم الإله الفينيقيّ المعروف الّذي نجده في اسم حنّبعل القرطاجنّيّ مثلا وفي عبارة الزّراعة البعليّة (الّتي تعتمد على الأمطار فقد كان إله الرّعد والعاصفة) من السّنسكريتيّة pala (أي سيّد).

غريب كذلك تفسير أصل كلمة “الطّاغوت”. أكّد أنّه الإله المصريّ تحوت (الّذي رسمه “توت”، وحرفه الأوّل قريب من “دج”؛ هوروس كذلك هو في الحقيقة حورس)، ويوجد اسمه في اسم الفراعنة تحوتمس 1 و2 و3 (والأخير مشهور بحملته على المشرق)، وفي الفترة الهلّينستيّة دُمج بهرمس اليونانيّ وأعطيا “هرمس مثلّث العظمة” (trimegistus أو المثلّث بالنّعمة) الّذي انتشرت كتابات منسوبة إليه في القرون الأولى من التّقويم المسيحيّ. وأكّد أنّ “الجبت” هو الإله “جب” زوج نوت إلهة السّماء. ولم يفسّر لماذا أضيفت إلى كليهما أداة التّعريف بخلاف بعل وودّ ويغوث ويعوق ونسرا. ردّ أرثر جفري الطّاغوت إلى “طعوت” الّتي وردت في التّلمود البابليّ بمعنى الأصنام، وكذلك “جبت” الّتي ردّها مرغوليوث إلى gluphta ترجمة العبريّة “فسل” أي منحوت. طاغوت مشتقّ من “طغى” الّذي يعني غالبا “ظلم” و”تجاوز القدْر”، ومعناه الشّياطين والأصنام حسب جمهور المفسّرين، وتوحي آيات بترادفه مع الضّلال (مثلا 50: 27 و37: 30، 53: 17، 79: 37ت “فأمّا من طغى وآثر الحياة الدّنيا”، 5: 64 و68 و18: 80 عطفه على الكفر، 2: 15 و6: 110 و7: 186 و10: 11 و23: 75 عبارة “في طغيانهم يعمهون”)؛ ويبدو مفردا بمعنى الجمع، وكذلك عومل في 2: 257 و5: 60 (هنا بصيغة غير العاقل)، أي هو الضّلالات الّتي تزيغ النّاس عن عبادة الله لا عبادة الأوثان فقط، وتفسيره بالمنحوتات لا يتّفق مع تقريع اليهود وأهل الكتاب على عبادته (4: 50، 5: 60). وقد قرّبه باحثون من “طعوت” التّلموديّة المشتقّة من “طعه” الّذي ورد في العهد القديم مرّة واحدة، في حزقيال 13: 10 بصيغة التّعدية بمعنى “أضلّ”، وله نفس المعنى في الآراميّة والسّريانيّة، وفي الأوغاريتيّة يعني “طغي” السّفر والتّجوال (von weither reisen, wandern). تميّز “وت” في العبريّة جمع المؤنّث وبعض الكلمات المذكّرة الشّاذّة، وكذلك بعض المصادر، وعدّة مصادر في الآراميّة والسّريانيّة. وفي القرآن كلمات دخيلة مفردة آخرها شبيه (جالوت، طالوت، هاروت وماروت، وربّما كذلك تابوت وملكوت وعنكبوت)، وأسماء أخرى على وزن فاعول، وتبدو علاقة “الطّاغوت” ب”الطّاغية” (ق 69: 5) كعلاقة “الحانوت” (الّذي يبيّن وروده في معلّقة طرفة وجود الصّيغة في كلام العرب في عصر النّبيّ) ب”الحانية”. “الجبت” حسب الجوهريّ ليس من محض العربيّة لاجتماع الجيم والتّاء من غير حرف ذوْلقيّ (ر ل ن)، لكنّ الحروف الشّفويّة (ف ب م) أيضا ذلق، ونجد مثلا في العبريّة جبتّون وأصلها “جبعتون”، وفي الألمانيّة gibt أو gift، وفي المصريّة “جبتيو” (بالجيم المصريّة، اسم مكان إليه يعود اسم القبط/القفط)، لكنّ الجذور الّتي آخرها تاء قليلة في العربيّة، ربّما لتخصيص التّاء المتطرّفة للتّأنيث وتصريف الماضي. ووروده في آية واحدة لا يسمح بتحقيق معناه، لكنّ اقترانه بالطّاغوت يوحي بأنّه شبيه في المعنى، وحسب السّيوطيّ ردّه بعض المفسّرين إلى الحبشيّة ويعني السّحر والكهانة، وتدخل فيه العيافة والطّرق والطّيرة حسب حديث خرّجه 10 من أصحاب الجوامع منهم ابن أبي شيبة ورواه البخاريّ في التّاريخ الكبير، لكنّه لم يرد في الموطّإ ولا الصّحيحين.

من الشّائع ردّ كلمة زخرف إلى zôgraphos، أي الفنّان الّذي يرسم أحياء وبتوسيع المعنى التّزويق. وردت الكلمة في 4 آيات (6: 112، 10: 24، 17: 93، 43: 35) بمعنى الزّينة. وهذا العدد لكلمة ليست مصطلحا دينيّا بحصر المعنى يدلّ على انتشارها في ذلك العصر، ويوحي به كذلك استخدام قوم النّبيّ لها إذ طلبوا أن يكون له بيت من زخرف ليصدّقوه (17: 93)، واستُخدمت بمعنى واسع للتّفنّن في البناء (43: 35 “ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتّكئون وزخرفا”)، وللأرض لمّا تزخر إثر المطر بالنّبات (10: 24 “حتّى إذا أخذت الأرض زخرفها وازّيّنت”)، وبمعنى مجازيّ (6: 112 “وكذلك جعلنا لكلّ نبيّ عدوّا شياطين الإنس والجنّ يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا”، وفي الزّينة هنا معنى الزّيف كما في عبارتي زيّن لهم الشّيطان وزيّنت له نفسه). والاستخدامان الأخيران لا يتّفقان مع كلمة “فنّيّة” مستعارة من لغة أجنبيّة، فتلك المصطلحات الّتي تشير إلى مفهوم أو شيء لا يوجد في اللّغة الّتي استعارته تُستخدم عادة بدقّة، وحتّى في أيّامنا حيث انتشرت مصطلحات أجنبيّة في العربيّة قلّما تُستخدم على المجاز. من جهة أخرى لا توجد بين الكلمات اليونانيّة الدّخيلة كلمة أخرى أعطى حرف “جمّا” فيها خاء، فهو يعطي جيما أو غينا (كما في “ثالوجيا” و”بلغم”)، وإن احتُجّ بتخفيف الغين إلى خاء فإنّ تحوّل الخاء باتّصالها بالزّاي إلى غين أرجح من العكس، ونجد في اللّغة “زغرد”. والكلمة اليونانيّة قليلة التّداول، وردت 524 مرّة في نصوص مجموعة Perseus الّتي تضمّ أكثر من 13 مليون كلمة أي بمعدّل 4 ل100 ألف، وهو نصف معدّل “زخرف” في القرآن! في نفس الوقت لا نجدها في التّلمود والمشنا وكتابات أخرى باللّغات السّاميّة في العصر الرّومانيّ والبيزنطيّ. بل حتّى في الكتابات اليونانيّة توجد بقلّة عند كتّاب شرقيّين متأخّرين (11 مرّة في كلّ حوارات لقيانُس السّاموساطيّ). ردّ جفري الكلمة إلى الآراميّة/السّريانيّة “زخوريتا” ولا نظنّه وُفّق. الرّباعيّ (وما فوق) نادر في العربيّة كما في اللّغات السّاميّة عامّة، وقد ورد في القرآن 39 جذرا ممّا فوق الثّلاثيّ مع 1620 ثلاثيّا و63 اسم علم في 50816 + 90 + 987 لفظا. ومنه ما هو مستعار خاصّة من الفارسيّة (سندس، إستبرق، نمرق، برزخ) وما هو أصليّ (عبقريّ)، وبعضه مشتقّ من الثّلاثيّ بتكرار الحرفين الأوّلين (حصحص، رفرف، زلزل، صرصر، عسعس، كبكب) أو زيادة حرف (مثلا من القرآن وخارجه: الحروف 1، 2، 3، 4 في برقش، سنبل، عربد، بعثر) أو تكرار الأخير (جلبب، غربب) أو النّحت من جذرين (بسمل). يمكن أن يكون “زخرف” مشتقّا من الثّلاثيّ؛ مثلا بدمج الجذرين “خرف” الّذي من معانيه البستان (مخرفة) والكلام المستحسن الكاذب (خرافة، وقيل هو اسم علم) و”زخر” الّذي لم يرد مزيد منه (يقال للنّبات الملتفّ المزهر “أخذ زخاريّه” أي حقّه من الحسن والنّضارة)، أو بزيادة الزّاي كما في “زغرد” أو الفاء كما في “حرشف”.

كذلك لا يبدو أنّ لكلمة “لغو” علاقة بكلمة logos. فهذه تعني الكلام المتّسق (ومن ذلك اسم علم المنطق، ومبدأ نظام الكون في الفلسفة الرّواقية، وأسماء العلوم قديما وحديثا كجيولوجيا وأنثروبولوجيا، واللّوجستيك أي فنّ التّخطيط والتّنفيذ) واللّغو هو الباطل وما لا يُعتدّ به من القول وحتّى من الأشياء، ثمّ صارت كلمة “لغة” (الّتي لم ترد في القرآن أصلا) تعني اللّسان. أمّا alogia الّتي تعني غياب الصّواب والعقل فكلمة نادرة (ومنها فرقة الalogoi منكري أنّ المسيح هو الكلمة أي أقنوم مماثل للآب في الجوهر)، والحرف الأوّل غائب في “لغة”. وفعل legô الّذي ترتبط به logos (بمعناه الثّالث “قال”) متداول كثيرا ويوازي تقريبا “قال” في القرآن، فماذا دفع إلى استعارته من اليونانيّة لإعطائه معنى مختلفا عن معناه الأصليّ؟ وفعل “لغا” ورد مصرّفا مرّة واحدة في القرآن، مقابل 9 مرّات للمصدر “لغو” ومرّة لاسم الفاعل “لاغية”؛ بينما ورد الفعل في اليونانيّة آلاف المرّات. وعجيب أن تدخل هذه الكلمة في العربيّة دون العبريّة رغم تأثّر اليهود الإسكندريّين بالرّواقيّة ورغم استخدام فيلون لهذا المفهوم بمعنى غير الّذي أعطاه له لاهوت الإنجيل الرّابع. وقد قرّب باحثون جذر “لغا” (أو لغي) من “لوع” العبريّة (أي بلع: أيّوب 6: 3، عوبديا 16) أو “لعز” و”لعج” اللّذين يعنيان العجمة في الكلام (انظر مثلا أشعيا 33: 19) مثل لغلغ/لخلخ. يبدو جذر “لغا” مأخوذا من أصل ثنائيّ أعطى أيضا “لاغ” (أدار الشّيء في فمه) و”ولغ” (شرب بلسانه وتقال للسّبع). هناك مع ذلك جذر هندوروبّيّ قريب من “لغو” يعني الكذب (leugh-)، وآخر يعني العهد (lug-).

