amnesty-tunisie

وجه الفرع التونسي لمنظمة العفو الدولية مراسلة يوم 1 جويلية 2013 الى رئيس المجلس الوطني التأسيسي ورؤساء اللجان ،عبر فيها عن بواعث القلق إزاء الثغرات المتبقية في المسودة النهائية للدستور والمتعلقة بالحقوق الإنسانية وطالب بضرورة مراجعة المواد التي لا تزال تقوض حقوق الإنسان وفقا لالتزامات تونس بموجب القانون الدولي.

فلدى منظمة العفو الدولية الشواغل التالية حول مسودة الدستور :

• كونية حقوق الإنسان وحرية الفكر والضمير والمعتقد والدين وعدم التمييز؛
• إلغاء القيود والتضييقات على حقوق الإنسان بما فيها الحق في حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع؛
• عدم كفاية الضمانات لاستقلالية القضاء والمحاكمة العادلة والحماية ضد التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة.

وذكر الفرع بأنه في عهد بن علي فقد الدستور وظيفته لحماية الناس من انتهاكات حقوق الإنسان، وبدلا لذلك تم تمرير العديد من القوانين الجديدة لمزيد القمع. وحاليا، لدى أعضاء المجلس الوطني التأسيسي فرصة تاريخية لضمان معالجة أوجه القصور في الدستور السابق بتجسيد الضمانات الأساسية لحقوق الإنسان التي من شأنها حماية التونسيين بفاعلية ضد الانتهاكات وبأن يحدد الدستور الجديد الأسس لمستقبل جديد في علاقة بحقوق الإنسان وسيادة القانون.

كما حث المجلس الوطني التأسيسي على تكريس حقوق الإنسان في الدستور الجديد بحيث تصبح أداة فعالة لحماية التونسيين في المستقبل والمساعدة في وضع حد لانتهاكات حقوق الإنسان.

وبهذه المناسبة أطلق الفرع التونسي لمنظمة العفو الدولية حملة من اجل ضمان حقوق الانسان في دستور تونس الجديد
على هذا الرابط:

وفي 15 اكتوبر 2012 قام مدير الفرع التونسي لطفي عزوز بتسليم عريضة لرئيس المجلس الوطني التأسيسي لضمان دسترة الحقوق الانسانية للجميع احتوت اكثر من 28000 امضاءا من مختلف بلدان العالم

منظمة العفو الدولية
تقرير موجز

5 يونيو/حزيران 2013
رقم الوثيقة: MDE 30/005/2013

فرصة أخيرة للمشرِّعين التونسيين لتكريس حقوق الإنسان للجميع في دستور تونس الجديد

تجدد منظمة العفو الدولية دعواتها إلى “المجلس الوطني التأسيسي التونسي” (المجلس التأسيسي) لضمان أن يكفل بصورة تامة حقوق الإنسان للجميع، طبقاً لالتزامات تونس بمقتضى القانون الدولي لحقوق الإنسان، وسط توقعات بأن يصوت المجلس على مشروع الدستور الجديد، مادة تلو الأخرى، في القريب العاجل.

وقد جرى تعديل المشروع الثالث لدستور تونس الجديد، الذي طرح على المجلس التأسيسي في 22 أبريل/نيسان، عقب نقاشات بين الأحزاب السياسية، ونشر في 1 يونيو/حزيران. ونظراً لما هو متوقع من تصويت المجلس التأسيسي على النص، مادة تلو أخرى، ثم على النص بأكمله، فإن منظمة العفو الدولية تحض على أن تتم مواءمته مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان. وإذا لم ينل المشروع الكامل موافقة ما لا يقل عن ثلثي أعضاء المجلس التأسيسي، فسيطرح، في نهاية المطاف، على الاستفتاء الوطني العام.

ويتضمن النص ضمانات لعدة حقوق اقتصادية واجتماعية وثقافية، بما في ذلك أحكاماً تتعلق بالحق في العمل على قدم المساواة، والحق في تشكيل النقابات، والحق في التعليم وفي الصحة. وحُذفت من مسودة 1 يونيو/حزيران قيود كانت قد فرضت على الحق في الإضراب. بيد أن منظمة العفو الدولية تشعر ببواعث قلق بشأن عدم احتواء المشروع على الحق في السكن المناسب، وعدم حظره عمليات الإخلاء القسري.

