ولا شك أن هذا الواقع لم يزده مرارة إلا حمق البعض من الساسة بمصر وأنانية البعض الآخر وكلبية الجميع في صلافة فظيعة استخفت بالأعراف والتقاليد، دينية كانت أو مدنية؛ علاوة على احتقار كبير لطموحات شعب كادح وتهكم عريض بآماله في حياة أفضل.
إن المسؤولية في ما يحدث ببلاد النيل لهي جماعية لكل الأطياف السياسية، فليس الجيش لوحده وبمشيئته الخاصة الذي أحكم قبضته من جديد على قيادة بلاد لم يتركها أبدا، ولكنه اضطر اضطرارا إلى إرخاءها لإعادة إحكامها مجددا.
فالنظام الذي وقعت الإطاحة به له مسؤوليته أيضا إذ اغتر بنفوذه وطريقة صعوده إلى الحكم، فتجاهل أن ليس في السياسة ما يفرض نفسه أبدا كحقيقة لا غبار عليها، إذ ما يميز عالم السياسة هو أن الكذب من شأنه أن يصبح حقيقة والحقيقة كذبا إذا لم تتعادل القوى ولم يتغلب الذكاء والحنكة، إن لم نقل الدهاء الكيس الفطن، على الدهاء السياسي الصرف حتى يبقى الصالح العام دوما محط نظر السياسي الحق.
والمجتمع المدني أيضا له أن يتحمل مسؤولية ما يحدث، ووزره لكبير، إذ لا يمكن الاستعانة بالذئب وإدخاله بين قطيع الغنم ثم نتعجب أو ندعي الاستغراب كيف لا يمكن له التعايش مع الخرفان في أمن ودعة، وطبيعته لا تحمله على ذلك، علاوة على مصالحه وعاداته.
إن الحلم المصري الذي يتهافت تحت أنظارنا لا يزيدنا إلا حنقا على ساستنا في عدم استخلاصهم العبرة حتى نجنب بلادنا المصير المؤلم لشعب بلاد النيل العظيم. فالكل متمسك بمصالحه الآنية، والكل متجاهل لمطالب الشعب الحقيقة.
وليست مطالب الشعب التونسي في حكم إسلامي أو علماني؛ ولعلها أيضا ليست متعلقة حتى بدستور أو بانتخابات. إنها أساسا تدور، أولا وقبل كل شيء، حول حق التونسي المشروع في الحياة في عزة وحرية وأمن وسلام.
ولا يكون هذا إلا برفع كل القوانين الجائرة الموروثة من النظام القديم والسهر على كرامة التونسي داخل بلده وخارجها بالعمل على توفير الشغل لمعطليه والتنقل الحر لمسافريه، والحرية الكاملة لمبدعيه وكافة أبنائه بمختلف مشاربهم في حياتهم الخصوصية.
فألم يحن الوقت ليقوم من بين هذه النخبة المتمسكة بالحكم أو الساعية إليه ابن للشعب لا يرعى إلا مصالح بني وطنه فلا يعمل لغيرهاَ؟ ألم تأت الساعة لأن يظهر من بين صفوف الشعب من ليس همه المصلحة الحزبية ولا الامتيازات ولا التشريفات، لا يبتغى إلا شرف خدمة البلاد وشعبها بدون مقابل؟
إلى متى نتعاطى السياسة كمطية لأغراض شخصية متناسين واجبنا نحو شعبنا ؟ إن الوقت حان لأن ننسى طريقة لا تجني في العمل السياسي وهي تلك التي تجعل من مباديء أفرغت من معانيها شعارات جوفاء لا تسمن الشعب من جوعه إلى أجواء الحرية الحقيقية.