أكّد الكاتب أنّ اسم مكّة مشتقّة من mukè الّتي ردّ إليها اسم Mukènai أو Mukanai (بالفرنسيّة Mycènes)، ذهب Solmsen وStrömberg في أوائل القرن العشرين إلى أنّ الأخيرة مشتقّة من mukès أي الفُطر، لكنّ Krahe فنّد ذلك واستبعده Frisk. والاشتقاق أضعف في حالة مكّة الّتي ورد اسمها في القرآن بكّة (3: 96)، خاصّة أنّ العرب لم يتّصلوا حقّا وبصفة مباشرة باليونان قديما. واشتقاق الصّفا من اليونانيّة أغرب، إذ يعني الصّفا والصّفاة الصّخرة.

في رأي الكاتب أتت “الكوثر” الّتي يظنّها المفسّرون عينا بالجنّة من فعل kathariô الّذي يعني الطّهارة. الكلمة مشتقّة بلا شكّ من الثّلاثيّ “كثر” وتبدو صيغة مبالغة (مثل نوفل أي معطاء، وليس صحيحا أنّ كلّ الكلمات الّتي على وزنها دخيلة، وفي القرآن نفسه ورد “الكوْكب” الّذي له موازيات في لغات ساميّة أخرى بدون واو مهموزة). وبذلك المعنى يوحي السّياق أيضا، فالآية ردّ على من عيّر النّبيّ بالفقر، وهو وإن لم يؤت كثيرا من متاع الدّنيا أوتي شرف النّبوّة ووُعد بنعيم الآخرة؛ والرّدّ بأنّه أوتي عينا ذات ماء طهور لا يناسب السّياق. وإن كان المراد البحث عن كلمة قريبة من “كوْثر” ففي اليونانيّة اسم جزيرة كوثرة (Kuthèra) وفي الأوغاريتيّة إله الصّنائع كوثر وحسيس (:”البارع والحكيم” الشّبيه بالمصريّ فتاح والفينيقيّ كُشور) أقرب قطعا من kathariô و katharsis.

ردّ يوسف الصّدّيق أبابيل (ق 105: 3) إلى apobolè (أي الرّمي من بعيد، وتعني apoboleus في قوانين أفلاطون 944ب “الخاسر” حسب قاموس لدّلّ وسكوتّ)، لكنّ مفردها (إبّالة؟) لا يشبهها، وقد ورد ببيلو في الأكّديّة و(إ)بلبل في الأوغاريتيّة بمعنى حامل ومُرسل (ويمكن أن نقرّب منهما “يبل” العبريّ شبيه “وبل” في العربيّة، ومعناه حمل كما في مز 59: 11/107: 11، 67: 30، 75: 12 إلخ)؛ وربّما وُجد جذر قديم “ببل” منه بابل بمعنى فرقة، وإن كانت الجذور الّتي تتماثل فاؤها وعينها نادرة في اللّغات السّاميّة (في العربيّة “ددن” و”دد”، وربّما “ممس” أصل “ماموسة” أي النّار، وهناك ددان شعب من عرب الشّمال؛ وفي العبريّة 5 حالات: دده، ككب، ممن، ممش، ننس؛ وفي الأوغاريتيّة عدد أكبر خاصّة بين أسماء الأعلام). وورد السّجّيل في موضعين آخرين عن عقاب قوم لوط وفي نفس العبارة “حجارة من سجّيل” (11: 82، 15: 74)، مع نعته في الأوّل بالمنضود. وهي في 51: 33 “حجارة من طين”، “مسوّمة عند ربّك” كما في 11: 82. يبدو إذن نوعا من الطَّفل المنضّد كألواح ما يدعى بالفرنسيّة ardoise وschiste. حسب تك 19: 24 أمطر الرّبّ على سدوم وعمورة كبريتا ونارا (تُرجم “جفريت” بالكبريت، لكن يوحي أشعيا 30: 33 و34: 9 بحمم البركان). لذا فالاشتقاق المقترح من sigalô أي لمّع حسب الكاتب (sigalos تعني “صامت”) مستبعد، كالكلمتين الفارسيّتين اللّتين قدّمهما الطّبريّ ولم تردا في الفارسيّة كاسم مركّب، ولا يبدو أنّ له صلة بالسّجلّ. اشتقاق “مسوّمة” (الّتي تعني حسب المفسّرين “معلَّمة”) من sèmantris (ختم كتلة الطّين) مردود كذلك، فقد وُصفت بذلك الخيل (3: 14) بمعنى المرسَلة والملائكة بصيغة اسم فاعل أو مفعول (3: 125). وغريب أن تُستخدم كلمة يونانيّة في قصّة من تراث لا صلة له ببلاد اليونان. ويبدو تفسيره مستمدّا من جفري الّذي ردّ “سيماء” (وكذلك “سوّم”) إلى sèma وsèmeion (العلامة). لكنّ العربيّة تحتوي على “وسم” (:وضع علامة) و”سام” (:عرض سلعة للبيع) و”سما” (الّذي يردّ إليه اللّغويّون كلمة “اسم” الّتي تعني في الأصل العلامة وترد فيها عادة بدون الألف وهي في العربيّة ألف وصل، ومنه السّميّ أي النّظير والشّبيه)، وكلّها وردت في القرآن، وكذلك “وشم” و”شام” (ومنه الشّيمة والشّامة) وفي كليهما معنى العلامة، ويمكن أن نضيف “وصم” و”شأم” (فالشّؤم علامة النّحس، والتّطيّر بالسّوانح والبوارح معروف عند أمم الشّرق). والظّاهر أنّ الأصل في السّاميّة القديمة يتركّب من حرفي “سم” أو “شم”، وأضافت العربيّة حرف العلّة فولّدت 3 جذور ثلاثيّة (وربّما كذلك كلمة “سمْت” أي “هيئة”)، من هنا بعض التّردّد في اشتقاق سيما. وتشير عبارة “سيماهم في وجوههم” في 48: 29 إلى أثر السّجود على الجبين الّذي يشبه ما يترك الميسم على جسم الشّاة (ووردت عبارة سيماهم بمعنى علامتهم في 5 آيات أخرى). وفي عدّة مقاطع من العهد القديم اقترن فعل “سوم” ب”شم” أي الاسم (“سوم شمو”- أي أحلّ اسمه في موضع) أو كذلك بالآيات وما شابهها (“سوم أوتو” أي أظهر علامته)، والمعنى في الحالتين علامة يُعرف بها الرّبّ، واقترن في أشعيا 28: 25 بفعل “سمن” (بحرف “سمك” لا “سين”- أي عيّن) القريب في معناه من sèmainô اليونانيّ. في الآراميّة نجد “شوم” بمعنى أمر (عزرا 4: 19 و21، 5: 3) وفي العبارة “شوم طعم” الّتي لها نفس المعنى (أبرز أمرا: عزرا 5: 13 و17، 6: 1 و3 و8 و11-13 و21، دانيال 3: 10 و29، 4: 6، 6: 26)، وبمعنى سمّى (دانيال 5: 12). في الأكّديّة “شُمو” أو “شِمو” هو الاسم، وسِمتو (كذلك شِمتو) هو السّمة والعلامة والرّمز المناسب (مثلا “سِمتو إلوتي” علامة الألوهيّة، و”سِمتو شَروتي” علامة المُلكيّة، و”سِمتو ميتوتي” علامة الميّت أي القبر، و”شخو لا سِمتو إكُر” أي الخنزير لا يناسب الهيكل، وكذلك تدعى النّقائش والقدر أيضا، وجمعه “سِمات”)، ويعني “شَمتو” وسم وجعل علامة تفيد الملكيّة على الشّاة أو البقرة أو العبد الآبق أو البيت (نجد هذه المعاني في نصوص من ماري، والظّاهر أنّ الوسم كان في الأصل بصبغ ثمّ صار بميسم من الحديد محمّى)، و”سيمَنو” (سيمُنو بلهجة أشّور) هو وقت الزّرع (مثل كلمة “موسم” العربيّة)، وشَموتو(م) هو الشّراء (مثلا كسف شَمُتُم هو ثمن الشّراء، وكسف هي الفضّة كما في لغات ساميّة أخرى، والفعل شَمُو)؛ ومن “سماشو” أي أخفى اشتُقّ “سِمِشتوم” الّذي هو السّرّ. وsèma اليونانيّة نفسها مجهولة الأصل وبعيدة عن الأصل الهندوروبّيّ الّذي اقترحه Brugmann (السّنسكريتيّة dhya-man أي الفكر من فعل dhyayati) أو غيره (مثلا جذر ekwo الّذي يعني نظر وتابع بالعين، وتبدو اللاّتينيّة sequor أقرب إليه من séma وsignum)، وإن كان الأمر كذلك فكيف يُفسَّر semen اللاّتينيّ الشّبيه الّذي يعني البذر. وهي sama باللّهجة الدّوريّة، وخاصّة في تركيبها (بلا جنس وآخرها ma) وعوّضها تدريجيّا sèmeion/samèion المشتقّ منها. وتوحي أقدم النّصوص اليونانيّة بأنّها من أصل شرقيّ. وردت 53 مرّة في الإلياذة والأوديسة إلى جانب 15 مرّة لفعل sèmainô (وهو مشتقّ من الاسم لا العكس وتصوّر بعض الباحثين أنّ جذرها الفعليّ sèmoô اختفى). أحد السّياقات الّتي ظهرت فيها قصّة بلّيروفون (إلياذة 6: 168 و176 و178) الّتي لها موازيات شرقيّة أقدم (قصّة الأخوين المصريّة، قصّة يوسف وامرأة العزيز، قصّة داود وأوريّا الحثّيّ، وقصّة سرجون الّذي بعثه ملك أور زبابه إلى حاكم أرك بلوح كصحيفة المتلمّس يوعز فيه بقتله ولم يضعه في غلاف فقرأه ونجا)، والعلامات المشؤومة (sèmata lugra، 6: 168) الّتي رُسمت على اللّوح الّذي حُمّله بلّيروفون هي في القصص الشّرقيّة خطّ لكنّ اليونان لم يكونوا يعرفونه في القرن 9/8 ق م، إذ حمله إليهم حسب الأسطورة الفينيقيّ قدمُس، وهذا يثير الشّكّ في أصل القصّة. واستُخدمت في معان قريبة من الّتي ذكرنا للجذور الشّبيهة في اللّغات السّاميّة (العلامات السّماويّة، القبر، السّمات الجسميّة، العلامات المتّفق عليها إلخ). واستخدمها هسيودُس (القرن 8؟) في “درع هرقل” لشارة الإيذان بالحرب (385)، وفي مولد الآلهة للمعلم الموضوع تذكارا لعمل بطوليّ (500 هنا لصراع زيوس مع أبيه كرونُس)، وللقبر (477) وفي “الأعمال والأيّام” لموسم الأمطار والحرث الّذي ينبئ بقربه نعيب العقاعق المهاجرة (448-451)، وفكرة المواسم معروفة في التّراث الشّرقيّ (النّصوص الرّافديّة، رزنامة جازر الفلسطينيّة). ولا تُستعمل sèmeion الّتي عوّضت sèma للقبر كما لاحظ Chantraine (وأخذت باطّراد، بدءا من القرن 5، معنى الدّليل الفلسفيّ والدّالّة). أمّا sèmaia/sème(i)a أي الرّاية فاستخدام متأخّر (يشبه “علم” بالعربيّة)، وورد مرّتين فقط في ال70 لترجمة “دجل” (عدد 2: 2) وتُرن (أشعيا 30: 17). واستخدم كتّاب (كأوريبيدس في الفينيقيّات وحملة السّبعة على طيبة) الكلمتين للرّسوم الّتي على الدّروع مثلا.

