مضت أيام على اختتام مهرجان قربة الوطني لمسرح الهواة في دورته التاسعة والثلاثين، لكنّ السجال والتنازع مازال متواصلا بين الهيئة المديرة للمهرجان هيئة ملتقى 5 سبتمبر 2013 للمسرحيين الهواة التي انتخبها المشاركون في المهرجان للتفاوض مع الهيئة المديرة باسمهم. وقد انبثق اسم الأخيرة عن الحركة الاحتجاجية التي شهدها المهرجان يوم 5 سبتمبر الجاري والتي أعلن فيها المسرحيون الهواة على جملة من المطالب التي سنأتي على ذكرها لاحقا.
ولا يمكن الحديث عمّا يحدث اليوم وما آلت إليه الأمور دون أن نعود إلى الأسباب العميقة لهذه الأزمة.
أسباب الأزمة
قبل انطلاق فعاليات الدورة التاسعة والثلاثين بأسابيع قليلة قدّم السيد محمد شعبان والذي كان رئيس الجمعية ورئيس المهرجان حينها استقالته دون أن يأتي على ذكر الأسباب في مراسلته المكتوبة واكتفى بـ “الأسباب الذاتية” حجة. لكن، ومع بروز شرارة التوتر في المهرجان صرّح السيد محمد شعبان على الملإ بأسباب أخرى، فقد ادّعى أنّ الهيئة الحالية قد دفعته إلى الاستقالة وأنّ المدير الحالي قد ساومه في مجهوده بمقابل مادي إضافة إلى التراخي من قبل أعضاء الهيئة والذين ذكرهم بالاسم. وحول هذه التصريحات نفت الهيئة المديرة أن تكون قد دفعت بالسيد شعبان إلى الاستقالة في حين يتمسك المسرحيون الهواة أصيلي مدينة قربة برواية المدير المستقيل الذي انظم إلى حراكهم الاحتجاجي.
عدم انتماء الهيئة المديرة إلى عالم المسرح كانت من الأسباب الأخرى التي زادت من المآخذ عليها حيث أقرّ عدد من المشاركين إضافة إلى بعض المؤطرين أنّ هيئة لم يمارس أحد أعضائها يوما فن المسرح هي عاجزة عن تلبية حاجياتهم وهذا ما تجلى خلال فعاليات المهرجان حيث لا حظ المواكبون تمييزا في الاهتمام بورشات التكوين وغيرها من الممارسات التي تكشف عن جهل عميق بأبجديات المسرح والعاملين بالقطاع.
تمّ الغاء العروض التي كانت تقام في شوارع مدينة قربة و الورشات الموجهة للطفل على هامش المهرجان وهو ما أفقده بريقه وجعله محطة احتفالية ضيقة عابرة لم تلق بظلالها على مدينة المسرح.
العرض الأخير الذي كان ضمن المسابقة الوطنية لمسرح الهواة التي تضمنها المهرجان كان سببا كفيلا بتفجير الأوضاع. فقد اعتبر المشاركون أنّ الهيئة المديرة التي تعتبر المسؤول الأول عن انتقاء العروض لم تقم بدورها وإلا لما كان هذا العرض قد أدرج ضمن المسابقة إذ لا يحتوي على الحد الأدني من تقنيات المسرح على حد تعبيرهم. الهيئة المديرة كانت قد اعتذرت لكنّ ذلك لم يحل دون وقوع المواجهة المباشرة والإفصاح عن المسكوت عنه يوم 5 سبتمبر.
عريضة وبيان في الغرض
إزاء الموقف المشترك الذي جمع المشاركين ورفضهم لممارسات الهيئة المديرة للمهرجان صدرت عريضة بتاريخ 4 سبتمر 2013 جاء في نصها:
“هذه الهيئة التي نحمّلها كامل المسؤولية في العودة بهذا المكسب الثقافي الوطني إلى الوراء، نحملها كامل المسؤولية على سلوكها الخطير و القائم على نوايا مبيّتة لإفشال كل جديد و خنق كل نفس حرّ، نحمّلها كامل المسؤولية على تلاعبها بإستقلالية المهرجان ومحاولة إختزاله من جديد في مجرد تظاهرة سياسويَّة شكليّة ونسف بنيته التنظيمية التي تراكمت عبر السنين و ذلك خاصة عبر إلغاء لجنة الإنتقاء الخاصة بالمهرجان و تحويل صلاحياتها إلى “لجنة اختيار العروض المسرحية و الركحية المحترفة والهاوية” أو لجنة الصنصرة الجديدة التي نشكك في مصداقيتها، كما نحمل هذه الهيئة كامل المسؤولية في فك الإرتباط بين المهرجان و المدينة عبر إلغاء العروض و الفضاءات الموازية المنخرطة في فلسفة مسرحة الفضاء الحضري وجعل مدينة قربة تعيش المهرجان كحدث ثقافي إجتماعي، كما نحملّها مسؤولية التعتيم الإعلامي الواضح وغياب الدعاية ممّا رسم صورة قاتمة، قتامة مدينة قربة فترة هذه الدّورة، مدينة قربة التي تغيبت عن عرسها السنوي.” طالب فيها المشاركون الممضون على العريضة والذين بلغ عددهم 56 مشاركا بـ : “أن تتعهد الهيئة المديرة كتابيا و فورا بتحديد موعد لجلسة عامة إنتخابية خارقة للعادة في أجل أقصاه 5 أكتوبر 2013 و بتشكيل لجنة مستقلة توزع الإنخراطات وتشرف على الإنتخابات.”