وأبقى مشروع الدستور على عدم فرض قيود على تجريم التعذيب. ويتضمن أحكاماً إيجابية بالمقارنة مع المسودتين الأولى والثانية، اللتين نوقشتا في أغسطس/آب وديسمبر/كانون الأول 2012، ولا سيما بتضمينه نصاً بشأن الحق في اللجوء.

غير أن المشروع الحالي، وعلى الرغم من التعديلات التي أدخلت منذ 22 أبريل/نيسان، قد ظل يقوض مبادئ أساسية للقانون الدولي لحقوق الإنسان، من قبيل عالمية حقوق الإنسان وسيادة القانون الدولي على القانون الوطني. ويطرح المشروع الأخير فكرة الحق في حرية الرأي، ولكنه لا يكفل صراحة اعتناق الشخص ديناً أو معتقداً من اختياره، أو ممارسته أي ديانة يشاء، ولا يحدد الأسس التي يحظر التمييز بناء عليها.
ويقيِّد المشروع أيضاً بعض الحقوق الأساسية، كالحق في حرية التعبير والتجمع السلمي وتكوين الجمعيات والانضمام إليها، والحق في حرية التنقل، جراء تضمينه قيوداً غامضة الصياغة تنتقص، في نهاية المطاف، من الحقوق المنصوص عليها. ولا يحدد على وجه الدقة أي حقوق يمكن تعطيلها في حالة الطوارئ، بينما يفرض قيوداً على الحق في الحياة لا ترقى إلى مستوى التزامات تونس الدولية لحقوق الإنسان.

ولا يتضمن مشروع الدستور الأخير كذلك الضمانات اللازمة لكفالة استقلال القضاء، والحق في محاكمة عادلة، كما لا يفرض حظراً تاماً على المعاملة أو العقوبة القاسية واللاإنسانية والمهينة، أو ينص على احترام مبدأ عدم الإعادة القسرية.

وتحض منظمة العفو الدولية المجلس التأسيسي على إظهار ميزاته القيادية واحترام تطلعات ملايين التونسيين الذين تظاهروا في 2011 ضد القمع والظلم، في صياغته للدستور الجديد. فينبغي أن يشكل دستور تونس الجديد علامة على قطيعة حقيقية مع ماض شابته الانتهاكات، وأن يصبح أداة قوية لحماية حقوق الإنسان.

وينبغي على “المجلس الوطني التأسيسي التونسي” تنقيح مسودات المواد التالية التي تقوض حقوق الإنسان، والتصدي للثغرات المتبقية في مجال حماية حقوق الإنسان:

1. عالمية حقوق الإنسان وحرية الفكر والرأي والعقيدة والدين وعدم التمييز

• عالمية حقوق الإنسان وسيادة القانون الدولي لحقوق الإنسان على القانون الوطني

تُقيم الديباجة الأسس التي ينبني عليها الدستور على المبادئ الأساسية للإسلام وأهدافه، على أساس الانفتاح والاعتدال، وعلى القيم الإنسانية الرفيعة والمبادئ العالمية لحقوق الإنسان. وقد حُذف النص الذي يشترط تساوق مبادئ حقوق الإنسان العالمية مع “الخصوصيات الثقافية للشعب التونسي”.

وتنص المادة 19 من المشروع على سيادة الاتفاقيات الدولية التي يصادق عليها البرلمان على القوانين الوطنية، ولكنها تظل أدنى من مستوى أحكام الدستور.

ويمكن لمثل هذه الأحكام أن تتيح لتونس التراجع عن التزاماتها الدولية في مضمار حقوق الإنسان بذريعة أنها لا تتماشى مع الدستور، أو مع المبادئ الأساسية للإسلام.

وفضلاً عن ذلك، تنص المادة 141 على أنه لا يجوز لأية مراجعة دستورية تقويض مكانة الإسلام كدين للدولة، وهو نص تخشى منظمة العفو الدولية احتمال أن يؤول على نحو يقوِّض حقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في حرية الفكر والرأي والعقيدة، وكذلك مبدأ عدم التمييز والمساواة أمام القانون.