ذكر الكاتب آيات الغرانيق. وفهم منها الطّيور البحريّة المعروفة البيضاء، ويبدو معنى الشّابّ الأبيض الجميل أقيس في سياق وصف إلهات قريش. لكنّ الآيات تبدو مقحمة في السّياق ولا تتّفق معه، فقبلها ورد تأكيد على أنّ النّبيّ لا ينطق عن الهوى وبعدها استفهام إنكاريّ “ألكم الذّكر وله الأنثى”، هو رفض قاطع لقول أنّهنّ بنات الله (كما في 37: 149-157). واجتماع كلمتين يتيمتين (apax legomena)- “غرنوق” وصيغة “ارتجى” (الّذي ورد جذره مجرّدا 23 مرّة ومزيدا بالهمزة 4)- في آيتين قصيرتين مريب، فضلا على أنّ وجود تلك الطّيور البحريّة الّتي تعيش في المستنقعات حيث القصب الكثيف وتقتات بالرّخويّات والقشريّات والأسماك حوالي مكّة غير محتمل. أصله المفترض هو geranion مصغّر geranos (ويطابقه في اللاّتينيّة grus، ومنه في الفرنسيّة grue الّذي يُطلق أيضا على الآلة الرّافعة الشّبيهة به لطول “عنقها”، كما في الأنكليزيّة crane، ويدعى في الألمانيّة kranich). وبيئة اليونان البحريّة ترجّح أصليّة تلك الكلمة في لغتها. وتثير تسمية نبات ينبت في أصول العوسج بالغرنوق الشّكّ في أصليّة الكلمة العربيّة. فكما ذكر الكاتب أتى من اسم ذلك الطّير اسم الزّهرة geranium بسبب شبه ثمرها بمنقار ذلك الطّائر. لكنّه ظهر في أواسط القرن 16 م. من جهة أخرى يدعى العقاب في العربيّة “غرن” والتّسمية شبيهة بأورِنّو الأكّديّة المختصرة أيضا إلى أرو، وباليونانيّة ornis/ ornith أي الطّير (هناك أيضا شبه بين عصفور، صِفّور بالعبريّة وإسّورو بالأكّديّة، وspurgiti وكذلك passero وsparrow في الإيطاليّة والأنكليزيّة). وقد جاء في أسطورة الطّوفان اليونانيّة، كما رواها أوفيديوس المتأخّر في التّحوّلات (7: 354تت) أنّ مِغارُس ابن زيوس لمّا أشعره صياح الغرانيق بالخطر الدّاهم لجأ إلى جبل دُعي Geranion، وللقصّة موازيات شرقيّة. وذُكر وادي الغرنق في بلاد العرب. وهذا يدعو إلى الاحتراز. ردّ يوسف الصّدّيق كذلك “غراب” إلى اليونانيّة koraks (الّتي تشبهها اللاّتينيّة corvus ومنها الفرنسيّة corbeau)، والحال أنّ اسمه يطابق في العبريّة حيث تحوّلت الغين السّاميّة القديمة إلى عين عُريِب، وفي الأكّديّة حيث تغيب كلتاهما أوريبو/خوريبو، فكيف استمدّته العربيّة من اليونانيّة وقلبت k إلى غين؟ هذا واحد من عدّة أمثلة لتشابه جذور ساميّة وهندوروبّيّة، ولا يدلّ على استعارة الكلمة العربيّة من اليونانيّة.

كذلك شبه sumboulia أو sumboulè الّتي تعني التّشاور بسنبلة في العربيّة مجرّد اتّفاق، فالكلمة اليونانيّة مركّبة من حرف sun/sum المتواتر الّذي يفيد الاشتراك وboulè أي مجلس المدينة، بينما سنبلة مشتقّة من جذر “سبل” الّذي أعطى كلمة “سبيل” في العربيّة ولها معنى شبيه في العبريّة والآراميّة، والسّنبلة في العبريّة “شبوله” (قضاة 12: 6- “سبوله” بلهجة أفرائيم) واسمها شبيه بذلك في لغات ساميّة أخرى. والعلاقة بين “سنبلة” ومعنى “ألِف” تدخل في الأدب لا في فقه اللّغة.

كذلك من التّعسّف ردّ جذر “نفل” الّذي يعني غنم ووهب (وكذلك الزّيادة والتّطوّع في العبادات)، إلى فعل nèphalieuô اليونانيّ الّذي يعني إعداد سكيب غير ممزوج بخمر (بولّكس 6: 26)، ولا علاقة له بnephelè الّذي له نفس المصوّتات ويعني الغمام. ولا يكفي تشابه حروف كلمتين في لغتين لتأكيد أخذ إحداهما من الأخرى.
كذلك لا ترادف اليونانيّة enagès المركّبة (agès + en) الّتي تقال لمن هو تحت لعنة أو فُرز من الجماعة لمخالفته أحكامها، “نجس” العربيّة القريبة من “رجس” الّتي تقال أيضا للصّوت الشّديد وللرّعد (ولا تحمل “رجش” في الآراميّة والعبريّة هذا المعنى، كما ذكر مرقس 3: 17 في تفسير اسم بونارجس، و”رجز” أي الغضب أقرب فيهما إلى ذلك المعنى).

غير ثابت كذلك اشتقاق اسم “جرهم” الّذين سكنوا مكّة قديما حسب الإخباريّين من “جر” العبريّة الّتي تعني الغريب كما في الأوغاريتيّة والآراميّة والنّبطيّة والتّدمريّة والسّريانيّة (جيورا) والحبشيّة (جور) بينما تختلف عنها “جار” العربيّة، ولوجود الهاء فيه وفي اسم المدينة العربيّة القديمة جرها يصعب ردّهما إلى “جر” الّتي تُجمع على جريم (أشعيا 5: 17) لا جروهيم كما ذكر الكاتب. حتّى اسم “جرشوم” الّذي ردّه إليها خر 2: 22 و18: 3 يردّه فقهاء اللّغة هو وصيغته البديلة “جرشون” إلى “جرش” أي طرد، إذ ليست الشّين والهاء المتوسّطتان من حروف الزّيادة كالميم والنّون المتطرّفتين.

كلمة قرية في القرآن تعني مدينة ولا تحمل معنى تحقيريّا، فقد سُمّيت كذلك القرية الّتي أُرسل إليها يونس (10: 98، نينوى حسب سفر يونان والأصل محرّف لأسباب لا تهمّنا)، وسكّانها “مائة ألف أو يزيدون” (37: 147)، وذلك واضح أيضا في قول ملكة سبأ: “إنّ الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها” (27: 34)، وقول قوم لوط: “أخرجوا آل لوط من قريتكم” (27: 56)، وقول الله: “وجعلنا بينهم وبين القرى الّتي باركنا حولها قرى ظاهرة” (34: 18)، وقول خصوم النّبيّ: “لولا نُزّل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم” (43: 31). والكلمة موجودة في العربيّة الجنوبيّة القديمة (قرتين= تجمّع سكّانيّ) وبمعنى المدينة في لغات ساميّة أخرى، منها الأوغاريتيّة (قرت)، والعبريّة (“قِرية” لا كريات)، والفينيقيّة والبونيقيّة (“قرت” لا قرط، كما كتب متأثّرا برسم اسم قرطاج الحديث)؛ واشتقاق اسم “كريت” منها غير ثابت، ولا علاقة لاسم أوغاريت بها. وكلمة “مدينة” لا تحمل في كلّ الآيات حيث وردت معنى إيجابيّا، فقد دُعيت كذلك مدينة قوم لوط (15: 67) ومدينة ثمود (27: 48)، ودُعيت الأولى أيضا “قرية” (21: 74)، وهذا كالآيتين 18: 76 و79 والآيتين 36: 13 و20، يدلّ على ترادف الكلمتين. توجد كلمة مدينة أيضا في العبريّة والأمهريّة وتبدو مشتقّة من “دان” أي قضى وحكم، وهو نفس الجذر الّذي اشتُقّت منه في العربيّة كلمة “دين”، فقد كان الدّينيّ والمدنيّ قديما مندمجين. ولبلد وبلدة معنى أعمّ، والكلمة موجودة بنفس المعنى في الأوغاريتيّة الّتي اكتُشفت بعدما نشر جفري كتابه. وغياب اسم آخر للمدينة ورد في لغات ساميّة أخرى (أورو في الأكّديّة، عِر في الأوغاريتيّة والفينيقيّة والعبريّة) من العربيّة مضر أمر ذو معنى، فهو مشتقّ في رأي فقهاء اللّغة من السّومريّة “إري”، وهذا إن قبلناه يؤيّد مقولة تأثّر العربيّة أقلّ من غيرها من اللّغات السّاميّة بلغات أخرى.