إن الحل الأجدى اليوم، في رأيى المتواضع، لهو في التوافق النزيه بين الأطراف المتنازعة، لا على أفضل الحلول الحسنى، بل على أقلها ضررا بالبلاد والعباد؛ وهي مثلا في :
أ – تكوين حكومة مستقلة بحق عن التنازعات السياسية تعطي كل ذي حق حقه وتسهر على المصلحة العامة لا مصلحة الأحزاب الخاصة،
ب – إجتماع كافة الأحزاب السياسية للاتفاق على ميثاق ينص على ضرورة نبذ كل أشكال العنف والتمسك بمباديء الإسلام التونسي المتسامح مع العمل على إرساء قواعد ديمقراطية حقة تأخد بجميع الحريات في كل ميادين الحياة،
ج – عودة المجلس التأسيسي لنشاطه للإعلان عاجلا عن البيانات التالية :
1/ إيقاف العمل بكل القوانين المخلة بالحريات الموروثة من العهد القديم؛
2/ المصادقة على ميثاق مباديء فيه بيان لحقوق التونسي، ومنها مبدأ مدنية الدولة ومطلب حرية التنقل لمواطنيها؛*
3/ تقديم طلب رسمي تونسي للانضمام للإتحاد الأوربي في نطاق فضاء ديمقراطي متوسطي يقع استنباطه عاجلا. ذلك لأنه لا يخفى على أحد، من ناحية، أن الوضع الجيوستراتيجي لبلدنا يجعله يرتبط وثيق الارتباط بمحيطه العالمي؛ ومن ناحية أخرى، في عالم متحد الأوصال، ليست هناك حظوظ حقة لنجاح الديمقراطية بتونس إذا لم تستند على منظومة ديمقراطية قائمة كالمنظومة الأوربية؛
4/ إعلان تكوين لجنتي خبراء تُعهد لهما مسؤولية إنهاء كتابة الدستور وإعداد القانون الإنتخابي؛
5/ تحديد أجل لانتهاء أشغال المجلس التأسيسي مع إيقاف صرف كافة الجرايات والمنح لأعضائه حالا لأن خدمة البلاد لا تكون بمقابل، خاصة في هذه الظروف الدقيقة.
إن ما يحدث في مصر لينضاف إلى ما يمليه الواجب الوطني على كل تونسي غيور على بلده للعمل جاهدا للخروج به من الأزمة الحالية؛ فلم يعد المجال للتساؤل عن المسؤوليات أو التنابز بالألقاب أو التغامز بالتهم.
إن تونس لهي في خطر محدق كبير ولا مناص من السعي جاهدا لأخراجها سليمة منه. ولعل ما أقترحه هنا ليس مما يرضي الجميع، ولكنه من شأنه المساعدة على التهدئة المنشودة وذلك بأن يتنازل كل طرف على البعض من مطالبه، حتى وإن كانت مشروعة لأجل مصلحة الشعب وحده.
إن الشرعية اليوم لهي للشعب أولا وقبل كل شيء، ولا يبتغى الشعب حاليا إلا شرعية العودة إلى حياة آمنة مع الخروج من هذه الأزمة بالبعض مما له الحق أن يطالب به لأجل كرامته وعزته، كحقه في التنقل بحرية بواسطة نظام تأشيرة مرور وأمله المشروع في ديمقراطية حقة ومضمونة لارتباطها بنظام ديمقراطي مجاور.
فلا شك أن المطالبة بانضمام تونس إلى الاتحاد الأوربي هو من هذه الحقوق، إذ أنه يأخد بعين الاعتبار الوضع الخاص لبلدنا الذي يمنعه من أن تكون له سياسة داخلية تامة الحرية. لذا، ومن باب الواقعية السياسية، لا بد لحكامنا من المضي إلى نهاية التطبيق العقلي لتداعيات الوضع السياسي والاستراتيجي فالمطالبة بحق تونس وشعبها في الانضمام للمنظومة السياسية التي لا مجال من التنصل منها على المستوى الاقتصادي، وإن أرادت ذلك ورغبت فيه.
كذلك يقول المنطق الصرف أيضا، لأن الليبرالية لا تكون للبضاعة فحسب، بل لا بد أن تطال العباد أيضا، وإلا فهي ليست بالليبرالية. ولقد حان الوقت لأن توافق النظرياتُ والأقوالُ الأفعالَ على مستوى الواقع والفعل.