إن مثل هذه الأحكام تتناقض مع “إعلان وبرنامج عمل فيينا”، الذي اعتمده “المؤتمر العالمي بشأن حقوق الإنسان” في 25 يونيو/حزيران 1993ـ وينص على ما يلي:
” جميع حقوق الإنسان عالمية وغير قابلة للتجزئة ومترابطة ومتشابكة، ويجب علي المجتمع الدولي أن يعامل حقوق الإنسان علي نحو شامل وبطريقة منصفة ومتكافئة، وعلي قدم المساواة، وبنفس القدر من التركيز. وفي حين أنه يجب أن توضع في الاعتبار أهمية الخاصيات الوطنية والإقليمية ومختلف الخلفيات التاريخية والثقافية والدينية، فإن من واجب الدول، بصرف النظر عن نظمها السياسية والاقتصادية والثقافية، تعزيز وحماية جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية.”

كما أنها تخالف المادة 27 من “اتفاقية فيينا بشأن قانون المعاهدات”، التي تنص على أنه “لا يجوز لطرف في معاهدة أن يحتج بنصوص قانونه الداخلي كمبرر لإخفاقه في تنفيذ المعاهدة”.

وتدعو منظمة العفو الدولية المجلس التأسيسي إلى تضمين الدستور حكماً يمنح المعاهدات الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان والقانون الدولي العرفي لحقوق الإنسان قوة القانون في النظام القانوني الوطني لتونس. ويتعين أن يوضح بأنه ينبغي تأويل القوانين الوطنية والدستور على نحو يتساوق تساوقاً تاماً مع هذه الالتزامات الدولية لحقوق الإنسان.

• حرية الفكر والرأي والعقيدة والدين

جرى تعديل المشروع الذي عرض على المجلس التأسيسي في 22 أبريل/نيسان ليتضمن كفالة الدولة لحرية الرأي، وكذلك لحرية العقيدة والممارسة الدينية.

ويعرِّف مشروع الدستور الحقوق في حرية الرأي والعقيدة والدين بأنها واجب من واجبات الدولة، ولكنه لا يكفل هذه الحقوق باعتبارها حقوقاً لكل فرد.

وتحض منظمة العفو الدولية المجلس التأسيسي على ضمان أن يكفل الدستور الجديد صراحة الحق في أن يكون الشخص متديناً أو أن يتبنى ديناً أو عقيدة من اختياره، أو في عدم ممارسة أي دين، وأن يحدد تخصيصاً أنه لا ينبغي إخضاع أي شخص للإكراه بصورة تنتقص من حريته في أن يكون له أو لها دين أو عقيدة من اختياره، أو في تبني مثل هذا الدين أو العقيدة.

• عدم التمييز

يتضمن المشروع الحالي أحكاماً سابقة لم تكفل بصورة تامة مبدأ عدم التمييز أو تقوِّضه. فالمادة 20، التي تنص على ما يلي: “المواطنون والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات، وهم سواء أمام القانون من غير تمييز”، تستثني غير التونسيين، وهو أمر يتناقض مع التزامات تونس بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان في احترام الحقوق الإنسانية لكل شخص موجود في إقليمها ويخضع لولايتها القضائية. كما أنه لا يحدد، مثله مثل المشاريع السابقة، الأسس الأخرى المحظورة للتمييز، كالعرق أو اللون أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو غيره من الآراء، أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو الملكية أو المولد أو أي وضع آخر.

وتتضمن المادة 45 أحكاماً إيجابية، حيث تنص على كفالة الدولة لحماية حقوق المرأة وتدعم حقوقها المكتسبة. كما تكفل فرصاً متساوية للرجال والنساء في تولي المسؤوليات وتلغي جميع أشكال العنف ضد المرأة. بيد أنها لا تحدد بوضوح أن الرجال والنساء متساوون أو تؤكد على الحق في المساواة التامة في القانون والواقع الفعلي، وفي الفرص في جميع مناحي الحياة، المدنية والثقافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وفق التعريف الذين تحدده المعايير الدولية لحقوق الإنسان.

كما استمر المشروع الحالي في النص تحديداً على أنه لا يجوز إلا للمسلم أن يصبح رئيساً للجمهورية.