ذكر أيضا أنّ “آزر”، اسم أبي إبراهيم في القرآن، “لقب يرافق أسماء عظماء بلاد أشّور”، والظّاهر أنّه يعني الملوك الّذين يحملون لقب Tiglath Pileser (3) أو Shalmaneser (5)، وقد ورد في العهد القديم اسما اثنين منهم، تجلت فلآسر (الثّالث) وشلمانآسر (الخامس) (مل4 15: 29، 16: 7 و10؛ 17: 3، طوبيّا 1: 2 والسّفر غير قانونيّ عند اليهود والبروتستانت)، والجزء الأخير من اسميهما “إشرّا/إسرّا” اسم هيكل، ولا علاقة له بآزر، وينطقه الفرنسيّون بالزّاي خطأ (تطبيقا لقاعدة معروفة في لغتهم عن نطق حرف s) كما يكتبون الصّاد في أسماء ساميّة بحرف z (ربّما بتأثير الألمانيّة).

وذكر أنّ اسم أنستاسيوس الفارسيّ يطابق في المعنى اسم الصّحابيّ سلمان الفارسيّ، والحال أنّ anastasis اليونانيّة الّتي وردت 40 مرّة في العهد الجديد تعني “القيامة” (ana = “إلى فوق” وstasis = الوضع)، واسم أنستاسيوس يكني عن إحيائه باعتناق المسيحيّة، وهو معنى شائع في الأدب المسيحيّ لا يوجد في اسم سلمان الّذي يوحي بالسّلام أو السّلامة.

مع رفضي اشتقاقات الأستاذ الصّدّيق لا أنكر وجود كلمات دخيلة في لغة القرآن منها يونانيّة ولاتينيّة ك”درهم” و”دينار” “وقنطار”، ولا غرو فقد كان العرب يتعاملون بسكك الإمبراطوريّة الرّومانيّة وموازينها. ووجود تلك الكلمات لا ينفي كونه “قرآنا عربيّا” (20: 113، 39: 28، 41: 3، 42: 7، 43: 3)، فذلك ردّ على خصوم النّبيّ الّذين اتّهموه بالنّقل عن كتب اليهود والنّصارى الّتي لم تكن قد تُرجمت إلى العربيّة، ويعني أنّ لغة القرآن كانت متداولة في عصره بين العرب أو على الأقلّ في شمال جزيرتهم وتخلو من الكلمات “الأعجميّة” المجهولة لديهم. وليس فيه ما يوحي بفضل لغتهم على غيرها ولا بتفضيلهم على غيرهم، بل به شرُف كلاهما. وقد لاحظ جفري أنّ ثلث كلمات القرآن الّتي اعتبرها مستمدّة من لغات أخرى ورد في نقوش عربيّة سابقة للإسلام اكتُشفت قبل تاريخ كتابة بحثه. وحسب دراسة لMartin Zammit عن لغة القرآن غطّت 1717 جذرا (تشمل الأدوات كحروف العطف والجرّ دون أسماء الأعلام) ل1110 جذور موازيات في واحدة من 8 لغات ساميّة أو أكثر، منها 86 لم ترد إلاّ في عربيّة الجنوب، إلى جانب أخرى لم ترد في أيّة لغة (1182 و97 بالتّوالي إن حسبنا جذورا قرائنها ضعيفة)؛ هذا مع ضآلة حجم معجم الّتي لم تخلّف أدبا غزيرا (كالفينيقيّة أو اللّهجات الجنوبيّة).

ومع أنّي لا أريد مناقشة ما طرح الكاتب، أقدّم ملاحظات حول بعض الجزئيّات. ذكر أنّ المأمون خلع أخاه الأمين من ولاية العهد. والعكس هو الصّحيح فقد خلع الأمين المأمون وعيّن ابنه وأعطاه لقب “النّاطق بالحقّ” (غير الإمام الزّيديّ). وأكّد أنّ كلمة المسيح من أصل سريانيّ والحال أنّها استُخدمت في العبريّة والآراميّة قبل السّريانيّة بقرون. وذكر أنّ العرب سمّوا البيزنطيّين الرّوم والحقيقة هي أنّهم كانوا يدعون أنفسهم كذلك (Rômaioi) لأنّهم ورثة الإمبراطوريّة الرّومانيّة في الشّرق، وكذلك كان المسيحيّون اليونان يدعون أنفسهم طوال القرون الوسطى. وذكر أنّ الرّعامسة هم حكّام الأسرة العشرين، والحال أنّ رعمسيس1 هو مؤسّس الأسرة 19، وامتدّ استخدام اللّقب حتّى رعمسيس11 عاشر وآخر حكّام الأسرة 20. وأكّد أنّ كلمة “علق” في 96: 2 تعني ما يدعى في عصرنا بالعلاقة خلافا لإجماع المفسّرين، فهل تكون تلك العلاقة بعد بذر “النّطفة” الّتي يأتي بعدها طور “العلقة” حسب الآيتين 22: 5 و40: 67 عن أطوار تكوين الجنين، وكيف يكون الإنسان “علقة” حسب 75: 38 بمفهومه الّذي لم يسبقه إليه أحد فعلا؟ وأكّد أنّ ابن المقفّع في رسالة الصّحابة دعا الخليفة إلى سنّ القوانين وسحب مهمّة التّشريع من يد الفقهاء، والحقيقة أنّه استنكر تعدّد الأحكام، ودعاه إلى أن “يأمر بتلك الأقضية والسّير المختلفة فتُرفع إليه في كتاب ويُرفع معها ما يحتجّ به كلّ قوم من سنّة وقياس ثمّ ينظر في ذلك ويُمضي في كل قضيّة رأيه ويعزم عليه عزمه وينهى عن القضاء بخلافه ويكتب بذلك كتابا جامعا عسى أن يجعل الله تلك الأحكام المختلطة الصّواب حكما واحدا صوابا”. وما دعا إليه إذن هو “الإجماع”. وهو رأي وجيه، لكنّ في المسألة نظرا، إذ يروى أنّ مالكا رفضه لمّا راجعه المنصور في المسألة، ورفض عرض الرّشيد اتّخاذ الموطّإ شريعة لكلّ بلاد الإسلام مجيبا بأنّ الصّحابة اختلفوا في الفروع وتفرّقوا في البلدان وكلّ مصيب؛ كذلك لمّا سافر الشّافعيّ من العراق إلى مصر غيّر مذهبه لاختلاف الوسط. وقد استخدم مرارا عبارة “المؤسّسة التّفسيريّة” الّتي توحي بأنّ المفسّرين مدرسة واحدة بل مؤسّسة رسميّة من الجهاز الإيديولوجيّ للدّولة- وذلك يحتاج إلى الإثبات. وقد تحدّث عن سبب مقتل عثمان، وفيه أقوال كثيرة، لكنّ أحد الأسباب في رأيي يتمثّل في سنّه: فبينما مات أبو بكر في سنّ 63 (61 بالسّنين الشّمسيّة) وقُتل عمر في ال60 أو أكثر بقليل، بلغ عثمان أو تجاوز 80 سنة: والظّاهر أنّ أقاربه استغلّوا كبر سنّه في سنيه الأخيرة للحصول على مزايا، وهو ممّا نقمه عليه النّاس. أمّا جمع المصحف فلم أر في أدب الخوارج أحدا نقمه عليه، لكن عاب عليه البعض عدم تشريك ابن مسعود في لجنة جمع القرآن. ولي تحفّظات لا يتّسع المجال لتفصيلها حول نسب موسى “اللاّويّ” الّذي نقله عن العهد القديم.
أخيرا أؤكّد مجدّدا تقديري لاجتهاد الأستاذ يوسف الصّدّيق وإن خالفته في الاشتقاقات الّتي قدّمها، وفي مسألة كهذه يجب أن تكون الحقيقة فوق الأشخاص، والمثل اللاّتينيّ (المشتقّ من أرسطو يقول): أفلاطون حبيب لي لكنّ الحقيقة أحبّ.

نرسم في ما يلي η (إيتا) è، وω (أوميغا) ô، و θ(ثيتا) th، وφ (في) ph. دعا الفلاسفة الإسلاميّون ulè هيولى؛ والh الّتي تُرسم بها في الفرنسيّة مثلا لا تُنطق إذا اتّصلت بحرف التّعريف (فيقال: l’hylémorphisme). الرّسم اليونانيّ لحوران Auranitis ولمحمّد Môameth.

لا ينبغي خلطه ب”خرش” الّذي يعني “خرس” أو “صمت” وخاؤه خاء ساميّة أصليّة (تك 24: 21، 34: 5… ميخا 7: 16، وكاسم في خر 4: 14، أح 19: 14…، اسم علم “حارش” في أخ1 9: 15)، واشتُقّ منه “خرش” بمعنى الخفاء (يشوع 2: 1) ومن ثمّة المهارة في فنون السّحر (أخ1 4: 14، نحميا 11: 35، أشعيا 3: 3) وغيرها (تك 4: 21 الصّيقل)، وعلاقته ب”خُرش” أي الغابة (مل1 23: 15ت و18ت…) غير واضحة. وقد ورد كلاهما في سفر أيّوب (مرّتين و9 مرّات) ذي الأصل الأدوميّ بل العربيّ حسب بعض الباحثين. وفق تسمية الكاثوليك وال70 (Septuagint) حيث سفرا ملوك 1-2= صموئيل 1-2، ومل3-4= ملوك 1-2 في الماسورة وعند البروتستانت.