إزاء هذه الحركة الاحتجاجية تفاعلت الهيئة المديرة وأصدرت بيانا بتاريخ 5 سبتمبر تعلن فيه عن ترحيبها بمقترح عقد جلسة بينها وبين المشاركين في كنف الاحترام المتبادل وأن لا مانع عندها من التفاعل مع مقترحاتهم.
في الليلة الفاصلة بين 5 و6 سبتمبر قام المشاركون بتشكيل لجنة مفاوضات تنوبهم خلال الاجتماع المزمع عقده يوم 6 سبتمبر أطلق عليها اسم لجنة 5 سبتمبر 2013 لتخليد ذلك اليوم الذي شهد فيه مهرجان قربة أوّل حركة احتجاجية والتي اعتبرها المشاركون بداية الثورة على الأنظمة الإدارية المهترئة التي تسيّر كافة المهرجانات في كافة تراب الجمهوريةّ. كما تم تشكيل لجان أخرى لدعم لجنة المفاوضات.
إجتماع يوم 6 سبتمبر، مراوغة من قبل الهيئة المديرة
إثر إجتماع الهيئة المديرة للمهرجان بلجنة المفاوضات قدمت الهيئة المديرة جملة من التنازلات وأمضت على محضر جلسة التزمت فيه بـ : ” ضرب يوم 7_9_2013 موعدا لعقد الجلسة العامة الخارقة للعادة للانتخابات بحضور المنخرطين من هواة المسرح وهيئة تفاوض ملتقى 5_9_2013 للمسرحين الهواة وقدماء المسرحيين وهيئة المهرجان ..” وغيرها من المطالب المذكورة في الوثيقة المصاحبة للمقال. وحول هذه التنازلات التي أمضت عليها الهيئة صرّح لنا السيد مدير المهرجان الحالي سليم قربع أنّ الهيئة وافقت على مطالبهم قصد الأخذ بيدهم لأنهم في نهاية المطاف شباب وما يحركهم كان حماس الشباب إضافة إلى من سمّاهم بـ “الأيادي الخبيثة” التي تحرّكهم قصد النيل من الهيئة المديرة الحالية التي رفض تحديدها. كما قال أنّ لا أحد له الحق في التدخل في الشؤون الداخلية لهيئة المهرجان بمن فيهم المشاركون وأنّ كل ما أمضت عليه الهيئة كان لإنقاذ فعاليات الاختتام التي هدد المشاركون بإيقافها إن لم تتم الموافقة على شروطهم.
وبالفعل لم تلتزم الهيئة المديرة بالبنود التي جاءت في محضر جلسة يوم 6_9_2013 وغابت عن جلسة يوم 7 سبتمبر التي حضرها عدد محترم من المشاركين رغم ما واجهوه من صعوبة في إيجاد مقر للسكن بسبب انتهاء المهرجان وآجال إقامتهم في قربة. وهنا اختارت لجنة التفاوض إرسال إعلام للهيئة المديرة بعقد اجتماع يوم 13_9_2013 بدار الثقافة ابن خلدون للنظر في الاتفاقات الحاصلة بين الهيأتين بمشاركة نقابة الفنون الدرامية. ونظرا لتمادي الهيأة المديرة في تعمد الغياب عن كل الاجتماعات قررت لجنة التفاوض الالتحاق بالجمعية التونسية للناشطين المسرحيين، الهيكل الذي سيتم الاعلان عنه يوم 28 سبتمبر الجاري، الذي سيخول لهم التمتع بالصيغة القانونية للطعن في الهيأة المديرة لمهرجان قربة الوطني المسرح الهواة. كما تهدف هذه الجمعية إلى متابعة المهرجانات التي تعنى بالشأن المسرحي وهيكلتها ومراقبتها إضافة إلى تسهيل نشاط المسرحي من مشاركة في المهرجانات إلى تكوين أكاديمي…
من خلال ما سبق ذكره من تفاصيل حول ما آلت إليه الأمور في مهرجان قربة الوطني لمسرح الهواة يتجلى للجميع أن الأمر سائر أكثر إلى التعقيد حيث صرّحت الهيئة المديرة لـ”نواة” بأنها ستعقد في القريب العاجل ندوة صحفية وأنها لن تلتزم بمحضر جلسة يوم 6_9_2013 في حين تتمسك هيئة ملتقى 5_9_2013 بضرورة التزام الطرف الثاني بالاتفاقات الحاصلة بينهم وإلا سوف تلتجئ إلى الوسائل القانونية المتاحة لسحب الثقة من الهيئة المديرة استنادا للوثيقة التي بحوزتهم.
إنّ تملّص الهيئة المديرة للمهرجان من التزاماتها دليل على ان كل ما جاء من اتفاق بينها وبين المشاركين في المهرجان كان مجرد مراوغة لإنجاح فعاليات اختتام المهرجان ولامتصاص غضب المشاركين وسخطهم وتنكّرها لهذه الاتفاقيات ما هو إلا دليل على اختيارها سياسة المواجهة بدل الحوار من منطلق شرعية إدارتها للمهرجان وهو ما سيزيد في تعقيد الأزمة التي قد تشهد تطورا سيكون الخاسر الأكبر فيه هو المسرحي الهاوي ومهرجان قربة الوطني لمسرح الهواة.
[…] تأثير على نظرتهم للمسرح وللعمل المسرحي. وأنا أعتقد أنّ الإشكالات التي يعاني منها هذا المهرجان سواء من ناحية التصور والإجراء أو من ناحية العروض […]
[…] أنّ الشباب متعطش للمعرفة إلاّ أنّ الإشكالية تقع ضمن برمجة المهرجانات المخصصة لمسرح الهواة، إذ لا يتم ادراج ورشة تربص بهذه التظاهرات إلا نادرا […]