إن على المجلس التأسيسي ضمان شمول غير التونسيين بعدم التمييز والمساواة، وإجمالا، أي شخص يخضع للولاية القضائية للسلطات التونسية. وفضلاً عن ذلك، ينبغي أن يحدد الدستور الجديد الأسس التي يحظر التمييز بناء عليها، بما في ذلك العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو غيره من الآراء، أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو الملكية أو المولد أو أي وضع آخر. كما ينبغي أن يعترف بحق المرأة والرجل في المساواة، وبحقهما في المساواة التامة في القانون والواقع الفعلي، وفي الحصول على فرص متكافئة في جميع مناحي الحياة، بما في ذلك، ودونما قيود، في المجالات المدنية والثقافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

2. القيود الكاسحة على حقوق الإنسان وتعليقها

بينما يكرس مشروع الدستور عدداً من حقوق الإنسان الأساسية، كالحق في الحياة وفي حرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات والانضمام إليها، وفي حرية التنقل، تسمح الأحكام التي تكفل هذه الحقوق بقيود غامضة الصياغة يمكن أن تستخدم في تقييد ممارسة هذه الحريات الأساسية على نحو تعسفي. ويفتح مشروع الدستور الأبواب كذلك لتعطيل الحقوق عند إعلان حالة الطوارئ. إذ ينص مشروع الدستور على أنه يمكن تقييد الحقوق والحريات، إذا لم يجر التعدي على جوهرها ونُص على ذلك بقانون، من أجل حماية حقوق الآخرين، أو لضرورات السلامة العامة أو الأمن الوطني أو الصحة العامة. ولكن المشروع لا ينص على أن ثمة حقوقاً لا يجوز تعطيلها. وعلى أن هذه يجوز تقييدها فقط بصورة استثنائية لتحقيق هدف مشروع، وعلى نحو واضح الضرورة، وفقط بصورة متناسبة مع ضرورات حماية ذلك الغرض.

وبينما يتقبل “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية” فرض قيود على حرية التنقل وحرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات والانضمام إليها، إلا أنه يسمح بمثل هذه القيود فقط إذا جرى النص عليها في القانون، وكانت ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لحماية الأمن الوطني، أو النظام العام، أو الصحة أو الآداب العامة، أو حقوق وحريات الآخرين، وإذا كانت متساوقة مع الحقوق الأخرى التي يعترف بها العهد. وقد حددت “لجنة حقوق الإنسان” التابعة للأمم المتحدة، في تعليقاتها العامة رقم 10 و22 و27 و34، الظروف التي يمكن فيها فرض قيود على الحقوق.

وينص مشروع الدستور الحالي على إمكان تعطيل الحق في الحياة “في حالات قصوى ينص عليها في القانون”. كما يحدد الشروط لإعلان حالة الطوارئ، ولكن دون ذكر أن حقوقاً إنسانية وحريات أساسية بعينها غير قابلة للتعطيل في أي وقت من الأوقات، وفق ما أوضحت لجنة حقوق الإنسان في تعليقها العام رقم 29.

• حرية الرأي والتعبير

على الرغم من ضمان حرية تكوين الجمعيات والانضمام إليها، وحرية التجمع، وحرية التعبير الذي تتضمنه المواد 30 و31 و34 و36، على التوالي، فإن نصوص هذه المواد يمكن أن تسمح بتقييد هذه الحقوق تعسفاً في القوانين الوطنية.

فالمادة 30، ورغم أنها تكفل الحق في حرية الرأي والفكر والتعبير والإعلام والنشر، تنص على أنه يجوز تقييدها بقانون يحمي حقوق الغير وسمعتهم وسلامتهم وصحتهم؛ بينما تكفل المادة 31 الحق في النفاذ إلى المعلومة “في حدود عدم المساس بالأمن الوطني والمصلحة العامة أو المعلومات الشخصية للآخرين”.

ويساور منظمة العفو الدولية قلق بسبب عدم ضمان مسودة الدستور الحالية الحماية الكاملة لحرية التعبير، حيث تعرض صحفيون ومدونون ونقاد وفنانون، في السنة الماضية، للتهديد بالمقاضاة، وحتى بالسجن، لا لسبب إلا لتعبيرهم السلمي عن آرائهم.

وتدعو منظمة العفو الدولية “المجلس الوطني التأسيسي” إلى تنقيح هذه المواد حتى تتماشى مع التزامات تونس بموجب المادة 19 من “العهد لدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية”، والتي أوضحتها “لجنة حقوق الإنسان” في تعليقيها العامين رقم 10 و34، اللذين يقضيان بوجوب تحديد أية قيود تفرض على هذه الحقوق بقانون، وذلك بغرض حماية هدف مشروع وضروري ومتناسب على نحو يمكن تبيانه.