أخ2 26: 10، أشعيا 61: 5، إرميا 14: 4، 31: 24، 51: 23، يوئيل 1: 11، عاموس 5: 16؛ ويذكّر بagros اليونانيّة وager اللاّتينيّة وakkar/ekker/ackar في اللّغات الجرمانيّة والسّكسونيّة العتيقة وacre في الأنكليزيّة والنّرويجيّة…

تثنية 22: 10، قضاة 14: 18، مل3 19: 19، أيّوب 1: 14، 4: 8، أشعيا 7: 25×2، 28: 24×2، 45: 9×2، إرميا 33: 18، ميخا 3: 12؛ أشعيا 61: 5؛ تك 45: 6؛ أخبار1 21: 23، أشعيا 2: 4، يوئيل 3: 10، ميخا 4: 3.
في مصادر أخرى نجد Arethas للحارث. في ال70 تُرسم عادة أسماء الأعلام حيث تطابق الخاء العبريّة حاء ساميّة بلا شيء، وحيث تطابق خاء في السّاميّة ب”خي” يونانيّة (مثلا “خوه”- حوّاء- في تك 4: 1 Eua والجذر في الأوغاريتيّة “حوي” وفي العربيّة “حيي”، و”أخيساماك”- أحيساماك في النّصّ العربيّ لكنّ “أخ” هي “أخ” العربيّة- في خر 31: 6 Achisamach)؛ كذلك تُرسم العين الّتي أصلها غين بg والّتي أصلها عين بلا شيء (عفرون في تك 23 Ephrôn، والمكيال “عمر”- عُمِر في النّصّ العربيّ والأصل غين- Gomor، والأمر مماثل في “عمورة”).
مثلا تك 3 : 15، 13: 16، 15: 5 و13، 17: 7 و10، 21: 13… وكذا يُدعى أيضا ماء الرّجل (أح 15: 16-18 و32، 18: 21، 19: 20). ويبدو أنّ “فرت” أي الزّرع والبذور في مسلّة مرنفتاح كناية عن النّسل. وتُستخدم بمعنى شبيه sperma في اليونانيّة وsemen في اللاّتينيّة.

العبارة المنقولة عن J P Vernant هي من Perikeiroménè 435ت لمينندرُس: Tautèn gnesiôn paidôn ep’arotô soi didômi. يشبه لفظ “نكح” في اليونانيّة أيضا nikè (:النّصر ونجدها في أسماء كنيكوس ونيكولا) وفعل nikaô، وفي المصريّة “نك” أي البُضع لا الزّواج.

أصلها المرجّح zugon (النّير) المستمدّة من الجذر الهندوروبّيّ jugom الّذي يطابقه yuga في السّنسكريتيّة وyukan في الحثّيّة ويوغ في الفارسيّة وiugum في اللاّتينيّة وjoug في الفرنسيّة وyoke في الأنكليزيّة (والj تعطي في اليونانيّة z كما في juwe/juwes -> فعل zein أي غلا ورغا وهو أصل yeast في الأنكليزيّة أي الرّغوة والخميرة أو لا شيء كما في jusmé -> umeis أي uos باللاّينيّة وyou بالأنكليزيّة). ويقال أيضا zeugos، وأخذت معنى الشّيئين المقترنين واستُخدمت من ثمّة نادرا للزّواج (أخيلس تاتيوس 5: 16) ومنها suzux أو suzugos أي القرين رجلا كان أو امرأة، ويرتبط بها الفعل zeugnumi (قرن ومعان شبيهة). لا يتّسع المجال هنا لدراسة علاقتها بالجذر السّاميّ “زوج”. نكتفي بذكر استخدامها في القرآن بنحو يختلف عن معانيها الّتي وردت في كتابات آراميّة وعبريّة متأخّرة وسريانيّة، وانتشارها (الّذي يشير إليه استخدام الفعل بنحو خاصّ عند أزد شنوءة- بعمان- حسب ما ذكرت المعاجم القديمة، واستخدامها للثّوب المصبّغ الّذي يُطرح على الهودج أو النّعش في الشّعر الجاهليّ (عنترة، لبيد، الأعشى)، وهو استخدام بعيد عن معنى الكلمة اليونانيّة اختفى ربّما بتأثير معانيها في القرآن (لم ترد في وصف الهوادج عند ابن جبير ولا ابن بطّوطة، ولها اليوم عند بدو الجزيرة العربيّة أسماء أخرى ذكرتها Joy Hilden ك”الشّاف”).

tentation في السّياق الّذي ذكره تعني التّجريب والابتلاء (“نسه” بالعبريّة كما في تك 22: 1 وpeirazô أو ekpeirazô في يونانيّة الكتاب المقدّس، وtento في الفلغاطة)، لا الغواية (مثلا في متّى 4: 7/لوقا 4: 12: “لا تجرّب الرّبّ إلهك” في إشارة إلى تثنية 6: 16).

يونون مونيتا المرتبطة بالسّكّة (ولا يبدو اسمها مشتقّا من moneo أي نبّه، لا إلهة التّذكار الّتي توازي Mnèmosunè اليونانيّة)، نظيرة منيت الفينيقيّة ومني الّذي عبده اليهود في سبي بابل (أشعيا 65: 11) ومنوتوم البابليّ ومنوتو النّبطيّ ومناة العربيّة.

جاء في كتاب العين وهو من أقدم المعاجم: “تحنّف للشّيء مال إليه”.

وردت في 8 آيات: 2: 256ت “من يكفر بالطّاغوت ويؤمن بالله… والّذين كفروا أولياؤهم الطّاغوت يخرجونهم من النّور إلى الظّلمات”، 4: 50 “ألم تر إلى الّذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطّاغوت”، 4: 60 “يتحاكموا إلى الطّاغوت”، 4: 76 “يقاتلون في سبيل الطّاغوت”، 5: 60 “وعبد الطّاغوت”، 16: 36 “ولقد بعثنا في كلّ أمّة أن اعبدوا الله واجتنبوا الطّاغوت”، 39: 17 “اجتنبوا الطّاغوت أن يعبدوها”. فيما عداها ورد الجذر بصيغة الفعل (11: 112، 20: 24 و43 و45 و81، 50: 27 مع التّعدية، 53: 17، 55: 8، 69: 11، 79: 37، 89: 11، 96: 6) والمصدر (2: 15، 5: 64 و68، 6: 110، 7: 186، 10: 11، 17: 60، 18: 80، 23: 75، 69: 5 كاسم فاعل هنا: “فأُهلكوا بالطّاغية”، 79: 17، 91: 11 “بطغواها”) واسم الفاعل (37: 30، 38: 55، 51: 53، 52: 32، 53: 52 بصيغة “أطغى”، 68: 31، 78: 22).

كذا صار المصريّون ينطقون الزّاي القديمة أيّام المملكة الحديثة؛ ويطابق في اللّغات السّاميّة أيضا الصّاد والطّاء.

يبدو أنّ أصل “تابوت” البعيد هو المصريّة، فلا يبعد أن يكون قد انتقل إلى جزيرة العرب عبر مدين وفلسطينيّي الجنوب وعرب الشّمال، وقد عُثر في أدوم (جنوب المملكة الأردنيّة) كما في جنوب فلسطين على توابيت. كذلك وردت “عنكبوت” في نقائش قديمة من شمال جزيرة العرب. توجد “ملكوت” في الآراميّة والحبشيّة والعبريّة (حتّى في بركة بلعام الّتي تعود نظريّا إلى فترة ما قبل السّبي)، فلِم انتظرت عصر النّبيّ للدّخول إلى العربيّة؟

كافور وماعون وناقور وياقوت، ومن الأعلام قارون وهارون وهاروت وماروت ويأجوج ومأجوج. وخارجه صيغة المبالغة فاعول (مثل فاروق).

حانوت- أي الحانة- على الأرجح من الآراميّة، ويوجد خانوت في الأكّديّة بمعنى محلّ البيع.
هناك “دجبة”/”طبة” dbt الّتي أعطت “طوب” القبطيّة و”الطّوب” العربيّة ومنها adobe الإسبانيّة الّتي انتقلت إلى الأنكليزيّة بنفس المعنى القديم.

إن اقتصرنا على الكتابات الّتي وردت فيها تلك الكلمة، نجدها في الّتي تتجاوز 30000 كلمة، وهي 26 تضمّ 2840000 كلمة 282 مرّة (ثلثها تقريبا في كتابات أفلاطون) أي 1 على 10000 وهي تقريبا نسبة “زخرف” في القرآن. فما الّذي دعا إلى هذا الاستخدام المكثّف لكلمة دخيلة؟

يوحي بذلك ورود 9 جذور في القرآن آخرها “رف” (الحرف الأوّل: ت، ج، ح، س، ص، ط، ع، غ، ق) إلى جانب “رفرف” مقابل 3 آخرها “خر” (أوّلها: أ، د، س) إلى جانب “الصّخرة”. نجد صيغة رباعيّة أيضا في برقش وزركش (مولّد) اللّذين يعبّران عن التّفنّن في التّزيين.

وردت كلمة “لغ” في الأوغاريتيّة مرّة واحدة، في ملحمة بعل وفي سياق لا يوحي بمعنى اللّغة (“هملت أرص جم لغ”، CAT 1.4.7: 52).

إن تركنا مثالي سوسن وعوسج اللّذين ذكرهما الكاتب واسم العلم حوْمل في معلّقة امرئ القيس والدّورق والجورب والجوهر المعرّبة من الفارسيّة والجولق لا نظنّ أنّ التّوأم والدّولب والدّولج أو التّولج والحوقل والنّورج والهودج والذّورق والزّورق والرّونق والرّوسم والرّوشم والجوزل والقوبع والنّوفل والشّوذح من النّوق، والحوصل أو الحوصلة والزّوبع أو الزّوبعة والكوكب والكوكبة والحوثرة والكوشرة كلّها دخيلة؛ وهناك كلمات كثيرة على وزن فيْعل لا نظنّها مستعارة. وقد اشتقّ المحدثون على صيغة “فوْعل” الحوْكمة والعوْلمة والحوْسبة والخوْصصة والبوتقة واللّولب وقوْقع وقوْلب… يوازي “كوْكب” في الأكّديّة ككّبو وفي الأوغاريتيّة كبكب وفي الفينيقيّة ككب وفي العبريّة والعربيّة الجنوبيّة والحبشيّة كُوكب.