هذا المقترح 3 في 5 من شأنه إذا الاتيان بحل لأزمة البلاد الحالية؛ وهو، وإن لم يكن الوحيد في هذا الباب، ليأخد بعين الاعتبار كل المواقف مع تغليب مصلحة المواطن على الاعتبارات الضيقة لكل طرف؛ فهل من يعمل به أو بأحسن منه ؟ إذ ساعة الحقيقة دقت، ولات وقت تردد!
الهامش :
* وقد كنت دعوت في مقال لي منذ مدة إلى مثل هذا الميثاق، فيمكن العودة إليه على موقعي الخاص : الإعلان الدستوري لحقوق التونسي
kalam nadari et ai voulu savoir c est quoi islam tounsi ?????????
@ ABDEL
C’est indiqué dans l’article : un islam tolérant.
C’est l’islam auquel j’appelle dans tous mes articles.
Pour plus de précision, vous pourrez consulter avec intérêt cet article détaillé sur mon blog : Pour un islam tunisien
Le preambule de la constitution stipule la volonte de la Tunisie de creer un maghreb arabe uni. Bien que j’aie rien contre le fait de rejoindre l’UE, je pense que gvt et opposition seraient pour une fois d’accord pour pas etre d’accord avec vous….sinon, ils ont mis plus d’un an a discuter si la femme est complementaire de l’homme ou son egale avec la fameuse phrase de khidhr”mettons nous tout d’abord d’accord que la femme est un etre humain”…..s’y ajoutent le refus obstine de Nahdha de reconnaitre les conventions internationales signees precedemment comme la CEDAW, sa volonte de limiter la liberte d’expression sous couvert de protection du sacre, et j’en passe et des meilleures. Alors, je vois pas comment ils reussiront a pondre cette declaration de principe sur des themes encore en litige, tout en gardant en tete l’engagement sur l’honneur qu’elle a signe ensemble avec tous les autres partis, sauf le CPR, pour que l’ANC ne depasse pas l’an. Chose faite depuis octobre 2012 et qui mine la confiance de l’opposition dans tout engagement moral qu’elle peut prendre et qui soit pas scelle legalement ds du beton arme et encore. Parce qu’ici la loi, c’est encore relatif! Sinon, pour les LPRs que tout le monde accuse de violence, Nahdha refuse egalement de les dissoudre, d’autant plus que cette violence ne s’exerce que contre l’opposition, ce qui l’arrange bien…..L’opposition ne cherche pas a faire un putsch par avidite de pouvoir ici. Ils accusent carrement Nahdha de chercher a falsifier les elections et a les terroriser en les jetant en pature (koffars, athees, Rcd, avec n’importe quelle etiquette) a ses milices jihadistes et LPR. Naguedh a ete lynche par les LPR et Belaid et Brahmi par les jihadistes sous ces memes etiquettes dont de tres hauts cadres du parti les ont qualifies. les jihadistes rentrent en prison pour en ressortir aussitot par magie egalement…..Alors, sans prendre elle-meme le pouvoir, l’opposition demande a le mettre en mains neutres jusqu’aux prochaines elections…Du moins c’est ce qu’elle dit.
@ Name
Le temps n’est plus aux tergiversations ni aux calculs partisans. Certes, il ne peut échapper aux arrière-pensées des uns et des autres, cherchant dans la préservation ou le retour au pouvoir la protection contre des lendemains que l’on assimile, chacun à sa manière, au pire. Pourtant, pour peu que l’intérêt suprême auquel on ne manque de se référer et d’invoquer prime, nul parmi eux ne peut nier la nécessité d’agir et d’innover, donnant enfin pleine mesure à cet imaginaire qui nous travaille, faisant et défaisant nos actes les plus résolus.
Qu’impose donc l’imaginaire populaire sinon de dépasser le conformisme logique ambiant et de puiser dans le réel que le dogmatisme fait irréalité quitte à aller au-delà de l’utopie pour le chercher, le possible y étant toujours présent pour qui a le courage de l’y quêter? C’est ce que propose l’article.
S’agissant du Grand Maghreb, cela relève de l’incantation, et sa réalisation ne saurait advenir sans un passage obligé par la démocratie qui n’est possible aujourd’hui qu’en articulation avec le système européen.