• حرية التجمع وتكوين الجمعيات والانضمام إليها

تنص المادة 34 على أن القانون ينظم الإجراءات لتشكيل الأحزاب والنقابات والجمعيات. وبالمثل، تنص المادة 36 على أن يمارَس الحق في التجمع السلمي وفقاً للإجراءات التي ينص عليها القانون.

وفيما يتعلق بالتجمع السلمي، أكد مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالحقوق في حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات تحديداً على أن “ممارسة الحريات الأساسية لا ينبغي أن تخضع لتصريح مسبق من جانب السلطات… وإنما، وفي أقصى الحالات، لإجراءات بالإخطار المسبق”. ودعا الدول إلى أن تتبنى هذا الافتراض المنحاز إلى حرية التجمع صراحة في القانون.

وتدعو منظمة العفو الدولية المجلس التأسيسي إلى أن يعكس هذه الفرضية في الدستور وإلى ضمان أن تكون القيود التي تفرض على حرية التجمع وتكوين الجمعيات ضرورية ضرورة صارمة في مجتمع ديمقراطي لما فيه مصلحة الأمن الوطني والسلامة العامة والنظام العام وحماية الصحة أو الآداب العامة، أو لحماية حقوق وحريات الغير.

• حرية التنقل

تنص المادة 23 على أنه يتعين على الدولة حماية حق الشخص في اختيار مكان إقامته، وفي الانتقال بحرية داخل البلاد، وحقه في مغادرتها. بيد أن مشروع الدستور يسمح بتقييد هذه الحقوق حسبما يقررها القانون، ويخضعها لقرارات المحاكم. لكنه لا يأتي على ذكر ما إذا كانت مثل هذه القيود يجب أن تكون استثنائية أو محددة على نحو صارم بتلك التي يسمح بها في المادة 12(3) من “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية”، وبحيث لا تقوض جوهر الحق في حرية التنقل.

وتؤكد “لجنة حقوق الإنسان”، في الفقرة 13 من التعليق العام رقم 27 بشأن حرية التنقل على ما يلي:

“وينبغي للدول، لدى اعتمادها القوانين التي تنص على القيود المسموح بها في الفقرة 3 من المادة 12، أن تسترشد دائماً بالمبدأ القائل بعدم إعاقة جوهر الحق من جراء القيود (أنظر الفقرة 1 من المادة 5)؛ ويجب أن تُقلب العلاقة بين الحق والقيد، بين القاعدة والاستثناء. وينبغي للقوانين التي تجيز تطبيق القيود أن تستخدم معايير دقيقة، ولا يجوز لها أن تمنح المسؤولين عن تنفيذها حرية غير مقيدة للتصرف حسب تقديراتهم.”

وتدعو منظمة العفو الدولية المجلس التأسيسي إلى تضمين الدستور بنداً ينص على التقيد التام لأية قيود تفرض على الحق في حرية التنقل بالمادة 12(3) من “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وعلى اتساقها مع حقوق الإنسان الأخرى، وبخاصة الحق في المساواة وعدم التمييز؛ وعلى حق أي شخص يخضع لتقييد لحقه في حرية التنقل بأن يعرف أسباب التقييد وسبل الطعن في ذلك التقييد.

• الحق في الحياة

تنص المادة 21 على أن الحق في الحياة مقدس، ولا يمكن تقييده إلا في حالات قصوى ينص عليها القانون، ولذا فهي لا تحترم الحق في الحياة احتراماً تاماً. وما زال القانون التونسي يجيز فرض عقوبة الإعدام على 21 جريمة، بعضها لا ينجم عنه عواقب مميتة. وقد ردت تونس على توصيات “المراجعة الدورية العالمية” لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، المقدمة في سبتمبر/أيلول 2012 بإلغاء عقوبة الإعدام، بالقول إن هذه المسألة ينبغي أن تخضع أولاً لحوار وطني.

وتدعو منظمة العفو الدولية المجلس التأسيسي إلى تعديل هذا النص لكفالة الحق في الحياة كفالة تامة في الدستور الجديد.