كإجّانة وإجّاصة الدّخيلتين، أو إبّيل، ولا يبعد أن يكون المفرد أيضا إيبالة (كدينار الّذي جمعه دنانير)، وحتّى وبل ووابل ووبيل مع إبدال الواو بباء (كأقاويل جمع قول، و أباطيل ج باطل، وأناشيد ج نشيد وأنشودة)، أو كذلك بابل، الّذي قد يعود كاسم المدينة إلى جذر ساميّ انقرض “ببل”. جمع التّكسير نشأ في طور متأخّر من تطوّر العربيّة ولا تطابق كلّ صيغة منه صيغة مفرد واحدة؛ وهو نادر في اللّغات السّاميّة الأخرى.
اسم بابل الأصليّ بابلاّ وهو أكّديّ، وبتأثير اشتقاق شعبيّ دُعيت لاحقا “باب إليم” و”باب إلو” (أي باب الله) وفي عصر متأخّر “باب إلاني” (أي باب الآلهة)، ومنه اسمها اليونانيّ (Babylôn). ممّا يوحي بوجود جذر “ببل” في الأكّديّة قصّة برج بابل وبلبلة الألسن وتفرّق البشر في العهد القديم، حيث اشتُقّ اسمها من “بلل” الّذي يعني “بلبل” وحروفه لا توافق اسمها، وربّما أُخذت من مصدر أكّديّ. والمعنى المرجّح: فِرقة أو جماعة (هنا سرب)، كما يوحي أيضا قول بعض البدو “جاءت إبلك أبابيل” حسب الأخفش. في اللّغات الأوروبيّة نجد في الأنكليزيّة babble والفرنسيّة babiller والألمانيّة babbeln، وهي تعني الكلام غير المفهوم وتُردّ إلى اللاّتينيّة babulus الّتي تبدو تصغيرا لbabius (نظير الأوسكانيّة babbiis)، وتوحي بالبلاهة بينما يقال للأعجم barbarus (من اليونانيّة barbaros، وصارت تعني “الهمج”) وللمهذار blateratus (من blatio، blatero، blactero) أو garrulus (من garrio)؛ من الأسماء أيضا baburrus (مثل baburtas في اليونانيّة)؛ وbab توحي بالشّفة (مثلا في لغة لنغدوك babo= bave الفرنسيّة أي الرّيقة السّائلة، وحرفا b وv بالنّطق الفرنسيّ والأنكليزيّ متقاربان في عدّة لغات، واسم الرّضيع في عدّة لغات أوروبّيّة شبيه بbaby وbébé، لكن في الرّوسيّة baba هي الفلاّحة وbaboushka الجدّة). في نفس الوقت يبدو أنّ هناك جذرا لاتينيّا قديما *poublos يعني الجماعة والشّعب يوجد في اسم Publius (الّذي يرجّح باحثون أنّه من أصل إترسكيّ هو Puplie)، وغلب populus أصل popolo الإيطاليّة وpeuple الفرنسيّة وpeople الأنكليزيّة وهو في الإسبانيّة pueblo والكاتلانيّة poble (لا يوجد الجذر اللاّتينيّ في لغات هندوروبّيّة أخرى، في اللّغات الجرمانيّة مثلا الجذر هو folk/volk، ويبدو مرادفا لplebs الّذي قُلب فيه حرفا b وl- ونترك جانبا بعض الأسماء المركّبة الّتي تحمل تلك الحروف ولا صلة لها به مثل boubalos وboubalis وboubalion وbubalus وbubulus وbovillus). هناك أيضا في الأنكليزيّة bubble كاسم وفعل لفقاقيع الماء (منذ القرن 14 وأواسط 15 م)، وربّما أتى من الهولنديّة القديمة (bobbel) أو الألمانيّة القديمة (bubbeln)، والظّاهر أنّه يحاكي صوتها. وقد سمّى اليونان مدينة جبيل (جبل في الأصل، جُبلا بالأكّديّة وكبن بالمصريّة بباء ثقيلة أو خفيفة b /p) Bublos وأُطلق نفس الاسم على البرديّ والكتاب. وهذه التّسمية أقدم، فقد استُخدم bublinos لحبل السّفينة بمعنى المصنوع من البرديّ في الأوديسة 21: 391، وكذلك في “الشّابّات المتوسّلات” لإسخيلس (761) لمرساة السّفينة، ونجد أيضا bublinon لعبارة نير من الحبال في هيرودوتس 8: 20 (في سياق بحريّ أيضا)، واستخدم هذا الكاتب 10 مرّات biblia بمعنى الرّسالة لأنّها كانت تُكتب في عصر الإمبراطوريّة الفارسيّة على لفائف البرديّ. وأصل الكلمة “حبل” الفينيقيّة الّتي تطابق “حبل” في العربيّة و”خبل” في العبريّة (مل2 17: 13، مل3 20: 31ت، أيّوب 41: 1، أشعيا 5: 18… وكفعل بمعنى فتل وجدل وربط: أمثال 20: 16، 27: 13، زكريّا 11: 7 و14، وله معنى ثان يطابق الجذر العربيّ “خبل” والخاء فيه هي خاء السّاميّة الأصليّة كما في نحميا 1: 7، أيّوب 17: 1، 34: 31، ميخا 2: 10). ولأنّ اليونانيّة لا تحتوي على الحاء غُيّرت إلى باء. في القرن 4 ق م استخدمها ثيوفراستُس للفائف البرديّ واستخدم papuros للنّبتة (وأدج/تيوفي/دجت بالمصريّة، سوف بالعبريّة) وكذلك دعاها بلينيوس أيضا، لكنّ سترابون استخدم bublos للنّبتة أيضا. وأُطلق نفس الاسم على جبيل ربّما لشبه اسمها ولأنّ البرديّ المصريّ كان يصدَّر إلى بلاد اليونان منها، وورد في مصادر متأخّرة (كديودورس الصّقلّيّ وإسترابون وربّما قبلهما في تاريخ فيلون الجبيليّ)، بينما لم تُذكر في تاريخ هيرودوت ولا في الرّحلة حول الأرض Periplous المنسوبة إلى Skulax (القرن 4/3)؛ ويوحي اسم العلم Gublios الّذي وُجد في ألواح بالخطّ المينويّ القديم (Linear B- وإن كانت نفس العلامة توضع لمقاطع صوتيّة بحروف g وk وch) أنّها كانت في عصور أقدم تُعرف ب Gublos في العالم الإيجيّ. للحبل أسماء أخرى في اليونانيّة مثلا schoinos ويُدعى حبل السّفينة كذلك kamilos وبالعربيّة “الجُمّل” ولعلّه المقصود في القول: لأسهل أن يدخل “الجمل” kamèlos في ثقب الإبرة من أن يدخل غنيّ ملكوت السّماوات (متّى 19: 24، ق 7: 40).
ردّه جفري إلى اللاّتينيّة sigillum عبر اليونانيّة sigillon، مستبعدا جذر “سجل”. في الأوغاريتيّة “سجلة” هي الكنز والمِلك الخاصّ، وتوافق “سجله” العبريّة و”سجوله” الآراميّة و”سِكِلتو” الأكّديّة؛ فيها وفي الأكّديّة أيضا “سجر” بمعنى طوى أو الثّوب الّذي يُلفّ به (انظر ق 21: 104).

يعني فعلا توسّم وشام التّعرّف على العلامة، كما في قول ابن الرّومي: “على حين شمت الخير في لمحاته/ وآنست من أفعاله آية الرّشد”.

في لغات ساميّة أخرى لا توجد ألف “اسم” ولا “ابن” وحتّى في العربيّة لا تُكتب غالبا. واسم “سام” أبي السّاميّين المفترض يعني “اسم”.

عدد 6: 27، تثنية 12: 5 و21، 14: 24، قضاة 8: 3، مل2 7: 23 إلخ؛ تك 4: 15، خر 7: 3، 10: 2، أيّوب 7: 20، مز 73: 4، 77: 43، 104: 27، أشعيا 47: 6، 66: 19، إرميا 32. 20، حجّاي 2: 23. في تك 24: 33 استُخدم مع “يسم” الشّبيه في المعنى أي وضع.

“وسم خطه شوره وشعره نسمن” والتّرجمة العربيّة (“يلقي الحنطة في خطوطها والشّعير في مكانه”) غير دقيقة. وهو حسب البعض أصل “سيمن” المستخدمة في التّلمود بمعنى “علامة” وردّها آخرون إلى الفعل اليونانيّ حيث النّون حرف زيادة.

ينسب دعاء أشّوريّ إلى الآلهة إيا وشمش وأسلّوخي تقرير الأقدار (شَماتِ شامُ)، ويقول آخر لمردوك: لكلّ ما له اسم قسمت قدرا (شِمْتَ تَشَمَ). هل تربط علاقة لغويّة الأقدار والأسماء (الّتي تقترن بها في نشيد إنوما إليش)، ومن ثمّة فكرة السّمات أيضا، بالسّماء (شَمو أو شماءُ) في الأكّديّة؟ وفضلا عن عبارة “شِمتَ شَمُو” أي قرّر المصير أو بمعنى أوسع “قرّر”، يُستخدم الفعل بمعنى “عيّن”، مثلا في ملحمة جلجامش: “شَرّوتَم شا نيشي إشِمكُم إنليل= عيّنك إنليل ملكا على كلّ النّاس). وفي نصّ عن شمش أنّ “سمات إلوتِشو شا أفرُ راشُشّو تِقنُو تُقُّنُو” أي آيات ألوهيّته (التّاج الذّهبيّ) على رأسه المزدان بالزّينة؛ وقد يكون الجذر “تقن/تكن” الّذي ورد هنا والّذي يوجد في لغات ساميّة أخرى بمعنى الإحكام والتّرتيب والإعداد بعناية وكاسم علم (العربيّة والأوغاريتيّة والعبريّة) أصل اليونانيّة technè (الّتي أعطت technique)، ذات التّركيب الخاصّ، فهي إليه أقرب منها إلى taksali السّنسكريتيّة الّتي يردّها اللّغويّون إليها والّتي تعني البناء (علما بأنّ الكلمات الّتي تحتوي على tex تتعلّق بالأحرى بالنّسيج، وأنّ technè استُخدمت في البداية للبراعة أو المكر، وبكليهما وُصف الفينيقيّون في الأشعار الهوميريّة: إلياذة 23: 740-744، أوديسة 14: 287-297، 15: 415-418)؛ ولا يتّسع المجال هنا لعرض القرائن ولا لمناقشة علاقتها بteknon (= uios أي الابن).

