جانب-من-الشركة-يحترق

أفاقت الضاحية الجنوبية فجر البارحة 4 نوفمبر 2013 على فاجعة حريق اندلع بشركة “unitex” للملابس المستعملة التي يملكها أحد المستثمرين الأجانب والقائمة بالمنطقة الصناعية برادس. حريق أتى على كامل الشركة رغم محاولة أعوان الحماية المدنية إنقاذ ما يمكن انقاذه.

تبدأ الحكاية عندما اكتشف حارس الشركة الليلي دخانا متصاعدا من نوافذ المصنع حوالي الساعة الخامسة والذي قام بإخطار الحماية المدنية. عشر دقائق هي المدة التي تطلّبها وصول أوّل فرقة للحماية المدنية التي تتمثل في سيارة واحدة. لم تتمكن هذه الفرقة من السيطرة على الحريق الذي بدأ يلتهم الشركة خاصة أنّها مملوءة بالملابس ممّا سرّع عملية الاحتراق لتطلب الأخيرة الدعم من فرق أخرى للالتحاق بها.

وبالعودة إلى الظروف الغامضة لهذه الكارثة الاقتصادية حدّثتنا السيدة سميحة التواتي المسؤولة عن المالية وإدارية بالشركة على عدد العاملين بداخلها والذي يفوق 370 عاملا قارا إضافة إلى المئات من المتعاونين. وأكدت لنا أنّ القائمين على الشركة يقومون بقطع الكهرباء بعد خروج العمال ولا يبقى إلا أعمدة الإنارة الخارجية مضاءة. كما أنّ الشركة حسب قولها تتمتع بأجهزة مراقبة في محيطها وفي داخلها إضافة إلى جهاز إنذار بالحريق. وحسب الحارس الليلي الذي اتصل بالحماية المدنية فإن الدخان تصاعد من داخل المصنع، فكيف لم يتمكن جهاز انذار الحريق من التقاط رائحة الدخان المتصاعد من داخل المصنع حتى بعد تصاعد ألسنة اللهب؟

من جهة أخرى أشار المقدم رشاد السوسي المدير الجهوي للحماية المدنية أنه لدى وصول الدعم الذي طلبته الفرقة الأولى وكان ذلك حوالي الساعة السادسة صباحا أنّ الحريق كان قد انتشر بالفعل في أغلب الشركة من الداخل وأنه لا يمكن له أن يكون قد اندلع فعلا على الساعة الخامسة بل قبل ذلك بفترة سمحت لألسنة النار بالانتشار في أرجاء الشركة لكنّ العاملين بالمصنع الذين تحدثنا إليهم نفوا امكانية أن تكون هذه الكارثة مجرد حادثة بل هي مقصودة وقد تم التخطيط لها. واستندوا في ادعاءاتهم هذه إلى الحريق الذي شبّ بمصنع الملابس المستعملة بالقيروان الأسبوع الماضي والذي بقيت ظروف اشتعاله غامضة إلى هذه اللحظة واعتبروا ما حصل هو “محاولة لإرباك الاقتصاد التونسي وترهيب الأجانب من الاستثمار في بلد غير آمن”.

هل كان هذا الحريق الذي كبّد المستثمر الإيطالي خسائر فادحة مجرد حادث أم أنه فعل متعمد ذاك ما قد تكشفه التحقيقات في القادم من الأيام لكنّ الذي لفت انتباهنا هو لوم عدد كبير من العمال إضافة إلى بعض القائمين على المصنع على ما أسموه بالتأخير في مستوى عمل فرق الحماية المدنية والذي مثل نقطة ضعف منعت من السيطرة على الحريق منذ البداية. وهنا أوضح لنا المقدم رشاد السوسي أنّ عدم القدرة على السيطرة على الحريق تعود إلى عوامل مختلفة أهمها وأوّلها حسب رأيه هو أنّ المنطقة الصناعية غير مهيأة من ناحية السلامة وأنّ وحدات الحماية المدنية كانت قد طلبت في أكثر من مناسبة بوضع أعمدة إطفاء كل مائتي متر بالمنطقة حتى يتسنى لرجال الإطفاء العمل بسرعة على السيطرة على الحرائق إن نشبت خاصة وأن المنطقة تضمّ عددا لا بأس به من المصانع المتلاصقة في بعض الأحيان مما يعني امكانية انتقال الحريق من مصنع إلى آخر.

الذي وقع أمس هو أنّ فرق الحماية المدنية اضطرّت إلى العودة إلى مقر الحماية برادس والذي يبعد ستّة كيلومترات عن مكان الحريق للتزود بالماء وهي مسافة حاسمة في مستوى العمر الزمني للحريق. كما أضاف أنّ الشركة في حدّ ذاتها منقوصة من ناحية مقوّمات السلامة الذاتية إضافة إلى أنّ تأخر الحارس في اكتشاف الحريق جعل عملية انقاذ المصنع شبه ميؤوس منها. هذا وقد قامت فرقة الحماية المدنية عند تأكدها من استحالة انقاذ المصنع بإحاطة الحريق من الواجهة الأمامية التي تجاور مصنع “نوال رادس” للخياطة ومن الجهة الجانبية التي تطل على محطة الأرتال رادس. وقد أكد لنا مسؤولون في الحماية المدنية أنه سيتم اخماد الحريق نهائيا يوم غد وأن لا خطر يهدد المصانع المجاورة.

وهكذا يتحول مصنع آخر للملابس المستعملة إلى رماد في ظرف لا يتجاوز الأسبوع. حادثتان تشتركان في نقطة واحدة لكنها جوهرية وهي الغموض. عائلات في القيروان أصبحت اليوم مهددة بالجوع بعد أن فقد أربابها موطن شغلهم وها قد التحقت بهم مئات العائلات في الضاحية الجنوبية. وإن كانت الحادثتان تعودان إلى الإهمال والتقصير من قبل أصحاب المصانع في تأمين مشاريعهم أو التقصير من قبل المناطق الصناعية في تهيأة السلامة اللازمة للوقاية من هذه الكوارث فإنّه على القائمين على هذه المناطق أخذ العبرة والحرص فعليا على حماية مصادر لقمة عيش التونسي خاصة وأنّ تونس تمرّ في ظرف إقتصادي حرج تحتاج فيه إلى كل منشأة قائمة على أرضها. ولكن إن كان ما حصل في القيروان يوم الخميس الماضي ورادس اليوم ليس من قبيل الحوادث التي قد تحصل عرضا بل بفعل فاعل فيحق لنا أن نطرح السؤال التالي: هل انتقلت عدوى الارهاب إلى الاقتصاد؟