• حالة الطوارئ

يجيز مشروع الدستور الحالي للرئيس، بموجب المادة 79، فرض حالة الطوارئ تحت ظروف خاصة، ولكنه لا يتساوق مع المعايير الدولية المتعلقة بحالات الطوارئ. وينبغي أن تُضمن في الدستور صراحة الظروف التي يسمح فيها بتعطيل بعض الحقوق، كما وصفتها المادة 4 من “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية” ولجنة حقوق الإنسان، وكذلك الحقوق غير القابلة للتعطيل، والقيود المفروضة على تدابير التعطيل ،كما نصت عليها المادة 4 من العهد الدولي وقامت بتفصيلها “لجنة حقوق الإنسان”.

حيث تخصص المادة 4 من العهد الدولي صراحة عدداً من الأحكام التي لا يمكن عدم التقيد بها في أي وقت من الأوقات: وهي الحق في الحياة؛ وفي الحرية من التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة؛ والحرية من العبودية؛ وحق الشخص في أن لا يقبض عليه بسبب عدم قدرته على الوفاء بالتزام تعاقدي؛ ومبدأ القانونية في مجال القانوني الجنائي؛ والاعتراف لكل شخص بشخصيته أمام القانون؛ وحرية الفكر والرأي والدين.

ويوضح التعليق العام رقم 29 الصادر عن “لجنة حقوق الإنسان” أنه من غير الجائز ضمناً تعطيل عدد آخر من الأحكام الواردة في العهد الدولي. وعلى سبيل المثال “لا يجوز للدول الأطراف أن تلجأ تحت أي ظرف إلى المادة ٤ من العهد لتبرير تصرف ينتهك القانون الإنساني أو القواعد الآمرة للقانون الدولي، مثل اختطاف الرهائن أو فرض عقوبات جماعية أو الحرمان التعسفي من الحرية أو الخروج عن المبادئ الأساسية للمحاكمة العادلة، بما في ذلك افتراض البراءة”.

ويتعين على المجلس التأسيسي ضمان أن يحدد الدستور الجديد صراحة الحقوق التي يجوز تعطيلها في حالة الطوارئ.

3. عدم كفاية الضمانات لاستقلال القضاء وللمحاكمة العادلة، وللحماية من التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة

• استقلال القضاء

يعتبر استقلال القضاء شرطاً أساسياً مسبقاً للاحترام التام لحقوق الإنسان، سواء لأنه مطلوب صراحة كمكون من مكونات الحق في محاكمة عادلة، أو لأنه من المتوقع أن يلعب القضاة دوراً حاسماً في ضمان احترام حقوق الإنسان وإنفاذها بصورة عامة، ويتعين لذلك كفالة استقلالهم حتى يقوموا بدورهم على نحو فعال.

ويساور منظمة العفو الدولية قلق على نحو خاص بشأن تكوين “المجلس الأعلى للقضاء” وبسبب عدم الكفالة الصريحة للمبدأين الأساسيين المتمثلين بعدم جواز عزل القضاة وبوجود الضمانات المهمة للمحاكمة العادلة.

حيث ينص الباب الخامس من مشروع الدستور على أن القضاء مستقل وأن القضاة مستقلون، ولا سلطان عليهم في قضائهم لغير الدستور والقانون.

بيد أنه لا ينص بوضوح على أن القضاة مستقلون استقلالاً تاماً عن الفرع التنفيذي وعن الهيئة التشريعية. وكذلك لا ينص على الضمانات الكافية، خصوصاً فيما يتصل بتعيين القضاة وحصانتهم وترقيتهم وتأديبهم، لضمان أن يكون القضاء مستقلاً ومحايداً فعلاً. فالمبدأ الأساسي لضمان حصانة القضاة من العزل غير موجود في المسودة الحالية.

وتنص المادة 101 على أنه يتعين للقضاة أن يكونوا محايدين وأكفاء ونزيهين، وتنص المادة 102 على أن القضاة يتمتعون بالحصانة القضائية، التي لا يجوز رفعها عنهم إلا من قبل “المجلس الأعلى للقضاء”. كما تنص المادة 104 على عدم جواز نقل القضاة دون موافقتهم ولا يجوز عزلهم أو إيقافهم أو إخضاعهم للعقوبات التأديبية إلا في حالات بعينها وطبقاً للضمانات التي ينص عليها القانون، وبناء على توصية معللة من جانب “المجلس الأعلى للقضاء”.