قد يكون شبه كلمة سرّ باسم السّمسم (شمشمو) وراء كلمة السّرّ في قصّة عليّ بابا المأخوذة من تراث شرقيّ قديم؛ واسمه مركّب من “شمن” أي زيت و”شمّي” اسم النّبتة، وقد انتقل إلى اليونانيّة (sèmsamon/mè وباللّهجة الدّوريّة samsamon، وتشبه sussèmon أي العلامة).

علما بأنّ الجهير dh في اللّغة الهندوروبّيّة (المحفوظ في السّنسكريتيّة) يتحوّل في اليونانيّة إلى الكتيم th لا إلى s حسب اللّغويّين.

بندارُس: الأناشيد النّيميّة 7: 20: te thanatou…sama (معلم الموت)، ديونيسيوس الهلّيكرناسيّ (3: 7) لإشارة المعركة، أثينيوس 7: 4 لنصب؛ كذلك samata استخدمها بندارُس للقبر في الأناشيد الأولمبيّة 10: 30، الأناشيد الفيثيّة 9: 82.

تتبع “صرفيّا” المجموعة الثّالثة مثل aima وboskèma وderma وepsèma وmnèma وonoma وrèma وsôma وterma وtrauma.

مثلا في ال70 ورد هو فقط (120 مرّة، والعهد الجديد: 77)، والفعل 16 (ع ج: 6)، وsèmasias (النّفير) 21، وsussèma 3 (علامة).

إلياذة 2: 308 و353 و814، 4: 381، 6: 168 و176 و419، 7: 86 و89 و189، 8: 171، 9: 236، 10: 416 و466، 11: 166، 13: 244 و322، 22: 30، 23: 45 و256 و258 و326 و331 و455 و843، 24: 16 و51 و349 و416 و755 و799 و801، أوديسة 1: 291، 2: 222، 8: 192 و195، 11: 75 و126، 19: 251، 20: 111، 21: 217 و231 و413، 23: 73 و110 و188 و202 و206 و225 و273، 24: 329 و346. وورد الفعل sèmainô في الإلياذة 1: 289 و295، 2: 805، 7: 175، 10: 58، 11: 789، 14: 85، 16: 172، 17: 250، 21: 445، 21: 445، 23: 358 و758، الأوديسة 12: 26، 22: 427 و450. من جهة أخرى تدعو نصوص من أدب الرّبّيّين (في أوائل التّقويم الميلاديّ) “الحرف” (نحو ألف وبيت) “أوت” أي علامة (مثل كلمة “آية” العربيّة).

دعاه هيرودوتس phoinikeia grammata (يعني اسم قدمُس بالفينيقيّة “الشّرقيّ”، ولقتل التّنّين في أسطورته وأسطورتي بلّيروفون وفرسيوس موازيات شرقيّة في الأساطير الرّافديّة والأوغاريتيّة وفي العهد القديم، كذلك لمشاركة بلّيروفون حماه في حكم البلاد نكهة شرقيّة: انظر مثلا مل1 9: 16؛ ويبدو اسم بلّيروفون من أصل ساميّ غربيّ “بعل رفون” وكذلك خِميْرة، لأنّ معنى العنز بنت الحول بعيد عن السّياق، انظر Michael C Astour). وفي الحقيقة عرف الإيجيّون الخطّ المعروف بLinear A ثمّ Linear B (المنحصر في القصور)، واختفى مع مطلع عصر الحديد.

استخدم هوميرُس تلك الكلمة للآيات الّتي يرسلها زيوس إلى البشر (إلياذة 2: 308، 2: 353 و381، 8: 171، 9: 236، 13: 244، 21: 413، 22: 30، أوديسة 21: 413) لاسيّما البرق والرّعد كيهوه في العهد القديم؛ وعدّ برجا سماويّا نذير وباء (إل 22: 30- وهذا يذكّر بالتّنجيم الرّافديّ)، واستخدمها كذلك للأمارة الّتي يعطيها أحد لآخر على مكان أو حدث (إل 23: 326، أو 11: 126، 23: 273) أو للقيام بعمل (أو 21: 231 و413،)، وللعلامة على الجسم كندبة تركها جرح على جسم أوديسيوس عرفه بها راعياه ومرضعته وأبوه لمّا عاد بعد 28 سنة (أو 21: 217، 23: 73 و346) أو غرّة على جبهة فرس (إل 23: 455)، أو شيء أو سرّ يعرفه شخصان أو أكثر (أو 19: 251، 23: 110 و188 و202 و206 و225)، وللعلامة الّتي توضع في مباراة الرّماية لبيان مرمى قذيفة كلّ متنافس (إل 23: 843، أو 8: 192 و195)، أو في القرعة لفرز الفائز (إل 7: 189)، أو للقبر (إل 2: 814، 6: 419، 7: 86 و89، 10: 415، 11: 166، 13: 322، 23: 45 و256 و258 و331، 24: 16 و51 و349 و416 و755 و799 و801، أو 1: 291، 2: 222، 11: 75) أو لبيان مكان ما (إل 10: 466). أمّا الفعل فيعني: علّم (:وضع علامة)، عيّن، بيّن/شوّر (للمكان)، دلّ/أرشد، أمر (قد تكون لهذا المعنى علاقة بمعنى القضاء الإلهيّ لكلمة سِمتو الأكّديّة).

ظلّت بعض الفرق الغنوصيّة تستخدم عبارة أفلاطون المنقولة عن الأورفيّين sôma sèma أي الجسد قبر أو سجن (للنّفس) في عصور متأخّرة. استخدم هوميرُس كذلك للقبر tumbos (إل 2: 60 و793، 4: 177، 7: 336 و435، 11: 371، 16: 457 و675، 17: 434، 23: 245 و666، أو 1: 239، 4: 584، 11: 77، 12: 14ت، 14: 369، 24: 32 و80)، ويبدو مرادفا لsèma (قارن إل 11: 371 ب10: 415، 11: 166، 24: 349 عن إيلُس، 23: 666 ب24: 799 و801 عن هكتور، أو 11: 77، 12: 14ت ب11: 75 عن إلفنور، أو 1: 239، 14: 369، 24: 32 ب 1: 291، 2: 222 عن أوديسيوس كافتراض وفي الحالة الأولى يدفنه أصحابه وفي الثّانية ابنه). وهو غالبا جثوة وورد معه stèlè أي عمود حجريّ في 5 مواضع (إل 11: 371، 16: 457 و675، 17: 434، أو 12: 14)، وفي سياقين آخرين (إل 12: 259 العماد المستخدمة للدّفاع، 13: 437 وقف ثابتا كالعمود أو الشّجرة)، واستخدمه بالأخصّ المؤرّخون لأعمدة الأبنية (سترابون 200 مرّة، بوسنياس 56، بوليبيوس 51، ديودورُس 35، هيرودوتس 28، ديون كسيوس 20)- والكلمة قريبة من سَطَرو/شَطرو الأكّديّة الّتي تعني النّقيشة على العمود أو المسلّة، ول”أسُمو/أشُمو” نفس المعنى و”شُمو شطرو” هي المسلّة الّتي تحمل نقيشة (كذلك يعني “ستالو” غرس، . و tumbosوحده تقريبا المستخدم في مسرحيّات أوريبيدس (62 مرّة) وسوفوكليس (13) وإسخيلُس (12)، مثلا استخدم أوريبيدس sèma 8 مرّات، منها مرّة واحدة بمعنى القبر (هيكوبة 1273). لكن نجده على النّقائش القديمة (القرون 8-6) على بعض شواهد القبور وعلى أخرى mnèma (تذكار)، وهذا يوحي بمعناه: الدّالّة اللاّئقة بالميّت كسمتو ميتوتي الأكّديّة. هذا الاستخدام يذكّر بحرص الرّافديّين على دفن الموتى بالنّحو المناسب خشية أن تظلّ أشباحهم تهيم على الأرض وتزعج الأحياء، وبذل أقاربهم تقادم لتماثيلهم وعالم الموت عندهم كما هو عند اليونان عالم أشباح وظلمة (وإن كانت صورة عالم ما بعد الموت في الأناشيد الهومريّة لا تتّفق تماما مع عادة إحراق جثّة الميّت ذات الأصول الهندوروبّيّة والّتي تتماشى أكثر مع عقيدة التّناسخ). ربّما بدأ استخدام sèmeion في القرن 5 مع برمنيدس وهيرقليطس (لم يستخدمه بندارُس المتقدّم عنهما قليلا لكنّه استخدم sèma للقبر في الأناشيد الأولمبيّة 10: 24 والأناشيد النّيميّة 9: 83 وفي هذه المجموعة بمعنى موسيقيّ 1: 3 وللعلامة الإلهيّة 4: 200، واستخدم tumbos للقبر في نيم 4: 20، 10: 66، أول 1: 93، 9: 99، وstala في 3 أناشيد)، ونجد sèmeion في مسرحيّات سوفوكلِس (14 مرّة) وأوريبيدس (هيكوبة 1009، هبّوليتُس 514، الفينيقيّات 142 و1112 و1114، ألكستِس 717، ريسُس 529). ومن اللاّفت أنّ هيرودوتس استخدم sèma 12 مرّة في جميعها بمعنى القبر. استخدم هوميرُس كذلك taphos (20+15 مرّة)، ونجدها بكثرة عند بوسنياس (457)؛ وقد صارت mnèmè الّتي استخدمها بمعنى الذّكرى والتّذكار (إل 23: 619، أو 8: 163، 15: 126، 21: 40 و95) تعني القبر (7 مرّات في العهد الجديد، وmnèmeion 42).

وردت “دجل” في عدّة مواضع من سفر العدد (1: 52، 2: 2ت و10 و17ت و25 و31 و34، إلخ وتُرجمت في ال70 غالبا ب) وفي نشيد الأناشيد 2: 4 بمعنى الرّاية، وتبدو مشتقّة من الأكّديّة حيث يعني الجذر رأى (الّذي يبدو في العربيّة جذر الرّاية). ووردت “تُرن” في أشعيا 30: 17، 33: 23 (السّارية)، حزقيال 27: 5 (السّارية أيضا والنّصّ نبوءة على صور)، واشتقاقها محلّ اختلاف. وقد استخدم حزقيال لشراع السّفينة في نفس السّياق (27: 7) “نس” الّتي تعني كذلك البند والرّاية (كما في أشعيا 5: 26 مثلا، وقد تُرجمت هنا sussèmon). في الأكّديّة هناك أُريجلو، والفعل زُقّفو أي نصب راية (ولعلّه الأصل البعيد لعبارة المعرّيّ: “حملتني زقّفونا”)؛ ويقال أيضا لبند الإله أُرِنّو؛ وأصل كليهما سومريّ.

كما يوحي مثل شعبيّ في جزيرة العرب يقال لاختلاط الأشياء “غاق وغرناق” حيث يكني الغاق عن الغراب؛ ويدعى كذلك الكركيّ وله أسماء شبيهة في الحبشيّة والسّريانيّة والآراميّة والأكّديّة، وردّ von Soden تلك التّسمية إلى السّومريّة.

في الخطّ القديم لا يوجد فرق بينه وبين رسم “عرب” أي العرب أو سكّان الصّحراء، لذلك فالأرجح أنّ الغربان الّتي كانت تقوت إيليّا (إلياس القرآن) خبزا ولحما في الأصل أعراب، خاصّة أنّ الغربان نجسة في الشّريعة الموسويّة، وأنّ إيليّا قدم من عِبر الأردنّ ونُعت بالتّشبيّ أي الغريب.

يختلف الجذر العربيّ عن مثيله في الأوغاريتيّة والأكّديّة والآراميّة والعبريّة والتّدمريّة والنّبطيّة الّذي يعني وقع وسقط (في تك 18: 25 “سكن”: “قبالة جميع إخوته نزل” وقد يعني كذلك “مات”)، والنّون فيه حرف مطاوعة يختفي في بعض الصّيغ الصّرفيّة، ومنها “مفل” الّذي ورد في الجمع “مفلت” بمعنى الأنقاض على تابوت أحيرام ملك جبيل ويعني في البونيقيّة نوعا من البيوت البسيطة، وذكر قبريانُس (جدّ الفقيه المالكيّ القبريانيّ ربّما) شارعا في قرطاج يدعى Via Mappalensis، واستخدم فرجيليوس mapalia لأكواخ الرّعاة اللّيبيّين في أعمال الأرضين 3: 340، والأرجح أنّه استمدّها من كتاب ماغون الشّهير في الفلاحة (كما يوحي استخدامه لأكواخ الرّعاة الرّومان في “أغاني الرّعاة” tuguris 1: 68 الّتي استخدمها وارّون 3: 1: 3 وسالّستيوس 12: 5، وcasas 2: 29 الّتي استخدمها كذلك وارّون 2: 10: 6، 3: 1: 3)؛ ووردت في الإنياذة (1: 421، 4: 259) برسم مختلف (magalia) استخدمه أيضا في وصف سكنى النّوميديّين سالّستيوس الّذي اعتمد عبر همبسال على مصادر بونيقيّة (يوغرطة 18: 8، 46)، وبلينيوس (5: 22 و16: 178)، وفي وصف معسكر سيفاكس تيطس ليويوس (29: 31، 30: 3-5). لكن يبدو لنا أنّ لاسم “النّفيليم”، الجبابرة أو العماليق الأسطوريّين المذكورين في العهد القديم (تك 6: 4، عدد 13: 33، كذلك ودون طابع أسطوريّ ال”جبوريم نُفليم” في حزقيال 32: 27) بمعنى الزّيادة الّذي يتضمّنه الجذر العربيّ، ولا علاقة له بالجذر العبريّ وموازياته في اللّغات السّاميّة الغربيّة، خلافا لرأي الباحثين أنّهم هبطوا من السّماء، أو أنّهم مدمّرون، هم عمالقة (gigantes في ال70 في الحالات الثّلاث) أي أوتوا بسطة في الجسم.

وردت في القرآن أيضا بمعنى مجير ونصير (8: 48)، وبمعنى التّابع المولى في نقائش فينيقيّة (على قبر بقبرص من القرن 6 “جر حمن”). أُطلق جيورا في الآراميّة على الدّخيل/المتهوّد (في ال70 geiôras/giôras في خر 12: 19، أشعيا 14: 1). يقال للغريب أيضا “زور” (تثنية 25: 5 مثلا، كذلك في الفينيقيّة، و”زار” في الآراميّة).

كما في رسميها اللاّتينيّ (Carthago) واليونانيّ (Karchèdônia) حيث يعكس أيضا حرفا h وd جزءه الثّاني “حدشة” (أي حديثة، جديدة).

لا يوجد إجماع حول أصل اسم كريت (Krètè في اليونانيّة القديمة). وردّه إلى “قرت” الفينيقيّة يصطدم بإطلاقه على الجزيرة لا على مدينة، وبوجود الجذر “كرت” في لغات ساميّة كالأوغاريتيّة (أسطورة كرت) والعبريّة (نهر كريت الّذي تجاه الأردنّ في قصّة إيليّا في مل3 17: 3 و5، الكرتيم أي الكرتيّين اسم شعب من جنوب فلسطين ورد في مل1 30: 14، حزقيال 25: 16، صفنيا 2: 5 وتُرجم في ال70 في المقطعين الأخيرين بKretoi، عبارة “هكرتي وهفلتي” المختلف فيها: مل2 8: 18، 15: 18، 20: 7 و23، مل3 1: 38 و44، أخ1 18: 17). أمّا اسم أوغاريت فرجّح لغويّون اشتقاقه من “أوجارو” السّومريّة (بجيم مصريّة) أي الحقل.

تحوّل الهمزة إلى عين مشكل طبعا، من جهة أخرى وجود “عير” بمعنى الحمار في العربيّة ولغات ساميّة أخرى يقوّي احتمال استعارتها (ولعلّ ذلك أصل “جوف العير” في البيت المعروف، وربّما أريد بالعير في سورة يوسف ما يُمتار به من إبل وحمير وبغال).

وردت كلمة “عر” في النّقائش القتبانيّة وفي السّبئيّة (ج “أعرر” أي حصون أو قرى جبليّة) وبقيت في لغة اليمن بمعنى قريب (العُرّ: الجبل أو القرية الجبليّة المحصّنة، واسم قرية جبليّة في محافظة إبّ؛ انظر دراسة إبراهيم السّلويّ عن ألفاظ الهمدانيّ ونشوان الحميريّ).

في المقابل “قصر” عربيّة الأصل، وتبدو castrum مشتقّة من البونيقيّة وكذلك castro أي خصى (من جذري “حصر” و”قصر”).

تستعير كلّ اللّغات من غيرها، لكن تصير الكلمة بعد استيعابها من صميم اللّغة، ومن التّجنّي مثلا اعتبار كلمة “باب” دخيلة إن صحّ أنّها أتت من الأكّديّة فقد تمّ ذلك عدّة قرون قبل القرآن (وحتّى هذا فيه نظر إذ ليست الكلمة الأكّديّة مأخوذة من السّومريّة، ولا تحتوي العربيّة على الكلمة الأخرى المستخدمة للباب في اللّغات السّاميّة، دلتو/دلت الّتي أعطت اسم الحرف دلتا الشّبيه بقطعة القماش الّتي يُسدّ بها مدخل الخيمة، فهل لم يكن فيها لفظ لما يُغلق به مداخل الخيام). ولم يترك العرب أدبا غزيرا على قرون يتيح الحكم بأنّ كلمة ما استُخدمت أو لا قبل القرآن، فالشّعر الجاهليّ من نفس العصر تقريبا وفيه كثير من النّحل، والنّقائش اليمنيّة والشّماليّة قليلة. بوجه عامّ استعارت لغة العرب من غيرها قبل الإسلام أقلّ بكثير ممّا استعارت لغات أمم أخرى من غيرها لانغلاق الجزيرة العربيّة، واتّصلوا بالفرس أو الأشّوريّين والبابليّين أكثر من اليونان؛ في شمال الجزيرة سيطر الرّومان على مملكة الأنباط ولم يتوغّلوا في الدّاخل، ومُنيت بعثة غيوس الّتي استهدفت جنوبها بالفشل. وكان مرور كلمة من اليونانيّة إلى العربيّة في القرون اللاّحقة يتمّ عبر الآراميّة والسّريانيّة، فلا بدّ لإثبات الاشتقاقات اليونانيّة من إثبات مرور تلك الكلمات إلى إحداهما. وقد عاشت الشّعوب السّاميّة متّصلة قرونا ممّا يجعل البتّ في مسألة تأثير لغة في أخرى أصعب ممّا هو الشّأن في اللّغات الهندوروبّيّة. وإن صحّ أنّ الشّعوب السّاميّة هاجرت من الجزيرة العربيّة وفق النّظريّة الشّائعة، صارت الاستعارة المفترضة لكلمات عربيّة من لغات ساميّة محلّ استفهام.

تناول البحث 8 لغات (الحبشيّة، عربيّة النّقوش الجنوبيّة، السّريانيّة، الآراميّة، العبريّة، الأوغاريتيّة، الأكّديّة)، فيه هنات وتتطلّب نتائجه معالجة إضافيّة، وهذه مصفوفة التّرابط بين اللّغات باستخدام طوبولوجيا إقليديّة وباحتساب الكلمات ذات القرائن الضّعيفة (364).

tableau-coran

سُمّيت كذلك لتعلّقها بالرّحم واستقرارها فيه (كما جاء في 22: 5، 23: 13، 77: 21، وانظر 6: 98)- كالعلقة الّتي تلتصق بحناجر الدّوابّ.

يبيّن قول ابن المقفّع أنّ الفقه الإسلاميّ أخذ يتبلور في النّصف الأوّل من القرن 2 وأنّ السّنّة والقياس كانا من مصادره إذّاك مع القرآن. وتقدّم رسائل منسوبة لجابر بن زيد حفظها إباضيّة المغرب وهناك أدلّة قويّة على أصليّتها صورة عن بداياته في سبعينات وثمانينات القرن الأوّل.