وبينما ينص مشروع الدستور الحالي على إجراءات لتعيين القضاة وحصانتهم وترقيتهم وإيقافهم وعزلهم، إلا أنه لا يحدد المعايير الموضوعية، كما لا ينص على وجوب أن يتساوق ذلك تساوقاً تاماً مع متطلبات العهد الدولي، وفق ما أوضحته “لجنة حقوق الإنسان” و”مبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية”. كما إنه لا يقضي بأنه ينبغي تعيين القضاة بناء على الكفاءة والتدريب والمؤهلات دون تمييز.

ويحدد الباب الخامس أيضاً ضمانات وواجبات معينة “للمجلس الأعلى للقضاء”، وهو الهيئة التي توصي بتعيين القضاة وتشرف على عملهم. ولكن المواد ذات الصلة في المشروع تقصر عن توفير الضمانات لاستقلال الهيئة القضائية عن السلطتين التنفيذية والتشريعية. وفضلاً عن ذلك، ليس هناك من تحديد للمعايير والإجراءات المتبعة في تعيين أعضاء السلطة القضائية، بمن فيهم بعض القضاة والموظفين من غير القضاة، الذين يألفون مجتمعين أكثر من نصف عضوية “المجلس الأعلى للقضاء”. ويترك هذا الباب مفتوحاً أمام إمكانية أن تكون أغلبية عضوية “المجلس الأعلى للقضاء” تحت سيطرة السلطة التنفيذية، وهو ما يقوض استقلال السلطة القضائية.

لقد كانت السلطة القضائية تحت حكم الرئيس السابق بن علي ملحقة بالسلطة التنفيذية وافتقرت إلى الاستقلالية، وبالتالي جرى تجريف الثقة لدى التونسيين بقدرة قضائهم على أن يطبق العدالة بحيادية وعلى نحو مستقل، وبحكم القانون. ولذا يجب على الدستور الجديد أن يكفل بصورة تامة استقلال السلطة القضائية وحيْادية نظام العدالة. تحض منظمة العفو الدولية “المجلس الوطني التأسيسي” على ضمان وفاء أحكام الدستور الجديد بما يلي:

• النص بوضوح على أن السلطة القضائية مستقلة استقلالاً تاماً عن السلطة التنفيذية، وضمان استقلال “المجلس الأعلى للقضاء”؛
• تحديد أبعاد الأمن الوظيفي للقضاة (الحصانة من العزل)؛
• تضمين الدستور إجراءات نزيهة ومعايير موضوعية لتعيين أعضاء السلطة القضائية ومكافآتهم وأمنهم الوظيفي وترقيتهم وإيقافهم عن العمل وعزلهم، وكذلك العقوبات التأديبية التي تتخذ ضدهم، على نحو يتساوق مع مقتضيات العهد الدولي، وفق تأويلات “لجنة حقوق الإنسان”؛
• النص على إجراءات تتحدد بموجبها المكافآت المالية الكافية وظروف الخدمة وعائدات التقاعد وسن التقاعد. و يجب أن تتخذ هذه القرارات من قبل هيئة تكون هي نفسها مستقلة عن السلطة التنفيذية، ووفق إجراءات مستقلة؛
• تضمين الدستور أحكاماً يعين القضاة بموجبها استناداً إلى القدرات والتدريب والمؤهلات دونما تمييز، بما في ذلك على أساس العرق أو اللون أو الجنس أو الدين أو الرأي السياسي أو سواه من الآراء، أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو الملكية أو المولد أو أي وضع آخر.

• الحق في الحرية والحق في محاكمة عادلة

تنص المادتان 26 و28 على ضمانات معينة لحماية الحق في الحرية والحق في محاكمة عادلة، ولكن المسودة الحالية لا تزال تخلو من الضمانات المحددة التي تنص عليها المادة 14 من العهد الدولي. وفضلاً عن ذلك، تتهدد أوجه القصور المتعلقة بالضمانات الدستورية لاستقلال القضاء أيضاً الحق في المحاكمة العادلة.

وينبغي للدستور الجديد أن ينص على المزيد من الضمانات، بما في ذلك الحق في المثول سريعاً أمام محكمة، وحق الموقوف في المحاكمة خلال فترة معقولة من الزمن أو الإفراج عنه؛ وضمانات الوصول إلى سبل فعالة للطعن في قانونية الاعتقال أمام محكمة، والأمر بالإفراج عنه إذا ما تبين أن الاعتقال غير قانوني؛ والحق في الاتصال بمحام مستقل على الفور عقب أي حرمان من الحرية؛ والحق في المحاكمة أمام محكمة مدنية عادية (باستثناء محاكمة المنتسبين إلى القوات المسلحة على مخالفات تتعلق كلياً بالتأديب العسكري الداخلي، في الحد الأقصى).

• حظر التعذيب

يساور منظمة العفو الدولية قلق من أن مشروع الدستور ما زال خالياًً من أي تعريف للتعذيب يتماشى مع التعريف المنصوص عليه في المادة 1 من “اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة، أو العقوبة، القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة” (اتفاقية مناهضة التعذيب)، التي صادقت عليها تونس كدولة طرف، ومن أن المشروع لا يحظر صراحة المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.

ونظراً لانتشار استخدام التعذيب وغيره من ضروب المعاملة والعقوبة القاسية واللاإنسانية والمهينة من قبل قوات الأمن وإدارات السجون، وفق ما جرى توثيقه تحت حكم بن علي، ولما ورد من تقارير بشأن قضايا تعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة في ظل السلطة الجديدة، يتعين أن يوفر الدستور الجديد الحماية الكاملة من مثل هذه الجرائم.

فينبغي تعديل مسودة الدستور الجديد كي تنص على تعريف للتعذيب يتساوق مع ما تنضوي عليه المادة 1 من اتفاقية مناهضة التعذيب، بما في ذلك: فرض حظر صريح على جميع ضروب المعاملة والعقوبة القاسية واللاإنسانية والمهينة، يشمل العقوبات القضائية البدنية؛ ويحدد بأنه ليس ثمة ظروف استثنائية، مهما كانت، سواء أكانت حالة حرب أو تهديد بالحرب، أم حالة عدم استقرار سياسي داخلي، أو أية حالة طوارئ عامة، أم أية أوامر صادرة عن موظف أو ضابط مسؤول، يمكن أن تبرر أياً من مثل هذه الأفعال؛ وكي يكفل الدستور أن لا يتم قبول أية معلومات من أي نوع، يتم الحصول عليها من خلال التعذيب أو غيره من صنوف المعاملة السيئة أو اللاإنسانية أو المهينة، كدليل في أية إجراءات مهما كانت طبيعتها، إلا ضد الشخص المتهم بممارسة التعذيب وكدليل على أنه قد تم الإدلاء بهذه الأقوال.

• اللاجئون وطالبوا اللجوء ومبدأ عدم الإعادة القسرية

ترحب منظمة العفو الدولية بتضمين المسودة الثالثة للدستور في المادة 25 ضمانات للحق في اللجوء السياسي وحظراً على الإعادة القسرية للاجئين السياسيين.

وتدعو منظمة العفو الدولية “المجلس الوطني التأسيسي” إلى أن يرتكز على الصيغة الحالية للمادة 25 ليضمن تكريس الدستور للحق في طلب اللجوء والتمتع بحق اللجوء درءاً للاضطهاد و غيره من أشكال الأذى الخطيرة، بالاتساق مع التزامات تونس بموجب “الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين” لسنة 1951، والبروتوكول الملحق بها لسنة 1969، و”الاتفاقية التي تحكم الجوانب المختلفة لمشاكل اللاجئين في أفريقيا” (اتفاقية منظمة الوحدة الأفريقية للاجئين).

وفضلاً عن ذلك، تحض المنظمة المجلس التأسيسي على ضمان تكريس الدستور للحق في الحماية من الإعادة القسرية، والحماية من الطرد والتسليم والترحيل والنقل، أو أي نوع آخر من الإبعاد القانوني أو خارج نطاق القضاء، إلى أي دولة أو أراض يمكن أن يواجه فيها الشخص المعني امكانية حقيقية لأن يتعرض لانتهاكات أو إساءات خطيرة لحقوقه الإنسانية. إن مبدأ عدم الإعادة القسرية هو حجر الزاوية لنظام الحماية الدولية، وهو مكرس في معاهدات مختلفة تونس طرف فيها، بما فيها اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة باللاجئين، واتفاقية منظمة الوحدة الأفريقية للاجئين، واتفاقية مناهضة التعذيب، و”العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية”.